انتقل إلى المحتوى

صفحة:ألف ليلة وليلة (الجزء الأول).pdf/35

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
فلما كانت الليلة ٣

القبضة، وعرف الحكيم رويان أن الدواء سرى في جسده، فأمره بالرجوع إلى قصره، وأن يدخل الحمَّامَ من ساعته، فرجع الملك يونان من وقته، وأمر أن يُخلُوا له الحمامَ فأَخْلَوْه له، وتسارَعَ الفراشون، وتسابَقَ المماليك، وأعدُّوا للملك قماشه، ودخل الحمام واغتسل غسلًا جيدًا، ولبس ثيابه داخل الحمام، ثم خرج منه وركب إلى قصره ونام فيه.

هذا ما كان من أمر الملك يونان، وأما ما كان من أمر الحكيم رويان، فإنه رجع إلى داره وبات، فلما أصبح الصباح طلع إلى الملك، واستأذن عليه فأذن له في الدخول، فدخل وقبَّلَ الأرض بين يدَيْه، وأشار إلى الملك بهذه الأبيات:

زَهَتِ الْفَصَاحَةُ إِذْ دُعِيتَ لَهَا أَبًا
وَإِذَا دَعَتْ يَوْمًا سِوَاكَ لَهَا أَبَا
يَا صَاحِبَ الْوَجْهِ الَّذِي أَنْوَارُهُ
تَمْحُو مِنَ الْخَطْبِ الْكَرِيهِ غَيَاهِبَا
مَا زَالَ وَجْهُكَ مُشْرِقًا مُتَهَلِّلًا
كَيْ لَا نَرَى وَجْهَ الزَّمَانِ مُقَطِّبَا
أَوْلَيْتَنِي مِنْ فَضْلِكَ الْمِنَنَ الَّتِي
فَعَلَتْ بِنَا فِعْلَ السَّحَابِ مَعَ الرُّبَا
وَصَرَفْتَ جُلَّ الْمَالِ فِي طَلَبِ الْعُلَا
حَتَّى بَلَغْتَ مِنَ الزَّمَانِ مَآرِبَا

فلما فرغ من شعره نهض الملك قائمًا على قدميه، وعانقه وأجلسه بجانبه، وخلع الخلع السنية، ولما خرج الملك من الحمام نظر إلى جسده فلم يجد فيه شيئًا من البرص، وصار جسده نقيًّا مثل الفضة البيضاء؛ ففرح بذلك غاية الفرح، واتسع صدره وانشرح، فلما أصبح الصباح دخل الديوان، وجلس على سرير ملكه، ودخلت عليه الحُجَّابُ وأكابر الدولة، ودخل عليه الحكيم رويان، فلما رآه قام إليه مسرعًا، وأجلسه بجانبه، وإذا بموائد الطعام قد مُدَّتْ فأكل صحبتَه، وما زال عنده ينادمه طول نهاره، فلما أقبل الليل أعطى الحكيمَ ألفَيْ دينار غير الخلع والهدايا، وأركبه جواده وانصرف إلى داره، والملك يونان يتعجَّب من صنعه ويقول: هذا داواني من ظاهر جسدي، ولم يدهنِّي بدهان! فواللهِ ما هذه إلا حكمة بالغة، فيجب عليَّ لهذا الرجلِ الإنعامُ والإكرام، وأنْ أتخذه جليسًا وأنيسًا مدى الزمان.

وبات الملك يونان مسرورًا فرحان بصحة جسمه، وخلاصه من مرضه، فلما أصبح خرج الملك وجلس على كرسيه، ووقفت أرباب دولته بين يدَيْه، وجلست الأمراء والوزراء على يمينه ويساره، ثم طلب الحكيم رويان، فدخل عليه وقبَّلَ الأرضَ بين يدَيْه، فقام له الملك وأجلسه بجانبه، وأكل معه وحيَّاه، وخلع عليه وأعطاه، ولم يزل يتحدَّث معه إلى أن أقبل الليل، فرسم له بخمس خِلَعٍ وألف دينار، ثم انصرف الحكيم إلى داره وهو

٣٥