على الرسم الذي رسمهُ رولنصن وأعمل فيهِ نظرهُ قال إنَّ في نسخه بعض الخطأ مع أنه لم ينظر صخر بهستون قط. وكان رولنصن لم يزل في جوار ذلك الصخر فراجع الرسم فرأى أنَّ نورس مصيب في تخطئتهِ فأصلحهُ. ثم قام رجل ثالث اسمهُ لَيَرْد وأحضر لهما شيئاً كثيراً من هذه الكتابات لكي يتسع بحثهما.
وكان ليرد المذكور كاتباً عند محام بلندن. ولما كان لهُ من العمر اثنتان وعشرون سنة طاف في بلاد المشرق قاصداً أنْ يقطع الأراضي التي عبر الفرات ولم يكن معهُ سوى رفيق واحد فمرَّ في وسط قبائل كثيرة متحاربة ونجا منها بقوة ذراعهِ وطلاقة وجههِ وأنس محضرهِ وعلو همتهِ. فوصل إلى أطلال نينوى ونقبها واستخرج منها كنوزاً تاريخية جزيلة الفائدة لم يستخرج مقدارها إنسان واحد قط ولو وُضِعَت قطعها الواحدة حذاءَ الأخرى لملأت مساحة ميلين مربعين. فنُقلَت نُخبة هذه الآثار إلى لندن ووُضِعت في التحف البريطاني وقُرئت فإذا بها تتفق اتفاقاً غريباً مع نص التوراة في حوادث جرت من مضي ثلاثة آلاف سنة وأكثر كأنها وحي جديد هبط على البشر. ولم يكتف لَيرْد باستخراج هذه الآثار بل ألَّف فيها كتاباً جليلًا صادق الرواية حسن الانسجام يشهد لهُ بعلو الهمة وعظم الثبات.
ومن الذين كانوا مثالًا في الصبر والاجتهاد بيفون الشهير الذي قال إنَّ الموهبة الفائقة هي الصبر. فقد كانت قواهُ العقلية في حداثتهِ معتدلة بل ضعيفة وكان كسلان طبعاً عرضة لأن يعيش عيشة الترف إذ كان من ذوي الثروة والوجاهة إلَّا أنهُ اجتنب الترف في حداثتهِ ولم يعطِ نفسهُ هواها بل أنكر عليها لذَّاتها وعكف على الدرس حاسباً الوقت كنزاً محدوداً. ولما رأى أنهُ يضيع ساعات عديدة لأنه لا يقوم باكراً عزم أنْ يعتاد على القيام الباكر وحاول ذلك مراراً فقصَّر عنهُ ولم يقدر على القيام في الساعة التي عينها فاستعان بخادمهِ ووعده بأن يعطيهُ ريالًا