فالمجاز قريب شائع. ولكن البرود كله أن يقول: «سمعت» وجهك يقول كذا، أو «سمعت» لسان جمالك يقول كذا، فإن هذا يقتضي نطقًا حقيقيًّا فيما لا ينطق إلا توهمًا ومجازًا، وبهذا ينحط المعنى.
وإذا كان للجمال في هذا الحبيب «لسان»، فلا يعقل أن يكون اللسان في غير فم، فإن هذا يحضر صورة هذا، خصوصًا بعد ما قال: «أسمعه»، وإذن صار الحبيب حيوانًا عجيبًا في ظاهر أعضائه أعضاء أخرى، وما معنى قوله: «أسمعه في كل يوم»؟ إذا كان لسان الجمال ناطقًا أبدًا، فالصواب «في كل حين» أو «في كل وقت»، وإذا كان أخرس لا ينطق إلا مرة في اليوم، فيكون تعبيره حينئذٍ صحيحًا، وهذا غير ما يريد المتشاعر، وغير ما هو حق المعنى.
هل تريد الآن أن تعرف أصل هذا المعنى على أدق وأجمل ما يأتي في الشعر؟ انظر قول العباس بن الأحنف:
فقلب المتشاعر المعنى، وجعل الذي يغالبه «لسان الجمال»، وبذلك سقط الشعر، لأن ابن الأحنف أراد أن الحبيبة هي غالبة على إرادته، فيجره لسانه إلى اسمها إذا أراد أن يدعه إلى اسم امرأة غيرها. والعقاد جعل لسان الجمال «يدعوه» فقط لا يجره جرًّا إذا أراد الحبيب أن يبعده عنه.
وقد عبَّر أبو تمام أحسن تعبير عن هذا المعنى بقوله:
وتأمل قوله: «يغنيها تودد وجهها»، فهي كلمة بالعقاد وكل شعره.
نحن نعبث بهذا المتشاعر، ونفسح له مهربًا كمهرب الفأر بين أظافر الهر، لا يرسله يمينًا إلا ليضربه شمالًا، وإنما سرق المتشاعر من قول القائل: