فواصل السير أياماً عديدة وهو دائماً أمامهم إلى أن أعياهم التعب وسمعهم يتعجبون من استطاعتهِ على السير.
ومن الرجال العظام يوحنا هَوَرْد الذي دلَّت حياتهُ على أنَّ الضعف الطبيعي يقدر أنْ يزحزح جبالًا من المصاعب. كان كل اهتمام هذا الرجل موجهاً إلى إصلاح شأن المسجونين وقد تمكَّن فيهِ هذا الاهتمام حتى صار ملكة ولم يثنِه عنهُ تعب ولا خطر ولا مرض ولا أمر من الأمور. وكان خالياً من المواهب الفائقة ومعتدلًا في قواه العقلية إلَّا أنه كان ذا عزيمة ثابتة وقلب رحب فحاز شهرة عظيمة وأثَّر تأثيراً عظيماً في المحاكم الإنكليزية وغير الإنكليزية ولم يزل تأثيره حتى يومنا هذا.
ويونس هنوي رجل آخر من الرجال العظام الذين أوصلوا إنكلترا إلى ما هي عليه بجدهم ودأبهم وتركوا بعدهم ذكراً جميلًا وأيادي لا تُنسَى. ولد هذا الرجل سنة ١٧١٢ ويُتِّم من أبيهِ وهو صغير فانتقلت أمهُ إلى لندن لكي تعلم أولادها واجتهدت كثيراً في تربيتهم وتهذيبهم. ولما بلغ السابعة عشرة أُرسل إلى لسبون ليكون صانعاً عند تاجر من تجارها وبذكائه وتدقيقهِ واستقامتهِ اكتسب محبة كلَّ من تعرَّف بهِ. ثم رجع إلى لندن سنة ١٧٤٣ ودخل في شركة تجار مركزهم في بطرسبرج وتجارتهم في بحر قزبين فمضى إلى هناك ولم يلبث أنْ وصل حتى انطلق إلى بلاد فارس ومعه حمل عشرين مركبة من الأنسجة الإنكليزية فوصل إلى أستراخان وأقلع إلى أستراباذ في الجنوب الشرقي من بحر قزبين وحالما وصل إلى الشاطئ اعترضهُ قوم من العصاة ونهبوا بعض ما معهُ. ثم علم أنهم كانوا قاصدين القبض عليهِ وعلى الرجال الذين معهُ فحذر الخطر قبل وقوعهِ ووصل إلى غيلان بعد ملاقاة أخطار كثيرة. ونجاتهُ العجيبة في هذه النوبة جعلتهُ أنْ يقول الكلام الذي صيَّره دستوراً لحياتهِ وهو «لا تيأس قط» ثم رجع إلى بطرسبرج