شرح تشريح القانون لابن سينا/القسم الثاني/الفصل الرابع
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه تشريح الأنف يشتمل... إلى آخر الفصل.
الشرح
الأنف مخلوق لكل حيوان يتنفس الهواء وذلك كل حيوان له رئة، ويختص الإنسان بأن أنفه بارز من بين عينيه ليكون وقاية لهما مما يرد إلى العين من جهة الأنف ومنقار الطير يقوم له مقام الأنف. وأما الفيل فلما كان حيواناً عظيم الجثة جداً، وكان ارتفاعه كثيراً لم يكن أن يكون له عنق إذ لو كان له عنق لاحتاج أن يكون طويلا جداً ليصل رأسه إلى الأرض لأجل الرعي ونحوه.
ولو كان كذلك لم يتمكن من حمل رأسه فلذلك جعل عديم العنق، فلذلك تعذر تصويته من فمه وتعذر أكله بدون شيء ممتد يصل إلى الأرض ليأخذ به الغذاء من العشب وذلك الممتد يمكن أن يكون آلة يتنفس بها فلذلك خلق الخرطوم وذلك الخرطوم هو له أنف ومع ذلك فقد جعل آلة يتناول بها ما يتناوله بنفسه أو بشأن وجعل طرفها صلباً ليتمكن به من قطع العشب وغيره فلذلك أنف الفيل يقوم له مقام اليد ومأخذه خرطومه يوصله إلى فمه وهو في أعلى فمه ومن خصائص الإنسان أنه أضعف الحيوان شماً، فلذلك هو محتال على إدراك الرائحة بالتبخر والتسخين بسبب الحك ونحوه والأنف يبتدئ من أسفل واسعاً ثم يتضايق إلى فوق أما سعته من أسفل فليأخذ هواءً كثيراً، وأما ضيقه في أعلاه فليمكن ما يصحب الهواء المستنشق من النسيم ونحوه من النفوذ إلى داخل، وإنما ابتدأ من أسفل إلى فوق، ولم يحصل أو له فوق بحذاء آلة الشم، وذلك ليكون الهواء المجذوب إلى الرئة صعود ونزول معين على انجذابه وكذلك لاستحالة الخلاء وهذا كما في الأنابيب التي تعمل لانجذاب الماء فيها لأجل استحالة الخلاء، وعند أعلى الأنف منفذان دقيقان جداً ينفذان إلى داخل العينين بحذاء الموق الأعظم وفيهما تنفذ الروائح الحادة وغيرها إلى داخل العينين ولذلك تتضرر العينان برائحة الصنان القوي ولذلك أيضا تدمع عند شم مثل البصل ومن هذين المنفذين تندفع الفضول الغليظة التي في داخل العينين وهي التي تغلظ عند الاندفاع بالدموع. وإذا حدث لهذين المنفذين انسداد كما عند الغرب كثرت الفضول في العينين ولذلك تكثر أمراضها حينئذٍ وإذا انتهى الأنف إلى أعلاه انقسم المجرى هناك إلى ثلاثة أقسام:
قسم واحد غليظ متسع ينحدر مؤرباً إلى آخر فضاء الفم، وفيه ينفذ الهواء إلى الحنجرة وقصبة الرئة ثم إلى الرئة وقسمان دقيقان يصعد منهما الهواء إلى عظام المصفاة المثقبة، ومن هناك إلى داخل الأم الجافية في ثقوب الأم الجافية محاذية لثقوب تلك العظام ومن هناك تنفذ إلى الزائدتين الشبيهتين بحلمة الثدي اللتين في مقدم الدماغ وفي كل واحدة من تلك الزائدتين ثقب دقيق جداً يفضي إلى داخل الدماغ، فلذلك فإن الروائح لها تأثير قوي في الدماغ، وذلك لأجل نفوذها صحبة الهواء المستنشق في هذين الثقبين إلى داخل الدماغ. ومما يدل على أن إدراك الرائحة هو بهاتين الزائدتين أن الهواء المخالط للرائحة وإن كثرت تلك الرائحة وقويت فإن تلك الرائحة إنما تدرك إذا استنشق ذلك الهواء حتى بلغ هناك ولو كان إدراك الرائحة هو بالمنخرين لكنا ندرك تلك الرائحة بدون الاستنشاق وذلك إذا امتلأ المنخران من الهواء الحامل لتلك الرائحة ومن ذينك الثقبين تندفع الفضول من البطن المقدم من الدماغ إلى حيث ينتهي إلى الأنف في التصعيد فينزل بعضها في مجرى الحنك إلى فضاء الفم، وبعضها يخرج من الأنف وباقي ألفاظ هذا الفصل ظاهرة المعنى. والله ولي التوفيق.