انتقل إلى المحتوى

شغلي عن الدار أبكيها وأرثيها

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

شُغلي عَنِ الدارِ أَبكيها وَأَرثيها

​شُغلي عَنِ الدارِ أَبكيها وَأَرثيها​ المؤلف صريع الغواني


شُغلي عَنِ الدارِ أَبكيها وَأَرثيها
إِذا خَلَت مِن حَبيبٍ لي مَغانيها
دَعِ الرَوامِسَ تَسفى كُلَّما دَرَجَت
تُرابَها وَدَعِ الأَمطارَ تُبليها
إِن كانَ فيها الَّذي أَهوى أَقَمتُ بِها
وَإِن عَداها فَما لي لا أُعَدّيها
أَحَقُّ مَنزِلَةٍ بِالتَركِ مَنزِلَةٌ
تعَطَّلَت مِن هَوى نَفسي نَواديها
أَمكَنتُ عاذِلَتي في الخَمرِ مِن أُذُنٍ
صَمّاءَ يُعيِ صَداها مَن يُناديها
وَقُلتُ حينَ أَدارَ الكَأسَ لي قَمَرٌ
الآنَ حينَ تَعاطى القَوسَ باريها
يا أَملَحَ الناسِ كَفّاً حينَ يَمزُجُها
وَحينَ يَأخُذُها صِرفاً وَيُعطيها
قَد قُمتَ مِنها عَلى حَدٍّ يُلائِمُها
فَهَكَذا فَأَدِرها بَينَنا إِيها
إِن كانَتِ الخَمرُ لِلأَلبابِ سالِبَةً
فَإِنَّ عَينَيكَ تَجري في مَجاريها
سِيانَ كَأسٌ مِنَ الصَهباءِ أَشرَبُها
وَنَظرَةٌ مِنكَ عِندي حينَ تُصبيها
في مُقلَتَيكَ صِفاتُ السِحرِ ناطِقَةٌ
بِلَفظِ واحِدَةٍ شَتّى مَعانيها
فَاِشرَب لَعَلَّكَ أَن تَحظى بِسَكرَتِها
فَتَصدُقَ الكَأسُ نَفَساً ما تُمَنّيها
وَمُخطَفِ الخَصرِ في أَردافِهِ عَمَمٌ
يَميسُ في خامَةٍ رَقَّت حَواشيها
إِذا نَظَرتُ إِلَيهِ تاهَ عَن نَظَري
وَإِن شَكَوتُ إِلَيهِ زادَني تيها
لَولا الأَمينُ الَّذي في الأَرضِ ما اِختَلَسَت
بَناتُ لَهوي إِذا عَنَّت غَواشيها
خَليفَةُ اللَهِ قَد ذَلَّت بِطاعَتِهِ
صُعرُ الخُدودِ بِرَغمٍ مِن مَراقيها
أَحيَت يَداهُ النَدى وَالجودَ فَاِنتَشَرا
في الأَرضِ طُرّاً وَجالا في نَواحيها
عَمَّت مَكارِمُهُ الدُنيا فَأَوَّلُها
تُهدى نَداهُ إِلى أُخرى أَقاصيها
كَم مِن يَدٍ لِأَمينِ اللَهِ لَو شُكِرَت
لَقَصَّرَ النَفسُ عَن أَدنى أَدانيها
فَتىً تُهينُ رِقابَ المالِ راحَتُهُ
إِذا أَتاها مُريدُ المالِ يَبغيها
يُمنى يَدَيكَ لَنا جَدوى مُطَبَّقَةٍ
هَذا السَحابُ بِأَعلى الأُفقِ يَحكيها
حَلَّت قُرَيشُ العُلا مِن كُلِّ مَكرُمَةٍ
وَحَلَّ بَيتُكَ في أَعلى أَعاليها
فُقتَ البَرِيَّةَ مِن كَهلٍ وَمِن حَدَثٍ
وَفاقَ أَباؤُكَ الماضونَ ماضيها
شَيَّدتَ بَيتَكَ في عَلياءِ مَكرُمَةٍ
يُقَصِّرُ النَجمُ عَن أَدنى مَراقيها
ما يَسبِقُ الناسُ في غاياتِ مَكرُمَةٍ
إِلّا وَكَفُّكَ دونَ الخَلقِ تَحويها
خَليفَةُ اللَهِ لَو عُدَّت فَضائِلُهُ
إِذاً لَقَلَّ مِن الحُسّابِ مُحصيها
جارى الأَمينُ مُلوكَ الناسِ كُلَّهُمُ
فَما تُقُدِّمَ سَبقاً في مَباديها
نالَت مَكارِمُكَ العَيّوقَ فَاِتَّصَلَت
بِهِ وَقَصَّرَ عَنها مَن يُساميها
يا أَكرَمَ الناسِ إِذ تُرجى لِنائِبَةٍ
جاءَت بِها حادِثاتُ الدَهرِ تَهديها
لَسنا نَخافُ صُروفَ الدَهرِ ما عَلِقَت
أَكُفُّنا بِحِبالٍ مِنكَ تَمريها
كافى الإِمامُ الوَرى طُرّاً بِأَجمَعِها
وَفاقَهُم بِبُيوتِ المَجدِ يَبنيها
رَآكَ رَبُّكَ أَهلاً إِذ حَباكَ بِها
فَاِبقَ وَدُم بِسُرورٍ ناعِماً فيها
أَحيا المَكارِمَ هارونٌ وَأَثبَتَها
وَأَنتَ في الناسِ يا اِبنَ الغُرِّ تُمضيها
يا مُثبِتَ المُلكِ إِذا زالَت دَعائِمُهُ
وَثارَ بِالفِتنَةِ العَمياءِ باغيها
كَم طَعنَةٍ لَكَ في الأَعداءِ مُهلِكَةٍ
نَجلاءَ تُعجِلُهُم عَن نَفثِ راقيها
لَمّا غَدَوتَ إِلى الأَعداءِ مُطَّلِعاً
غَيرَ الجَبانِ عَلَيها لا تُباليها
قَسَمتَ فيها مَنايا غَيرَ مُبقِيَةٍ
وَقُمتَ عِندَ نُفوسِ الحَقِّ تُحيِيها
أَخَمَدتَ بِالشَرقِ نيراناً مُؤَجَّجَةً
قَد كانَ عَزَّ عَلى الإِسلامِ مُخبيها
حَتّى بُعِثتَ عَلَيها رَحمَةً فَخَبَت
نيرانُها بِكَ فَاِنفَتَّت أَفاعيها
ما ضَيَّعَ اللَهُ قَوماً صِرتَ تَملِكُهُم
وَلا أَضاعَ بِلاداً أَنتَ واليها