انتقل إلى المحتوى

صفحة:ألف ليلة وليلة (الجزء الأول).pdf/49

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
فلما كانت الليلة ٩

ذلك أنه خطر ببالي أن أنفرد بنفسي في هذه الليلة، وأبحث عن خبر هذه البركة وسمكها، فاجلس على باب خيمتي، وقُلْ للأمراء والوزراء والحجاب إن السلطان متشوش، وأمرني أنْ لا آذَن لأحد في الدخول عليه، ولا تُعلِمْ أحدًا بقصدي. فلم يقدر الوزير على مخالفته، ثم إن الملك غيَّرَ حالته، وتقلَّدَ سيفه، وانسلَّ من بينهم، ومشى بقية ليله إلى الصباح، فلم يزل سائرًا حتى اشتد عليه الحر فاستراح، ثم مشى بقيةَ يومه وليلته الثانية إلى الصباح، فلاحَ له سوادٌ من بُعْد؛ ففرح وقال: لَعَلِّي أجد مَن يخبرني بقضية البركة وسمكها. فلما قرب من السواد وجده قصرًا مبنيًّا بالحجارة السود، مصفَّحًا بالحديد، وأحد شِقَّيْهِ مفتوح والآخر مغلوق، ففرح الملك، ووقف على الباب ودقَّ دقًّا لطيفًا، فلم يسمع جوابًا، فدقَّ ثانيًا وثالثًا، فلم يسمع جوابًا، فدقَّ رابعًا دقًّا مزعجًا فلم يُجِبْهُ أحدٌ، فقال: لا شكَّ أنه خالٍ. فشَجَّعَ نفسه ودخل من باب القصر إلى دهليزه، ثم صرخ وقال: يا أهل القصر، إني رجل غريب وعابر سبيل، هل عندكم شيء من الزاد؟ وأعاد القول ثانيًا وثالثًا فلم يسمع جوابًا؛ فقوَّى قلبه، وثبَّت نفسه، ودخل من الدهليز إلى وسط القصر، فلم يجد فيه أحدًا غير أنه مفروش، وفي وسطه فسقية عليها أربعة سباع من الذهب الأحمر، تُلقِي الماء من أفواهها كالدر والجواهر، وفي دائره طيور، وعلى ذلك القصر شبكة تمنعها من الطلوع، فتعجَّبَ من ذلك، وتأسَّفَ حيث لم يَرَ فيه أحدًا يستخبر منه عن تلك البركة والسمك والجبال والقصر، ثم جلس بين الأبواب يتفكَّر، وإذا هو بأنينٍ من كبد حزين، فسمعه يترنم بهذا الشعر:

لَمَّا خَفَيْتُ ضَنًى وَوَجْدِي قَدْ ظَهَرْ
وَالنَّوْمُ مِنْ عَيْنِي تَبَدَّلَ بِالسَّهَرْ
نَادَيْتُ وَجْدًا قَدْ تَزَايَدَ بِالْفِكَرْ
يَا وَجْدُ لَا تُبْقِي عَلَيَّ وَلَا تَذَرْ
هَا مُهْجَتِي بَيْنَ الْمَشَقَّةِ وَالْخَطَرْ

فلما سمع السلطان ذلك الأنين نهض قائمًا، وقصد جهته فوجد سترًا مسبولًا على باب مجلس، فرفعه فرأى خلف الستر شابًّا جالسًا على سرير مرتفع عن الأرض مقدار ذراع، وهو شاب مليح بقَدٍّ رجيح، ولسان فصيح، وجبين أزهر، وخَدٍّ أحمر، وشامة على كرسيِّ خدِّه كترس من عنبر، كما قال الشاعر:

وَمُهَفْهَفٍ مِنْ شِعْرِهِ وَجَبِينِهِ
مَشَتِ الْوَرَى فِي ظُلْمَةٍ وَضِيَاءِ
مَا أَبْصَرَتْ عَيْنَاكَ أَحْسَنَ مَنْظَرًا
فِيمَا يُرَى مِنْ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ
كَالشَّامَةِ الْخَضْرَاءِ فَوْقَ الْوَجْنَةِ الْـ
ـحَمْرَاءِ تَحْتَ الْمُقْلَةِ السَّوْدَاءِ
٤٩