انتقل إلى المحتوى

شباك وفيقة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
​شباك وفيقة​ المؤلف بدر شاكر السياب


شبّاك و فيقة في القرية

نشوان يطلّ على الساحة

كجليل تنتظر المشية

ويسوع و ينشر ألواحه

إيكار يمسّح بالشمس

ريشات النسر و ينطلق

إيكار تلقّفه الأفق

و رماه إلى اللجج الرمس

شبّاك وفيقة يا شجرة

تتنفس في الغبش الصاحي

الأعين عندك منتظرة

تترقب زهرة تفاح

و بويب نشيد

و الريح تعيد

أنغام الماء على السّعف

ووفيقة تنظر في أسف

من قاع القبر و تنتظر:

سيمر فيهمسه النّهر

ظلاً يتماوج كالجرس

في ضحوة عيد

ويهفّ كحبات النّفس

و الريح تعيد

أنغام الماء ( هو المطر )

و الشمس تكركر في السعف

شباك يضحك في الألق؟

أم باب يفتح في السور

فتفر بأجنحة العبق

روح تتلهف للنور ؟

يا صخرة معراج القلب

يا صور الألفة و الحبّ

يا درباً يصعد للرب

لولاك لما ضحكت للأنسام القرية

في الريح عبير

من طوق النهر يهدهدنا و يغنينا

عوليس مع الأمواج يسير

والريح تذكّره بجزائر منسية:

شبنا يا ريح فخلّينا

العالم يفتح شبّاكه

من ذاك الشباك الأزرق

يتوحد يجعل أشواكه

أزهاراً في دعة تعبق

شباك مثلك في لبنان

شباك مثلك في الهند

و فتاة تحلم في اليابان

كوفيقة تحلم في اللّحد

بالبرق الأخضر و الرعد

شباك وفيقة في القرية

نشوان يطل على الساحة

كجليل تحلم بالمشية

و يسوع

و يحرق ألواحه

أطلي فشّباكك الأزرق

سماء تجوع

تبينته من خلال الدموع

كأني بي ارتجف الزورق

إذا انشق عن وجهك الأسمر

كما انشق عن عشتروت المحار

و سارت من الرغو في مئزر

ففي الشاطئين اخضرار

و في المرفأ المغلق

تصلّي البحار

كأني طائر بحر غريب

طوى البحر عند المغيب

و طاف بشبّاكك الأزرق

يريد التجاء إليه

من الليل يربدّ عن جانبيه

فلم تفتحي

ولو كان ما بيننا محض باب

لألقيت نفسي لديك

و حدقت في ناظريك

هو الموت و العالم الأسفل

هو المستحيل الذي يذهل

تمثّلت عينيك يا حفرتين

تطلان سخراً على العالم

على ضفة الموت بوّابتين

تلوحان للقادم

و شبّاكك الأزرق

على ظلمة مطبق

تبدّي كحبل يشدّ الحياة

إلى الموت كيلا تموت

شفاهك عندي ألذّ الشفاة

و بيتك عندي أحبّ البيوت

و ماضيك من حاضري أجمل

هو المستحيل الذي يذهل

هو الكامل المنتهي لا يريد

و لا يشتهي أنه الأكمل

ففي خاطري منه ظل مديد

و في حاضري منه مستقبل

ترى جاءك الطائر الزنبقي

فحلقت في ذات فجر معه

و ألقى نعاس الصباح النقي

على حسك المشتكى برقعة

و فتحت عينيك عند الأصيل

على مدرج أخضر

و كان انكسار الشعاع الدليل

إلى التل و المنزل المرمر

هناك المساء اخضرار نحيل

من التوت و الظل و الساقية

و في الباب مدّ الأمير الجميل

ذراعيه يستقيل الآتية :

أميرتي الغالية

لقد طال منذ الشتاء انتظاري

ففيم التأني وفيم الصدود ؟

و هيهات أن ترجعي من سفار

و هل ميّت من سفار يعود ؟