كل دافعة وكل احساس.. فامتناعه أن يشهد نتيجة المعركة التي سبقتها كل تلك المخاوف، وستلحق بها كل تلك العواقب، أمر لم يكن بالمنتظر من قائد في مثل موقفه، ولم تكن توجيه الفطرة الانسانية على المقاتل.. وهو في اللحظة الأولى بعـد الظفر خليق1 أن يعلم مدى انتصاره، ومدى ما يتوقعه بعده، ومدى ما فعلته الفئة القليلة بالفئة الكثيرة، ليقيس عليه ما تفعله مثلها فيما يليها من وقعات، وهؤلاء مراسلو الصحف الحربيون الذين يدرسون اليوم أشباه هذه المواقف، يجدون من واجبهم ألا يتخلفوا عن ساحات القتال بعد إنجلاء الفريقين، ليشرحـوا دروس النصر والهزيمة بينهما، ويسجلوا ما لا غنى عن تسجيله في جميع الحروب، فانصراف محمد عن ساحة بدر على أثـر النصر عمل غريبه يخل بمكانة القائد، وبواجب التحقيق، والاستفادة من كل ما يفيد.
بعد معركة الأحزاب :
و نحن في صدد الحديث عن الرحمة والقسوة يحسن بنا أن نستقصي ما ذكره المؤرخون الأوربيون من مآخذ في هذا الباب، وأهمه عدا ما قدمناه قتل المقاتلين من بني قريظة بعد معركة الأحزاب.. فان أولئك المؤرخين يستعظمون قتلهم ويحسبونه مخالفا للعرف المتبع في الحروب، وينسون أمورا لا يصدق الحكم في هذه المسألة ما لم يذكروها ويستحضروها اتم استحضار، وهي أن بني قريظة حنثوا في أيمانهم مرات فلا يجدي معهم المواثيق2 من جديد، وانهم قبلوا حكم سعد بن معاذ وهم الذين اختاروه،وان سعدا انما دانهم بنص التوراة الذي يؤمنون به كما جاء في التثنية: «حين تقرب من مدينة لكي تحاربهـا استدعها الى الصلح، فان أجابتك إلى الصلح، وفتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك، وان لم تسالك بل عملت معك حربا فحاصرها، واذا دفعها الرب الهك الى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف، وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة كل غنيمة فتغنمها لنفسك وتأكل