نهبه لك طيبة بذلك نفوسنا فوهبون له فجعله في اعلاء المنار، ولم تزل الصومعة على ما
بناها أحمد بن أبي بكر بالحجر المنجور الحكم وبينا اثقب تعشش فيها الطيور وأصناف
الطير من الحمام والزرازير إلى أن ولى الفقيه الخطيب الصالح أبو عبد الله بن ابى الصبر
خطة القضاء مع الخطابة والامامة بالجامع المذكور وذلك في سنة ثمان وثمانين وست مائة
فاستشار في إصلاحها وتبييضها [واصلاحها] أمير المسلمين أبا يعقوب بن امير المسلمين
ابى يوسف بن عبد الحق رحمهم الله ورضى عنهم فاذن له فى ذلك وامره أن يأخذ من
أموال اعشار الروم ما يحتاج اليه فقال: أن فى أمال الاحباس ما فيه كفاية ان شاء الله
فشرع في تبييضها فليس الصومعة بالجص والجيّار وتسمّر المسامير الكبيرة بين أحجارها
ليثبت التلبيس والبناء، فدخل فيها من المسامير ثلاثة عشر ربعا ونصف ربع، فلما
فرغ من تلبيسها دلّكها حتى صارت كالمرآة الصقيلة، فانقطعت منها اذاية الطير فحسنت
وبنى حينئذ الغرفة التي على بابها البيت للمؤذنين والخدمة، وبقى الجامع المكرم على ما
زاد فيه الامير أحمد بن ابى بكر الى أيام هشم، المويد فتغلب حاجبه المنصور بن أبي
عامر فينا بالجمع المبارك القبّة التي على راس العنزة في وسط الصحن؛ حيث كان المنار
القديم ونصب على اعلامنا طلاسما وتمثيلا، كانت قبل ذلك على رأس القبة فوق المحراب
مما صنعه الأوائل، ومنه ما صنع في أيام الشيعة فجعل الطلاسم على أعمدة من حديد.
فوق القبّة منها طلسم للفار فكان الفار لا يدخلها، ولا يعشش فيها، ولا يفرخ بها وأن
دخله افتضح وقتل، ومنها طلسم للعقرب وهو صورة نادر في منقاره شبه ذنب عقرب
فالعقرب، لا يدخل الجامع المكرم أصلا ولا يفرخ فيها، وإن أدخله بعض المصلين في
ثوبه ملصقة، جمد فلا يتحرك، قال الحاج الفقيه ابن هارون لقد شاهدت عقربا ظهر به في
يوم جمعة، جاءت في ثياب بعض المصلين وفى بعض أمتعتهم، فوقعت بين
الصفوف
جامدة فلا تتحرك كمثل الميت حتى كملت الصلاة والناس قد فسحوا من حولها
خوفا من أذائها، فلما فرغوا من الصلاة قتلوها فتحركت حين قتلت وهذه غايتها،
ومنها طلسم على رأس عمود من نحاس اصفر فيه تففيح، يُذكر انه للحية فهي ايضا لا
تتفرخ فيه ولا تدخلها وأن دخلتها افتضحت وقتلت. وقيل أن ما وجد فيها من
الحيات فهو من عمر الجنّ وهذا لا ينكر ولم يوجد قط على قديم الزمان وحديثه من
لدغته فيه حية ولا عقرب. وبنى أيضا الحاجب المظفر عبد الملك بن المنصور بن ابي
عامر السقاية والبيت المستقاة بارا باب الحفات، وجلب الينا الماء من وادي حسن
الذي بخارج المدينة من ناحية باب الحديد، وصنع بالجمع المكرم منبراً من خشب
القنب.