سياوش
الفصل الاول
[عدل]قال صاحب الكتاب: حكى أن طوس بن نوذر و جيو بن جوذَرز ركبا يوما فى جماعة من الفرسان متصيدين فأتوا الى غيضة فيها صيد كثير، فاقتحموها بالفهود و الجوارح من جوانبها كلها،فأصابوا صيدا كثيرا.
و قد كان ذلك المكان قريبا من منازل الترك و خركاهاتهم. فعرضت لهما بين أيديهما غيضة أخرى قريبة من حدود توران. فركضا اليها للاصطياد فيها، و جيو يسير قدام طوس، و معه جماعة من غلمانه. فصادفا فيها جارية حسناء من أجمل البشر. فابتدراها مستبشرين بها.
فقال لها جيو: من أنت؟ و كيف حصلت فى هذه الغيضة؟ و ما الذى جاء بك اليها؟ فقالت فيما أجابته به: إن أبى جاء البارحة سكران، و لما وقعت عينه علىّ سل خنجره و أراد أن يقتلنى، فخليت بيتى و خرجت هاربة منه. و قصت عليه قصة حالها.
و قالت فيما أخبرت به من حديثها أنها من أقارب كرسيوزَ و نسبى يتصل بالملك أفريدون. فقال لها جيو: و كيف خرجت راجلة بلا مركوب و لا دليل؟ فقالت كنت راكبة فأُبدِع ، و بقيت و ذهب مركوبى. و كانت معى جواهر نفيسة و ذهب كثير، و كنت متوجة بتاج من الذهب.
و ذكرت أن جميع ذلك أخذ منها فى موضع أشارت اليه، و أنهم ضربوها بسيف مصفح. قالت: و إن أبى اذا صحا من سكره سينفذ مسرعا فرسانه ورائي؟ و تبادر أمى أيضا فتلحقنى. و لا يخلوننى أن أتجاوز هذا المكان. فشغف بها جيو و طوس و ملكت قلوبهما و تنازعا فيها. و قال طوس: أنا وجدتها فتكون لى. و قال جيو: دع هذا الكلام فإنك تعلم أنى ركضت فى طلب الصيد و كنت أمامك فأنا الذى وجدتها. فطال بينهما الكلام حتى اختصما، و أفضى بهما الخصام الى العزم على قتل الجارية حسما لمادةالشر وتدخل بينهما بعض الفرسان وقالوا إن مثل هذا الصيد لا يليق إلا بالملك. فأخذ الجارية و استأثر بها، و أمر بها فأدخلت الى دار النساء، و أجلست على تخت، و زينت بالديباج الأصفر، و وشحت بالياقوت و الفيروزج. و دخل عليها الملك فوجدها درة غير مثقوبة، و ياقوتة غير ممسوسة فجرى بينهما ما جرى و لم ينشب أن حملت الجارية.
الفصل الثاني
[عدل]و لما ولدت بُشّر بأنها وضعت ولدا كأنه قمر أو صنم حسنا و جمالا. فأظهروا السرور به، و سماه أبوه سياوش . فنظر الملك فى طالعه فرأى أموره مضطربة. فاغتم لذلك و التجأ الى اللّه عز و جل، و فوّض أموره اليه. ثم مضى على ذلك زمان، و قَدِم رستم، و قال للملك: إن لك عبيدا كثيرة، و لكن لا يكون أحد منهم أشفق على سياوش منى. و سأله أن يُكفّله إياه. فسلمه اليه ليربيه. فحمله رستم الى زابلستان و علمه الفردوسية و الرماية و جميع آداب الملوك فى الحرب، و الصيد و الطرد، و قيادة العساكر، و التكلم على الناس فى المحافل. و تعب فى ترشيحه و تربيته و تأديبه تعبا كثيرا، لكن أثمر تعبه ذلك أن صار سياوش، لما تجمع فيه من آداب الملوك، و أخلاق السلاطين، كأنه لا نظير له فى العالم.
و لما ترعرع الشاب، و طال قدّه ، و اشتدت أعضاده، و صار يصطاد الأسود بين الغياض و الآجام قال لرستم: إنى أريد المصير الى خدمة الملك كيكاوس حتى يرانى و يرى ما تحليت به من آدابك، و تزينت فيه من أخلاقك. فأعد له رستم ما يليق بمثله من أولاد الملوك، من الخيل و البغال و نفائس الأموال، و أعطاه خاتما و تختا و تاجا و منطقة و من غير ذلك من الملابس و المفارش ما يناسب ذلك. و سرّحه على هذه الجملة بعد أن شيعه. و كان أهل كل مملكة يمر بهم ينثرون الذهب و الجوهر تحت حوافر خيله، و يعقدون لمقدمه الآذينات و هى القباب التى تنصب و تعقد فى أفراح الملوك.
بازگشت سياوش از زابلستان
[عدل]و لما بلغ الخبر كيكاوس بمقدمه أمر طوسا و جيوا فركبا فى العساكر و الفيلة لاستقباله، فتلقوه و دخلوا به الى دار الملك. و اصطفت له فى طريقه من كل جانب ثلاثمائة و صيفة بأيديهن المجامر. و نثرت عليه نثارات تكاثر زهر الكواكب، فى تلك المواكب. و حين دخل على أبيه و رآه جالسا على تخت من العاج، و معتصبا بتاج من الياقوت أهوى الى الأرض ساجدا، و بقى يناجى الأرض ساعة، ثم رفع رأسه و استدناه فعانقه، و سايله عن رستم، و أقعده بجنبه على ذلك التخت. و جعل يبتهل الى اللّه تعالى و يتضرع اليه، و يشكره على أياديه فى ولده. ثم أمر الإيرانيين بالتشمير فى خدمته.
و أخذوا معه فى اللهو و اللعب، و القصف و الطرب أسبوعا كاملا. ثم أمر ففتحت أبواب الخزائن، و أفيضت عليه الأموال و الكنوز و الذخائر. و أعطاه كل شيء يليق بالملوك من الخيل و السلاح و غيرهما ما خلا التاج فانه لم يكن مستحقه حينئذ لصغر سنه. و أقام سبع سنين يربيه. ثم أعطاه التاج فى السنة الثامنة، و كتب له المنشور على بعض الممالك، على عادة الملوك السالفة.
الفصل الثالث: عشق سياوش و سوذابة
[عدل]قال: و لما رأت سوذابه محاسن سياوش، و كمال جماله عشقته حتى خرج من يدها زمام اختيارها، و فجعت بنومها و قرارها. فأرسلت الى سياوش تلتمس منه الدخول الى دار أبيه، و الحضور لزيارة ذوات قرابته. فقال سياوش فى جوابها: إنه لا سبيل الى ذلك. و لست ممن ينخدع بمكرك و احتيالك. فدخلت سوذابه على كيكاوس، و أطلقت لسانها بالدعاء له و الثناء عليه، و قالت: أيها الملك لا تمنع سياوش عن الدخول الى ما وراء الحجاب، فإن أخواته قد اشتقن الى لقائه، و لا صبر لهن عن الاكتحال بجماله. و إنه إذا دخل الينا حملناه على رءوسنا، و نثرنا تحت قدمه أرواحنا و نفوسنا. فدعا كيكاوس بولده سياوش، و قال: إن لك وراء الستر أخوات يشتقن اليك، و سوذابه لك مثل أمك. فإن الأجانب اذا سمعوا بذكرك هشوا الى لقائك. فكيف من كان دمه ممتزجا بدمك و رحمه متصلة برحمك؟ فادخل عليهن و فرجهن بذلك. فلما قال له أبوه هذه المقالة تعجب من كلامه، و أفكر فى نفسه ساعة.
ثم قال، بعد أن علم أنه إذا دخل حجرة النساء بلى من سوذابه بكل بلية: إن الملك أهّلنى للتاج و التخت، و عقد لى على إقليم من الأقاليم فينبغى أن يجمع لى الموابذة و الأكابر الذين حنكتهم التجارب و نجدتهم النوائب حتى أتعلم منهم مطاردة الأقران فى حالتى الكفاح و الطّعان ، و آخذ عنهم مراسم الملوك حالة الجلوس للناس على تخت السلطنة، و آيين القعود فى مجلس الأنس و الخلوة. و إذا كان كذلك فما أصنع فى حجرة النساء؟ و ماذا يعلمننى من محاسن الآداب؟ فسر الملك لما أشعر به من كلامه من الرأى و العقل، و استحسن ذلك منه، و قال له: و لكن لا يدخلن قلبك من ذلك شىء، و ادخل إلى أخواتك و سوذابه التى هى بمنزلة أمك. فقال سياوش عند ذلك: أبكر غدا إلى خدمة الملك، ثم أمتثل ما يأمر به. و خدم و خرج.
قال: و كان على باب حجرة النساء رجل موصوف بالعقل الكامل، و الرأى الثاقب يسمى هِرزبَذ و هو يتولى حجبة النساء. و كانت بيده مفاتيح حجراتهن. فدعاه كيكاوس، و قال: إذا اطلعت الشمس غدا فانطلق إلى خدمة سياوش، و انظر ما يقوله، و أشر على سوذابه أن تنثر عند دخوله النثارات، و كذلك أشر على أخواته و سائر الجوارى بنثر الزَبَرجد و العِقيان ، و المسك و الزعفران. قال: و لما أصبح سياوش ركب إلى خدمة الملك، و دخل عليه و سجد له فأكرمه الملك، و جعل يساره. فلما فرغ من محادثته دعا بهرزبَذ ، و أشار إلى سياوش بأن ينهض معه إلى دار النساء. فقام و هو يرتعد خوفا مما يعرفه من كيدهن. ثم تجاوز البستر فتلقته الوصائف ينثرن الذهب و المسك و الزبرجد و العنبر تحت قدمه.
و رأى أرض المكان مفروشة بالديباج، و سماءه مزينة باللؤلؤ الشاهى. و رأى وصائف بأيديهن أقداح العِقيان ، و قيانا مكللات بأكاليل الزبرجد و المرجان. و كأنّ تلك الساحة جنة من الجنان محتوية على الحوريات الملاح، و الوصائف الصباح.
و لما توسط الإيوان رأى تختا من الذهب مرصعا بالفيروزج و الزبرجد، و عليه سوذابه معتصبة بالتاج كأنها الشمس الطالعة، و على رأسها وصائف قد اصطففن كأنهن أشجار سرو على حافات حديقة ورد. و لما وقعت عينها على سياوش نزلت من التخت فاستقبلته، ثم خدمته و عانقته و أخذت تقبل عينه و تشم خدّه زمانا طويلا. و جعلت تدعو له و تثنى عليه.
فعلم سياوش أن ذلك ليس كمحبة الأمهات و الأولاد، و أنها على غير طريقة السداد. فانصرف عنها و دخل حجرة أخواته فأكرمنه و أجلسنه على تخت من الذهب. و مكث عندهن ساعة ثم خرج و جاء إلى أبيه. فساءله عما رآه فقال: إن اللّه عز و جل لم يمنعك شيئا من المحاسن، و جعلك أكثر من الملوك السالفة روعة و جلالا، و أوفرهم كنوزا و أموالا. فسر الملك بما قال. و أمر فزين المجلس، و قعدوا يشربون على أصوات القيان، و أغاريد المسمعات الحسان. و لما ثمل كيكاوس قام و دخل إلى دار النساء، و سايل سوذابه عن سياوش و ما تفرّست فأثنت عليه، و وصفته بخلاله الحميدة، و سيره المرضية. و ذكرت له أنها راغبة فى تزويجه إحدى بناتها دون بنات أعمامه. فوافق ذلك رأى الملك.
و لما كان من الغد جاء سياوش إلى خدمة أبيه فسارّه فى شيء. ثم قال له بعد المسارّة : إنى أتمنى على اللّه عز و جل أن يكون لك ولد تسر به كما أسر أنا بك. و قد فهمت من كلام الموابذة و أصحاب النجوم أنه سيخرج من ظهرك ملك يطبّق الشرق و الغرب صيته، يملأ الحزن و السهل ذكره. فاختر واحدة من بنات عميك كيبشين و كى كيآرش، و مخدراتهما و غيرهن من ربات الحجال.
فقال: أنا عبدك. و من أشرت بها علىّ امتثلت أمرك، و لم أخالف رأيك. و لا ينبغى أن تسمع سوذابه من ذلك بشيء فإنها لا ترضى به. و لست أريد أن يكون لى معها كلام، و لا اليها دخول. فتبسم الملك عند ذلك و هو لا يشعر بما انطوى عليه التبن من الماء، و تضمره سوذابه من الداء. و قال: لا بأس عليك فإن الأمر موكول إلى اختيارك.
و لا يكون حديثها معك إلا عن صفاء المحبة و خلوص الشفقة. قال: فخرج سياوش و هو وجل من مكر سوذابه. و علم أن إشارة أبيه عليه بالتزويج صادرة عن سوذابه مكرا و خبثا.
ثم إنها جلست من الغد على تختها، و اعتصبت بتاجها، و أمرت المخدّرات أن يبرزن من كِلَلهن متزينات فى حليهن و حللهن.و أمرت هِرزَبذ الموكل بحفظهن بالمصير الى سياوش و استدعائه.
فحضر و دخل الشموس فقامت له و أجلسه على تخت الذهب، و قعدت الى جانبه.
ثم قالت له: انظر الى هذه الشموس الطالعة و الأقمار الزاهرة، و أعلمنى بمن يقع اختيارك عليها منهن. فتأملهن زمانا ثم انصرفن الى حجرهن، و كل واحدة ترجوه و تحسبه فى بختها.
ثم قالت له سوذابه: مالك لا تعرب عن مقصودك و مرامك، و تخبرنى بمن وافقك منهن؟ فلم يجبها سياوش و سكت متحيرا فى أمره
و قال فى نفسه: لأن أندب على نفسى و أبكى عليها خير من أن أتزوّج من بنت العدوّ .
و غير خاف ما صنع أبوها دربيس ملك هاماوران بأكابر إيران. و سوذابه من بناته و هى، لا محالة، لا تريد بنا الخير، و لا تضمر لنا إلا الشر. و لما رأت سوذابه سياوش ساكتا لا يجيبها أماطت عن وجهها نقاب القصب، و قالت: من كانت الشمس فى حجره فلا عجب ألا يرفع بغيرها طرفا.
تشير بذلك الى نفسها. و قالت: إن قبلت منى ما أقول، و عاهدتنى على ذلك زوّجتك من بناتى بنتا تقوم بخدمتك كما تقوم الأمة. حتى إذا فارق الملك هذه الدنيا تكون أنت القائم علىّ ، و الكافل بأمرى، و الذائذ الشر عنى. و هأنا بين يديك، و كل ما تريد منى فأنت ممكن منه.
فتورّست وجناته وجلًا بعد أن تورّدت خجلا، و استعاذ باللّه من الشيطان، و قال فى نفسه: كيف أدنو من السم القاتل، و أقابل بغير الوفاء إحسان الوالد؟ و أخاف إن جابهتها بالرد، و خاشنتها فى القول، أن تحتال علىّ بسحرها فتفسد قلب الملك علىّ . فالأولى أن ألاينها، و أجانب مخاشنتها. فقال لها: إنك، مع ما خصصت به من الجمال الرائع و الحسن البارع، لست تصلحين لغير الملك. و أما أنا فتكفينى ابنتك. و أعاهدك على ألا أعدل غيرها.فصممى على هذا عزمك، و خاطبى الملك فيه. و أما ما ذكرت من مليك الىّ فانك يا ملكة النساء! عندى بمنزلة الأم. فينبغى ألا يخرج هذا الكلام من تحت الستر، و لا يطلع أحد على هذا السر. قال: فلما دخل عليها كيكاوس بشرّته بوقوع اختيار سياوش على ابنتها. فسر الملك بذلك، و أمر ففتح أبواب الكنوز و الذخائر، و أعدّ لسياوش من كل جنس منها كثيرا، و أضاف الى ذلك الطوق و التاج و الخاتم و السوار، فى جملة ما يصلح للملوك. ففرحت سوذابه بذلك.
و تزينت من الغد، و جلست على التخت، و دعت سياوش. و قالت له: إن الملك قد أعد لك ما لم تسمع به أذن، و لم تقع عليه عين. ثم باحت بسرها، و صرحت فى مراودته عن نفسه، و قالت: إنى لم أزل عاشقة لك منذ رأيتك. حتى لقد أظلم علىّ الهار، و فارقنى النوم و القرار. و قد مضى على ذلك سبع سنين. فإن أنت طاوعتنى على ما أريد منك أضعفت لك هذه الكنوز و الأموال. و إن أبيت سعيت فى تغيير رأى الملك فيك، و صرف قلبه عنك، و انتزاع الملك من يدك. فقال لها سياوش: حاشا للّه أن أذرّى فى طاعة النفس روحى فى الهواء، و أجانب سبيل الرجولية و الذكاء، و أقابل صنيع الأب بغير الوفاء. و أنت زوجة الملك، و شمس العشيرة، و لا يليق بك التعرّض لهذه التهمة و الريبة.
فاغتمت عند ذلك و اغتاظت فشقت ثيابها، و خمشت وجهها، و صاحت صيحة طن بها الايوان، و سمعها الملك فى مكانه. فنزل عن تخته، و خمشت و أتاها فتلقته و هى تبكى. و قالت: إن سياوش راودنى، و قال: لا أريد سواك من النساء. و لما أبيت قابلني بهذا الجفاء، فمزّق ثيابى، و ألقى التاج من رأسى. فأطرق الملك، و اشتد غضبه، و قال: إن صح هذا عنه فالواجب أن يقطع رأسه. ثم أمر بإخراج جميع من كان فى الايوان. و جلس وحده و دعا بِسياوخس و سوذابه. ثم أقبل على سياوش و قال: إنى سائلك فاصدقنى فى مقالك، و أخبرنى بالصحة عن حالك. فقص عليه القصة كما جرت. فتصدّت سوذابه لمعارضته، و كذبته، و قالت: إنما عرضت عليه ما أشار اليه الملك فى قضية الازدواج، و ذكرتُ له ما أعد له من الكنوز و الأموال و الذخائر و الجواهر، و قلت له: إنى أضعفها لك من عندى إن تزوّجت بابنتى. فأبى، و قال: ما لى حاجة فى المال، و لا فى بنتك، و لست أريد سواك. و مدّ يده إلىّ ، و تعلق حتى مزق ثيابى علىّ .
و أنا حاملة من الملك، و أخاف أن أسقط الحمل نالنى منه. فأفكر الملك، و قال فى نفسه: ليس هذا مقام العجلة و المعاجلة بالعقوبة. و الواجب التثبت فى هذا الأمر، و إلجام النفس بشكيمة العقل حتى يتبين المصلح من المفسد، و البرىء من المجرم. فأخذ يشم يد سياوش و أعضاده و ثيابه، فلم يجدها قد عبقت بأثر الطيب الذى كان على سوذابه و ثيابها. فاهتم عند ذلك، و قال: ينبغى أن تقتل هذه المرأة، و يمثل بها. ثم ذكر أباها ملك هاماوران، و تخوّف ما ينشأ من الفتن بسبب هلاكها. فأمسك عن قتلها، لذلك و لأمور أخر: أوّلها أنه ذكر أيام اعتقاله فى قلعة هاماوران، و ما ثبت لهذه المرأة فيها عليه من حقوق الخدمة. و الثانى أن حبها كان آخذا بمجامع عقله، و متمكنا من سويداء قلبه. و الثالث أنه كان له منها أولاد صغار، و استصعب تربيتهم بعدها. و علم براءة ساحة سياوش، و طهارة ذيله، فقال له: لا بأس عليك. و أسبل الستر على هذا الأمر حتى لا ينشر بين الخلق.
و لما علمت سوذابه أن كلامها لم يقع من الملك موضع القبول التجأت الى إعمال الحلية. فدعت امرأة ساحرة كانت فى دارها، و هى حاملة. و قالت لها: إنى أفضى اليك بسر فاحلفى لى على أنك لا تبوحين به لأحد. فاقترحت عليها حينئذ أن تسقط ما فى بطنها لتجعله ذريعة الى إثبات صدقها عند الملك، و استبقاء لماء وجهها لديه. فوافقتها المرأة على ذلك. فشربت تلك الليلة دواء فأسقطت به سقطين على أقبح ما يكون من الصور، حتى كأنهما من أولاد الجن. فدعت بطشت من الذهب، و طرحتهما فيه، و أمرت الساحرة بالاختفاء، و اضطجعت فى فراشها، و رفعت صياحها بالزنين و الأنين حتى اجتمع عليها جميع من كان هناك من الحرائر و الإماء.
و سمع الملك صياحها فى مكانه فاستيقظ فزعا، و سأل عن الحال فأخبر بحال سوذابه. و لما أصبح جاء اليها والتى أسقطتهما، و قاموا. فسكت الملك على ذلك. و لما كان بعد أسبوع استغاثت سوذابه عند الملك، و طلبت بدم السقطين. و أمر الملك الحرس بتطلب الساحرة، و تتبعها فى البلد. فنقبوا حتى عثروا عليها، و جاءوا بها الى الملك. فسائلها عن الحال جامعا بين الإعذار و الإنذار. فلم يكن عندها سوى الإصرار على الإنكار.
فأمر بأن تخرج الى ظاهر البلد، و يشدّد عليها فان استمرّت على ما كانت عليه من الإنكار نشرت نصفين بالمنشار. فلما أخرجوها و هدّدوها عرضت ببعض ما جرى خوفا من القتل. فأخبر الملك بذلك فسكت عليه، و أحضر سوذابه، و ذكر لها كلام المنجمين فى أمر السقطين، و أنهما من تلك المرأة الساحرة. فقالت: إن المنجمين يفزعون من سياوش و رُستَم ، فلا يتجاسرون أن يقولوا سوى ذلك. و هل يقول المنجم الا ما يوافق هوى رستم؟ و أخذت تبكى و تقول:
إن رضيت بهذا و سكت عليه فإنى مفوّضة أمر الى اللّه عز و جل، و مؤخرة المطالبة بدمهما الى يوم القيامة. فاغتم الملك حتى بكى. ثم قال: لا بد من البحث عن هذا الأمر. فأحضر العلماء و الموابذة و فاوضهم فى القضية. فقال أحدهم: إن أردت أن ينكشف الغطاء عن وجه هذا الخطب الفادح فالطريق أن يخوض أحد الخصمين النار حتى يخرج منها فان كان بريئا فليس يصيبه مكروهها. فدعا بسوذابه، و قال لها: إن النار تفصل بينك و بين سياوش . فقالت: إنى، صادقة. و سقوط الجنينين يدل على ذلك. فعلى سياوش الدلالة على براءة ساحته. فرضى سياوش بذلك.
گذر سياوش از آتش: امتحان سياوش بالنار
[عدل]و أمر الملك وزيره فأمر الساربان فأنفذ من الإبل مائة عير فحملت حطبا كثيرا فكتوموه فى الصحراء على هيئة جبلين عظيمين. فأمر الملك الموبذ فأفرغ القِطر المذاب على تلك الأحطاب. و جاءوا بمائتي وقاد، فطرحوا النار فيها حتى التهبت، و خيلت أن الأرض مملوءة بالنار، و الجوّ مشحون بالأنوار. فماج الناس و اجتمعوا عليها متوجعين على سياوش يبكون على شبابه الناضر، و جماله الباهر. فجاء سياوش راكبا على فرس أدهم، و على رأسه بيضة من الذهب، و قد لبس ثياب البياض منثورا عليها الكافور، كما يعمل بالحنوط فى الكفن. و لما قرب من أبيه ترجل و قبل الأرض، فنظر الى وجهه و قد غمره الحياء فقال له: لا بأس عليك فإنى إن كنت بريئا فسوف ترانى و قد خرجت سالما. و إن كنت مذنبا فلن يحفظنى اللّه . و سوف أعبر بقوّة اللّه تعالى على هذه النار.
فاضطرب الناس حينئذ و ضجوا بالبكاء و النحيب. و صعدت سوذابه الى إيوانها تنظر متى يحترق سياوش. فركض سياوش فرسه، و خاض تلك النار المسعرة، و داسها بحوافر فرسه حتى قطعها و خرج منها سالما لم يصبه شيء. فصاح الناس عند ذلك، و استبشروا. فعظم ذلك على سوذابه حتى جعلت تنتف شعرها و تخمش خدّها . و أقبل سياوش الى أبيه. فلما دنا منه نزل اليه و عانقه، و اعتذر اليه، و أخذ يثنى عليه و يصفه بنقاء الجيب و طهارة الذيل. و اجتمعا فى مجلس الأنس على الشرب و الطرب الى تمام ثلاثة أيام.
ثم جلس عند تخته، و دعا بسوذابه، و خاطبها بالوعيد و أنواع التهديد. ثم أمر بالآخرة بصلبها. فبادروا الى إخراجها من سترها على جملة الخزى و الهوان. فضجت الإماء من وراء الستور يبكين عليها. فرق الملك عند ذلك لها و اصفر لونه، لكنه أخفى ذلك و لم ينطق به. فعلم سياوش أنه سيلحقه الندم على ذلك من فعله، و تفرّس ميله الى العفو عنها و الإغضاء عن خطيئتها. فوثب قائما و تشفع اليه، و استوهبا منه. فقبل شفاعته فيها، و عفا عنها و ردّها الى حجابها. قال: ثم بعد زمان مضى على ذلك تزايد شعف كيكاوس بها حتى صار لا يصبر ساعة عن لقائها. و عاودت المكر و الحيلة فى إفساد قلب الملك على ولده جريا منها على مقتضى فساد طينتها و دخل نحلتها. و سيأتى ما أفضى اليه حالها من بعد إن شاء اللّه تعالى.
الفصل الرابع: في ذكر الخبر عن قصد أفراسياب لإيران و ماجري
[عدل]قال: ثم بلغ كيكاوس أن أفراسياب جمع و احتشد، و تجهز و استعد مصمما على قصد ممالك إيران. فأخذه من ذلك المقيم المقعد. فجمع من كان بحضرته من الأمراء و القوّاد ، و شاورهم فى الأمر. و ذكر أفراسياب، و قال: كأنّ اللّه تعالى لم يخلقه من العناصر الأربعة بل خمر طينته من جنس وراء طينة الانسان. و كم حلف لنا بالأيمان المغلظة و المواثيق المبرمة ثم نكث عن كتب تلك الايمان و العهود! فلا بد لى فى هذه النوبة من مناهضته بنفسى لحسم شره و كف عاديته. و إن لم أبادره بذلك هجم علينا كالسهم الصادر فخرب هذه الديار، و نهب هذه البلاد.
فقال له الموابذة: إنك أيها الملك قد أسملت ملكك للهلكة مرتين بما تتعاطاه من الحدّة و العجلة. و الأصوب ألا تفارق مكانك، و لا تباشر الحرب بنفسك، و تجرّد لذلك من ترتضيه من أصحابك ممن يقوم مقامك، و يسدّ مكانك. فقال عند ذلك: ما أرى فى هذه الحضرة من يقاوم أفراسياب، و يقدر على مدافعته و ممانعته. فسمع ذلك سياوش فرأى أن يكون هو المتولى لذلك، و أن يسأل الملك يسأل الملك تقليده أمره فعساه أن يتخلص بسببه عما يقاسيه من حيل سوذابه و مكايدتها و يحصل له مع ذلك صيت عظيم، و ذكر رفيع، بما يسهل اللّه على يده من كفاية شر أفراسياب، و دفع معرته. فلما أصبح جاء الى خدمة أبيه، و سأله أن يوليه ذلك، و هو لا يشعر بما جرى به قلم التقدير فى اللوح المحفوظ، و ما قضى عليه من الهُلك فى ديار الترك. فوافق ذلك رأى الملك فأجابه اليه، و مكنه من الأموال و الذخائر، و أطلق يده فى الكنوز و الدفائن. و دعا برستم، و ضمه اليه، و أمره بالنهوض معه. فامتثل و أعدّ و استعدّ .
فضربت الكوسات و الطبول، و خرج سياوش فى جيوش تكاثر الرمال، و فيول تطاول الجبال. و نزل على ظاهر البلد فخرج معه كيكاوس و شيعه مرحلتين، ثم عانقه و ودعه. و كان اللّه عز و جل قد جعل ذلك آخر عهده بولده، و كم من سفرة أسفرت عن حسرة، و مسير أفضى الى أمر عسير. ثم عاد كيكاوس الى مستقره، و سار سياوش، و معه رستم، حتى وصل الى زابلستان، و أقام شهرا فى ضيافة دستان. ثم قاد جحافله، و ساق عساكره، بعد أن انضم اليه جمع كثير من عساكر الهند و زابُل ، حتى وصل الى هراة. فاستجاش منها رجالة كثيرة، و ضمهم الى زنكه بن شاوران، و هو أحد الإصبَهبَذين من أصحابه. فسار الى طالقان و مروالروذ، و رحل منها الى بلخ، و قد قاربها من جهة أفراسياب أخوه كرسِيوزَ و سِبَهرم و بارمان فى جمع كثير كانوا مقدّمة عساكر الترك. فبلغهم الخبر بوصول عساكر إيران فأثاروا هجينا الى أفراسياب، و أعلموه بمجئ عسكر عظيم من إيران مقدّمهم سياوش، و بلهوانهم رستم، و استعجلوه فى اللحاق بهم. فلم يصبر سياوش، و سار كالريح العاصف، و الليث القاصف، و اضطرهم الى القتال، فالتقوا على باب مدينة بلخ، و تناوشوا الحرب يومين متواليين. و لما كان اليوم الثالث أهبّ اللّه تعالى لسياوش ريح الظفر و النصر، فانهزمت الأتراك و ولوا مدبرين، و ابتدروا الى عبور جيحون فارّين .
فدخل سياوش الى بلخ و كتب الى أبيه بما قيض اللّه له من الفتح، و شرح له فى كتابه جميع ما جرى، و أخبره أن كرسِيوزَ و أصحابه انهزموا و عبروا الماء، و ساروا نحو تِرمِذ ، و أن أفراسياب نازل فى السغد. و استأذنه فى عبور جيحون لقتاله.
فلما وصل الكتاب الى كيكاوس كاد يطير فرحا و سرورا، و سجد للّه تعالى و شكره على ما يسره له من النصر العزيز و الفتح القريب. و أجابه عن كتابه و قال له فى جملة ما كتب: إذ ظفرت و ملكت عنان النصر فعليك بالتثبت و التؤدة. و إياك أن تجعل فيتمكن التبدّد و الانتشار من شملك، و يظهر الفشل فى خيلك و رَجْلك . و كن على حذر من أفراسياب فإن الرجل صاحب مكر و حيلة و بأس و نجدة.
و أوصاه بالحزم و التيقظ فى كتابه. ثم ختمه و نفذه اليه.
فلما وصل الكتاب الى سياوش تلقاه بالتبجيل و الإعظام، و قبل الأرض لمورده. و لما قرأه ابتهج و استبشر، و أقام حيث كان من بلخ امتثالا لأمر أبيه. قال: فجاء كرسِيوزَ الى أفراسياب و أخبره بالوقعة و ما جرى فيها، و أنهم أحجموا عن سياوش لكثرة عدده و عدده. فلما أخبره بذلك استشاط و نظر اليه نظرة كادت تزهق روحه، و صاح عليه، و أمر بإخراجه من عنده. و دعا بأكابر حضرته و أعيان أصحابه، و جلس فى مجلس الأنس، و اندفع معهم فى الشرب الى أن غربت الشمس، و استولى عليهم السكر. فنام أفراسياب و تفرّق من كان عنده.
قال: و لما خالط الكرى أجفان أفراسِياب ، و خاض غمرة النوم، و تصرم قِطْع من الليل ارتعد على فراشه ارتعاد من أخذته حمى نافضة. فصاح و هو نائم صيحة عظيمة. فوثب من كان حوله من الإماء و الوصائف. و بلغ الخبر أخاء كرسيوز فجاء عِجلا ، و رآه على الأرض متمرّغا فى التراب، فاعتنقه و ضمه الى صدره، و سايله عما أصابه.
فقال لا تسألنى عن شيء، و اصبر علىّ ساعة حتى ترجع نفسى الىّ . فلما سرى عنه بعد ساعة عاد الى تخته و جلس عليه، و وضعت الشموع بين يديه، و هو يرتعد، كما كان، كأنه قصبة فى مهب ريح عاصف. فعاود أخوه سؤاله عما نزل به فقال: رأيت فى المنام برية مغبرة مملوءة بالأفاعى و الحيات، مشحونة الجوّ العقبان. ثم رأيت الأرض يابسة مقشعرة حتى كأن السماء لم ترشها قط بقطرة ماء. و رأيت سرادقى مضر و بافى ناحية من تلك الأرض و قد أحدقت به جنود كثيرة. فبينا أنا كذلك إذ ثارت ريح نكباء زعزع فنكست رايتى، و رمت سرادق ثم رأيت فى كل جانب من تلك الأرض أنهارا تتدفق بالدماء. و رأيت ألفا أو أكثر من أصحابى قد ضربت رقابهم. و رأيت عسكرا عظيما فى أسلحتهم خرجوا من نواحى إيران و مع كل واحد منهم رأس، و على رأس رمحه رأس آخر. فركض الىّ منهم نحو مائة ألف مدججين، فأثارونى من تختى و مكانى، و أزعجونى من مستقرّى ، و كتفوا يدى. فجعلت ألتفت يمينا و شمالا فلا أى أحدا أعرفه من أصحابى.
ثم حلمونى الى كيكاوس فرأيته جالسا على تخت رفيع و كأنه سنه غير زائد عن أسبوعين ثم لما رآنى مقيدا بين يديه زأر زئيرا عظيما كالسحاب المرعد. ثم ضربنى و وسطنى بنصفين.
فصحت من الوجع و الألم فانتبهت مذعورا كما رأيتنى. فقال له كرسيوز: إن هذا المنام لا يدل لك إلا على الفرح و السرور، و حصول المطالب و المقاصد، و انتكاس راية عدوّك ، و تزلزل قواعد ملكه.فلا يهتمن الملك بسببه.
ثم جمع أفراسياب الموابذة و المعبرين و العلماء و المنجمين، و قال: إنى أفضى اليكم بسر من أسرارى. فليكن مطويا فى تضاعيف كتمانكم، بعيدا قصيا عن مدارج أنفاسكم، و إن أفشاه أحد منكم فرّقت بين أرواحكم و أجسادكم. ثم لاطفهم و آنسهم، و أجزل عطاءهم، و أخبرهم بما رآه فى المنام.
فقال له موبذ منهم، و كان أفصحهم لسانا و أحسنهم بيانا: أيها الملك إنها رؤيا هائلة، و لا أتجاسر أن أعبرها لك حتى تعطينى الأمان.
فأمنه، فقال: إن حارب الملك سياوش اغبرت الآفاق، و اختبط العالم، و لم يسلم أحد من الترك، و إن كان الظفر للملك و إن قتل سياوش.
فإنه يتألب عند ذلك الإيرانيون للانتقام و طلب الثار، فلا ينجو منهم الملك و لو صار طيرا فى جوّ السماء أو حوتا فى قعر الماء. فاهتم عند ذلك أفراسياب، و علاه الوجوم، و اعتورته الهموم. فدعا بأخيه كرسيوز و أخبره بالحال.
ثم قال: الأصوب أن أقرع باب الصلح مع سياوش، و ألاطفه بالحمول و الأموال، و أفرج له عن بعض البلاد. فلعل اللّه يصرف عنى شر ما رأيت.
مشاورة أفراسياب مع كبار الملأ و لما أصبح من الغد حضرت الأكابر و الأمراء، على رسمهم فى الخدمة. فجلس فى مجلسه و جمعهم بين يديه ثم قال لهم: كأن اللّه عز و جل لم يجعل حظى من الملك غير الحروب و عنائها.
و كم من ملك رفيع الذكر عظيم القدر قد قتلتُ ! و كم من بلد مريع و قصر منيع خربت! و مهما كان الملك ظالما كان محروما من الخيرات مدفوعا عن الحسنات. و متى كان ظالما انقطع التناسل بين الوحوش و الطيور، و قلت الألبان فى الأخلاف و الضروع، و نشّت المياه فى المنابع و العيون، و لم تسمح نوافج المسك بالأرج، و لا مثمرات الأشجار بالثمر. و قد ملك الحروب، و كرهت الشرور. و الرأى أن نراجع ألبابنا و عقولنا، و نديل الراحة من عنائنا و همومنا. و قد ملكنى اللّه تعالى من الأرض صفوتها، و أعطانى منها سهمين، و جعل الملوك تحت أمرى و فى طاعتى. حتى يؤدّون إلىّ فى كل سنة أموالا وافرة، و إتاوات ثقيلة.
ثم قال: و إن وافقتمونى على هذا الرأى أرسلت الى رستم ليتوسط بينى و بين سياوش، و يراب صدع الخلاف بالمعاهدة، و يلم شعث الحال بالموادعة. فاستصوبوا رأيه و كلامه و تراضوا بذلك. فأشار على أخيه كرسيوز بالإعداد و الاستعداد للمسير، فأرسله فى مائتى فارس الى سياوش و أصحبه من الهدايا و التحف خيولا كثيرة، و سيوفا هُندُوانية ، و تاجا مرصعا باللآلئ الشاهية، و مائة حمل من المفارش الصينية، و مائتين من الغلمان و الوصائف.
و أمره أن يقول لسياوش: إنا لم نتوجه نحو هذه الديار لمحاربة و لا منازعة، و انما صرنا الى السغد و هى من ممالكنا القديمة. و قد أنفذت الآن كرسيوز اليك حتى يحسم مادة الخلاف، و يستأصل شأفة الفتن، و يعلمك أنا قد رضينا بقسمة الممالك على ما قسمة الملك أفريدون بين أولاده الكبار. و فعسى أن يستريح العالم من الهرج و المرج، و نستريح نحن من الكد و الجهد. و تكاتب بذلك الملك كيكاوس، و تعرضه على رأيه. فلعله تلين عريكته و تسمح بهذا الصلح قرونته رعاية و لمصلحة الخلائق، و طلبا لسكون نابض الفتنة فى المغارب و المشارق. قال: و أصحبه جملة من الهدايا و التحف من الأجناس المذكورة برسم رستم. ثم سرحه. و لما وصل الى شاطئ جيحون أنفذ من اختاره من أصحابه الى الملك سياوش فقطع الماء و وصل فى يوم واحد الى بلخ، فحضر باب الملك، و أنهى بوصول كرسيوز رسولا.
در آمدن گرسيوز به سياوش: ذكر مقدم كرسيوز إلي باب سياوش
[عدل]قال: و لما انتهى كرسيوز الى باب سياوش رفعت الحجب دونه فدخل قبل الأرض. فقام له سياوش و أكرمه، و أقعده عند تخته، و سايله عن أفراسياب. ثم قدّم تلك الحمول و التحف فوقعت منه موقع القبول. ثم أصغى اليه حتى أدّى الرسالة، فقال له تستريح أسبوعا ثم نجيب عن رسالتك. فإنه لا بد من إعمال الفكر فى هذا الأمر، و مشاورة أصحاب الرأى و العقل.
ثم أمر بإنزاله فى دار مزخرفة، و أدر عليه الأنزال، و رتب له الخوانسلارية و الخدم. ثم خلا رستم بسياوش و أخذا يتفكران فى السبب الذى أوجب صدور تلك الرسالة عن أفراسياب. فساء ظن رستم و استنكبر مجيء كرسيوز بنفسه رسولا. فبث طلائع العسكر فى نواحى المملكة جريا على مقتضى الحزم، و أخذا بالحطية فى الأمر. ثم قال سياوش لرستم: لا بد من امتحان أفراسياب فإنى أخاف أنه يضرب الطبل تحت الكساء، و يسير الحسو تحت الارتغاء فليلتمس منه أن ينفذ الينا مائة نفس من ذوى قرابته، و نجعلهم عندنا رهينة.
فان أجابنا الى ذلك نفذنا حينئذ أمينا ناصحا الى حضرة الملك كيكاوس ليجتهد فى انتزاع السخيمة من قلبه، و اقتلاع مادة الخلاف من رأسه فعسى أن يقع الاتفاق على الصلح، و يستحكم عقده. فاستصوب رستم رأيه و قال: لا ينبغى أن تكون مسالمته إلا على هذا الشرط.
و حضر كرسيوز من الغد حضرة سياوش، فأكرمه و لا لاطفه، ثم قال له: إنى تفكرت البارحة فى أمرك، فاستقرت آراؤنا أن تختار السلم و الموادعة، و نظهر قلوبنا من التحاقد و المباغضة. فإن رأيت نفذتَ الى أفراسياب و قلت له: إن كنت لا تخفى تحت الشهد سما ذُعافا و لا تضمر تحت موادعتك مكرا و خلافا فنفذ الينا مائة نفس ممن يعرفهم رستم ممن تأشب بهم غابك، و تداخلت أنسابهم و أنسابك. ليكونوا رهائن عندنا و لنستدل بذلك على صدقك فيما دعوتنا اليه.
و أفرِج لنا أيضا عن بلاد هى بيدك الآن من ممالك إيران، فسلمها الينا و انتزح منها الى ممالك توران.
فبهذا يلتئم الأمر، و ينشعب الصدع، و أنفذُ عند الى الملك كيكاوس عسى أن يصرف العساكر عن لقائكم، و يسترجعها عن قتالكم. فنفذ كرسيوز فى الحال شخصا الى أفراسياب، و أمره أن يعلمه بوصوله الى حضرة سياوش و أدائه الرسالة، و إجابته الى ما التمس على الشرط المذكور. فلما أنهى ذلك الى أفراسياب عظم عليه، و قال فى نفسه: إن نفذت مائة نفس ممن ذكرهم رستم وهت مُنتيّ و ضعفت قوّتى . و إن لم أنفذ تصوّرت عند سياوش بصورة الكاذب، و لم يصدّقنى فيما دعوته اليه. ثم قال: الأولى أن أجيبهم الى ما طلبوا، و أسعفهم بما اقترحوا، لعل ذلك يصرف عنى شر ما رأيت. و اتباع العقل أولى من اقتفاء الجهل. فعد مائة من قرائبه على الوصف الذى وصف رستم، و نفذهم الى بلخ، و ارتحل عن السُغد ، و أخلاها لسياوش مع نجارى و سمرقند و الشاش و اسفيجاب و ما ينضاف اليها، و سار حتى نزل على ما يسمى كنك. و لما بلغ الخبر رستم بإخلائه البلاد قال لسياوش: رجوع كرسيَوز الآن أصوب و أولى. فخلع عليه خلعة تليق به و سرّحه . فعاد الى أخيه أفراسياب.
ثم جلس سياوش معتصبا بالتاج، و شاور بعض أصحاب الرأى فى دهاة حضرته. و قال: أريد من يذهب الى الملك كيكاوس و يكلمه فى مصالحة أفراسياب. فقال رستم: من ذا الذى يتجاسر على أن يتكلم فى هذا المعنى بين يدى كيكاوس؟ فإنه بعدُ على حاله التى كان عليها من الحدة و الطيش و النزق و البطش. غير أنى لو صرت اليه و خاطبته فى ذلك لرجوت استنزاله من غلوائه. فسر بذلك سياوش ، و جلس معه يفاوضه و يشاوره. ثم عاد بكاتبه و أمره فكتب الى كيكاوس كتابا يقول فيه بعد الثناء على اللّه تعالى، و الدعاء لكيكاوس: إنى وصلت الى بلخ مسرورا، و دخلتها مظفرا منصورا.
و لما علم أفراسياب بمكانى تكدر فى إنائه صفو الزلال، و أحس بالداء العضال، فأرسل أخاه يلتمس من الملك الأمان، و تزحزح عما كان استولى عليه من البلاد الى المضافة الى ممالك إيران مجتريا بما كان لهم فى سالف الزمان من نواحى توران، على أن لا يقرب بعد هذا من حدود إيران، و لا يدوس ترابها.
و قد نفذ إلىّ مائة نفس نص عليهم رستم من أقربائه رهائن. فإن رأى الملك أن يجيبه الى ما سأل فعل. فركب رستم و ما سار الى حضرة الملك كيكاوس.
و أما كرسيَوز فإنه لما وصل الى أخيه أفراسياب ذكر ما جرى عند سياوش، و وصف له ما اختص به من روعة الشكل، و بهاء المنظر، و أبهة السلطنة. فتبسم أفراسِياب و قال: الاحتيال خير من الاغتيال. إنى لما فزعت من ذلك النمام و نظرت فى عاقبة الأمر التجأت الى بذل الرغائب، و سمحت بإخراج الذخائر، حتى أدركت ما طلبت، و بلغت ما قصدت، و صار الأمر كما أردت.
و أما رستم فإنه لما وصل الى حضرة كيكاوس و دخل عليه عانقه، و سايله عن حال ولده، و عن السبب الذى أوجب قدومه عليه. فافتتح رستم بالحديث عن سياوش، ثم دفع اليه كتابه. و لما وقف عليه اصفر لونه و قال لرستم: أحسب أن سياوش شاب غر لم تصبه المكاره، و لم تعضه النوائب. أ لست أنت الجُذَيل المحنك و العُذَيق المُرجَّب ، و من يتعلم الملوك منه الآداب؟ أنسيت ما عمل معنا أفراسياب، و ما تقدّم له من الاساءات حتى لقد سلبنا القرار، و ابتزنا الراحة و الأمن؟ و لكن الغلط كان منى حيث لم أنهض لقتاله، و قبلت قول من ردّنى عن لقائه. و إنه لمّا أشرقتم على الظفر به خدعكم بالهدايا و التحف حتى صدّكم عن قصده. و من أين يبالى هو بمائه نفس يسلمهم اليكم من أرذل الأتراك الذين لا يعرفون أسماء آبائهم، و لا يُعرف مصارف انتمائهم؟ و سواء عنده هؤلاء الرهائن و هذا الماء الجارى فى النهر. فان أنتم لم تهتدوا بعقولكم إلى سبيل صلاحكم فها أنا و يقيد الرهائن و ينفذهم إلىّ . قلتهم. و آمره أن ينهض غير متلبث و يهجم على أفراسياب فى مخيّمه ، و يضع فيهم السيف، و يوسعهم القتل و الأسر. فطفق رستم يذكره ما سبق من أمره لسياوش بدخول بلخ و ثباته بها، و ألا يبادي العدوّ بالحرب، و ينظر ما يحدث و يكون. و قال:
إن أفراسياب ابتداه بطلب الصلح فلم يستجز سياوش مقابلته بالحرب. و ليس يحسن فى الأحدوثة أيها الملك أن ينتشر عن سياوش أنه أخفر الذمة، و غدر بالرهائن.
فاستشاط كيكاوس من رستم عند ذلك، و قال: إنه ليخطر ببالى أنك أشرت على سياوش بهذا الرأى إيثارا منك للدعة، و ركونا الى الرفاهية غير متفكر فيما يعود بحفظ أبهة التخت، و رفعة التاج. فالزم الآن أنت مكانك حتى ينهض طوس بهذا الأمر. و إن كان سياوش يخلع ربقة طاعتى، و لا يمتثل أرمى فإن طوسا يتسلم منه العساكر، و يرجع هو على أعقابه مع خواصه و أصحابه. فاحتد عند ذلك رستم و قام و خرج غضبان. فأمر الملك طوسا أن يستعدّ للمسير، و يجرّ العساكر لقتال أفراسياب.
قال: فدعا كيكاوس بكاتبه، و أجلسه بين يديه، و أمره أن يكتب كتابا الى سياوش ينطق فيه بلسان الموجدة و الغضب. فكتب الكاتب، بعد أن حمد اللّه تعالى، يخاطب سياوش بما معناه: أيها الشاب! إن ثقل مرادى على قلبك، و دارت سنة الصهباء فى رأسك فتذكر صنيع هذا العدوّ فى إيران و ممالكها، ثم تشمر لمحاربته، و لا ترق ماء وجهك بالتقصر، و لا تنخدعن بأكاذيبه و أباطيله.
فطالما مرت خُدَعه و حِيَله ثم لم أحفل بها، و لم أنخدع لشيء منها. و لم يكن قد جرى بينى و بينك للصلح ذكر. فقد أعرضت اذًا عما ألقيته اليك سكونا منك الى مخالطة الغلمان الصباح، و ركونا الى اللعب و المزاح، و هربا من معاناة الحرب و الكفاح. فاذا أتاك طوس فأنفذ إلىّ فى الحال الأتراك الرهائن، و تأهب لحرب عدوّك . و إن كنت تحنو على أفراسِياب ، و تكره أن تنسب الى نقض العهد فسلم العسكر الى طوس، و أقبل الينا. فلست من رجال الحفاظ و أبناء القتال. قال: ثم أثاروا هجينا يحمل الكتاب الى سياوش.
و لما وصل الكتاب و قرأه ضاق صدره، و امتلأ بالهم قلبه. فدعا بالرسول و استخبره عما جرى. فحكى له جميع ما دار بين كيكاوس و رستم، و أخبره بإنفاده لطوس مكان رستم. فوجم سياوش لما حزنه من تنكر أبيه عليه، و ما يخشى من عاقبة ذلك. و قال فى نفسه: كيف أنفذ مائة نفس من أولاد الأمراء الكبار، و أقارب مثل هذا الملك الى كيكاوس مع علمى بأنه اذا وقعت عينه عليهم لم يبق منهم أحدا؟ و ماذا يكون عذرى عند اللّه غدا؟ ثم إنى إن قاتلت أفراسياب بعد ما سيق منى من المواثيق و الأيمان ذكرت فى الآفاق بنقض العهد، و وصفت بالجهالة و الغدر. و إن سلمت العسكر الى طوس، و رجعت ناكصا على عقبى لم آمن بائقة كيكاوس، و بادرة غضبه، و كنت عرضة لما ترصدنى به سوذابه من الغوائل، و تقصدنى به من المكاره.
فأحضر زنكه بن شاوران، و بهرام بن جوذَرز ، و خلا بهما، و قال: لست أدرى ماذا يجرى على رأسى، فقد تغير رأى الملك، و حال عما كان لى عليه من ذلك النحو. و كان ذلك من آثار خديعة سوذابه و مكرها حتى صار مما تُقبّح صورتى عليه كالسم للنقيع و الموت الذريع. و كنت قد آثرت مقاساة هذه الحروب، و العبد عن تلك الممالك طلبا للتخلص من شرها و مكرها. ثم ذكر ما عاناه من محاربة عسكر أفراسياب و إجلائهم عن تلك البلاد، و أنه لم يصالحه إلا بعد إشارة الموابذة أصحاب الرأى بذلك فيه.
ثم أمر زنكه بن شاوران بأن يستصحب الرهائن و التحف، و يصير الى أفراسياب و يردّها عليه، و ينهى اليه ما جرى عليه بسبب ذلك. و قال لبهرام بن جُوذَرز : إنى مسلم اليك هذه العساكر، و خارج الى بعض الأطراف ناجيا بنفسى من نكاية كيكاوس. فاذا قدم طوس فسلم العسكر اليه. فاهتم بهرام لذلك، و بكى زنكه بن شاوران، و لعن تراب هاماوران. و قال بهرام: ليس هذا من الرأى، و ليس لك بدّ من أبيك، فاكتب اليه كتابا تسأله فيه أن يرد عليك رستم. فان أمرك بعد ذلك بقتال فامتثل أمره، و لا تطول عليك كلاما هو فى نفسه قصير. و لا تعجل فإنك بالتثبت و التؤدة جدير.
و لا غضاضة عليك فى الضراعة الى أبيك، و التطامن له. فاعتذر اليه و نفذ الرهائن فانه لم يأمرك فى كتابه بغبر قتال أفراسياب و أصحابه. و الى الآن الى لم يجر شيء لا يمكن تلافيه. فتشمر لما أمرك به حتى نتشمر له، و نبذل الجهد فيه، و نضيق الأرض على العدوّ . و لا تؤذين قلبك، و لا تضيقن صدرك، و لا تكدرون علينا ما صفا من أيامك بعد أن طاولت الأقران و ظفرت بمرامك، و لا تبك عليك عين التاج و التخت، و لا تفجع بالشجر الخسروانى حديقة المُلك . فلم يصغ الى كلام ناصحيه لما كتب على رأسه من تقارب الأجل. فقال: إن كان رأيكما مخالفا لرأيى فانى أنهض بنفسى، و أحمل الرهائن الى أفراسياب. فقال عند ذلك زنكه بن شاوران: نحن عبيدك المخلصون نفديك بأرواحنا و نفوسنا، و لا مخالفك الى الممات. فقال له: فاذهب الى أفراسياب، و اذكر له ما نالنا بسببه و سبب انقيادنا لموافقته. و أعلمه أنى لم أنقض عهده و إن كان قد خرج من يدى من أجله تاجى و تختى. و سله أن يفتح لى طريقا حتى أعبر على بلاده، و أطلب طرفا من الأرض أسكنه لأتخلص من كيكاوس، و أستريح من سوء خلقه، و فساد طبعه.
فسار زنكه بن شاوران فى مائة فارس، و استصحب الرهائن. و لما دخل بلاد توران استقبله بعض عظمائها. و سار حتى دخل على أفراسياب. فلما رآه وثب اليه و اعتنقه و أكرمه، و أجلسه على تخته. فسلم اليه كتاب سياوش. فلما وقف عليه امتم لذلك و تحير. ثم أمر بإنزاله فى موضع يليق بمثله، و استحضر بيران قائد جيشه، و بهلوان عسكره، و المتولى لحله و عقده. فجلا به و ذكره سوء خلق كيكاوس، و حكى له ما أجاب به سياوش من الكلام الخشن الصادر عن الحفيظة و الغضب و ذكر له قدوم زنكه بن شاوران، و ما التمسه سياوش.
و استشاره فى ذلك فقال بيران: رأيك أصوب، و فكرك أثقب. و الذى عندى أن كل من يكون من ملوك الأرض فى هذا الزمان موصوفا بالفضل و الإحسان فينبغى ألا يدخر عن سياوش شيئا. فانى سمعت أنه من أعلى الملوك قدرا، و أوفرهم عقلا. و له الشرف بنفسه و أصله. و قد استكمل أسباب السيادة و السعادة. و لو لم يكون فيه سوى أنه احترز عن قتل الذين عنده من أكابر هذه الحضرة، و تنمر على أبيه بذلك حتى أخرجه الأمر الى ترك التاج و التخت لكفاه ذلك شرفا. و إنما فعل ذلك كله رعاية لذمامك، و محافظة على الوفاء لك.
فان رأى الملك أجاب عن كتابه بالإلطاف و الاستعطاف، و تلقى أمله بالإسعاف، و مكنه من هذا الإقليم، و زوّجه بإحدى كرائمه. فلعله يستوطن هذه الديار، و يستقرّ فى هذه المملكة. و لو لم يفعل ذلك و رجع إلى أبيه كان الملك مشكورا على ما أسدى اليه من الجميل. فقال أفراسياب: إن كلامك غير حائد عن سنن السداد غير أنه من ربى شبل الأسد الهصور أنحى عليه، إذا طلع نابه، بالمحذور.
فقال فيران:و لكن سياوش لمّا لم يرض من أبيه بالغدر، و لم يغض على ما دعاه اليه من الشر فلن يتجنب طريق الوفاء، و لا يقابل صنيع من يحسن اليه بالجفاء. ثم إن كيكاوس قد طعن فى السن، و لا بد له من الموت. و لا يخفى أن سياوش وارث أرضه، و مالك تاجه و تخته. فإذا كان تحت يدك كنت ملك الجانبين، و صاحب الدولتين.
فوافق ذلك رأيه فدعا بكاتبه و أمره فكتب إلى سياوش كتابا حمد اللّه تعالى فيه و أثنى عليه. ثم أتبغ ذلك بالدعاء لسياوش، و تقريظه بحسن العهد، و لزوم الوفاء، و مجانبة إخفار الذمام. ثم قال: قد وقفت على ما تحملّه زنكه بن شاوران من الرسالة فضقت ذرعا بما صدر من كيكاوس. و هذه الممالك لك و بحكمك. فإن أردت الشهريارِيّة فهى بين يديك.
و إن أردت الأموال و الذخائر فإن مقاليدها ملقاة اليك، و جميع أهل هذه المملكة يسجدون لك و يقبلون التراب لديك. و أنا بالأشواق إلى لقائك، و أنت عندى بمنزلة الولد، و أنا لك كالوالد.
بل والد يكون لك كالعبد فى خدمتك. و ما أشرت اليه من عبورك علينا صائرا الى إقليم آخر فهذا شيء نُعيّر به، و قد و أغناك اللّه عنه. فإن هذه الممالك و الكنوز و الذخائر مسلمة اليك. فتقيم فى أرضنا ما أحببت، و ترجع، إذا صالحت أباك، اليه إذا أردت، كما اشتهيت. و قد جعلت للّه علىّ أن أبذل جهدى فى خدمتك، و أفرغ وسعى فى مناضحتك، و لا أهمّ بالإساءة اليك. ثم ختم الكتاب، و دفعه الى زنكه بن شاوران، و خلع عليه، و سرّحه الى سياوش.
فلما وصل اليه، و قرأ الكتاب، و وقف على ما فيه سره من وجه و ساءه من آخر حين اضطر الى مصادقة العدوّ الكاشح، و يستنبط الماء من السعير اللافح.
قال: ثم كتب الى كيكاوس كتاب شكاية أبثه فيه نفثات صدره، و أطلعه على حرازات قلبه، و ذكر ما قاساه من مكايد سوذابه و مكرها، و ما ابتلى به من سببها من ورود النار التى سبق ذكرها. و قال: ثم أنى آثرت مغامسة الحرب و الموت، و الدخول الى فم الثعبان حتى ملكت عنان الظفر، و ملأت العالم بالأمن و العدل، و استراح الخلق فى المملكتين بحسم مادة الشر، و إصلاح ذات البين، فلم يرض الملك ذلك، فحلَّ جميع ما عقدت، و نكث ما أبرمت. و كأنه كان قد كره لقائى، و سئم مقاربتى له. فوافقتُه على ما أراد من ذلك.
فلا زال هو ممتعا بالسرور و الفرح فقد متعت أنا بالهموم و الترح، و خضت غمرة الخطوب. و اللّه أعلم بما هو مكتوب علىّ و منساق إلىّ . ثم سلم التاج و التخت و الخيل و الخول و الخزائن و غيرها الى بهرام بن جوذَرز . و قال: إذا قدم طوس فسلمها اليه.
و اختبار من عسكره ثلاثمائة من المشهورين المذكورين، و ما احتاج اليه من الجواهر و الذهب و الفضة و غير ذلك، و استصحب مائة فرس بآلات الذهب، و مائة وصيف و وصيفة بمناطق الذهب، و الأكاليل المرصعة باللؤلؤ و الزبرجد. ثم دعا بأعيان عسكره و أكابر حضرته، و قال: إنه قد صول بيران من حضرة أفراسياب رسولا، و قد عبر الماء. و أنا خارج لاستقباله. فالزموا مكانكم و ولوا بهرام وجوهكم، و لا تعدلوا عن رأيه. فسجدوا له و رجعوا مذعنين لأمره، و خاضعين لحكمه.
رفتن سياوش به تركستان
[عدل]قال: فركب سياوش، و عبر جيحون حزين القلب عزيز الدمع. و سار حتى وصل الى ترمذ و قد أعدوا له الأنزال و التحف و الهدايا و المبارّ فى كل منزل منها الى الشاش. فسار حتى نزل بقفجاق. و أقام بها أسبوعا فاستقبله بيران فى جملة من أقاربه و أصحابه، و قدّم اليه أربعة أفيال بتخوت الذهب و الفيروزج، و مائة فرس بعدّة الذهب.
و لما بدا علمه ابتدره سياوش و عانقه، و سايله عن أفراسياب. فلا لاطفه بيران و طفق يشكر اللّه تعالى على ما قيّض له من لقائه. ثم قال: إن أولادى و قرابتى كلهم عبيدك و مماليكك، و لا يعدلون عن أمرك. و أنا لو قبلتنى لشددت وسطى، مع شيخوختى و كبر سني، فى العبودية لك، و وقفت ماثلا بين يديك. ثم انصرفا معا و أرجاء تلك المدينة تطن بأصوات المعارف و المزاهر لقدوم سياوش . فبينا هو كذلك إذ تذكر أرض زابلستان أيام مقامه بها فى ضيافة رستم بن دستان، و ذكر رياضها الممسكة، و جناتها المزخرفة، و فنثر عقد الدموع، و شب نار الحزن بين الضلوع. و أخفى ذلك من بيران، ففطن له و لا لاطفه حتى طاب قلبه. ثم قال لبيران: إن عاهدتنى وثقت بك، و علمت أنك لا تخفر الذمّه فإن كنت تستصوب مقامى عند أفراسياب فأخبرنى بذلك حتى لا يلحقنى ندم فى قدومى عليه. و إن كان الأمر بخلاف ذلك فأعلمنى أيضا حتى أتجاوز هذه الديار الى غيرها، و دلنى على إقليم آخر ألجأ اليه، و أتحصن فيه.
فقال له بيران: بعد أن فارقت أرض إيران فلا تعدل عن أفراسياب. فإنه و إن انتشر فى الآفاق ذكره بالسوء فهو فى الباطن على خلاف ذلك. و هو رجل متألّه صاحب رأى و عقل، و لا يقدم على أذية أحد بغير جرم.
و أنا قريبه، و صاحب رأيه، و بهلوان جيشه. و فى هذه البلاد مائة ألف فارس كلهم تحت حكمى و فى ربقه طاعتى. ولى اثنا عشر أقاربى مهما دعت الحاجة اليهم اجتمعوا إلىّ و احتفوا و أنا بهم فى غناء عن أفراسياب. و قد جعلتهم كلهم فداء لك إن عزمت على الإقامة فى هذه الديار.
و قد ضمنت للّه تعالى ألا تصاب بمكروه إلا أن يظهر منك معادة أو تصدر منك جريمة يتوجه بذلك عليك مجازاة. فانقاد سياوش لكلامه، و ركن اليه، و اعتمد على حتى صار بيران و الدار و هو ولدا.
و ارتحلا و سارا حتى وصلا الى مستقرّ أفراسياب من مدينة كنك. فشدّ وسطه عاجلا، و خرج فى استقباله راجلا. فلما رآه سياوش ترجل له، و بادر اليه فتعانقا، و طفق كل واحد منهما يقبل وجه صاحبه. ثم أخذ أفراسيابُ بيده، و دخل به الى إيوانه، و أجلسه معه على تخته، و أخذ ينظر اليه، و يجيل طرفه فى محاسنه و شمائله، و يقول لبيران: إنى لأعجب من كيكاوس كيف يصبر عن مثل هذا الولد. فإنى منذ وقعت عينى عليه لا أستطيع أن أنظر إلا اليه. و قد بهتّ لجماله و كماله.
ثم أمر أن يفرش له إيوان اختاره من أجله، بالمفارش المنسوجة بالذهب، و ينصب فيه تخت من الذهب مغشّى بالديباج الصينى. و أشار بمصيره اليه للاستراحة. ثم لما مدّوا السماط حضر، و قعدا يتفاوضان و يتلاطفان. ثم لما فرغوا من الطعام جلسوا للشرب الى أن غربت الشمس. فقام سياوش و عاد الى إيوانه. و أمر أفراسياب ابنه شيذه بأن يبكر فى صبيحة الغد مع أقاربه و أكابر حضرته الى خدمة سياوش، و يقوموا بشرائط خدمته، و يحملوا اليه هدايا و تحفا و نثارات. ففعلوا ذلك. و نفذ أيضا اليه من جهته تحفا كثيرة و هدايا جليلة. فمضى على ذلك أسبوع.
ثم سأله دخول الميدان، و ملاعبته إياه بالكرة و الصولجان. فأجابه الى ذلك. و كان قد اجتمع جميع أمراء توران فى ذلك الميدان. فأظهر فى يومه ذلك من الآداب الشهَنشاهيّة و الحركات السلطانية فى المراماة و المناضلة و اللعب بالكرة ما أعجب الحاضرين، و آنق الناظرين.
قال: و أخذ حب سياوش بمجامع قلب أفراسياب حتى كان لا يصير عنه ساعة، و حتى كان يسلى به و يفرح بلقائه، و صار له بذلك شغل شاغل عن ابنه جِهن و أخيه كرسيَوز و غيرهما. فجعل لا يلتفت اليهم، و يؤثر سياوخش فى السر و الخلوة عليهم، حتى مضت على ذلك سنة كاملة.
فاتفق أن بيران اجتمع يوما بسياوش، و تجاذبا أطراف الأحاديث فقال له بيران: كأنى أردك فى هذه البلاد على أوفاز، و لا تركن اليها إلا ركون مجتاز. و إن أفراسياب من فرط حنوه عليك و محبته لك كأنه لا يرى الدنيا إلا بعينك و لا يحب الحياة إلا لأجلك. و أنت اليوم ملك إيران و توران، و حلف الملوك فى هذا الزمان. فوطن نفسك على الاستقرار فى هذه الديار. ثم إنك رجل وحيد لا أخ لك و لا أخت و لا زوجة و لا ولد. فاطلب صاحبة تصلح لك، و لا تهتم بأمر إيران. فإن تلك الممالك بعد موت كيكاوس لا تكون إلا لك. و اعلم أن وراء ستور الملك ثلاث بنات كالأقمار الطالعة و كذلك وراء حجاب أخيه كرسيوز ثلاث أخر قد جمعن بين الأصالة و النجابة، و وراء سترى أيضا أربع صغار هُنّ إماء لك.
و لكن الأصوب لك ألا تعدل عن أفراسياب و له بنت تدعى فريكيس هى أكبر أولاده، و أجمل نساء زمانها. و هى موصوفة بالخلال المرضية و الخصال الحميدة. فإن خطبتها الى أبيها و وصلها بك ازداد قدرك، و ترقت منزلتك. فان رسمت كنت أنا المكلم لأفراسياب فى ذلك، و القائم بأمر هذه الوصلة. فقال سياوش: اذا لم يكن لى بدّ من هجران ديار ايران، و لا بقى لى سبيل الى النظر الى وجه الملك كيكاوس و رستم الذى هو ربانى، و بهرام و زنكه بن شاوران فاشرع فى هذا الأمر، و تول أنت تدبيره.
سخن پيران با افراسیاب: الكلام بيران مع أفراسياب
[عدل]فقام بيران و دخل على أفراسياب، و وقف على رأسه. فقال أفراسياب: أ لك حاجة حتى أطلت المقام اليوم؟ فقال له عند ذلك: أرسلنى سياوش اليك فى رسالة، و أريد عرضها عليك. ثم أخيره بالأمر، و خطب اليه فريكيس و لسياوش. فتغير من ذلك أفراسياب، و قال: إنه قال لى رجل عاقل: أيها المربى لشبل الضرغام! لا تتعب فإنه يعود عليك بالإرغام. إنك تتعنى و تربيه، ثم تحرم ما تأمله فيه. و أيضا فإن بعض المنجمين كان قد أخبرنى بأن زوال ملك توران يكون على يد حافد لى. و فى هذا ما يفهم منه ذلك فإن من يولد ما بين هاتين الشجرتين يملك جميع الأرض، و لا يبقى أحدا من أهل توران. و مالى أغرس بيده شجرة تكون أوراقها صابا و علقما، و حملها ذعافا مسمما؟ فقال له بيران: أيها الملك! لا تهتمن، و لا تحفل بقول المنجمين. فإن من يولد من صلب سياوش لا يكون إلا مثله متحليا بالسكون و العقل.
و سيتفرع من هاتين الشجرتين غصن يطاول الكيوان و يجمع بين ملك إيران و توران. و لعله يأمن به الإقليمان و أهلهما. و إن كان اللّه قد شيئا غير ذلك فالكائن لا محاله سيكون. و لم يزل به حتى أجاب الى ذلك، و قال: قد فوّضت الأمر الى رأيك فافعل فيه ما تريد. فسجد له بيران و شكره، و رجع الى سياوش، و ذكر له ما جرى بينه و بين أفراسياب. و جلسا يشربان الى أن ثملا. و رجع بيران الى منزله.
بيوگانی فرنگيس با سياوش : زواج سياوش بفرنكيس
[عدل]و لما أصبح ركب الى قصر سياوش فدخل عليه، و قال: أعدّ أسياب الضيافة لابنة الملك أفراسياب. فإن رسمت شددت وسطى و قمت بذلك كما يجب. فقال له سياوش: الأمر لك، و مالى أحد سواك فافعل كما رأيت. فانصرف بيران نحو منزله، و سلم مفتاح خزانته الى زوجته كُل شهر، و كانت ذات رأى و عقل.
فاختارت له ألف ثوب منسوج بالذهب، و أخرجت له أطباقا من الزبرجد، و جامات من الفيروزج، و ملأتها بنوافج المسك و العود الرطب، مع إكليلين مرصعين بالجواهر الشاهية، و سوارين و قرطين و طوق، و من المفارش ستين حملا، الى غير ذلك من النفائس و الغرائب، مع ثلاثمائة و صيف بقلانس الذهب، و مائتى و صيفة على يد كل واحدة جام من الذهب مملوء من المسك و الزعفران. ثم جاءت مع أخواتها فى مائة نفس من قرابتها بعمارات الذهب المجللة بالديباج، و معها عشرة آلاف دينار برسم النثار.
و دخلت على فريكيس، و قبلت الأرض بين يديها، و قالت: قد ازدوجت الشمس و القمر. فلتنهض الملكة الى قصر الملك. فرجعت بها الى إيوان سياوش.
تولية أفراسياب سياوش على بعض الأقاليم فقامت فى ذلك العرس سوق اللهو و اللعب فى تلك الخِطة سبعة أيام. و نفذ بعد ذلك اليه أفراسياب هدايا كثيرة من الدينار و الدرهم، و الخيل و النعم، و الملبوس و المفروش. و كتب له منشورا من ذلك الحد الى الصين.
و أذن له أفراسِياب بعد سنة كاملة أن يسير الى تلك الديار. فرحل و سار بزوجته فريكيس. و صحبه بيران و ارتحل معه و صاروا الى خُتَن ، و كانت مملكة بيران. و أقاموا هنالك أياما ثم قدم رسول أفراسياب على بيران يستنهضه الى بعض الممالك، و يأمره بجرّ العساكر اليه. فامتثل ذلك بيران و فارقه
ساختن سياوش گنگدژ را: بناء سياوش مدينة كنك دز
[عدل]و انتقل سياوش الى موضع آخر أشار عليه به أفراسياب، فبنى مدينة جعل عرضها و طولها فرسخين، و أحدث فيها قصورا عالية، و بنى فيها أبنية مرتفعة، و زخرف المدينة حتى صارت كبعض الجنان. و عمل إيوانا عظيما، و أمر فصوّروا فى أحد جانبيه صورة كيكاوس قاعدا على تخته، و بين يديه رستم و جوذرز و غيرهم من الأكابر
ساختن سياوش سياووشگرد را: بناء سياوش مدينة سياوش كرد
[عدل]و على الجانب الآخر أفراسياب و كرسيوزَ و بيران، و عمل فى جوانب المدينة قبابا كادت تمس السماء علوا و سمي المدينة سياوش كِرد .
قال: و لما رجع بيران من الجهة التى كان توجه اليها استفزه الشوق الى سياوش فلم يتمالك أن جاء الى تلك المدينة. فاستقبله سياوش فترجل كل واحد منهما للآخر و تعانقا و ركبا و طافا بتلك المدينة. و لما أبصر بيران تلك القصور العالية و الميادين الفسيحة و البساتين الأنيقة أثنى على سياوش، و دعا له بطول البقاء و دوام العز و السناء.
ثم لما انتهى الى الإيوان انفتل الى قصر فريكيس فاستقبله، و أمرت فنثرت عليه نثارات كثيرة، و خرج من عندها و جليس هو و سياوش فى مجلس الأنس و اندفعوا فى الشرب و اللعب و الطرب. و أقاموا على ذلك أسبوعا. ثم قدّم لسياوش برسم عُراضة و القادم تحفا كثيرة و هدايا جليلة.
ثم فارقهم و سار الى حضرة أفراسياب. فلما دخل عليه أخبره بخبره فى الجهة التى يسره اليها و انتهى بهما الحديث الى ذكر سياوش، و سأله الملك عن حاله و حال المدينة التى أنشأها، و قصورها التى بناها فأخبره پيران بما رآه من حالها، و وصفها له. ثم ذكر قصر فريكيس و أماكنها الرفيعة و مساكنها المنيعة، و أتبع ذلك بالدعاء لهم و تمتع البعض بالبعض. ففرح أفراسياب بما حدّثه به حين أثمر غصن رجائه، و ترعرع غرس أمله.
فرستادن افراسیاب گرسيورز را به سیاوش: إرسال أفراسياب كرسيوز إلى سياوش
[عدل]ثم حكى لأخيه كرسيوزَ ما حكاه له بيران، و قال له: قد وطّن سياوش نفسه على الإقامة بتوران، و صار لا يخطر بقلبه ذكر إيران، ثم أمره بالمصير الى سياوش مستصحبا له و لفريكيس الهدايا و التحف، و أمره بأن يوفيه حقوق الخدمة، و يلحظه بعين العظمة فتوجه اليه فى ألف فارس.
فلما بلغه الخبر بقدومه ركب لاستقباله فى جنوده و رجاله، و صار به الى الإيوان و دخل به من الغد على فريكيس، فتلقته بالنثارات الكثيرة و الخِدم الوفيرة. فلما رأى كرسيوز جلالة سياوش، و فامة قدره اعتوره الحسد فجاش قلبه و دماغه حتى اصفر لونه، و تغيرت حاله: و قال فى نفسه:
أفى سنة يصير سياوش هكذا صاحب تاج و تخت، و تاج و تخت، و مالك أمر و نهى بحيث لا يلتفت إلى أحد؟ فأخفى ذلك فى نفسه، و جعل يتلوى على غيظه و حقده. قال: فنصبوا فى القصر تختين، فجلس كرسيوزَ على أحدهما، و جلس سياوش على الآخر. و جاء بالمغانى المحسنات، و الجوارى المسمعات، و باتوا ليلتهم على جملة الأنس و السرور، و الطرب و الحبور.
گفتار اندر گوی زدن سياوش و چوگان وی: ذكر لعب سياوش بالكرة و الصولجان
[عدل]و لما أصبحوا ركب سياوش إلى الميدان. و جاء كرسيوز فلعبا ساعة بالكرة و الصولجان، ثم عدلا الى المطاعنة و المناضلة. و كانت لبة سياوش ظاهرة فى الكل و زائدة للغيظ و العداوة فى قلب كرسيَوز . فقال له أيها الملك! مالك فى توران و لا إيران نظير يساجلك فى آدابك، و يجاريك فى طعانك و ضرابك. فهلم نتماسك بمناطقنا لننظر أينا يقتلع صاحبه من مقعده.
فامتنع من ذلك سياوش و قال: أنا لك مطيع فى كل ما تشير به علىّ إلا فى هذه القضية. فان أردت ذلك و كان لا بد لك منه فاختر من رجالك واحدا موصوفا بالقوة و الشجاعة حتى أمتثل أمرك، و أتبع رأيك. فضحك عند ذلك كرسيوز، و استحسن كلامه و أقبل على أصحابه، و قال: من يتقدّم لمبارزة سياوش. فأجابه رجل من أصحابه يسمى كروزره و قال أنا القمن بمبارزته فتصدّى هو لذلك و فارس آخر.
فأخذ سياوش بمنطقة أحدهما، و اختطفه من السرج، و رماه إلى الأرض، و أقبل على الآخر و اختطفه من سرجه، و صار فى يده كالخشف الضعيف فى براثن الأسد الغريف. و جاء به الى كرسيوز فنزل، و هو يضحك، و جلس الى جنبه على تخت من الذهب كانوا نصبوه له فى الميدان. ثم رجعوا و جلسوا أسبوعا آخر على اللهو و الشرب.
بازگشت گرسيورز به افراسیاب و بدگويي او از سیاوش:رجوع كرسيوز إلى أفراسياب و إيقاعه بسياوش
[عدل]ثم إن كرسيوز ودّعه و فارقه بأصحابه راجعا الى حضرة أخيه أفراسياب. و لما توسطوا الطريق تجاذبوا أطراف الحديث فيما جرى يوم الميدان مع سياوش، و كرسيوز مغتاظ مما أصاب صاحبيه على يد سياوش من الخزى و الهوان، حين تصدّيا لمقاواته فى الميدان. فلما قدموا على أفراسياب استخبرهم عن أحوال سياوش فقال له كرسيوز: أيها الملك! إنه قد تغير عما كان عليه، و قد تكررت الرسل اليه من أبيه كيكاوس فى السر. و كذلك تأتيه الرسائل من أطراف الروم و الصين.
و هو لا يشرب الآن إلا على اسم كيكاوس. و قد اجتمعت الآن عليه عساكر كثيرة، و هو لا شك قاصدك عن قريب. و قال: لو لم يطلع تور على الشر من إيرج لم يكن يفتك به فى الزمان الغابر.
و كيف تقدر أن تجمع بين إقليمين أحدهما كالنار و الآخر كالماء بهذه المزاوجة؟ و رأيت الأصوب عرض هذه الحال عليك، و لم أستجز إخفاها عنك. فاضطرب أفراسياب من كلامه، و اهتم من أجله.
و لم يزل كرسيوز يتردّد اليه بالأكاذيب المموّهة ، و الأباطيل المزخرفة فى تقبيح صورة سياوش عنده متمحلا عليه بما لا أصل له حتى غبر على ذلك زمان. فاستحضره يوما و خلا به، و خاض معه فى حديث سياوش. ثم أمره بأن يمضى اليه، و يبلغه سلامه، و يصف الى لقائه أشواقه، و يستقدمه مع فريكيس.
باز آمدن گرسيورز به سياوش: مجيء كرسيوز إلى سياوش مرة أخرى
[عدل]فسار كرسيوز حتى اذا قرب من مستقرّه أرسل اليه يقسم عليه بنعمة أفراسياب، و حياة كيكاوس ألا يتجشم الخروج الى استقباله و تلقيه، و لا يتجاوز تخته. فوصل الرسول الى سياوش و أدّى اليه رسالته، فاستشعر و اهتم و غمر قلبه الفكر فى غائلة ذلك الكلام. فلما وصل كرسيوز بادر و خرج من الايوان حتى التقاه. فبلغه رسالة أفراسياب. فارتاح لها و أظهر السرور بها، و قابل الأمر بالامتثال و الانقياد. و قال: هأنا لا أحيد عن طاعته، و أشدّ عنانى بعنانك حتى نعاود حضرته معا. و لكن نستريح ثلاثة أيام فى هذا الايوان الذهبى ثم نعزم.
فلما سمع كرسيوز كلام سياوش ضاق صدره، و قال: إن جاء معى مبادرا كما قال افتضحت عند أفراسياب، و لم ينجع فيه ما قلته، و صار كلامى عنده هباء منثورا. فلا بدّ أن أحتال و ألوى عنانه عن المضى الى أفراسياب. قال: فسكت ساعة و لم يجبه بشيء. ثم تباكى و جرت دموعه حتى علاه الشهيق. فرق له سياوش، و قال له: أيها الأخ ما الذى أصابك؟ و ماذا حدث؟ إن يكن قد تغير رأى الملك عليك فأخبرنى حتى أمضى الى حضرته، و أصلح بينه و بينك، و أزيل الوحشة. و إن يكن قد ظهر لك عدوّ فها أنا كالأسد بين يديك حرب لمن حاربك، سلم لم سالمك.
فقال كرسيوز: ليس من هذا شيء. و لكن خطر بقلبى الساعة ما أصاب إيرج من بائقة تور، و مكره. و هذا الملك قد تغير رأيه فى حفك. و ليس يضمر لك إلا السوء. و هو الذى قتل أخاه إغريرث. فكن منه على حذر، و لا تركن اليه. و أنت تعلم محبتى و نصحى لك. و لذلك لم أستجز إخفاء ذلك عنك.
و لست أرى من الصواب أن تمضى اليه، فتعرّض نفسك للهلاك. و الرأى أن تكتب جواب كتابه، و تتمسك فى تأخرك ببعض المعاذير. فانى أنوب عنك و أسعى فى إطفاء نائرته، و دفع معرّته عنك.
فان رأيته قد صلح قلبه لك أعلمتك ذلك حتى ترد عليه. و إن يكن غير ذلك أخبرتك حتى تدبر أمرك، و تخرج من بعض الأطراف الى موضع تأمن فيه على روحك. فقال سياوش: لست بعادل عن رأيك فافعل ما ترى، و اشفع الى الملك فعساه يعود الى ما كان عليه.
نامه سیاوش به افراسیاب: رسالة سياوش إلى أفراسياب
[عدل]فاستحضر الكاتب، و كتب اليه كتابا يدعو له فيه، و يثنى عليه، و يعتذر اليه فى تأخيره عنه، و يذكر أنه عرض لصاحبته فريكيس عارض منعه عن المبادرة الى حضرته، و لعل ذلك العارض يزول عن قريب فيسارع للامتثال لأمره، و المثول فى خدمته. و ختم الكتاب، و دفعه الى كرسيوز فركب من وقته يركض عجلا لا يستريح ليلا و لا نهارا حتى وصل الى أخيه أفراسياب فى ثلاثة أيام.
ساءله عن حاله، و عن السبب فى استعجاله. فقال: إنى لم أستصوب التمكث لِما شاهدت من صورة الحال اعلم أن سياوش لم يلتفت إلىّ ثلاثة أيام، و لم يستقبلنى. و لما دخلت عليه أقعدنى على ركبتى دون تخته، و لم يقرأ كتابك، و لا أصغى الى رسالتك. و قد تواصل اليه الكتب من ايران، و اجتمعت عليه عساكر كثيرة من الروم و الصين. فإن أخذت معه فى طريق التأنى و التؤدة تفاقم شره و أعضل داؤه فيصعب تداركه و تلافيه.
الفصل الخامس: ذكر مسير أفراسياب لقتل سياوش، و ما جرى عليه من ذلك
[عدل]آمدن افراسياب به جنگ سياوش: مسير أفراسياب لقتل سياوش
[عدل]قال: و لما سمع أفراسياب كلام أخيه تجدّد حقده القديم، و ثار داؤه الدفين، و لم يجبه من فرط الغضب بشيء، و أمر عسكره بالرحيل و خرج من دار ملكه بمدينة كنك عازما على الفتك بسياوش. نعم و لما فارق كرسيوز سياوش جاءته زوجته فريكيس، و قالت: مالك قد تغير لونك و اصفر وجهك؟ فقال: إنه قد تكدر مائى بتوران. فإن كان الأمر على ما يقول كرسيوز فلا مكان لى من هذه الدائرة سوى المذكر. فاضطربت فريكيس، و اشتعلت النار فى جوانحها، و أذرت دمعها، و نتفت شعرها، و دقت صدرها، و قالت: أيها الملك فما تصنع؟ و بمن تستجير؟ فأما ايران فلا سبيل لك الى الرجوع اليها. و ليس لك إلا العزيمة على المصير الى الروم. و طفقت تبكى و تعلن أفراسياب.
خواب ديدن سياوش: رؤيا سياوش
[عدل]فبقى سياوش معها ثلاث ليال حليفى رنين و بكاء. فبينما سياوش عندها فى الليلة الرابعة اذ انزعج و اضطراب و شهق. فساءلته عن حاله فقال: رأيت فى المنام بحرا من الماء و جبلا من النار، قدّامها أفراسياب. و لما وقعت عينه علىّ قطّب ، و اضطرم غيظا. فهالنى ذلك، و خفت منه حتى كان منى ما رأيتِ . فقالت: لا تهتمن لذلك فهو خير لك و شر لأعدائك. قال: فاستدعى سياوش عند ذلك أصحابه، و قعد على باب إيوانه ساعة، و فرّق الطلائع حوالى المدينة. فلما كان بعد ثلثى الليل جاءه فارس فأخبره بظهور عسكر أفراسياب من جانب مدينة كنك. و جاءه فارس آخر من عند كرسيوزَ يخبره بأنه كلم أفراسياب فى حقه فلم يرد عليه جوابا، و ها هو قد جاء كالنار الموقدة. فدبِّر أمرك، و خلص روحك. و لم يفطن سياوش لمكايد كرسيوز المحتال، و ظنه صادق المقال. فقالت له فريكيس: أيها الملك ما عليك منا. اركب فرسا عدّاء لعله ينجو بك من شر أفراسياب، و لا تأمن فى هذه الأرض على نفسك.
اندرز كردن سياوش همسرش فرنگيس را: وصية سياوش لزوجته فرنكيس
[عدل]فقال لها: ما رأيته فى المنام واقع، و حياتى قد نفدت، و وفاتى قد دنت. و كذا عادة الدهر يضع ما يرفع، و يهدم ما يبنى و يشيد. و لا بدّ من الموت و إن مرت على المرء الشهور و الأعوام، و امتدّت به الليالى و الأيام. و زعم صاحب الكتاب أنه قال لها: إنك حاملة من خمسة أشهر. و ستقومين عن ملك مشهور. فسميه كيخسرو، و اسكنى اليه، و تسلى به عنى. و أما أنا فسوف تقطع رأسى بغير جرم، و يراق دمى بلاد ذنب. فأغادر على التراب طريحا بال تابوت و لا كفن، غريبا نازحا عن الأهل و الوطن. ثم يأتيك حرس أفراسياب، و يخرجونك حافية حاسرة. فيجيئ بيران فيستوهبك من أبيك، فيشفعه فيك، و يؤمنك على نفسك، و يسلمك اليه. فيحملك الى قصره فتلدين مؤنس قلبك، و يثمر غصن أملك. و يأتى من أرض إيران رجل يحتال فى أمرك، و يحملك مع ولدك الى إيران، فيتسنم سرير الملك، و ينتشر ذكره فى الشرق و الغرب، و يأتى بعساكر إيران الى هذه الديار للانتقام الى و الطلب بثأرى. و يجوس رستم خلالها و بحوافر رخشه، و يزلزلها ببأسه و بطشه.
و لا يزال فيها السيف. ثم ودع فريكيس، و قال: أنا على الذهاب. فوطنى نفسك على ما ذكرت لك، و لا تطمعى بعد هذا فى الراحلة و الدعة. ثم خرج من الايوان حليفا للإعوال و الإرنان. و مضى نحو روابط خيوله العراب، فقرب منه فرسه الأدهم الذى يسمى بهزاد، فضم رأسه اليه، و سارّه فى أذنه، و نعى اليه نفسه، و عزّاه و أمره بالتوحش و ألا ينقاد لأحد بعده، و لا يمكن من ظهره غير كيخسرو حين يأتى طالبا لثأره. ثم عرقت خيوله المشهورة
گرفتار آمدن سياوش در دست افراسياب : وقوع سياوش في أسر أفراسياب
[عدل]و ركب مع أصحابه الإيرانيين آخذا فى طريق إيران.
فلما سار مقدرا نصف فرسخ لحقه أفراسياب فى عسكره فرأى سياوش لا بسا درعه، و أصحابه يحذون حذوه فى ذلك. فقال فى نفسه: إن كرسيوز قد صدقنى فيما أخبرنى به عن حال سياوش.
فاصطف الايرانيون، و تأهبوا للقتال، و قالوا: قد أيسنا من أرواحنا فلا بدّ أن نبلى عذرا، و نثبت فى مستنقع القتال حتى نقتل. فمنعهم سياوش و قال: إن كان قد قدّر قتلى على أيدى هؤلاء الأشرار فلن ينفع الحذر من القدر. و ما هذا بيوم قتال، و انما هو يوم تفويض و استسلام. فتعرّض لأفراسياب و قال: أيها الملك العاقل! ماذا حدث و أوجب مجيئك فى أهبة الحرب؟ و كيف تقدم على قتلى بغير جرم و ذنب فتثير نائم الفتن، و تشمل العالم بالمحن؟ فعارضه كرسيوز المنافق، و قال: كيف يسمع منك هذا الكلام و قد استقبلت الملك فى صورة المنابذ، و أهبة المحارب.
فأمر أفراسياب عسكره بوضع السيف فيهم، يعنى أصحاب سياوش، فاشتعلت بينهم نارا الحرب فى ذلك الفضاء، و تواردوا حياض الموت توارد الإبل الهيم مشارع الماء. و كان الايرانيون زهاء ألف فارس فقتلوا خلقا كثيرا من الأتراك حتى صار الأمر إمراء، و غمرتهم أمواج الفناء غمرا.
و جرح سياوش فى عدّة مواضع من بدنه، و فارق ظهر فرسه، و قاتل ساعة راجلا. ثم أسروه و أتاه المعروف بكروزِرِه ، فشدّ يديه، و وضع غلا على عنقه.
فساروا بالشاب العزيز راجلا، و لم يراقبوا اللّه فيه آجلا و لا عاجلا، و توجهوا نحو مدينته التى بناها. فأمر به أفراسياب أن يعدلوا به عن الطريق الى سفح بعض الجبال، و يقطعوا هناك رأسه.
فاجتمع عليه عند ذلك عسكره يقولون: أيها الملك! بأى جرم تقتل من يبكى عليه التاج و التخت، و ينقلب بقتله الشرق و الغرب؟ و كان كرسيوز يستعجله و يحرّضه على الفراغ منه. و كان فى العسكر أخ لبيران يسمى بيلسم موصوف بالعقل و الذكاء، فقال لأفراسياب: أيها الملك إن العجلة من الشيطان، و إن الندامة داء الأرواح و الأبدان. من استعمل الرفق، و جانب الخرق لن تزل به قدم، و لا يعتريه ندم. و ليس من الصواب أن تبادر بقتل من هو تحت قدرتك، و فى رق سطوتك. فالرأى أن تتركه تحت القد و الأسر حتى تسكن نائرة سخطك، و تأمن غائلة غضبك، ثم ترى فيه رأيك.
و على الجملة فليس من المصلحة أن تقتل ملكا يكون رستم قد رباه، و يكون كيكاوس أباه، فيهيجا لطلب ثاره، و يجتهدا لنيل أوتاره. و من ذا الذى يقدر أن يثبت لفرسان ايران و أمرائهم المذكورين و آسادهم المشهورين، اذا سلوا سيف الانتقام، و تقحموا غمرات الموت الزؤام؟ مثل جوذرز و جُرجين و طوس و فرهاذ و رستم بن دستان، و قريبُرز بن كيكاوس. و لعل بيران يقدم فتسمع من كلامه ما عساه يصرفك عن هذا الرأى.
فقال عند ذلك كرسيوز: أيها الملك لا تضع الى كلام الشبان، و لا تغتر بمقالهم، و امض لما رأيت. و إن لم تفعل، و استبقيت سياوش فارقتك و نجوت بنفسى الى زاوية من زوايا الأرض آمن فيها على نفسى. فانك إن آمنته خفنا معرته، و لم نأمن مغبته. و تقدّم دمور، و كُرو و قالا: أيها الملك! مالك تتردّد فى قتل عدوّك ، و لا تقبل قول أخيك و تعلم أنه لا رأس لا لإيران سوى هذا الذى و حصل فى يدك؟ و لو لم تتعرّض له فى الابتداء لكان الصواب أن تستبقيه.
و أما الآن بعد أن جرى ما جرى، و أفنيت أصحابه أجمعين، و أصبته فى نفسه فالأولى أن تفرغ منه. فقال لهما أفراسياب: إنى لم أر منه ذنبا يوجب قتله، و لكن أخاف، على ما يقول المنجم، شره. و إطلاقه الآن أضرّ علىّ من قتله. مع أن قتله داء أجتره إلىّ .
زاری كردن و گريه فرنگيس نزد افراسياب : بكاء و تضرع فرنكيس إلى أبيه أفراسياب
[عدل]فبينا هو فى ذلك اذ جاءته ابنته فريكيس مضرجة الوجنات بنجيع العبرات. فأجهشت اليه بالبكاء و العويل، و قالت: أيها الملك! إن سياوش هاجر من أجلك أباه، و ترك من رباه، و فارق دياره، و باعد أشياعه و أنصاره، و اتخذك ملاذا و مفزعا. فما الذى صيرك بإراقة دمه مولعا؟ أما تعلم أن من يقتل أرباب التيجان لا يمتع بتاجه و تخته إلا قليلا من الزمان؟ فلا تجعل نفسك عرضة لسوء المقال، بقول كرسيوز المحتال. فيدعى عليك طول عمرك، و يختم لك بالنار فى آخر أمرك. و لقد بلغك ما أصاب الضحاك بسبب ظلمه و سفكه الدماء، على يدى أفريدون، و ما أصاب تورا و سلما بظلمهما، على يدى منوجهر. أما تعلم أن كيكاوس قاعد على تخته، و رستم قابض على قائم سيفه؟ فما بالك تظلم نفسك، و لا تراجع رأيك.
و عقلك؟ فنظرت عند ذلك الى وجه صاحبها سياوش و حاله، فطارت نفسها شعاعا، و كادت نيران زفراتها تنشر شعاعا، و صاحب الويل و الحرب. فاحترق عليها قلب أبيها، لكنه تجلد و استولت عليه القسوة فأمر بها فجست فى بيت مظلم
كشته شدن سياوش به دست گروي: مقتل سياوش على يد كروى
[عدل]و التفت كرسيوز الى صاحبه كُرو ، فعمد الى سياوش، و جعل يسوقه بالإهانة و الإِذلال و أخو بيران يمشى خلفه باكيا. فالتفت اليه و ودعه، و قال: اقرَأ بيران عنى السلام، و قل له ما كان ظنى بك أن تخفر الذمام. قال: فعدلوا به عن الطريق الى الصحراء، فأضجعه كروزره على التراب، و ذبحه بخنجر تناوله من كرسيوز فى طشت من الذهب. قال صاحب الكتاب: و إنهم لما سبكوا دمه بنت منه النبت للمعروف الذى يسميه العجم بخون سِياوُشان .
و هو الذى يسمى فى بلاد العرب دم الأخوين. و هو الى الآن يجلب الى أطراف البلاد من ذلك المكان.
اندوه و ناله فرنگیس بر سياوش پس از كشته شدن وي و نفرین كردن او پدر خويش را افراسياب: حزن و جزع فرنكيس على سياوش بعد قتله و لعنها أبيها أفراسياب
[عدل]قال: و لما فرغ أفراسياب من أمره ألقى عليه النوم، و غمرته غمراته حتى نام نومة عبود أو كاد. و هبت إعصار ثار منها عجاج أظلمت منه الآفاق حتى كان أحدهم لا يرى فيه صاحبه. ثم إن فريكيس لما علمت بأن سياوش قد قتل قطعت قرونها و خمشت خدودها، و رفعت صوتها بالبكاء و العويل، و أخذت تلعن أباها أفراسياب رافعة صوتها بلعنه حتى سمعه. فأمر أن تبرز من الحجاب، و تبطح و تضرب بالعصى حتى تسقط ما فى بطنها.