رسالة ابن فضلان (ت. سامي الدهان) /عند الخزر
۲۳
فأما١ ملك الخزر، واسمه٢ خاقان ، فإِنّه لا يظهر إلا في كلّ [أَربعة أشهر متنزها]٣، ويقال له خاقان الكبير ، ويقال لخليفته خاقان به ، وهو الذي يقود الجيوش ويسوسها٤ ويدبّر أَمر المملكة ويقوم بها ويظهر ويغزو. وله تذعن الملوك الذين يصاقبونه ٥. ويدخل [في كلّ يوم إلى خاقان الأكبر متواضعاً يظهر الأخبات والسكينة ولا يدخل عليه إلًا حافياً
وبیده حطب، فإذا سلّم عليه أوقد بين يديه ذلك الحطب ، فإذا فرغ من الوقود، جلس مع الملك على سريره عن يمينه. ويخلفه رجلٌ يقال له کندر٦ خاقان، ويخلف هذا أيضاً رجل يقال له جاوشيغر٧
ورسم الملك الأَكبر٨ أن لا يجلس للناس، ولا يكلّمهم، ولا يدخل عليه أحدٌ غير من ذكرنا. والولايات في الحلّ والعقد والعقوبات وتدبير المملكة على خليفته خاقان به.
ورسمُ المَلِك الأكبر إِذا مات أن يُبنى له دار كبيرة٩ فيها عشرون بيتًا، ويحفر له في كلّ بيت منها قبر، وتكسَّر الحجارة حتى تصير مثل الكحل؛ وتفرش فيه ، وتطرح النورة فوق ذلك١٠. وتحت الدار نهر؛ والنهر١١ نهر كبير يجري، ويجعلون القبرَ فوق ذلك النَّهر ، ويقولون: «حتى لا يصل إليه شيطان ولا إنسان ولا دود ولا هوام». وإذا دفن ضُرِبَتْ أَعناقُ الذين يدفنونه حتى لا يدرى أَين قبره من تلك البيوت. ويسمّى قبره الجنّة. ويقولون: «قد دخل الجنة»، وتُفْرَش البيوتُ كلّها بالديباج المنسوج بالذهب.
ورسمُ ملك الخزر أَن يكون له خمس وعشرون امرأَة، كلّ امرأَة منهن ابنة١٢ ملك من الملوك الذين يحاذونه، يأخذها طوعاً أو كرهاً. وله من الجواري السراري لفراشه ستّون، ما منهن إلا فائقة الجمال. وكلّ واحدة من الحرائر١٣ والسراري في قصر مفرد١٤، لها قبة مغشّاة بالسّاج١٥، وحول كلّ قبة مضرب١٦، ولكلّ واحدة منهن خادم يحجبها. فإذا أَراد أن يطأ بعضهن بعث إلى الخادم الذي يحجبها فيوافي بها في أَسرع من لمح البصر حتى١٧ يجعلها في فراشه. ويقف الخادم على باب قبة الملك، فإذا وطئها أَخذ بيدها وانصرف، ولم يتركها بعد ذلك لحظة واحدة.
وإذا ركب هذا الملكُ الكبير ركب سائر الجيوش لركوبه، ويكون بينه وبين المواكب ميل، فلا يراه أَحد من رعيته إلاّ خرّ لوجهه ساجداً له لا يرفع رأسه حتى يجوزه.
ومدّة ملكهم أَربعون سنة إذا جاوزها يوماً واحداً قتلته الرعية وخاصته، وقالوا : «هذا قد نقص عقله واضطرب رأيه». وإذا بعث سرية لم تولّ الدّبر١٨ بوجه ولا سبب. فإن انهزمتْ قُتل كل من ينصرف إليه منها، فأَما القوَّاد وخليفته فمتى انهزموا أَحضرهم وأَحضر نساءهم وأَولادهم فوهبهم بحضرتهم لغيرهم وهم ينظرون. وكذلك دوابّهم ومتاعهم وسلاحهم ودورهم، وربما قطع كلَّ واحد منهم قطعتين وصلبهم، وربما علَّقهم بأَعناقهم في الشجر، وربما جعلَهم إذا أحسن إليهم ساسة.
ولملك الخزر مدينة عظيمة على «نهر إتل» ، وهي جانبان. في أَحد الجانبين المسلمون، وفي الجانب الآخر الملك وأصحابه. وعلى المسلمين
رجلٌ من غلمان الملك١٩ يقال له خز، وهو مسلم. وأَحكام المسلمين المقيمين في بلد الخزر والمختلفين إليهم في التجارات مردودة الى ذلك الغلام المسلم لا ينظر في أُمورهم ولا يقضي بينهم غيره|٢٠. - ١ ـ فهرس الأعلام والقبائل والطوائف
- ٢ ـ فهرس المواضع والأماكن
- ٣ ـ فهرس الحضارة واللغة
- ٤ ـ فهرس الكتب والمراجع
- ٥ ـ فهرس محتويات هذه الطبعة
- ↑ أوردت نسختنا ثلاثة سطور عن الخزر ، ثم بترت و خرمت أوراقها بعدها. وكنا قدرنا أن النقص فيها كان بمقدار ورقة أو ورقتين فحسب، وعدنا الى ياقوت بمادة الخزر. فإذا به يثبت عن ابن فضلان ثلاث صفحات قال إنه نقلها من رسالته. ولكن التحقيق الطويل ساقنا إلى أن النصف الأول منها ليس لابن فضلان، لأنه يقع في الإصطخري ٢٢٠ - ٢٢٤ ، وفي ابن حوقل ۳۸۹/۲ فلعل ياقوت نقل عنها، وأما النصف الثاني فلم نجده في هذين المصدرين، وانما انفرد به ياقوت ٤٣٨/٢، فأورد هذه السطور الثلاثة وتابع النقل عن ابن فضلان، فأثبتنا ذلك كله على أنه لابن فضلان برواية ياقوت، لأننا رأينا فيه نفس كاتبنا وألفاظه ولهذا ضممناه إليهوجعلناه بين معقوفتين، كما شرحنا الأمر في المقدمة على تفصيل، وهكذا اتصلت سطور نسختنا بسطور ياقوت — وقد رأينا أخيراً بعد طبع هذه السطور أن وليدي فعل مثلا فعلنا في طبعته
- ↑ في ياقوت : « وأما ملك الخزر فاسمه خاقان وأنه» — وفي الإصطخري٢٢٤ : «فإن عظيمهم يسمي خاقان خزر وهو أجل من ملك الخزر، إلا أن ملك الخور هو الذي يقيمه، واذا أرادوا أن يقيموا هذا الخاقان جاءوا به فيخنقونه بحريرة ... الخ » والتفصيل فيه هام يجدر الرجوع إليه، ويقول ان الخزر لا يشبهون الأتراك فهم سود الشعور.
- ↑ ناقص في نسختنا أخذناه عن ياقوت.
- ↑ في نسختنا : « الجيوش ويسوس » - في ياقوت: «الجيش ويسوسها» وهي أصح.
- ↑ صاقب : قارب ودنا — وفي الإصطخري ٢٢٤ : فلا يراه أحد من الأتراك ومن يصاقبهم من أصناف الكفر الا انصرف ولم يقاتله تعظيماً له.. وهذا تقف النسخة وتنتهي. ومن هنا نبدأ بالنقل عن ياقوت حرفياً إتمامًا للنص ٤٣٨/٢ — ٤٣٩ فنجعله بين هاتين المعقوفتين. وقد فعل مثلنا المستشرق الروسي فعلق على الخزر وأتبعه بابن فضلان من هذا المكان — انظر طبيعة كرفالفسكي ص ١٦٦ — ١٧١ وفعل قبله من هذا فر من حين طبع فصل الخزر عن ياقوت ، وقد رأينا أن وليدي فعل مثل ذلك.
- ↑ انظر حدود العالم ، طبعة مينورسكي ، لندن ۱۹۳۷، ص ٣٠٣ - ٣٢٤.
- ↑ في بعض المصادر : « جاويشعر » وكلمة جاويش تركية معروفة - انظر دوزي تكملة معاجم العرب ، ودائرة المعارف الاسلامية ٠٨٦٤/١
- ↑ في نشرة فرمن : «الملك الأعظم الأكبر».
- ↑ يترجم ها فرمن بالقصر «a Palatinum».
- ↑ النورة : في الأصل حجر الكلس ، وقيل إنها عربية وقيل معربة.
- ↑ وردت هذه الجملة كذلك في الأصل . وأورد المستشرق الروسي ١٦٨ رواية أخرى في بعض النسخ هذا نصها : «وتحت الدار نهر والنبر كبير يجري فوقه ، ويجعلون ذلك القبر بينها» مخطوطات ياقوت الأخرى : «ويجعلون النهر فوق ذلك القبر».
- ↑ في نسخة فرهن عن الخزر: «بنت».
- ↑ في نسخة فرمن: «من الجوار والبراري».
- ↑ في طبعة فرمن: «قصر منفرد».
- ↑ الساج : شجر يعظم جداً، لا ينيت إلا يبلاد الهند، وخشبه أسود رزين لا تكاد الأرض تبليه، جمعه سیجان، الواحدة ساجة.
- ↑ المضرب: الساحة والمكان كما في معجم دوزي، وقبل هو الفسطاط العظيم جمعه مضارب.
- ↑ في فرمن : «حتى يجعلونها» وهي خطاً.
- ↑ رأي المستشرق في هذه الصيغة اقتباساً من القرآن الكريم: «ويولون الدبر» ٤٥/٥٤ من سورة الدبر . ونحن نرى في الجملة التالية: «بوجه ولا سبب» صيغة من صيغ ابن فضلان كررها في الرسالة بمواضع منه.
- ↑ يروي المستشرق الروسي نصأ من بعض المخطوطات عند فرمن: «رجل من أصحاب علمان الملك يقال له خزمة، ولعلها أصوب من «خز».
- ↑ هنا رأينا أن نقف عن النقل عن ياقوت ، لأن ما بعدها لا يشبه أسلوب ابن فضلان ، وفيه جملة مؤرخة بعام محدود هو سنة ٣١٠هـ، وقد عرفنا أن صاحبنا غادرها قبل ذلك . فنحن لا نرى رأي فرمن ووليدي ولا كوفافسكي في إلحاقها بنصّ الخزر على أنها لابن فضلان. وإن كنا نعتقد أن الفصل ما يزال ناقصاً لم يتم، ولكننا عملنا بالقول المشهور مالا يدرك كلُّه لا يترك جله.