درجات الشهرة باجتهادهم في العمل ومواظبتهم وتغلبوا على كل الموانع التي حالت في طريق تقدمهم
وكنا نود أنْ نضيف إلى هذا الفصل شيئاً عن الذين اشتُهروا في المشرق بالتصوير والنقش والغناءِ من المصريين والآشوريين والبابليين وغيرهم من أُمم المشرق ولكن المعروف من ذلك نزر لا يُعتد بهِ مع أنَّ أمم المشرق أتقنت هذه الفنون إلى الغاية القصوى ولاسيما صناعة النحت أي عمل التماثيل كما تشهد الآثار المصرية. أما العرب ومن قام في دولهم فلم يتعاطوا فن التصوير والنحت ولكن قام من بينهم مغنون مشهورون بالغناءِ مثل إبرهيم الموصلي وابن جامع وغيرهما وحازوا أسمى المراتب بجدهم واجتهادهم في إتقان هذه الصناعة كما سترى
ولد إبرهيم الموصلي سنة ١٢٥ للهجرة وتُوفِّي أبوه بالطاعون وهو ابن سنتين أو ثلاث فنشأ مع أمهِ وأخواله ولما أدرك صحب الفتيان ومال إلى الغناءِ فضيَّق عليهِ أخوالهُ بذلك فهرب إلى الموصل وأقام بها فلُقِّب بالموصلي. ثم أتقن صناعة الغناءِ فبلغ خبرهُ إلى الخليفة المهدي فاستدعاهُ وسمع منهُ وأمرهُ أن يلازمهُ. وكان أميًّا يجهل القراءَة والكتابة وفَرَطَ منهُ ذنب حبسهُ المهدي عليهِ فتعلم القراءَة والكتابة وهو في الحبس. ثم مات الخليفة المهدي وتولَّى ابنه موسى الهادي الخلافة بعدهُ فقرَّب إبرهيم لحسن غنائهِ وواصلهُ بالعطايا الكثيرة. قال ابنهُ إسحاق لو عاش لنا الهادي بَنَيْنا حيطان دورنا بالذهب والفضة. وقال أيضاً إنَّ أباهُ صنع تسع مئة صوت تقدَّم بثلثمئة منها جميع الناس. وقيل سأل الرشيد يوماً إبرهيم الموصلي كيف تصنع إذا أردت أنْ تصوغ الألحان فقال يا أمير المؤمنين «أُخرج الهمَّ من فكري وأمثل الطرب بين عينيَّ فيسرع إليَّ مسالك الألحان فأسلكها بدليل الإيقاع فأرجع مصيباً ظافراً بما أريد» وهو مثل قول الفيلسوف إسحاق نيوتن عندما سُئِل بمَ اكتشفت هذه الاكتشافات العظيمة