شرح الحديثين في فضائل فاطمة/الحديث الأول
الحديث الأول
رَوَى اَلصَّدُوق عَلَيِهِ اَلرَّحْمّة عَنْ مُحَمَّدْ بِنْ إِبْرَاهِيمْ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرْ مُحَمَّدْ بِنْ جَرِيرْ اَلطَّبَرِيْ، قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّدْ اَلْحَسَنْ بِنْ عَبْدُ اَلْوَاحِدْ اَلْخَرَّازْ، قَال حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيل بِنْ عَلِيْ السَّنَدِيْ عَنْ مَنِيعْ بِنْ الحَجَّاجْ عَنْ عِيسى بِنْ مُوسى عَنْ جَعْفَرْ اَلْأَحْمَرْ عَنْ أَبِي جَعْفَرْ
شرح: محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني، أكثر الصدوق من الرواية عنه مترضياً، ولعله من مشايخه رضوان الله عليهم. حكى أبو علي أن الظاهر أن كنيته أبو العباس، ولقبه المكتب كما يظهر من غيبة الصدوق، قال جزم جده رحمه الله في حواشي النقد بأنه من مشائخه، ومحمد بن جرير هو ابن رستم، إماميّ ثقة، ولعله صاحب الإيضاح، روى عنه الحسن بن حمزة، وأما الحسن بن عبد الواحد، فقال أبو علي أنه أبو أحمد وهو الزربي، ومن ترجمة الشيخ ما يدل على جلالاته، ولم يظهر لي الحق في كنيته أنه أبو أحمد أو أبو محمد، وفي جميع نسخ المجالس أبو محمد، وكذا العوالم، وكذلك الاختلاف في الزربي الخراز، ولكن الظاهر أنه واحد إذ لا يتعدد عبد الواحد، وقال أبو علي أن الشيخ رحمه الله مدحه وعلى أي حال لا يضر بصحة الخبر بعد صحة مضامينه ورواية الصدوق له من غير إنكار. وإسماعيل بن علي السندي لا أعرفه، فإن إسماعيل بن علي اسم جماعة موثقين وغير موثقين، ولم ينسب أحدهم إلى السند، ولعله مصحف المسلي، والله أعلم. وفي منتهى المقال إسماعيل بن علي المعلى، يسند عنه الصدوق، وفي الألقاب قال لقب إسماعيل بن علي مسلي، ولعل الأول غلط، وكذلك قال المجلسي في رجاله، وكل ذلك شاهد أن السندي مصحف، ومنيع بن الحجاج أيضاً لم يذكر في الرجال، والمذكور فيما عندنا من كتب الرجال منيع بن رقاد من أصحاب مولانا أبي عبد الله الحسين ومولانا السجاد صلوات الله عليهما، وكذلك عيسى بن موسى غير مذكور، والمذكور هو عيسى بن المستفاد أبو موسى، وهو موثق مذكور، والمذكور هو عيسى بن المستفاد أبو موسى وهو موثق، وبعضهم قال عيسى المستفاد أبو موسى، ويحتمل كون الأصل عيسى أبو موسى وصحفه نساخ المجالس، والله أعلم، وأمَّا جعفر الأحمر ابن زياد أبو عبد الله؛ حكى أبو علي عن الصدوق عليه الرحمة أنه شيعي، وعن ميزان الاعتدال أنه ثقة صالح الحديث، صدوق شيعي، ومن رؤسائهم، حبسه أبو جعفر مع جماعة من الشيعة في المطبق، وبالجملة رجال الخبر بعضهم مشتهبون، ولكن يكفينا في صحته عدم إنكار الصدوق له بل روايته في أماليه التي يريد تنبيه أصحابه وتعليمهم بها، ونقل الحديث الصحيح ونشر العلم أول دليل على صحتها، فلا مجال لأحد في إنكار هذه الرواية، ويشهد بصحتها أيضاً رواية مولانا أبي جعفر عن جابر عن رسول الله فإن من كان متجسساً في الأخبار ناظراً في الآثار يعرف باليقين أنه ليس من دأب الأئمة رواية الحديث عن الصحابة عن رسول الله إذ لا واسطة في عالم الحقيقة بينهم، وهم بأنفسهم يأخذون عنه، وكلفوا بهداية الخلق، وعلى غيرهم تصحيح ما سمعه من رسول الله بتصديقهم، وليس على أحد تعليمهم ونقل الرواية لهم إلا بأمرهم إذ هم الحجة على من سواهم، ولكنه صلى الله عليه لما أراد ذكر فضل أمه صلوات الله عليهما، ورأى أن الناس لا يتحملون بل ينكرون عليه حديثه لقلة إيمانهم أسنده إلى جابر الذي كان معروفاً بالصدوق معظماً عندهم لأنه كان من كبار الصحابة فتدبر.
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامْ: سَمِعْتُ جَابِرْ بِنْ عَبْدَاللهِ اَلْأَنْصَارِي يَقُولْ: قَالَ رَسُولُ اَللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ: إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَة تُقْبِلُ اِبْنَتِي فَاطِمَة عَلَى نَاقةٍ مِنْ نُوقِ اَلجَّنَة،
شرح: الناقة هي الأنثى من الإبل خصت بها لشرافتها من أنواع الإبل، وبعض المناسبات المعنوية مما سنذكرها، ولكنه صرح بأنها من نوق الجنة، ومن ذلك يظهر عظمة أمر فاطمة عليها السلام وخطر مقامها، واعلم أولاً أن الناس يحشرون يوم القيامة رجالاً إلا جماعة مخصوصين فإنهم يحشرون ركباناً لتعظيم شأنهم كما روي في العوالم عن الرضا عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي إذا كان اليوم القيامة، كنت أنت وولدك على خيل بلق متوجين بالدر والياقوت فيأمر الله بكم إلى الجنة والناس ينظرون. وعنه وعن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ليس في القيامة راكب غيرنا ونحن أربعة. قال: فقام إليه رجل من الأنصار، فقال: فداك أبي وأمي أنت ومن؟ قال: أنا على دابة الله البراق، وأخي صالح على ناقة الله التي عقرت، وعمي حمزة على ناقتي العضباء، وأخي علي بن أبي طالب وبيده لواء الحمد. وعن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: أيها الناس نحن في القيامة ركبان أربعة ليس غيرنا، فقال له قائل: بأبي أنت وأمي يا رسول الله من الركبان؟ قال: أنا على البراق، وأخي صالح على ناقة الله التي عقرها قومه، وابنتي فاطمة على ناقتي العضباء، وعلي بن أبي طالب على ناقة من نوق الجنة. وفي رواية أخرى عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لعلي عليه السلام: إذا كان يوم القيامة جئت أنت وشيعتك ركباناً على نوق من نور البرق تطير بكم في أرجاء الهواء ينادون في عرصة القيامة: نحن العلويون. فيأتيه النداء من قبل الله: أنتم المقربون الذين لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون. انتهى
فيظهر من هذه الأخبار أن الركوب لا ينحصر في مولاتنا فاطمة سيدة النساء عليها السلام، بل ظهر من حديث الرضا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أن الأئمة عليهم السلام جميعهم يحشرون راكبين، بل ظهر من الرواية الأخيرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله أن الشيعة أيضاً راكبون، ولا تعارض بين هذه الأخبار، ولكن النفي والإثبات بملاحظة الحيوث والجهات، فأما حديث الرضا عليه السلام في ركوب أهل البيت فلا يعارض الباقي لأنه محض إثبات ركوبهم، ولا ينفي ركوب السايرين، وأما الحديثان النافيان عن غير الأربعة فيحملان على عدم ركوب الباقي بهذه الصفة أو بملاحظة اختلاف العرصات ففي عرصة تقوم الأربعة، وفي عرصة يقوم الباقون ورسول الله صلى الله عليه وآله معهم، أو بملاحظة أن أمير المؤمنين هو أصل الأئمة ومبدأهم ومؤثر الشيعة ومنيره صلوات الله عليهم جميعاً، وبإثباته يثبت الكل، وبنفيه ينتفي الكل، ذكر اسمه في الخبرين ولم يذكر الباقين، وأما تخصيص العضباء في خبر بحمزة وفي خبر بفاطمة عليها السلام، فلإختلاف المقام، فإن مقام فاطمة عليها السلام في أعلى الدرجات، ولا يقوم حمزة معها إذ هو من شيعته، وفي عالم حمزة يكون ظهور أيضاً للعضباء، فيجوز أن يكون حمزة أيضاً راكباً لها، ومثال ذلك أنه يقال أن من عمل هذا العمل يحشر مع إبراهيم عليه السلام، ولا يراد من ذلك أنه يقوم في درجته، فإذا عرفت ما بيناه فاعلم أن مراده صلى الله عليه وآله في هذا الخبر من كونها على ناقة من نوق الجنة أنها راكبة عليها، والركوب بمعنى العلو كما قال في المعيار ركب الدابة وعليها والسفينة وفيها كسمع والمصدر كسرور ومقعد علاها، وقال: قيل: مر بنا راكب إذا كان على بعير خاصة فإذا كان على ذي حافر فرس أو حمار قلت مرَّ بنا فارس، وعن بعضهم لا يقال لصاحب الحمار فارس، ولكن يقال حمَّار كشدَّاد، هذا في ظاهر المعنى، ولكن لا بد لنا من معرفة الحقيقة، وقد ظهر لك مما مرَّ في المقدمة أن لكل عالم لوازم لا تجاوزه، وكل شيء لا يتجاوز ما وراء مبدئه فالدنيا لكونها عالم الأعراض يكون جميع ما منها وإليها عرضية ونسبه وقراناتها جميعها إضافية نسبية ولا يتجاوز شيء منها الدنيا الدنية فلكل شيء في الدنيا أمكنة وأوقات ونسب وإضافات عرضية وهي زايلة فانية، وإذا رجع إلى ما منه بدئ لا يكاد يعود معه أعراضه إذ هي لها مباد خاصة بها، فزيد مثلاً في الدنيا يجلس في مكان عرضي هو غيره يحل فيه بالعرض، وفي زمانٍ خاص يعرضه وهو في كل حال متجدد، وكذلك له نسب أخرى عرضية وجميعها عارضة له في الدنيا، وقد كان قبل الدنيا معرى عن جميعها منزهاً عنها، وسيعود إلى ما كان ويظهر لك حكم جميع الأعراض من قوله عليه السلام في حكم المسح على الخفين ما معناه إذا رجع كل شيء إلى أصله إلى أين يرجع المسح، وحاصل المرادأن الجلود ترجع إلى الحيوانات لا الإنسان، ولا بد أن يمسح الإنسان حتى يؤثر في نفسه لسر الارتباط الثابت بين النفس والبدن والخف واللباس من الأعراض التي لا ترتبط بالنفس فالغسل عليها لا يصل إلى نفس الإنسان إلا بوسائط بعيدة فلا ينفعها المسح على خف واللباس وكذلك سائر العبادات كالسجد على العمامة مثلاً، وبالجملة هذه الأعراض لازمة محلها، ومنها المركب، فإنه ليس إلا كالمكان العرضي، ولا يصل إلى النفس مع أنه من الحيوانات، وهي عودها ممازجة، وهي معدومة في مقام النفس، فلا تكاد تصل إليها أبداً، فلا يعقل الركوب عليها في القيامة، وكذلك الركوب العرضي بمعنى العلو العرضي، ولا يتصور هنا إذ لكل شيء مقام خاص به، ولا يكاد يتصل شيء بشيء بالعرض، ولا يرتبط به أبداً، وإن قلت فما معنى ركوب صالح على ناقته وركوب حمزة أو فاطمة عليها السلام على العضباء؟ أقول أما ناقة صلح فليست من نوق الدنيا، فإنها آية الله التي ظهرت في الدنيا، ولذا نسبها الله تعالى إلى نفسه، فقال ناقة الله وسقياها، وبعدما ظهرت في الدنيا تغلظت وتجلت في بعض الأعراض، وإذا عادت عادت إلى ما منه بدأت، وأما العضباء فهي ناقة النبي صلى الله عليه وآله، ويعيدها الله تعالى كرامة للنبي بحيث يمكن وهي رجوعها بالائية أي يرجع ما كان فيها من آية الله ولذلك قد توصف بالنورانية، وقد تنسب إلى الجنة، فالعضباء العايدة هي هي من حيث الائية وهي غيرها من حيث الطبيعة، ومعنى ركوبها وركوب غيرها العلو الحقيقي، وإن قلت ما معنى ما ورد أن الأضحية مركب الإنسان في يوم القيامة؟ أقول لم يريدوا من ذلك أن نفس الأضحية نفس الأضحية ترجع إلى الإنسان بالضرورة، ولكن بالتوجه إلى الأضحية وذبحها امتثالاً لأمر النبي يحصل للإنسان كمال خاص، وكماله صفته، والصفة مركب للموصوف يعلو عليه ويسير به فيما يشاء، فافهم، وبيان هذه المسألة على نحو الحقيقة مشكلٌ جداً، ولكني لا أبخل عن الإشارة وتهذيب العبارة، فاعلم أنَّ الله سبحانه قدَّر في خلقه أن يظهر العوالم العالية في المقامات الدانية لأسرار جمة ليس هنا محل ذكرها، وكل مقام أدنى يصير محلاً لظهور الأعلى، وهو يظهر عليه كظهور النار على الشعلة، وهذا السرسار في جميع الملك، ولكن الإنسان الذي هو مجموع صور العالمين، والمختصر من اللوح يكون حاكياً لجميع المراتب، فانظر إلى نفسك أن الله سبحانه خلق أول ما خلق بدنك من العناصر وسواك وعدلك في أي صورةٍ ما شاء ركبك، وبعدما أكمل الصورة الجمادية علق بها النفس النباتية، وهي صورة كلية بالنسبة مستعلية على الجمادية مسلطة عليها، ويصير البدن الجمادي بمنزلة الكرسي لها، وهي تستولي عليه ، وتحكم على اخلاطه، وبعدما كمل النباتية ورفعها عن درجة سائر النباتات، أظهر عليها الحيوانية تركب عليها وتأخذ زمامه وتأمرها وتنهاها، وكذلك الأمر في كل روح من الأرواح العالية فالمقام الأدنى في كل مقام يصير محلاً ومركباً للمقام الأعلى إلا أن بعض المراكب عرضي زايل كالنباتية للحيوانية والحيوانية للإنسانية، ولذلك نقول أن الروح الحيوانية في الواقع كدابة تركبها، والنباتية مرج دابتك وأنت تنزل منها وترجع إلى عالمك، ولكن الإنسانية تكون للعقل مثلاً مركباً ذاتياً لأنها لا تفنى وتكون معه دايماً، ولا يكاد يظهر العقل بدونها في عالم إذ العقل بمنزلة المادة للنفس الإنسانية، والنفس بمنزلة الصورة، وقد ثبت في الحكمة أن المادة مادة في ضمن الصورة، والصورة صورة على المادة، وأما قبل ظهور المادة في الصورة، فهي طبيعة سابقة كلية غير مخصصة، وكذلك العقل قبل الظهور في النفس فؤاد، وهو حقيقة الطبيعة وإمكان الكل وبعدما تجلى في النفس صار عقلاً، ولذلك قال عليه السلام في النفس الإنسانية موادها التأييدات العقلية فعلها المعارف العارف الربانية، فالعقل راكب على النفس، والنفس مركوبة، وكذلك الفؤاد ظهوره في العقل، ولا يقوم بانفراده إذ هو إمكان صرف ووجود جايز ولا بد لظهور الإمكان من كون، وقد قال الله تعالى {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}، ولذا قال عليه السلام أن الشيء مخلوق من لا شيء، وغير ذلك غير متصور فاللاشيء قيامه في الشيء - وإن كان قائماً بالمؤثر - قيام صدور، فافهم. فإنه دقيق الفؤاد راكب في العقل، والعقل سفينته أو مركبه، وبه يسير في جميع العوالم كما قال مولانا الحسين: أمرتني بالرجوع إلى الآثار وكسوة الأنوار، فارجعني إليك منها كما دخلت إليك فيها. وكسوته الأنوار ليس إلا للرجوع إلى الآثار والسير فيها في السفر الثالث والرابع والنور بلحاظ يسمى بالمركب، وبلحاظ يسمى بالكساء، وأصحاب الكساء دخلوا في الظاهر تحت كساء النبي وفي الباطن تحلوا بنوره واتصفوا بصفته، ولذلك صار اجتماعهم تحت كساء واحد فخراً لهم ومختصاً بهم دون غيرهم، ولو كان الاجتماع محض النوم تحت لباس واحد من قطن الدنيا لما كان فخراً لهم إذ جميع نساء النبي كن ينمن معه تحت كسائه وردائه وملحفته، فتدبَّر، فأصحاب الكساء خُصّوا بهذا الفضل العظيم بحيث أنه روي في فضل استماع حديث الكساء ما اشتهر لأمر آخر، وهو ما ذكرناه أن الله سبحانه جعلهم من خاصة النبي، وجعل لهم من فضله ما فُضّلوا به على العالمين، وصاروا بذلك نفسه وجزءه، وبالجملة؛ فهذا الكساء في الواقع صورة النبي التي يُحشر بها ويُحشر أصحاب الكساء على صفته ثم أن آيات الله وفعله لا تقوم من غير مظهر من مقامات العبودية، فإن الظهور تمام البطون، والبطون تمام الظهور، والظهور كليات الحكمة ما لم تكن تامة في ظهورها، تامة في بطونها؛ كانت الحكمة ناقصة من الحكيم. قال الصادق عليه السلام: العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية أصيب في الربوبية، وما خفي في الربوبية وُجد في العبودية، فلا بدو أن تظهر الآيات في مواقعها من مقامات العبودية، فمقام العبودية مركب للآيات ومقام الآية راكبة، وأما الذات تقدست أسماؤه فلا تكون راكبة ولا مركوبة كما ورد في أخبار عديدة أنها لا تكون حاملة ولا محمولة، وأما قوله تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} فهو في صفة الرحمن، وهو الرحمة التي وسعت كل شيء، والمراد من العرش الملك، والمراد أن رحمته تعالى عامة مع ما ورد أن معنى ذلك أنه استولى على ما دق وجل أو احتوى على الملك، وذلك غير الركوب، فإن الركوب صفة المحدود، فإن الراكب ينتهي إلى المركوب، والمركوب ينتهي إلى الراكب. ألا ترى أن الراكب لا يكون مركوباً لمركوبه والذات لا تنتهي إليهما؟ ألا ترى أنك تقول أن الراكب ركب بمشيئته وحوله وقوته والمركوب حمله ومشى به بمشيئته وحوله وقوته، فافهم هذا، وكل محدود متنقص، وكل متنقص قابل للزيادة، وتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً فإذا عرفت ذلك، وتبينت ما هنالك فاعلم أن الإنسان في نفسه يكون جامعاً لجميع المراتب، وبذلك يسمى إنساناً كما قال عليه السلام في صفة الإنسانية ما معناه أنها أنموذج صور العالمين، وهي المختصر من اللوح المحفوظ، وقال مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه في الأشعار المنسوبة إليه:
أتزعم أنك جرم صغير * وفيك انطوى العالم الأكبرُ
ولذلك قلنا أن الصورة الإنسانية هي الصورة الكلية الجامعة لجميع المراتب، وأثبتنا ذلك ببراهين نيرة، فالإنسان الكامل إذا حشر في القيامة تكون له جميع المراتب الثمانية بل العشرة، وجميعها ذاتي له إذ المقامات العرضية ليست إلا كمرايا عرضية، وهي لا تكون من نفس الشيء ولا إليها، مثال ذلك؛ الشعاع الظاهر من قرص الشمس في المرآة، فإن المرآة ليست من الشمس ولا إليها ولا تكون جزء الشعاع ولا منه وإن أثرت في الشعاع في الجملة، ولكنها ترجع إلى الأحجار بما لها ومنها، ويرجع الشعاع إلى الشمس كما سطع منها، ولكن الشعاع الظاهر في المرآة له بنفسه مادة وصورة ومعنوية وصورية وآنية ووجود، وجميع ذلك من ذاتياته إذ لا يكون الشيء شيئاً إلا بها فلم يصدر من الشمس إلا هكذا، وقد أخطأ من قال أن فوق الجسمانيات مجردات صرف، فإن جميعا مركبات، والله سبحانه لم يخلق شيئاً فرداً قائماً بذاته دون غيره للذي أراد من الدلالة عليه، وأما ما ورد في العالم العلوي صور عالية عن المواد يعني منها العالية عن المواد الجسمانية لا كل مادة، والله تعالى قال: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}، وقال عليه السلام في صفة النفس وهي من العالم العلوي موادها التأييدات العقلية، وورد أخبار كثيرة في خلق أول ما خلق الله من النور، وخلق الشيعة من شعاعهم، وورد أخبار كثيرة في الطين، ولا شك أنها مولد للخلق، وهي فوق عرصة الأجسام، فلكل شيء مادة بلا شك، ولكل مادة صورة، فالشعاع الظاهر في المرآة له مادة وصورة، وليس مادته المرآة، فإذا كسرت يرجع بمادته وصورته، وكذلك جميع المراتب ثابتة له إذ هي مما به الشيء شيء، ولذلك نقول أن بعد فناء البدن وفساد تركيبه يبقى للإنسان جسمانية، فيكون المعاد جسمانياً إذ النفس لا تقوم بلا جسم، وكذلك تثبت لها مثال وطبع ...
مُدَّبَجَّةُ الجَنْبَيْنْ، خِطَامُهَا مِنْ لُؤْلُؤٍ رَطِبْ، قَوَائِمُهَا مِنَ اَلزُّمُرُّدْ اَلْأَخْضَرْ، ذَنَبُهَا مِنَ المِسْكِ اَلأذْفَرْ، عَيْنَاهَا يَاقُوتَتَانِ حَمْرَاوَان
شرح: ...
عَلَيْهَا قُبَّةٌ مِنْ نُورْ يُرى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا
شرح: القبة هي النباء من الشعر ونحوه، وفي اللغة هي الخيمة الصغيرة، وقال في المجمع في الحديث: كان إذا أحرم أبو جعفر عليه السلام أمر بقلع القبة والحاجبين ...
دَاخِلُهَا عَفُو الله خَارِجُهَا رَحْمَةُ الله
- شرح: ...
عَلَى رَأْسِهَا تَاجٌ مِنْ نُور، للتِاجْ سَبْعُونَ رُكْنَاً، كُلُّ رُكنٍ مُرَصَّعٌ بِالدُرِّ وَالْيَاقُوت يُضِيء كَمَا يُضِيء الكَوْكَبُ الدُرِّي فِي أُفُقِ السَّمَاء
- شرح: ...
وَعَنْ يَمِينِهَا سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكْ، وَعَنْ شَمَالِهَا سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَك، وَجِبْرَئِيلُ آخِذٌ بِخِطَامِ النَّاقَة يُنَادِي بِأَعْلَى صَوْتِهِ غُضُّوا أبْصَارَكُمْ حَتَّى تَجُوزَ فَاطِمةُ
- شرح: ...