وسماه: «النزهة»، جمع فيه جملة علوم، فذكر بالمناسبة علم الهيئة، فتكلم على كروية الأرض، وعلى سيرها، ووضح ذلك، فتلخص من كلامه أن الأرض كرة، ولا يضر اعتقاد تحركها أو سكونها.
مات هذا الشيخ سنة ألف ومائتين وست وعشرين من لهجرة النبوية، على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام، وخلفه حفيده المسمى باسمه.
ثم إن هذا البيت الذي كنا فيه (للكرنتينة) متسع جدًا، به القصور والحدائق والبناء المحكم، فبه عرفنا كيفية إحكام أبنية هذه البلاد وإتقانها، وامتلائها بالرياض والحياض.. إلى آخره.
ولم نشعر في أول يوم إلا وقد حضر لنا أمور غريبة في غالبها، وذلك أنهم أحضروا لنا عدة خدم فرنساوية، لا نعرف لغاتهم، ونحو مائة كرسي للجلوس عليها؛ لأن هذه البلاد يستغربون جلوس الإنسان على نحو سجادة مفروشة على الأرض، فضلاً عن الجلوس بالأرض، ثم مدوا السفرة للفطور، ثم جاءوا بطبليات عالية، ثم رصوها من الصحون البيضاء الشبيهة بالعجمية، وجعلوا قدام كل صحن قدحًا من (القزاز)، وسكينًا، وشوكة، وملعقة، وفي كل طبلية نحو قزازتين من الماء، وإناء فيه ملح، وآخر فيه فلفل، ثم رصوا حوالي الطبلية كراسي، لكل واحد كرسي، ثم جاءوا بالطبيخ (ص ٣٨) فوضعوا في كل طبلية صحنًا كبيرًا أو صحنين، ليغرف أحد أهل الطبلية، ويقسم على الجميع، فيعطي لكل إنسان في صحنه شيئًا يقطعه بالسكين التي قدامه، ثم يوصله إلى فمه بالشوكة لا بيده، فلا يأكل الإنسان بيده أصلاً، ولا بشوكة غيره، أو سكينه، أو يشرب من قدحه أبدًا. ويزعمون أن هذا أنظف وأسلم عاقبة.
ومما يشاهد عند الإفرنج أنهم لا يأكلون أبدًا في صحون النحاس، بل ولا في أونية أبدًا، ولو مبيضة؛ فهي للطبخ فقط، بل دائمًا يستعملون الصحون المطلية.
وللطعام عندهم عدة مراتب معروفة، وربما كثرت وتعددت كل مرتبة منها؛ فأول افتتاحهم الطعام يكون (بالشوربة)، ثم بعده باللحوم، ثم بكل نوع من أنواع الأطعمة، كالخضراوات والفطورات، ثم (بالسلطة).
وربما كانت الصحون مطلية1 بلون الطعام المقدم، فصحون (السلطة) مثلاً خضر منقوشة بلون (السلطة)، ثم يختمون أكلهم بأكل الفواكه، ثم بالشراب المخدر، إلا أنهم
- ↑ في المطبوعات: «المطلية».