انتقل إلى المحتوى

صفحة:الأنيس المطرب بروض القرطاس (1917).pdf/43

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
٤٣

الصالحين ويدعوا ويبكى حتى جاء اللّيل، فدخل الرابطة وبات بها مع جماعةمن الناس. فأقام اللّيل كلّه يصلّي ويتلوا القرآن، ويدعوا ويبكى والناس يبكون لبكائه وخشوعه حتى اصبح، فصلّى بهم صلاة الصبح ثم أخذ في البكاء والدعاء حتى أقام المؤذنون بالاذان الاول من يوم الجمعة، فلبس أحسن ثيابه، وسار إلى الجامع المكّرم والمؤذنون حوله، فقعد في حجرة الجامع حتى قرب الاذان، فصعد المنبر والناس ينظرون اليه وهو يبكي ويرعد، حتى فرغ المؤذنون من الاذان، فقام خطب ولم يتوقف ولم يتلجلج ثم ادخل المحراب فاتى بالحكمة، وفصل الخطاب وبكى وأبكى من سمعه ومن كان خلفه، فلما تمّت الصلاة، أقبل الناس اليه يقبّلون بيده، ويتبرّكون به ولم يزل خطيبا الى أن وصل الفقيه القاضي أبو عبد الله محمّد بن ميمون الهوارى، فكان اول سؤاله لاهل المدينة عن القرويين، فذكر له فيه خير، واثنى عليه كثيرا فلما جاءت الجمعة رآه، فلم تعجبه صورته واستبشعه وقل فيه قولا؛ فقال له بعض الناس من حضر: لو سمعت خطبته لاعجبك. فلما سمع خطبته بكى، وطلب منه المغفرة والدعاء. وكان الفقيه ابو عمران موسى المعلّم سريع الدمعة كثير الخشوع، الغالب على أحواله الخوف، فمات أبو محمد يشكر في اليوم الحادى والعشرين من ذى قعدة سنة ثمان وتسعين وخمس مائة، فاستبد الفقيه ابو عمران المعلّم بالخطبة والامامة، فلم يزل عليها إلى أن مات فى الموفى عشرين لشهر صفر عام تسعة وتسعين وخمس مئة، فكان بين وفاتيهما ثلاثة اشهر نفعنا الله بهما. فولى بعده ولده الفقيه ابو محمّد عبد الله بن موسى المعلّم، و سنه يوم ولى المحراب ثمانی عشرة سنة، وكان له حظّ وافر من الحسن والجمال والعلم والدين المتين والفضل والورع العظيم والصوت الحسن، ولم تكن له صبوة فى شبابه، ولم يزل من صغره مشتغلا بالعلم وطلبه منقطعة للعبادة، ولم يدخل محراب القرويين من يوم بنى الى يومنا هذا امام شاب دون اللحية سواه وذلك الاجتماع خلال الخير والفضل فيه، واجماع الناس على فضله ودينه وورعه، وكان له من حسن الخلق ما يطابق صورته الحسنة. ولما مرض والده أبو عمران، قيل له استخلف، ولذلك للمحراب فانه اهل له، فقال لهم: ان علم الله فيه خيرا. فهو يستخلفه الى خدمة بيته، فلما توفّى أبو عمران وحمل إلى قبره، ووضع على شفيره ضجّ الناس بالبكاء، وذكروا من يصلّي عليه بالنّاس. فقال القاضى لولده: تقدم فصل على أبيك، فقام وكبّر وصلّى على أبيه، وانصرف الناس، فقدم في موضع أبيه للامامة. فكان يصلي بالناس، فلما جاءت الجمعة؛ لبس ثياب ابيه التي كن يخطب بها واعطاه ابو مروان بن حيون برنسا أبيض، فطلع به المنبر فأتى بالحكمة فى خطبته وقراءته واستحسنه الناس.