رعى ورق البيض الذي زهره دم
المظهر
رعى وَرَقُ البيضِ الذي زهرُهُ دَمُ
رعى وَرَقُ البيضِ الذي زهرُهُ دَمُ
بهم ورقاً عن زهره الروضُ يبسمُ
جبابرةٌ في الروع تعدو جيادهم
بهمْ فوق ما سحّ الوشيج المقوَّمُ
تنوءُ بهم في ذُبّلِ الخطِّ أنْجُمٌ
سحائبها نقعٌ، وأمطارها دم
ترحّلُ من آجامها الأسدُ خيفةً
إذا نَزَلوا للرّعِي فيها وخَيّموا
ترى كلّ جوّ من قناهم ونَقَعِهِمْ
يُكَوْكَبُ إن ساروا بهم وَيُعتّمُ
فِصاحٌ غداة الروع عزّ سكوتهم
وألسنة الأغماد عنهم تُتَرجِمُ
كأن بأيديهم إذا ضربوا الطلى
عزائمَهُمْ، لو أنَّها تتجسّمُ
إذا ما استوَى فِعْلُ المنايا وفعلُهُمْ
بأرواح أبطالِ الوغى فهمُ همُ
أعاريبُ ألقى في نتيجات حَيّهِمْ
لهم أعوجٌ ما يوجفون وشَدْقَم
صحبتهم في موحشِ الأرضِ مُقفرٍ
به الذئبُ يعوي والغزالةُ تَبْغم
سقى الله عيناً عذبة الدمع أن بكتْ
حظاراً بها للجسم قلبٌ متيم
بلادٌ تلاقيني الدّراريّ كلّما
طلعنَ عليها وهي عنهنّ نَوّم
بأرضٍ يُميتُ الهمَّ عنك سرورها
ويمحو ذنوبَ البؤس فيها التنعّمُ
وكم لي بها من خلّ صدقٍ مساعدٍ
مُهينِ العطايا، وهو للعِرْضِ مكرم
يَفَيضُ على أيدي العفاةِ سماحةً
على أنَّهُ من نَجْدَةٍ يَتَضَرّمُ
إذا فرّتِ الأبطال كرّ، وسيفه
يُحِلّ بيمناه دمَ العلج، محرم
يموجُ به بحره كأنَّ حبابَهُ
عليه دلاصٌ سردها منه يحكم
ونحن بنو الثغر الذين ثُغُوُرُهُمْ
إذا عبَسَتْ حربٌ لهم تَتَبَسّمُ
ومن حَلَبِ الأوداج يُغْذى فطينا
بِحَجْرٍ من الهيجاءِ ساعةَ يُفْطمُ
لنا عَجُزُ الجيشِ اللّهامِ وَصَدْرُهُ
بحيثُ صدورُ السّمْرِ فينا تُحَطَّمُ
يضاعفُ إن عُدّ الفوارسُ عَدُّنا
كأنَّ الشجاعَ الفردَ فينا عرَمرَم
نؤخرُ للإقدامِ في كل ساقةٍ:
تأخرُ ما يلقى الحتوفَ تَقَدُّم
فإن كان للحرب العوان مُعوَّلٌ
علينا فما كلّ الكواكب تَرْجم
وتنسجُ يوم الرّوعِ من نسج جردنا
علينا ملاءً بالقشاعم ترقم
فمن كلّ مقدامٍ على أعوجيةٍ
بكراتها طيرُ الملاحم تلحم
وطائرةٍ بالذّمْرِ ملء عنانها
لها الفضلُ في شأو البروق مُسلَّم
رمينا عداةَ الله في عُقْرِ دارهم
بعادية في غمرة الموت تُقْحَمُ
تعومُ بها من بين العُلُوجِ مُظِلّةً
كما حلّقَتْ فُتْخٌ على الجوّ حُوّم
فمن حاملٍ من غير فحلٍ يُنيخُها
إذا وضعتْ في ساحل الروم صيْلَمُ
ومنسوبةٍ للحرب مُنْشأةٍ لها
طوائرُ بالآسادِ في الماءِ عُوّم
كأنَّ قسيّاً في مواخرها الّتي
يُفَرَّقُ منها في المقادم أسهمُ
وترسلُ نِفْطاً يركبُ الماءَ مُحْرِقاً
كُمهلٍ به تشوى الوجوه جهنم
مدائنُ تغزو للعلوجِ مدائناً
فتفتحُ قسرا بالسيوف وتَغْنَمُ
ومتّخذي قُمْصِ الحديد ملابساً
إذا نكلَ الأبطال في الحرب أقدموا
كأنهم خاضوا سراباً بقيعةٍ
ترى للدّبا فيها عيوناً عليهمُ
صَبَرْنَا لهمْ صَبْرَ الكرام ولم يَسُغْ
لنا الشهد إلاَّ بعدما ساغَ علقم
فغادَر أفواهاً بهم هبرُ ضربنا
نواجذُها من مرهفاتٍ تُثَلَّم
وإنَّ بأيدينا الحديدَ لناطقٌ
إذا ما غدا في غيرها، وهو أبكم
وأجنحةُ الراياتِ فينا خوافقٌ
كأنَ دمَ الأبطال فيهنّ عدمُ
أمِنْ أبرقٍ بالدرار أوْمَضَ بارقٌ
كطائِشِ كفّ بالبنان يُسَلّم
مَرَى من عيونٍ ساهرات مدامعاً
وكحّلَها بالنُّورِ والليلُ مظلم
فيا عجَبَا من زورةٍ زارَ طيفُها
جفُوناً من التهويمِ فيها تَوَهّم
ألمّ بساقي عبرةٍ حدَّ قفرة
بِمِنْسَمِ حرفٍ كلما بُلَ يُلْطَم
وأهدى أريجاً من شذاها ودونها
لمقتحمِ الأهوال سهبٌ وخضرم
وللصبح نورٌ في الظلامِ كما اكتسى
حميماً بطولِ الركضِ في الصدرِ أدهم
أحنّ إلى أرضي التي في تُرابِها
مفاصلُ من أهْلي بَلينَ وأعظمُ
كما حنّ في قَيْدِ الدجى بمُضِلةٍ
إلى وطنٍ عودٌ من الشوق يُرْزِم
وقد صَفِرَتْ كَفّايَ من رَيّقِ الصبا
ومني ملآن بذكرِ الصبا فم