مجتمعين في المساء — كان الكاتب الانجليزي العظيم توماس كارليل هو محور الحديث كله ، لأنه كما يعلم الكثيرون بين قراء العربية صاحب كتاب الأبطال الذي عقد فيه فصلا عن النبي محمد عليه السلام ، وجعله نموذج البطولة النبوية بين أبطال العالم الذين اختارهم للوصف والتدليل .
وإنا لنتذاكر آراءه ومواضع ثنائه على النبي، إذ بدرت1 من أحد الحاضرين الغرباء عن الرهط كلمة نابية2 غضبنا لها واستنكرناها لما فيها من سوء الأدب وسوء الذوق وسوء الطوية3 وكان الفتى الذي بدرت منه الكلمة متحذلقا4، يتظاهر بالمعرفة ويحسب أن التطاول على الأنبياء من لوازم الاطلاع على الفلسفة والعلوم الحديثة .. فكان مما قاله: شيء عن النبي والزواج، وشيء عن البطولة، فحواه : أن بطولة محمد انما هي بطولة سيف ودماء !
قلت: «ويحك!5 !.. ما سوغ6 أحد السيف كما سوغته أنت بهذه القولة النابية!».
وقال صديقنا المازني: « بل السيف أكرم من هذا ، وإنما سوغ صاحبنا شيئا آخر يستحقه .. وأشار إلى قدمه !».
وارتفعت لهجة النقاش هنيهة 7 ، ثم هدأت بخروج الفتى صاحب الكلمة من الندى 8، واعتذاره قبل خروجه بتفسير كلامه على معنى مقبول ، أو خيل اليه انه مقبول.
وتساءلنا : ما بالنا نقنع بتمجيد9 كارليل للنبي ، وهو كاتب غربي لا يفهمه كما نفهمه ، ولا يعرف الاسلام كما نعرفه .. ثم سألني بعض الاخوان: « ما بالك أنت يا فلان لا تضع لقراء العربية كتابا عن محمد على النمط10 الحديث؟».
قلت: «أفعل .. وأرجو أن يتم ذلك في وقت قريب ».
ولكنه لم يتم في وقت قريب .. بل تمَّ بعد ثلاثين سنة! .. وشاءت المصادفة العجيبة أن تتم فصوله في مثل الأيام التي سمعت فيها الاقتراح لأول مرة .. فكتبت السطر الاخير فيه يوم مولد