ونحو ذلك الوقت اكتُشفت اكتشافات جديدة في علم الهيئة فانشغل بالهُ بها ومال إلى البحث في هذا العلم فاستعار من أحد أصحابه نظارة من النوع الغريغوري وكان يرصد بها ثم سامَ تلسكوباً لابتياعهِ فطُلب فيهِ مبلغ كبير جدّاً فعزم من ساعتهِ على اصطناع تلسكوب مهما كلفهُ من التعب. والذين يعرفون ما هو تلسكوب الانعكاس وما يقتضي لعمل مرآتهِ من العناءِ والمهارة يعرفون عظم العمل الذي أقدم عليه هرشل ولكنهُ نجح ولو بعد تعب شاق وصنع تلسكوباً عاكساً طولهُ خمس أقدام نظر بهِ حلقات زُحَل وأقمارهُ ولم يكتف بذلك بل صنع عدة نظارات عديدة منها ما طولهُ سبع أقدام وعشر أقدام وأخيراً صنع واحدة طولها عشرون قدماً. ولما كان يعمل التي طولها سبع أقدام صنع أكثر من مائتي مرآة قبل أنْ وجد واحدة صالحة وهذا دليل على شدة مواظبتهِ وكان في غضون هذه المدة يحصِّل معيشتهُ من الموسيقى. ثم اكتشف السيار أورانوس وحسب فلكهُ ومعدَّل حركتهِ وأرسل النتيجة إلى الجمعية الملكية فاشتُهر بذلك شهرة عظيمة وعُيِّن فلكيًّا ملكيًّا ورقَّاهُ الملك جورج الثالث إلى منصب يليق بهِ فبقي مع ما حازهُ من الرفعة والشهرة متضعاً رقيق الجانب كما كان قبل أنْ عُرف شيء من أمرهِ. ولعلهُ لم يقم بين البشر من ضاهاهُ في الرقة والصبر والنجاح
وممن هم مثال للصبر والاجتهاد وانتهاز الفرص وليم سمث أبو الجيولوجيا الإنكليزية فإنه وُلِدَ سنة ١٧٦٩ من فلَّاح ومات أبوهُ وهو صبي صغير فكان يُرسل إلى مدرسة في قريتهِ فلم يتعلم إلا شيئًا يسيراً لأنه كان طائشاً يفضل اللعب على الدرس. ثم تزوجت أمهُ وتركتهُ فضمه عمُّهُ إليه وهو فلاح أيضاً وكان مغرماً بجمع الحجارة المتنوعة فلم يستحسن عمُّهُ ذلك بل اشترى لهُ كتباً في مبادئ الهندسة والمساحة لكي يدرس فيها ويصير مسَّاحاً. وامتاز وهو حدَثٌ بدقة النظر