شعر المعتمد بن عباد
► | منقول من تاريخ الإسلام للذهبي | ◄ |
له في حاله:
تَبَدَّلْتُ من ظِلِّ عزِّ البُنُود ** بِذُلِّ الحديد وثِقْل القُيُودِ
وكان حديدي سِنانًا ذَلِيقًا ** وعَضْبًا رَقيقًا صَقيلَ الحديد
وقد صار ذاك وذا أدْهَمًا ** يَعَضُّ بساقيَّ عَضَّ الأسُودِ
وقيل: إنّ بنات المعتمد دخلن عليه السّجنَ في يوم عيدٍ، وكُنَّ يغْزِلن للنّاس بالأُجرة في أغْمات، فرآهنّ في أطمارٍ رثَّةٍ، فَصَدَعْنَ قلبه، فقال:
فيما مضى كنتَ بالأعياد مسرورًا ** فساءك العيدُ في أَغْماتَ مأسورا
ترى بناتِك في الأطمار جائعةٍ ** يغزلن للناس لا يملكن قِطْميرا
بَرَزْنَ نحوك للتّسليم خاشعةً ** أبصارهُنَّ حسيراتٍ مَكَاسيرا
يَطَأْنَ في الطِّين والأقدامُ حافيةٌ ** كأنّها لم تَطَأَ مِسْكًا وكافورا
من بات بعدَكَ في ملكٍ يُسَرُّ به ** فإنّما بات بالأحلام مغرورا
ودخل عليه ولده أبو هاشم، والقيود قد عضّت بساقيه، فقال:
قَيْدي، أما تَعْلَمُني مُسْلمًا ** أبيتَ أن تُشْفق أو تَرْحما
دمي شرابٌ لك، واللّحم قد ** أكلْتَه، لا تهشم الأعظُما
يُبصرني فيك أبو هاشمٍ ** فينثني، والقلب قد هشّما
ارحم طفيلاً طائشاً لبّه ** لم يخش أن يأتيك مسترحما
وارحم أخيّاتٍ له مثله ** جرّعتهُنَّ السُّمّ والعَلْقَما
وللمعتمد وقد أُحيط به:
لمّا تماسكتِ الدّموعُ ** وتَنَهْنَهَ القلبُ الصَّدِيعُ
قالوا: الخضوعُ سياسةٌ ** فَلْيَبْدُ منك لهم خضوع
وألذ من طعم الخضو ** ع على فمي السّمُّ النّقِيعُ
إن تَسْتَلِبْ عنِّي الدُّنَا ** مّلْكي وتُسْلِمُني الْجُمُوعُ
فالقلبُ بين ضُلُوعِهِ ** لم تُسّلِمِ القلبَ الضُّلُوعُ
قد رُمْتُ يوم نِزَالِهم ** أنْ لا تحصِّنني الدُّرُوعُ
وبرزت ليس سوى القميـ ** ـصٍ عن الحشَى شيءٌ دَفُوعُ
أجَليَ تأخّر، لم يكن ** بهواي ذلّي والخشوع
ما سرت قطّ إلى القتا ** ل وكان في أملي رجوع
شِيَمُ الأُولَى أنا منهمُ ** والأصل تتْبعهُ الفروعُ