قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الصياد لما قال للعفريت: لو أبقيتني كنت أبقيتك، لكن ما أردتَ إلا قتلي، فأنا أقتلك محبوسًا في هذا القمقم، وألقيك في هذا البحر. صرخ المارد وقال: باللّٰه عليك أيها الصياد لا تفعل، وأبقني كرمًا، ولا تؤاخذني بعملي، فإذا كنتُ أنا مسيئًا كن أنت مُحسِنًا، ففي الأمثال السائرة: يا محسنًا لمَن أساء، كفى المسيء فعله. ولا تعمل كما عمل أمامة مع عاتكة.
قال الصياد: وما شأنهما؟ فقال العفريت: ما هذا وقت حديث وأنا في السجن حتى تطلعني منه، وأنا أحدثك بشأنهما. فقال الصياد: لا بد من إلقائك في البحر، ولا سبيل إلى إخراجك منه، فإني كنتُ أستعطفك، وأتضرَّع إليك، وأنت لا تريد إلا قتلي من غير ذنب استوجبتُه منك، ولا فعلتُ معك سوءًا قطُّ، ولم أفعل معك إلا خيرًا لكوني أخرجتك من السجن، فلما فعلتَ معي ذلك علمت أنك رديء الأصل، واعلم أنني ما رميتك في هذا البحر إلا لأجل أن كل مَن طلَّعك أخبره بخبرك، وأحذِّره منك، فيرميك فيه ثانيةً، فتقيم في هذا البحر إلى آخِر الزمان حتى ترى أنواع العذاب. فقال العفريت: أطلقني فهذا وقت المروءات، وأنا أعاهدك أني لن أسوءك أبدًا، بل أنفعك بشيء ينفعك دائمًا. فأخذ الصياد عليه العهد أنه إذا أطلَقَه لا يؤذيه أبدًا، بل يعمل معه الجميل، فلما استوثق منه بالأيمان والعهود، وحلَّفه باسم اللّٰه الأعظم، فتح له الصياد، فتصاعد الدخان حتى خرج وتكامل، فصار عفريتًا مشوَّه الخلقة، ورفس القمقم فرماه في البحر، فلما رأى الصياد أنه رمى القمقمَ في البحر أيقن بالهلاك، وبال في ثيابه، وقال: هذه ليست علامة خير. ثم إنه قوَّى قلبه وقال: أيها العفريت، قال اللّٰه تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾، وأنت قد