لما كان من ضروريات الحكمة الاعتناء بحفظ صحة الأبدان، وكان الإفرنج أحكم الأمم؛ كثر اعتناؤهم بهذا الفن، وبتكميل آلاته ووسائطه، وكانوا أشد الناس مسارعة لما فيه نفع للبدن؛ كالحمامات والمحام الباردة المياه، وترييض الجسم وتعويده على الأمور الشاقة، كالعوم، وركوب الخيل، والألعاب التي يخف بها البدن.
والحمامات في باريس متنوعة، وفي الحقيقة هي أنظف من حمامات مصر، غير أن حمامات مصر أنفع منها وأتقن وأحسن في الجملة؛ وذلك أن الحمام في مدينة باريس عدة خلوات، في كل خلوة مغطس من نحاس يسع الإنسان فقط، وفي بعض الخلوات مغطسان، وليس عندهم مغطس عام كما في مصر، ولكن هذه العادة أسلم بالنسبة للعورة؛ فإنه لا طريقة أن يطلع إنسان على عورة آخر، حتى إن الخلوة التي فيها مغطسان بين كل مغطس ستارة تمنع أن ينظر الإنسان صاحبه، وليس في دخول الإنسان هذه المغاطس الصغيرة لذة كالدخول في الحمامات، ولا يعرق الإنسان بها أبدًا؛ إذ الحرارة لا توجد إلا في المغطس لا في الخلوة أبدًا وإن كان يمكن أن يوصي الإنسان على حمام بالبخار، فإنهم يصنعون له ذلك ولكن بثمن آخر غير الثمن المعتاد.
وفي الحمام صفان من الخلاوي: صف للرجال وصف للنساء، وكما أنه يوجد حمامات مستقرة يوجد حمامات منقولة، فإذا طلب الإنسان حمامًا في بيته، أو كان مريضًا، أو نحو ذلك، فإنهم يحملون إليه في عربة كالبرميل الماء البارد في شقة، والساخن