انتقل إلى المحتوى

صفحة:بشير بين السلطان والعزيز، الجزء الأول (الجامعة اللبنانية، الطبعة الثانية).pdf/100

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
٩٤
بشير بين السلطان والعزيز

خالية من أية إشارة إلى إلحاق أدنة بالحكم المصري أعادا التأزم إلى حاله الأول. فقام ممثلو الدول الغربية يعيدون الكرة في الضغط على السلطان، ووافق هذا كله وصول السفير البريطاني الجديد اللورد بونسوني إلى الآستانة الذي تبنى موقف زملائه. وهب العزيز في الوقت نفسه يخاطب الآستانة بشدة قائلاً «سبحان الله كلما ازددت رغبة في تقديم الخدمات للدولة اعترضتني شوائب عدم الأمان وهكذا فإنهم يعملون على إخراجي من دائرة الأدب»1. فوافق السلطان على إلحاق أدنة بحكم العزيز وكتب أحمد فوزي باشا إلى إبراهيم باشا يفيده أن حكومة أدنة أسندت إلى عهدته وأن أمين أفندي ناظر المهات الحربية أوفد خصيصاً إليه لينقل مضمون بعض الإرادات الشاهانية شفاهاً2. وبعد ذلك بخمسة أيام أي في الحادي عشر من أيار سنة ١٨٣٣ ورد إلى إبراهيم في كوتاهية فرمان سلطاني بتعينه «محصلاً» على أدنة وكتابات من الصدر الأعظم رؤوف باشا ومن السرعسكر محمد خسرو باشا بانتهاء المشكلة3 وبوجوب بدء الجلاء. والجدير الذكر بهذه المناسبة أن ما يسميه المؤرخون اتفاق کوتاهيـة يختلف عن سائر الاتفاقات من نوعه فهو شفهي ينقصه نص معين وتوقيع طرفين متعاقدين. وجل ما هنالك من الوثائق الخطية هو فرمان سلطاني بتعيين محمد علي باشا والياً على مصر وتوابعها وإيالات بر الشام وجزيرة كريد وفرمان آخر بتعيين إبراهيم باشا محصلاً على أدنة وكتابان من الصدر الأعظم ومن السر عسكر يشعران بانتهاء المشكلة.

٥ - هنكار إسكلەسى: وما كاد الصلح يتم بين السلطان وبين العزيز حتى وصل إلى الآستانة سفير روسي فوق العادة هو الكونت أليكسيس أورلوف صديق القيصر الخاص وأخلص المخلصين له. وكان ذا هيبة ووقار لطيفاً أديباً أنيقاً ماهراً في فن الإقناع قريباً من القلب يجمع في شخصه جميع مؤهلات النجاح في التمثيـل الدولي. وكان السلطان لا يزال ممتعضاً من بريطانية وأبنائها لقلة اكتراثهم به وامتناعهم عن إسداء المعونة له وفي الوقت نفسه كان يعتبر فرنسة والإفرنسيين أصدقاء أصفياء لخصمه وجالب مذلته فبالغ في العطف على ممثل القيصر وخرج عن التقاليد في استقباله فخطي خطوتين إلى الأمام لمصافحته وسمح له بالجلوس في حضرته وقدّم له ولديه وشيَّعه حتى باب الردهة لدى


  1. محمد علي باشا إلى خليل رفعت باشا ٢ ذي الحجة ۱٢٤٨ (۲۸ نیسان ۱۸۳٢): المحفوظات الملكية المصرية ج ۲ ص ۳۰۸
  2. ۱۰ ذي الحجة ١٣٦٨ (٦ أيار ۱۸٣۳): المحفوظات نفسها ج ۲ ص ۳۱۳
  3. إبراهيم باشا إلى محمد علي باشا ٢٠ ذي الحجة ١٢٤٨: المحفوظات نفسها ج ۲ ص ۳۱۲