انتقل إلى المحتوى

صفحة:بشير بين السلطان والعزيز، الجزء الثاني (الجامعة اللبنانية، الطبعة الثانية).pdf/40

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
١٥٤
بشير بين السلطان والعزيز

إليه «بيت الهند» للإجابة عنها وجميعها يتعلق بالمفاضلة بين وصل الهنـد بالمتوسط عن طريق العراق وبر الشام وبين وصلها عن طريق البحر الأحمر ومصر. فأخذ فرنسيس هذه الأسئلة ودرسها ثم قام يبحث في إمكانية وصل البحر الأحمر بالأبيض بترعة عند برزخ السويس فتبين له أن ارتفاع البحرين واحد وأن لوبير مهندس نابوليون أخطأ في اعتبارهما غير متساويين. ولكن المراجع البريطانية لم تعبأ بتقريره هذا واكتفت بأن سمحت بحفظه. وتراءى له وهو يبحث في إمكانية إجراء السفن في نهر الفرات فأذن له بذلك وقام في أواخر السنة نفسها إلى بر الشام لدرس الفرات وأطل عليه في السادس والعشرين من كانون الأول. وفي الثاني من كانون الثاني سنة ١٨٣١ كان قد وصل إلى عانة واستأجر فيها زورقاً ونوتيين يعاونانه في رحلته إلى مصب الفرات. وما أن شرع حتى لمس صعوبات وصعوبات أهمها عداء القبائل المجاورة وخوفه من معاونيه وقلة الطعام لديه. ولدى وصوله إلى الفالوجة خرج من زورقه قاصداً بغداد ليتصل بالمعتمد البريطاني فيها الماجور روبرت تايلر. ولما دخل عليه وتحدث إليه علم بما أصاب غيره من الباحثين البريطانيين فخارت عزائمه وانثنى عن عزمه. ولكن المعتمد عاد فشدد قواه حتى وصل إلى البصرة في أواخر نيسان. وقام منها إلى المحمرة فتبريز فطرابزون فحلب فالآستانه فبلاد الإنكليز، ويظهر من تقاريره الأولى عن رحلته أنه لم یکن شديد التفاؤل بإمكانية الملاحة في الفرات نظراً لوجود المستنقات في مجرى النهر الأسفل ولقلة سرعة المياه وعداء القبائل. ولكنه بعد أن وصل إلى لندن عاد عن تشاؤمه هذا واستحسن إعادة النظر كما سنرى1.

ولدي وصول فرنسيس تشزني إلى لندن أحاطه الجمهور بهـالة من الإعجاب والتقدير واستدعاه الملك إليه ليبحث معه شؤون الشرق السياسية فأثر هذا كله في نفسه وجعله يعيد النظر فيما ذهب إليه فخف تشاؤمه وانشطر الساسة من جراء ذلك إلى شطرين في موقفهم من الفرات. وكان الجو مفعماً بالظن في روسية ومطامعها في الشرق الأوسط فاستمسكت الحكومة بمشروع الفرات لأسباب ستراتيجية وأعلن بالمرستون وزير الخارجية تأييده للمشروع وأُلفت لجنة نيابية خاصة للنظر فيه شملت ستة وثلاثين عضواً! ودرست اللجنة الموضوع درساً واستمعت إلى آراء الخبراء فيه وبين هؤلاء فرنسيس تشتزني وتوماس بيكوك وتوماس دورغورن وجايمس بيرد ثم رفعت تقريراً بذلك إلى مجلس العسوم مستحسنة إجراء السفن البخارية في الفرات وفي البحر الأحمر في وقت واحد وذلك لأسباب أهمها أن الفرات يكون صالحاً


  1. راجع كتابه في هذا الموضوع ص ٤ - ٥ و۱۰-۱۱ و۱۷۲-۱۷۳ و٣٦٤-٣۷۳