انتقل إلى المحتوى

صفحة:بشير بين السلطان والعزيز، الجزء الثاني (الجامعة اللبنانية، الطبعة الثانية).pdf/22

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
١٣٩
بشير بين السلطان والعزيز

۱۰ - ثورة الدروز: وكان العزيز يرقب تطور الأحوال على حدوده الشمالية بشيء كثير من التيقظ والتحفظ فرأى أن لا مفر من اللجوء إلى القوة مرة أخرى لحسم النزاع بينه وبين السلطان وأعاد النظر في جيشه القائم فامر ابنه إبراهيم بإكمال النقص في الألايات وتشكيل ألايات جديدة. وزاره في أثناء ذلك في منتصف كانون الأول من السنة ١٨٣٧ الكولونيل كامل قنصل إنكلترة في مصر فسأله عن الداعي للتجند الجديد وإنشاء السفن في وقت أصبحت الآستانة فيه آمنة هادئة فأجابه العزيز بحماس «إنه من عادة الكبار أن يضحوا بالصغار ولكن محمد علي لا يرضى أن يكون ضحية ويفضل أن يموت نجيله كما عاش حاملاً سيفه. وها قد تبين أن الآستانة جهزت واحداً وخمسين ألاياً فلا أقبل الهلاك وأنا أصغي إلى هذا وذاك»1.

وكان العزيز قد أعفى دروز حوران وغيرهم من سكان المناطق المتاخمة لحدود البادية من التجنيد نظراً لتمرد القبائل وقلة امتثالهم لأوامره فرأى هذه المرة أن يعم التجنيد جميع مناطق بر الشام وأمر محمد شريف باشا بتنفيذ رغبته، فاستدعى هذا الحكمدار الشيخ يحيى الحمدان شيخ مشايخ دروز حوران إليه في دمشق في أواخر صيف ۱۸۳۷ ونقل إليه رغبة العزيز. فتعذر شيخ المشايخ واسترحم وتعهد أن يقدم حاصل مئتي فدان بدل التجنيد. فأصر الحكمدار ولكن الشيخ طلب قبول عذره مرة ثانية. فغضب الحكمدار وكان حاد الطبع سريع الانفعال فصفع ضيفه على وجهه بحضور أعضاء مجلس دمشق. فذل الشيخ بين يديه وسلم بالأمر وأقفل عائداً إلى حوران لتنفيذ الأمر العالي. ودعا الناس إليه وأخبرهم بما جرى. فهالهم الأمر وأفزعهم ثم اتصلوا بعرب السلط وغيرهم من القبائل المجاورة وتفاهموا ثم هجموا فجأة على قرى شريف باشا وبحري بك في حوران فقتلوا وكلاءها ونهبوا ما فيها. فأرسل الحكمدار علي آغا البوصيلي الهواري باشي بثلاث مئة فارس ليقتص من الدروز. فانقض هؤلاء على هذه القوة ليلاً وأعملوا السيف في رقاب رجالها فقتلوا معظمها وفر قائدها علي آغا البوصيلي إلى دمشق يخبر بما رأى. وعندئذ أشار كبير شيوخ العقل الشيخ أبو حسين إبراهيم الهجري بوجوب قيام الجميع إلى اللجاة والاعتصام بها إلى أن ينتهي عهـد المصريين في البلاد وأكد أن ذلك لن يكون طويلاً ولعله كان على صلة بزعماء المعارضة من دروز لبنان، فقام الدروز بعد ذلك إلى اللجاة بعيالهم وأرزاقهم. وشد إزر شیخ المشايخ يحيى الحمدان وقال قوله جميع الزعماء منهم الشيخ فندي عامر والشيخ إبراهيم الأطرش والشيخ أبو حسين درویش


  1. محمد علي باشا إلى إبراهيم باشا: المحفوظات ج٣ ص ٣٠٤