انتقل إلى المحتوى

صفحة:ألف ليلة وليلة (الجزء الأول).pdf/54

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
ألف ليلة وليلة (الجزء الأول)

فلما فرغَتْ من شعرها قلتُ لها وسيفي مسلول في يدي: هذا كلام الخائنات اللاتي ينكرن العِشرة، ولا يحفظن الصحبة. وأردتُ أن أضربها، فرفعت يدي في الهواء، فقامت وقد علمت أني أنا الذي جرحتُ العبدَ، ثم وقفَتْ على قدمَيْها، وتكلَّمَتْ بكلامٍ لا أفهمه، وقالت: جعل الله بسحري نصفك حجرًا، ونصفك الآخر بشرًا. فصرتُ كما ترى، وبقيتُ لا أقوم ولا أقعد، ولا أنا ميت ولا أنا حي، فلما صرتُ هكذا سحرَتِ المدينة وما فيها من الأسواق والغيطان، وكانت مدينتنا أربعة أصناف: مسلمين، ونصارى، ويهودًا، ومجوسًا. فسحرتهم سمكًا، فالأبيض مسلمون، والأحمر مجوس، والأزرق نصارى، والأصفر يهود، وسحرَتِ الجزائرَ الأربعة أربعةَ جبال، وأحاطتها بالبِركة، ثم إنها كلَّ يوم تعذِّبني وتضربني بسوطٍ من الجلد مائةَ ضربة حتى يسيل الدم، ثم تلبسني من تحت هذه الثياب ثوبًا من الشعر على نصفي الفوقاني. ثم إن الشاب بكى، وأنشد هذا الشعر:

صَبْرًا لِحُكْمِكَ يَا إِلَهِي وَالْقَضَا
أَنَا صَابِرٌ إِنْ كَانَ فِيهِ لَكَ الرِّضَا
قَدْ ضِقْتُ بِالْأَمْرِ الَّذِي قَدْ نَابَنِي
فَوَسِيلَتِي آلُ النَّبِيِّ الْمُرْتَضَى

فعند ذلك التفت الملك إلى الشاب، وقال له: أيها الشاب، زدتني همًّا على همي. ثم قال له: وأين تلك المرأة؟ قال: في المدفن الذي فيه العبد راقد في القبة، وهي تجيء له كل يوم مرةً، وعند مجيئها تجيء إليَّ وتجرِّدني من ثيابي، وتضربني بالسوط مائةَ ضربة، وأنا أبكي وأصيح، ولم يكن فيَّ حركة حتى أدفعها عن نفسي، ثم بعد أن تعاقبني تذهب إلى العبد بالشراب والمسلوقة بكرة النهار. قال الملك: والله يا فتى لَأفعلن معك معروفًا أُذكَر به، وجميلًا يؤرِّخونه سِيَرًا من بعدي. ثم جلس الملك يتحدَّثَ معه إلى أن أقبل الليل، ثم قام الملك وصبر إلى أن جاء وقت السحر، فتجرَّدَ من ثيابه، وتقلَّدَ سيفه، ونهض إلى المحل الذي فيه العبد، فنظر إلى الشمع والقناديل، ورأى البخور والأدهان، ثم قصد العبد وضربه فقتله، ثم حمله على ظهره، ورماه في بئر كانت في القصر، ثم نزل ولبس ثياب العبد وهو داخل في القبة، والسيف معه مسلول في طوله، فبعد ساعة أتَتِ العاهرةُ الساحرة، وعند دخولها جرَّدت ابن عمها من ثيابه، وأخذت سوطًا وضربته، فقال: آه، يكفيني ما أنا فيه فارحميني. فقالت: هل كنت أنت رحمتني، وأبقيتَ لي معشوقي؟! ثم ألبسته اللباس الشعر والقماش من فوقه، ثم نزلت إلى العبد، ومعها قدح الشراب، وطاسة المسلوقة،

٥٤