وكان لا يتعب من العمل ولا يمل ونسب قدرتهُ على مداومة العمل إلى بساطة معيشتهِ فإنهُ لم يكن يأكل في أكثر الأيام إلا قليلًا من الخبز والخمر وكثيراً ما كان يقوم في منتصف الليل ويأخذ في عملهِ وهو لابس قلنسوة من الورق في رأسها شمعة مضيئة. وكان ينام أحياناً بالثياب التي يلبسها وقت العمل لكي يقوم إلى عملهِ حالما يرى أنهُ قد استراح. وكان عندهُ صورة مجسمة وهي صورة شيخ في مركبة عليها ساعة رملية وعلى الساعة هاتان الكلمتان Ancora imparo أي لم أزل متعلماً
وتيشان الشهير كان لا يملُّ من العمل وقد عمل في صورة بطرس الشهيد ثماني سنوات وفي صورة العشاءِ الأخير سبع سنوات. وقال في كتاب أرسلهُ إلى الملك كارلوس الخامس إنني مرسل إلى جلالتكم صورة العشاء الأخير بعد أنْ عملت فيها سبع سنوات كاملات
وقليلون يعرفون مقدار الصبر والجلد والمزاولة الطويلة التي يقضيها المصور حتى يتمرن على صناعتهِ وتصير فيه ملكة أو حتى تسهل عليهِ. قال بعضهم لنقاش «أتطلب مني خمسين ديناراً بتمثال عملتهُ في عشرة أيام» فأجابهُ النقاش «ألا تعلم أنني تعلمت ثلاثين سنة حتى أمكنني عمل هذا التمثال في عشرة أيام». وقيل إنَّ السر أوغسطس كلكوت صنع أكثر من أربعين رسماً قبلما أكمل صورتهُ الشهيرة بصورة روشستر ولا عجب لأن التكرار الكثير شرط لازم للنجاح في الصناعة وفي غيرها
ولا بدَّ من العناء والطويل في إتقان الصناعة ولو مهما كانت مواهب الإنسان عظيمة وقريحتهُ متوقدة. وكثيرون من الصناع كانوا أذكياء من صغر سنهم ولكن الذين لم يجتهدوا منهم لم تنفعهم ذكاؤهم شيئاً. قيل إنَّ المصور الشهير وست رأى وهو في السابعة من عمره ابن أختهِ نائماً فأخذ قلماً وقرطاساً ورسم صورتهُ بحبر أسود وأحمر ثم عكف على الرسم والتصوير حتى صار صرفهُ عنهما متعذراً. ولكنَّ نجاحهُ وهو