مع العقل ، وأن النظر الصحيح فيه يوجب الاعتماد على روحه أكثر من الاعتماد
على حرفيته ، وأنه يجب أن يفسر على ضوء العقل والضمير .
وتطرف أكثر من ذلك ، فقال إن الوحى كان بالمعنى دون اللفظ ، ذاهباً فى ذلك مذهب بعض علماء المسلمين المتقدمين الذين حكى قولهم السيوطى في الإتقان ، إذ قال : « وذكر بعضهم أن جبريل إنما نزل بالمعاني خاصة ، وأنه صلى الله عليه وسلم علم تلك المعانى وعبر عنها بلغة العرب»، وتمسك قائل هذا بظاهر قوله تعالى : « نزل به الروح الأمين على قلبك ) 1 .
إذ ذاك هاج عليه كثير من رجال الدين ، وهيجوا عليه العامة ، وتعرضت حياته للخطر ، وأراد أحدهم أن يطعنه مرة بخنجر فنجا منه بأعجوبة ، ومع هذا ظل ثابتاً جريئاً في دعوته كما هو لم يتزحزح ، ولم يُداج ولم يُمار 2 ، بل ربما كان بعد ذلك أقوى وأصرح فيما يقول وما ينشر ، لا يعبأ بنقد ولا تهديد بقتل ، ولا بأي ضرب من ضروب التخويف .
وكما كانت ناحيته الدينية جريئة خطيرة كذلك كانت ناحيته السياسية ، فكان يرى أن الغرض الذى يجب أن يرى إليه السياسي الهندي هو أن تكون الهند كلها أمة واحدة ، وأن الإسلام والهندوكية والنصرانية يجب أن تكون عقائد دينية في نفوس معتنقيها فقط . وهذه العقائد كلها يجب ألا تؤثر فى الوطنية ؛ فيجب أن يكون لكل طائفة عقيدتها الخاصة بها ، أما وطنيتها فتكون عامة تشترك فيها كل الطوائف. أما النزاع الطائفى الدينى، والنزعة إلى تقسيم الهند على حسب الأديان ونحو ذلك ، فكلها أفكار باطلة ، وليس يؤدى إلى الاستقلال الحق إلا حصر الدين فى العقيدة ، وتعميم الشعور بالوطنية بين كل الأفراد وفي كل الملل ،