فمن هنا الترف1 ، والطمع، والخمر، والقمار، والمتعة، وتسخير الأقوياء للضعفاء ..
ومن هنا الفاقة2، والحسرة، والشك في صلاح الأمور ..
ولكنه شك يبحث ويضطرب، وليس بالشك الذي يستجم3 ويستكين4 فحيثما اجتمع أناس من أولي الرأي يذكرون العقيدة وطمأنينة الضمير، فهناك هاتف بينهم بسوء ما هم عليه اجتمع أناس بنخلة5 لإحياء عيد العزى، فقال رجل منهم لإخوانه: «الله ما قومكم على شيء وإنهم لفي ضلال .. فما حجر نطيف به لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع، ومن فوقه يجري دم النحور. يا قوم التمسوا لكم دينا غير هذا الدين الذي أنتم عليه» .. ثم تفرقوا، فمنهم من تنصر، ومنهم من اعتزل الأوثان، ومنهم من انتظر حتى سمع دعوة الإسلام فلبَّاها6.
وكان الذي تنصر وسمع دعوة الإسلام ورقة بن نوفل الذي كتب له أن يتلقى بشارة النبي العربي عند ظهوره ويلقي إليه بالبشارة، هؤلاء شكوا وبحثوا عن العقيدة وطمأنينة الضمير .
وغيرهم شكوا وبحثوا عن وازع7 من الضمير، ووازع من السلطان. فاجتمعت بنو هاشم وزهرة وتيم يتعاهدون باسم الله المنتقم ليكونن مع المظلوم حتى يُؤدَّى إليه حقه . وذلك حلف الفضول الذي شهده النبي العربي في شبابه وقال فيه: «ما أحب أن يكون لي بحلف حضرته في دار ابن جدعان حمر النعم».
حالة لا تستقر، ولا تزال في طلب الاستقرار ..
وأمَّة يقظى! ..
وخطر محدق8 بها مما حولها، ومما هو في دخائلها وأحشائها ..
حالة تنذر بالزوال، وقلَّما تزول أمة يقظى في أوان انتباهها .. فتلك اذن حالة للتبديل والتجديد.
قبيلة
وقبيلة في تلك الأمة، في تلك المدينة .. لها شعبتان: احداهما من أصحاب الترف والطمع واستبقاء ما هو قائم، كما كان قائمًا على هواها .