وليست الصدمة العنيفة بالحائل الوحيد دون توضيح هذه الفترة وتمحيص أسبابها وعواملها وتبعات المسئولين عنها، فالصعوبة الكبرى أننا في هذه الفترة أمام حادثين يرجع كل منهما إلى أسبابه وعوامله، ويتكلم عنهما بعض المؤرخين كأنهما حادث واحد متحد الأسباب والعوامل..
هذان الحادثان هما: التطور السياسي، ومقتل عثمان —رضي الله عنه—. وأسباب هذا لا تكفي لتعليل ذاك وليس من الحتم أن تؤدي إليه .. وقد طال الجدل حول عمل عبد الله بن سبأ الملقب بابن السوداء وأثره في هذه الفترة، فرأى بعض المؤرخين أنه أهون من ذاك؛ لأنهم اعتقدوا أن الانقلاب السياسي ومقتل عثمان حادث واحد له أسباب واحدة، وليس هو كذلك. ولو أنهم فصلوا بين الأسباب في كليهما؛ لأمكن تقدير التبعة والاستطاعة في عمل كل عامل ودسيسة 1 كل مشترك في المؤامرة.
فابن السوداء ولا شك أهون من أن يُحدث التطور السياسي، وغيره ممن هم أعظم منه شأنًا وأشد منه خطرًا أهون من إحداث ذلك التطور كله، سواء تعمدوه 2 أو عملوا له غير عامدين؛ لأنه يرجع إلى أسباب متفرقة عميقة القرار، كثيرة التشعب، لا تضطلع 3 بها قدرة رجل واحد ولا عدة رجال متألبين 4 متواطئين 5 ..
ولكن مقتل عثمان شيء آخر غير التطور السياسي، وفي وسع ابن السوداء ومن هو أقل منه أن يقترفه بيده وأيدي من يستمعون لتحريضه ودسيسته؛ لأنه في حقيقته «مشاغبة» من مشاغبات الدهماء 6 التي لا تعجز عن أمثال هذه الأفاعيل.