الأول بين مصوري الأراضي
وتُرنَر الذي لُقب كلود الإنكليز لم يكن دون كلود هذا جدًّا واجتهاداً. قيل إنهُ كان من قصد أبيهِ أنْ يعلمهُ حرفتهُ الحلاقة ولكن حدث أنهُ رسم صورة على صينية من الفضة فرآها واحد من زبائن أبيهِ وأعجبهُ منظرها فعزم أبوهُ أنْ يدعهُ يتعلم التصوير حسب ميلهِ وفعل. فصادف صعوبات كثيرة كغيرهِ من الصناع ولاسيما لضيق ذات يدهِ إلَّا أنهُ كان يحب العمل ولا يستعفي منهُ مهما كان حقيراً لأنه كان يربح بهِ شيئاً من المال ويمهر في صناعتهِ. ومما اشتُهر بهِ أنهُ لم يتهامل قط في إتقان صورة من الصور ولو كانت أجرتها بخسة بل كان يعمل كلَّ شيء بكل ما يمكنهُ من الإتقان حتى إنهُ لم يترك رسماً إلا بعد أنْ أجادهُ أكثر من سلفهِ. ومن يا تُرى يشك في نجاح شخص هذا حالهُ. فنجح نجاحاً عظيماً وخلد اسمهُ بما صورهُ ولاسيما في الصور التي وهبها للأمة
ولطالما كانت بغية المصورين والنقاشين زيارة رومية لأنها مركز أرباب الفنون. والسفر إليها يقتضي نفقة كبيرة والصناع غالباً فقراءُ إلا أنهم كثيراً ما كانوا يأتونها رغماً عن كلِّ الموانع كما فعل فرنسوي بَرْيه المصور الفرنساوي الذي تمكن من بلوغها قائداً لشحاذ أعمى وكما فعل جاك كالو الذي كان أبوهُ من أكبر مضاديهِ ومُمانِعيهِ عن تعاطي التصوير إلا أنَّ ذلك لم يكن ليثني عزمهُ لأنهُ هرب إلى إيطاليا ولما لم يكن معهُ نفقة السفر اختلط بقوم من الفجر (النور) وجال معهم من مكان إلى آخر شريكاً لهم في السراء والضراء. ودرس في غضون ذلك هيئات البشر وأطوارهم وظهرت نتيجة درسهِ في الصور التي حفرها بعدئذٍ. ولما وصل إلى فلورنسا راقت حذاقتهُ في عيني رجل من أعيانها فوضعهُ صانعاً عند عند حفار إلا أنهُ لم يقنع بالإقامة هناك بل طلب البلوغ إلى رومية فسدد خطواتهِ إليها ولم يلبث أنْ دخلها حتى