ويروح المحقوق غالبًا والمحق مغلوبًا. ثم يقتضي أن يكون عادلًا؛ لأن العدل يثبت الحكم ويوطده ويجعل الحاكم محبوبًا من جميع الناس ممدوحًا من الأخيار مهابًا ومخافًا من الأشرار الذين لا لجام لجماح شرهم سوى هيبة الحاكم. وخلاف ذلك الظلم لكونه يهدم بناء السياسة ويعارض اتجاهات الحق ويلقي المقت والكراهية في قلوب الشعب، وينهج سبيلًا رحبًا لهجوم العصاة وتمزيق الهيبة، ثم يجب أن يكون قنوعًا؛ لأن الطمع نتيجة التوالع بالمال، وحيثما وُجِدَ الولع بالأموال يوجد الاحتشاد والارتشاد وهما الصفتان اللتان متى باشرتا قلب الحاكم أراغتاه عن الحق وجعلتا بينه وبين الصالح العام حجابًا كثيفًا، ثم أن يكون ذا أناة لأن الأناة هي الآلة الوحيدة لاستقصاء الحقائق من صدور الدعاوى حيث يقوم العلاج، أما العجلة فعليها يسافر الصواب. ثم ينبغي أن لا يكون سكيرًا؛ على أنه لا يوجد أعظم طارد للرشد والنباهة من مداناة الدن ومخامرة الخمر، فمتى ذهب رشد الحاكم فسدت الحكومة وبطل الحق.
ثم من الواجب أن يكون شجاعًا؛ لأن الشجاعة درع للرؤساء ودرع للمرءوسين، ولا عار أعظم من جبانة الرئيس؛ لأنها تُبقيه عاجزًا عن اقتحام صعوبات الرياسة وتصيِّره ريشة ترتجف لدى هبوب كل ريح.
ثم من الضرورة أن يكون غير ممازح؛ لأنه متى لازم المزاح سخرت به الناس واستهجنته، وربما استقلت بعقله فلا يعود أحد يعتبر أحكامه مهما كان حازمًا.
ولا شك أن وجود صفات كهذه في الشخص الذي يتناول زمام