على الغلمان فطرحوه وضربوه الى أن اغمی عليه ثم امر أن يضعوا في رجليه قيدا وصاح على السجان فلما حضر قبل الارض بين يديه وكان هذا السجان يقال له قطيط فقال له يا قطيط أريد أن تأخذ هذا وترميه فی مطمورة من المطامير التی عندك فی السجن وتعاقبه بالليل والنهار فقال له السجان سمعا وطاعة ثم ان السجان ادخل نور الدين فی السجن وقفل عليه الباب ثم أمر بكنس مصطبة وراء الباب وفرشها بسجادة أو مخدة واقعد نور الدين عليها وفك قيده واحسن اليه وكان كل يوم يرسل الى السجان ويأمره بضربه والسجان يظهر انه يعاقبه وهو يلاطفه ولم يزل كذلك مدة أربعين يوما فلما كان اليوم الحادی والاربعون جاءت هدية من عند الخليفة فلما رآها السلطان اعجبته فشاور الوزراء فی أمرها فقال لعل هذه الهدية كانت للسلطان الجديد فقال الوزير المعين ابن ساوي لقد كان المناسب قتله وقت قدومه فقال السلطان والله لقد ذكرتنی به انزل هاته واضرب عنقه فقال الوزير سمعا وطاعة فقام وقال له ان قصدی ان انادی فی المدينة من أراد أن يتفرج على ضرب رقبة نور الدين علی بن خاقان فليأت الى القصر فيأتی جميع الناس ليتفرجوا عليه لاشفی فؤادی واكمد حسادی فقال له السلطان افعل ما تريد فنزل الوزير وهو فرحان مسرور وأقبل على الوالی وأمره ان ينادی بما ذكرناه فلما سمع الناس المنادی حزنوا وبكوا جميعا حتى الصغار فی المكاتب والسوقة في دكاكينهم وتسابق الناس يأخذون لهم أماكن ليتفرجوا فيها وذهب بعض الناس الى السجن حتى يأتی معه ونزل الوزير ومعه عشرة مماليك الى السجن ثم انهم نادوا على نور الدين هذا أقل جزاء من يزور مكتوبا على الخليفة الى السلطان ولا زالوا يطوفون به فی البصرة الى أن أوقفوه تحت شباك القصر وجعلوه فی منقع الدم وتقدم اليه السياف وقال له انا عبد مأمور فان كان لك حاجة فاخبرنی بها حتى اقضيها لك فانه ما بقی من عمرك الا قدر ما يخرج السلطان وجهه من الشباك فعند ذلك نظر يمينا وشمالا وأنشد هذه الابيات
فتباكت الناس عليه وقام السياف وأخذ شربة ماء يناوله اياها فنهض الوزير من مكانه وضرب قلة الماء بيده فكسرها وصاح على السياف وامره بضرب عنقه فعند ذلك عصب عينی علی نور الدين فصاح الناس على الوزير وأقاموا عليه الصراخ وكثر بينهم القيل والقال فبينماهم كذلك واذا بغبار قد علا وعجاج ملأ الجو والفلا فلما نظر اليه السلطان وهو قاعد فی القصرقال انظروا ماالخبر فقال الوزير حتى نضرب عنق هذا قبل فقال له السلطان اصبر انت حتى ننظر الخبر وكان ذلك الغبار غبار جعفر وزير الخليفة ومن معه وكان السبب فی مجيئهم ان الخليفة مكث ثلاثين يوما لم يتذكر قصة علی بن خاقان ولم يذكرها له احد الى ان جاء ليلة من الليالی الى مقصورة انيس الجليس فسمع بكاءها وهی تنشد بصوت رقيق قول الشاعر