انتقل إلى المحتوى

سهرت والليل أمسى للورى سكنا

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

سهرتُ والليلُ أمسى للورى سكنا

​سهرتُ والليلُ أمسى للورى سكنا​ المؤلف مصطفى صادق الرافعي


سهرتُ والليلُ أمسى للورى سكنا
فمن يدلُّ على أجفاني الوسنا؟!
أرعى كواكِبها حتى إذا أفلتْ
ألقيتُ للطيرِ في تحنانها الأذنا
واسألِ الحبَّ عن روحي وعن بدني
فلا أرى لي لا روحاً ولا بدنا
وما نظرتُ لأعضائي وقد بليتْ
إلا حسبتُ ثيابها فوقَها كفنا
يا من يعزُّ على نفسي تدلله
كم ذا أكابدُ فيكَ الذلَّ والوهنا
دروا بما بي ولولا الدمعُ كانَ دما
لما تظنوهُ إلا عارضاً هتنا
وربَّ ذي سفهٍ قد هبَّ يعذلُني
فقالَ أنتَ الفتى المضنى فقلتُ أنا
وهل أخافُ على سرِّ الهوى أحداً
وقدْ خلقتُ على الأسرارِ مؤتمنا
فدع غرامكَ يطويني وينشرني
ودعْ عذولي يطوي جنبهُ الضغنا
من كان مثلي لم يحفلْ بمثلهمُ
ومن أحبَّ استلانَ المركبَ الخشنا
كأنما الحسنُ أمسى فيكَ مجتمعاً
فأينما نظرتْ عيني رأتْ حسنا
وإن تكنْ للعاشقينَ فما
يزالُ أمرُ الهوى في ما بيننا فتنا
فاسأل محياكَ كم أخجلتَ من قمرٍ
وسل قوامكَ ذا المياسِ كم غصنا
وكم يبيعكَ أهلُ العشقِ أفئدةً
وأنتَ لا عوضاً تعطي ولا ثمنا
فيمَ اقتصاصكَ في قلبي تعذبني
وما جنيتُ ولا قلبي عليكَ جنى
أما كفاني ما ألقاهُ من زمني
حتى أغالبَ فيكَ الشوقَ والزمنا
إني وإياكَ كالمنفيِّ عن وطنٍ
أيُّ البلادِ رأى لم ينسهِ الوطنا
وما أطافَ بقلبي في الهوى أملٌ
إلا بعثتَ عليهِ الهمَّ والحزنا
ليهنكَ اليومَ أني ممسكٌ كبدي
وإنها قطعٌ تجري هنا وهنا
وفي الجوانحِ شيءٌ لستُ أعرفهُ
لكنْ أهل الهوى يدعونهُ شجنا
يبيبتُ ينبضُ قلبي من تقلبهِ
حتى إذا ذكروا من هاجهُ سكنا
فهلْ رثيتَ لمن لو بثَّ لوعتهُ
معَ الصباحِ لأبكى الطيرَ والفننا
وهل تعللنا يوماً بموعدةٍ
وإن تكن لا تفي سرّاً ولا علنا
أوأن نفسي على كفيكَ لانحدرتْ
ولو دفنتُ لما باليتَ من دُفنا
وذو الشقاوةِ مقرونٌ بشِقْوَتهِ
أنى تقلبَ جرتْ خلفهُ المحنا