انتقل إلى المحتوى

صفحة:تخليص الإبريز في تلخيص باريز - هنداوي.pdf/13

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.


المقدمة


الباب الأول

في ذكر ما يظهر لي من سبب ارتجالنا إلى هذه البلاد، التي هي ديار كفر وعناد، وبعيدة عنا غاية الابتعاد، وكثيرة المصاريف؛ لشدة غلو الأسعار فيها غاية الاشتداد.

أقول: إن هذا يحتاج إلى تمهيد، وهو أن الأصل في الإنسان الساذجية، والخلوص عن الزينة، والوجود على أصل الفطرة، لا يعرف إلا الأمور الوجدانية، ثم طرأ على بعض الناس عدةُ معارف لم يسبق بها، وإنما كشفت له بالصدفة والاتفاق، أو بالإلهام والإيحاء. وحكم الشرع أو العقل بنفعها، فاتبعت وأبقيت.

مثلاً: كان في أوائل الزمن، يجهل بعض الناس تنضيج المطعومات بالنيران؛ لجهل النار بالكلية عندهم، ويقتصرون على الغذاء بالفواكه أو بالأشياء المنضجة بالشمس، أو أكل الأشياء النيئة، كما هو باق في بعض البلاد المتوحشة إلى الآن، ثم حصل اتفاقًا أن بعضهم رأى خروج شرارة نار من الصوان، بمصادمة حديدة أو نحوها، ففعل مثل ذلك، وقدم وأخرج النار وعرف خاصيتها، وكان (ص ٧) في الناس من يجهل الصبغ والتلوين للثياب باللون الأرجواني مثلاً، فرأى بعضهم كلبًا أخذ محارة من البحر، وفتحها وأكل ما فيها، فاحمر حنكه، وتلون بما فيها، فأخذوها، وعرفوا منها صناعة الصباغة بهذا اللون، كما يحكى ذلك عن أهالي «صور» ببر الشام.

وكانت الناس في أول الأمر تجهل ركوب البحر، ثم بإلهام إلهي، أو باتفاق بشري، عرفوا أن من خواص الخشب السبح على وجه الماء، فصنعوا السفينة، ثم تبحروا في السفن، وعمروها، ونوعوها أنواعًا، فكانت أولاً صغيرة للتجارات، ثم ترفعوا فيها، حتى