وأنا صرت شيخا كبيرا وقل سمعی وعجز تدبيری والقصد من مولانا السلطان أن يجعله فی مرتبتی فانه ابن أخی وزوج ابنتی وهو أهل للوزارة لانه صاحب رأی وتدبير فنظر السلطان اليه فاعجبه واستحسن رأی الوزير بما أشارعليه من تقديمه فی رتبة الوزراء فانعم عليه بها وأمر له بخلعة عظيمة وزاد له الجوامك والجرايات الى ان اتسع عليه الحال وسارله مراكب تسافر من تحت يده بالمتاجر وغيرها وعمرأملاكا كثيرة ودواليب وبساتين الى ان بلغ عمرولده حسن أربع سنين فتوفی الوزير الكبير والد زوجة نورالدين فاخرجه خرجة عظيمة واوراه فی التراب ثم اشتغل بعد ذلك بتربية ولده فلما بلغ أشده أحضر له فقيها يقرئه فی بيته وأوصاه بتعليمه وحسن تربيته فاقرأه وعلمه فوائد فی العلم بعد ان حفظ القرآن فی مدة سنوات ومازال حسن يزداد جمالا وحسنا واعتدالا كما قال الشاعر
وقد رباه الفقيه فی قصر أبيه ومن حين نشأته لم يخرج من قصر الوزارة الى أن أخذه والده الوزير نور الدين يوما من الايام وألبسه بدلة من أفخر ملبوسه وأركبه بغلة من خيار بغاله وطلع به الى السلطان ودخل به عليه فنظر الملك حسن بدر الدين بن الوزير نور الدين فانبهر من حسنه وقال لأبيه يا وزير لابد انك تحضره معك فی كل يوم فقال سمعا وطاعة ثم عاد الوزير بولده الى منزله وما زال يطلع به الى تحضرة السلطان فی كل يوم الى ان بلغ الولد من العمر خمسة عشر عاما ثم ضعف والده الوزير نورالدين فاحضره وقال له يا ولدی أعلم ان الدنيا دار فناء والآخرة دار بقاء وأريد أن أوصيك وصايا فافهم ما أقول لك واصغ قلبك اليه وصار يوصيه بحسن عشرة الناس وحسن التدبيرثم ان نور الدين تذكر أخاه وأوطانه وبلاده وبكى على فرقة الاحباب وسجت دموعه وقال يا ولدی اسمع قولی فان لی أخا يسمى شمس الدين وهو عمك ولكنه وزير بمصر قد فارقته وخرجت على غير رضاه والقصد انك تأخذ درجا من الورق وتكتب ما أمليه عليك فاحضر قرطاسا وصار يكتب فيه كل ما قاله أبوه فاملى عليه جميع ما جرى له من أوله الى آخره وكتب له تاريخ زواجه ودخوله على بنت الوزير وتاريخ وصوله الى البصرة واجتماعه بوزيرها وكتب وصية موثقة ثم قال لولده احفظ هذه الوصية فان ورقتها فيها أصلك وحسبك ونسبك فان أصابك شی من الامور فاقصد مصر واستدل على عمك وسلم عليه وإعلمه انی مت غريبا مشتاقا اليه فاخذ حسن بدرالدين الرقعة وطواها ولف عليها خرقة مشمعة وخاطها بين البطانة والظهارة وصار يبكی على أبيه من أجل فراقه وهو صغير وما زال نورالدين يوصی ولده حسن بدر الدين حتى طلعت روحه فاقام الحزن في بيته وحزن عليه السلطان وجميع الامراء ودفنوه ولم يزالوا فی حزن مدة شهرين وولده لم يركب ولم يطلع الديوان ولم يقابل السلطان واقام مكانه بعض الحجاب وولى السلطان وزيراجدید امكانه وأمره أن يختم على أماكن نور الدين وعلى عماراته وعلى أملاكه فنزل الوزير الجديد وأخذ الحجاب وتوجهوا الى بيت الوزير نوريختمون عليه ويقبضون على ولده حسن بدر الدین ويطلعون به الى السلطان ليعمل فيه ما يقتضی رأيه وكان بين العسكر مملوك من