انتقل إلى المحتوى

رسالة ابن فضلان (ت. سامي الدهان) /في بخارى

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

ثم ٱستأْذن لنا على نَصر بن أَحمد[١] فدخلنا إِليه وهو غلام أَمرد، فسلمنا عليه بالامرة، وأَمرنا بالجلوس. فكان أَول ما بدأَنا به أَنْ قال: «كَيْفَ خلَّفْتُمْ مولايَ أَميرَ المؤْمنين؟ — أَطال اللهُ بقاءه وسلامته في نفسه وفِتيانه وَأَوليائه— » فقلنا: «بخَيْرٍ»، قال: «زاده الله خيراً».

ثم قُرئ الكتابُ عليه بِتَسَلُّمِ[٢] «أَرتَخُشْمِتَين» من الفَضْلِ بْنِ مُوسى النصرانيِّ وكيلِ ابنِ الفُرَات، وتسليمها إِلى أَحمد بن موسىٰ الخوارزميّ، وانفاذنا، والكتابِ إِلى صاحبه بخُوَارِزْم بتَرْكِ[٣] العرض لنا، والكتابِ ببابِ التَُرْكِ يبذرقتنا[٤] وترك العرض لنا.

فقال: «وأَين أحمد بنُ موسىٰ؟» فقلنا: «خلَّفناه بمدينة السَّلام ليخرج خلفنا لخمسة أَيّام». فقال: «سمعاً وطاعة لما أَمر به مولايَ أَمير المؤمنين — أَطال ٱلله بقاءه — ».

قــــــــــــــــــــال:

وَٱتصل الخبرُ بالفضلِ بْنِ موسىٰ النَّصْرانِيِّ وكيلِ ٱبنِِ الفُرَات، فأَعملَ الحيلةَ في أَمرِ أََحمد بنِ مُوسى، وكَتبَ إِِلىٰ عُمَّالِ المُعَاوِنِ[٥] بِطَريقِ خُراسان من جُنْد سرخس إِلىٰ بيكند: «أَنْ أَذْكُوا العُيُونَ على أَحمد بن موسىٰ الخوارزمي في الخانات والمراصد[٦] وهو رَجُلٌ مِن صِفَتِهِ وَنَعْتِه، فمن ظفر به فليَعْتَقِلْهُ[٧] إِلى أَن يَرِدَ عليه كتابُنا بالمَسْئَلَةِ». فَأُخِذَ بمَرْوٍ وٱعتُقِل.

وَأَقَمْنا نحن بِبُخَارا ثمانية وعشرين يوماً. وقد كانَ الفضل بن موسى أَيضا وَاطَأَ عبدَ ٱللهِ بْنَ باشْتُو وَغيرَهُ من أَصحابِنا يقولون: «إِنْ أَقمنَا هجم الشِّتاءُ وفاتنا ٱلدخول، وَأَحمدُ بنُ موسىٰ إِذَا وافَانا[٨] لَحِقَ بِنا».

قــال:

ورأيتُ الدراهم ببُخارا[٩] ألواناً شتى. منها دراهمُ يقالُ لها الغطريفية[١٠] : وهي نحاس وشبه[١١] وصفر، يوخذ منها عدد بلا وزن، مائةٌ مِنْها || بدرهم فِضَّة. وإذا شروطهم في مهور نسائهم: تَزَوَّجَ [۱۹۸و] فُلان ابْنُ فُلانٍ فلانةً بنتَ فلان على كذا وكذا أَلف درهم غطريفية. وكذلك أَيضاً شراءُ عقارهم وَشراءُ عَبيدهم، لا يذكرون غَيْرَها مِنَ الدَّراهِم. ولهم دراهم أُخر[١٢] صفر وحده؛ أَربعون[١٣] منها بدانق. ولهم أَيضاً دراهم صفر يقال لها السمرقندية ستة منها بدائق.

*   *   *


  1. نصر بن أحمد بن نصر الساماني، أحد الملوك المشهورين في السامانية وهو صاحب خراسان — كان في الثامنة من عمره حين قتل أبوه، حكم من سنة ٣٠١ — ٣٣١هـ.
  2. في الأصل: «بتسليم» ولعلّها كما رسمنا.
  3. في الأصل: «يترك» — والعرض: كل شي سوى الدراهم والدنانير من المتاع.
  4. بذرقة: اتخاذ الدليل أو الحراس، كما في تكملة معاجم العرب لدوزي، ٦٠/١ ، وهنا يعنى أن تحرس البعثة بجنود يحمونها وهي «Escorte» بالإفرنجية، وفي شرح القاموس أن بذرقة تكون بالذال المعجمة والمهملة معاً، وأنها مركبة من بد، وراء والمعنى الطريق الرديء، فارسية معربة.
  5. عامل المعاون، أو صاحب المعاون أو عامل المعونة، وهو قائد الشرطة أو الأمن، كما في تكمله معاجم العرب لدوزي ٢ / ١٩٢.
  6. المرصد: مرکر جنود الجمارك والحراس للحدود على الدروب والأمن، كما في معجم دوزي ٥٣٣/١ والراصد هو الجندي المكلف بحراسة الحدود وأمن الطرق وسؤال المسافرين— وأذكى على الرجل العيون: أرسل عليه الطلائع.
  7. في الأصل: «فليعتلقه» — ولعلها «فليعتقله» بتقديم القاف على اللام، كما يرد بعد كلمات، حيث يقول: «واعتُقِلَ».
  8. في الأصل: «وافلنا» وهي خطأ من الناسخ، وصوابها «وافانا».
  9. تحدث ياقوت عن الدراهم ببخارا كذلك فقال ۱ / ٥۱۹: «وكانت معاملة أهل بخارا في أيام السامانية بالدراهم. ولا يتعاملون بالدنانير فيا بينهم. فكان الذهب كالسلع والعروض. وكان لهم دراهم يسمونها الغطريفية من حديد وصفر وآنك، وغير ذلك من جواهر مختلفة، وقد ركبت، فلا تجوز هذه الدراهم إلا في بخارا ونواحيها وحدها» – انظر الحضارة الاسلامية لمتز، بالعربية ٣١٧/٢٠، والاصطخري ٣٢٣،٣١٤.
  10. الدراهم الغطريقية أو الغطارفة، وهي دراهم كانت معتبرة جداً في بخارا، ضربها غطريف بن عطاء عامل خراسان لعهد الرشيد. والدرهم يساوي سنة دوانق، والدانق يساوي اثني عشر قيراطاً – انظر تكملة معاجم العرب لدوزي ٢ / ٢١٦ ، والمصادر السابقة المذكورة.
  11. الشَبَه : محركة، النحاس الأصفر كالشبه بكسر الشين وسكون الباء، والصفر مثلها.
  12. في الأصل «دراهم أخذ» وهي مصحفة عن كلمة «دراهم أخر» واستعمل التعبير نفسه ياقوت ٥٠٩/١ في الكلام عن بخارا ولعل الجملة تستقيم حين يقول «من الصفر وحده» على شكل أجمل وفي طبعة وليدي: «وحدّه أربعين».
  13. في الأصل: «أربعين منها» ولعلها خطأ من الناسخ.