وفي السنة التالية عاد إلى غربي آسيا وفتح حلب وحماه وحمص وبعلبك ودمشق وحارب السلطان بيازيد العثماني بقرب أنقرة وتغلب عليهِ واسيرهُ وفتح آسيا الصغرى كلها وطرد فرسان مار يوحنا من أزمير وضرب الجزية على إمبراطور القسطنطينية. ثم عاد إلى بلاد الكرج وأقام فيها فصل الشتاء وعاد منها بطريق مرو وبلخ وبلغ سمرقند سنة ١٤٠٤ واستعد لغزوة بلاد الصين وزحف عليها بجيش جرار ولكنهُ مرض في أثناءِ الطريق بالحمى ومات في السابع عشر من ففريه (شباط) سنة ١٤٠٥ وكان مع ما اشتُهر عنهُ من الفتك ليِّن العريكة محبًّا للعلم والعلماءِ ولهُ مؤلفات كثيرة باللغة الفارسية.
وإبرهيم باشا المشهور ابن محمد علي باشا عزيز مصر ولَّاه أبوه قيادة قسم من الجيش وهو ابن ست عشرة سنة وسيَّره سنة ١٨١٦ لمحاربة الوهابيَّة في بلاد العرب، وكانوا قد خرجوا على الدولة العلية فذهب إليهم وقاتلهم وهزمهم وفتح مدنهم وقبض على أميرهم عبد الله بن سعود. وكان يؤدي للعرب ثمن ما يعوزهُ من الميرة كما فعل ولنتن في إسبانيا فاستمال إليه قلوبهم. ولمَّا قطع شأفة العصيان وقتل شيوخ الوهابية صرف عنايتهُ إلى إصلاح البلاد وتأمين السابلة فانفتحت أبواب التجارة ونُشِرت راية العدل بين الأهالي فدانوا لهُ واجتمعت قلوبهم على ولائهِ فبنى قلاعاً منيعة لتأمين البلاد واحتفر آباراً كثيرة وعاد إلى مصر ظافراً غانماً. ووقائعه في بلاد الشام مشهورة ومآثرهُ فيها مبرورة فإنهُ قصدها بثلاثين ألفاً واستولى على كلِّ مدن الساحل من غزة إلى طرابلس ثم استولى على دمشق وحمص وحلب وقونية ولبث في سورية يدبر أمورها أحسن تدبير إلى أنْ اتفقت الدولة العلية مع دول أوربا على إخراجه منها فعاد إلى مصر وتولَّاها سنة ١٨٤٧ وتُوفِّي فيها في السنة التالية وكان عالي الهمة ثابت العزم يُعَد من أفراد هذا الزمان في النشاط والشجاعة.