انتقل إلى المحتوى

رجوم الشياطين/الإشراق الأول/السماء الثانية

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

السماء الثانية

في عدله سبحانه و طرد ابالسة يوسوسون في صدور الناس مما يخالف العدل و يريدون اضلال النفوس ان تبرئ انفسها من القبايح و تثبت القبيح علي الله المتعال جل شانه ففي هذه السماء ايضا نجوم :

نجم ان الذي هو غني عما سواه و احدث الكائنات من العدم و لم‌تك شيئا و احدثها من غير علة سابقة فانه بنفسه احد غني عن ما سواه و لايكون علة للايجاد و كل ما سواه حادث و خلقه لايحتاج الي الظلم و هو يصدر من الحاجة و الضعف و الخوف و ارادة دفع و هو بري‌ء من ذلك كله فلم‌يظلم و علي من يظلم و خلقه كلهم عبيده و اماؤه متصرفون عن امره و حكمه متقلبون في قدرته و عزته فكيف يظلمهم و لم‌يظلمهم و الظلم لمثله عبث و هو حكيم لايفعل العبث البتة فاحتمال ذلك وسوسة من الابالسة و جهل من النفوس بل عتو منهم و كبر يأنفون عن نسبة القبيح الي انفسهم و لايبالون من نسبته الي الخالق الغني الحكيم و هم يرون جوده و كرمه و رأفته و رحمته بهم ان خلقهم بعد ان لم‌يكونوا ثم رباهم و غذاهم و انشأهم و حفظهم و كلأهم و سخر لهم جميع خلقه و اجراها في مصالحهم فكيف يظلم خلقه من لايخلو حالة من حالات خلقه من رأفته و رحمته و عنايته و توجهه و عطفه نعوذ بالله من بوار العقل و قبح الزلل و به نستعين فاطرد عنك وساوس الابالسة و ضع عن نفسك تاج العتو و الفخر و الكبر و نزه الخالق الرؤف العطوف البار الرحيم الذي هو ارأف بك من ابيك و امك الذي من رأفته خلق لك الام الرؤفة و الاب العطوف عن نسبة الظلم تعالي الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا .

نجم فاذ قد عرفت انه ارأف بك من ابيك و امك و قد رأف بك في بطن امك و هما لايقدران علي تربيتك و تنميتك و تغذيتك و حفظك و ادارة جميع العالم لك و اجراء الافلاك و النجوم و امساك الارض و توليد المواليد لمصالحك و تسخيرها فاعرف ان ما يحدث في العالم من البلايا و الامراض العامة و ما يصدر في بدنك مما تكره فانما هو ايضا لضرب من المصالح قد عرفه و لاتعرفه كما يضرب الوالد الشفيق ولده للتربية و هو يحسب انه يؤذيه و ينكر فعله و لربما يقطع عضوا من اعضائه اذا لدغه هامة خوفا علي نفسه و حفظا لها و هو ينكر فعله و يشنع عليه و لايعرف وجه الرأفة فيه فلاينبغي للعاقل ان ينكر علي البر الرؤف العطوف الغني الحكيم فعله اذا جري علي ما يكرهه و كم امر كرهته اول و عرفت سر المصلحة فيه اخيرا هذا و ان اردت زيادة البيان و حقه فعليك بمطالعة حديث المفضل الكبير فان فيه غنية للعاقل الخبير و نكتفي بما ذكرنا هنا خوف الاطالة و يكفي الناظر لنفسه ما ذكرنا هنا و نبهنا عليه .

نجم و ان تدبرت في هذا العالم و فيما ذكرنا ان الله سبحانه يجري الاشياء باسبابها و ابي من رأفته و رحمته غير ذلك و عرفت ان الاسباب من عرض المسببات و عرفت ان فعل الله سبحانه ينصبغ في بطن الاسباب علي حسب الاسباب فبالشمس يسخن و بالقمر يبرد و بالنار يحرق و بالماء يبل و هكذا و يجري في القوة و الضعف علي حسب الاسباب و عرفت ان الاسباب التي هي من عرض المسببات لاتجري و لاتمضي آثارها الا بقبول القابلين فالكاتب و ان كان استاذا في الخط لايجري خطه علي نهج الاعتدال ما لم‌يكن القلم و المداد و القرطاس قابلة و النار و ان كانت محرقة لاتحرق ما فيه بلة و الشمس و ان كانت جاذبة لاتجذب ما ليس فيه خفة كالبخار فلاتجذب الصخور و هكذا عرفت ان افعال الله سبحانه الظاهرة من اكمام الاسباب لاتجري الا بحسب الاسباب و بقبول القوابل و هكذا حكم بعدله و حكمته من خلقها و لم‌تك شيئا فلايجري فعل منه الا بحسب قبول القابل فاين الظلم و اين القسر و لا حدث الا بفاعل و قابل فلا جبر و لا تفويض بل امر بين الامرين اذ الجبر هو الفعل بلا قبول و التفويض هو الوجود بلا ايجاد و تري انهما غير موجودين و جميع العالم بفاعل و قابل فلا كسر الا بكسرك و انكسار ما ينكسر فلولا فعلك لا كسر و لولا الانكسار ايضا لا كسر فاين الجبر و اين التفويض فادفع عن نفسك شبهات الابليس .

نجم قد وسوس الابليس في الصدر وسوسة عامة قل من يخلو عنها فمهما ذكرت لهم جريان الحوادث بفاعل و قابل يسألوا من فورهم ممن القابلية و يريدون بذلك اثبات الجبر في الايجاد فاطرد عنهم هذه الوسوسة بهذا النجم و الذي بعده انشاء الله فاقول ان الله سبحانه خلق الخلق كما شاء و اراد و اقتضاه الحكمة فقضي عليهم بما قضي و مما قضي ان خلقهم بحيث انهم يقدرون علي قبول ما يرد عليهم من امره و نهيه و تركه و يسألهم عما جعل لهم الاختيار فيه لا عما قضي عليهم بحكمته فلايسأل الذكر لم صرت ذكرا و لايسأل الانثي لم صرت انثي و الاسود لم صرت اسود و الابيض لم صرت ابيض و هكذا و هم في جميع حالاتهم قادرون علي اخذ ما امروا به و تركه لايعدم احد منهم ذلك و الاختيار مما قضي عليهم و كلما غلب الله علي امرء فهو اولي بالعذر و اما ما لم‌يقض عليه فهو المسؤل فلايسأل يدك لمَ صرت يدا و انما يسألها لمَ لطمت اليتيم و لم‌تمس رأسه بالرأفة و انت لم‌تعدمي هذا الاختيار فاخرج عن نفسك الوساوس و اعترف بالتقصير فله الحمد عليك بقضائه الاختيار لك و لا حجة لك عليه باختيارك السوء كما تبين و هذا الاختيار و الحمد لله محسوس مرئي يري كل احد من نفسه انه يقدر علي كل فعل و تركه و ما لايقدر عليه لايسأل عنه .

نجم و لاتزعم من قولي انه خلقهم كما شاء و اراد و قضي عليهم ما قضي و لايسأل عنه ان قضائه كان بفعل بلا انفعال فان ما لم‌ينوجد الشئ لايوجد و انوجاده قبوله و لاتزعم ان قبوله كان بالعنف لانه لم‌يكن قبل الايجاد حتي يعنف به و يحمل علي ما يكره و انما خلقه لا من شئ و الخلق لا من شئ ليس بجبر اذ لا مجبور قبل ايجاده و لا تفويض اذ لايوجد الشئ نفسه فاين الجبر و اين التفويض بل اوجد فانوجد و ليس احدهما بدون الآخر و لم‌يخلق شيئا غير ذلك الشئ بعدله و ذلك الشئ بايجاده لا من شئ و حين اوجد اوجد الذوات صالحة لما سيكلفهم غير مجبورة علي شق كما تري في هذا العالم انه يخلق زيدا زيدا و يقدر علي ان يفعل ما امر به و يتركه و لم‌يأمره الا بما يقدر عليه عدلا منه و كرما و ان اردت زيادة بيان فعليك بالفطرة السليمة و المقصود هنا الاذعان بالحق و رفع الوساوس لا تعليم كيفية ما كان و ما يكون حتي لايبقي مجهول فتثبت علي الحق .

نجم اذا عرفت ان ما سوي الله حادث و انه قائم بامره محفوظ بحفظه اذ خلقه لا من شئ و هو فقير ابدي الي مشيته سبحانه و فعله فاعلم ان العبد بذاته و صفاته و افعاله و آثاره قائم بامر الله محفوظ بحفظ الله مخلوق باسباب الله سبحانه فالعبد المحفوظ بالاختيار المحفوظ بالقدرة المحفوظة التي هي سبب فعله يفعل بفعل محفوظ فعله المحفوظ فاين التفويض في اعمالك ايضا و اين الجبر و انت تفعله باختيارك و انت و اختيارك و قدرتك اسباب فعلك و فعل الله منصبغ فيك و في قدرتك و ارادتك و فعله في فعلك كالروح في الجسد لولا الروح لماتحرك الجسد و لولا الجسد لماتعين الروح فبطل ما كانوا يأفكون و احترقت الابالسة بحول الله و قوته و ان قلت لم جعلني الله اختار هذا و لااختار غيره قلت لم‌يجعلك الله تختار هذا و لاتقدر علي غيره أماتشاهد صلوح نفسك و جسدك لهذا و لغير هذا فلست بمجبور علي جهة و انما خلقك مختارا و اصحبك فعله و انت تختار هذا به و لاجل ذلك يسألك عنه و لو كان منه لماسألك عنه لايسأل عما يفعل و هم يسألون لاجل ذلك و لم‌يقض عليك فعل شئ دون غيره كما تري من القوة علي خلافه عيانا فلاتترك العيان و تذهب الي وسوسة الشيطان غاية الامر انك لاتعرف كيفية الخلق و الجهل بالكيفية لايقتضي اثبات الظلم علي الغني العطوف و هذا القدر من البيان كاف لمن له عينان انك لاتهدي من احببت و لكن الله يهدي من يشاء الي صراط مستقيم.

السماء الثالثة

في النبوة و طرد الابالسة الموسوسين في صدور الموحدين في امر النبوة و فيها نجوم:

نجم اعلم انك لو تدبرت في هذا العالم و رأيت هذه الحكمة التي قد حار فيها العلماء و تعجب منها الحكماء و رأيت انه سبحانه لم‌يخلّ بشئ من الحكمة قل او جل و اعطي كل ذي حق حقه و ساق الي كل مخلوق رزقه و خلق لكل شئ ما يقوم به و يعيش الي منتهي اجله و لم‌تر فيه نقصان ذرة و زيادة ذرة و رأيت انه من حكمته خلق للانسان حوائج لايستخرج ما في كينونته من القوات و لايعيش الي اجله الا بحصول تلك الحوائج له و لايقدر احد ان يأتي بنفسه علي جميع حوايجه و لاجل ذلك خلقهم مدني الطبع مختلف المزاج و الطباع حتي يتكفل كل احد بحاجة لهم فان لم‌يجتمعوا هلكوا و ان اجتمعوا و هم مختلفة الطبايع تشاجروا و تنازعوا قدر من حكمته ان يكون فيهم في كل قرية من يسوسهم و جعل له نفسا تستعلي عليهم بقهاريتها التي لها عليهم و جعلهم بالنسبة اليه ضعفاء ينقادون له بطبعهم حتي تقوم بذلك مدينتهم و يشتغل كل نفس منهم بشغله و يقوم بحاجة لا بد للخلق منها و ذلك السايس لا بد و ان يكون اعلمهم بالسياسة و صلاح البلاد و العباد امينا غير خائن عادلا غير ظالم معصوما عن جميع ما هو خلاف الحكمة و لو كان علي غير ذلك لكان بنفسه احد اسباب فساد المدينة و لا بد و ان يكون عليه و علي الباقي سايس عدل آخر حتي تقوم المدينة و يعيشوا الي ان يبلغ الكتاب اجله و يظهر فيهم الغاية التي خلقوا لاجلها و ذلك السايس هو حجته علي خلقه يفترض طاعته عليهم و هو النبي الحاكم العادل المعصوم المطهر فلا بد في كل قرية من نذير معصوم مطهر حجة من الله فان كان النبي حيا فهو و الا فلا بد و ان يقوم نبي آخر او وصيه القائم مقامه بامره المعصوم المطهر فوجود الحجة علة ظهور الغاية اذ لولا الحجة لقام الفساد و هلكوا و لم‌يعيشوا حتي يظهر ما في كيانهم الي العيان و صارت الخلقة لغوا و تعالي الحكيم عن ذلك علوا كبيرا فلو خليت الارض عن الحجة لساخت لعدم امكان ظهور الغاية و لايبقي الخلق بلا غاية فتدبر في هذه الكلمات المختصرة يخسأ عنك الشيطان و تستنر بنور الرحمن .

نجم قد وسوس ابليس لبعضهم ان الله سبحانه غني عن خلقه خلقهم رحمة و خولهم هذا العالم و لا حاجة له اليهم و الي نظامهم و امرهم و نهيهم فهم يأكلون و يشربون الي منتهي اجلهم فلا حاجة الي نبي يكلفهم و يأمرهم و ينهاهم كما هم الآن في آخر الزمان فاقول لهم ان الله سبحانه حكيم كما هو مشاهد و الحكيم لايفعل العبث فهذا الخلق لفائدة و لغاية و لا بد من ظهور تلك الفائدة و هي لاتصل الي الخالق الغني و لا بد و ان تصل اليهم و لاتصل اليهم الا ان يعيشوا و لايعيشون الا بحصول لوازم حياتهم لهم و تلك اللوازم لاتتأتي من واحد فلا بد من اجتماعهم و تمدنهم فاذا تمدنوا تشاجروا فاذا لا بد من سايس يرفع التشاجر من بينهم و السايس هو الحاكم فان قلتم لايحتاج الي حاكم ابدا فلم تجدون في انفسكم الاضطرار الي حاكم حتي انكم تجتمعون علي رجل و تجعلونه حاكما عليكم بايديكم و تطيعونه علي عمد منكم حتي انه لو اجتمع خمسة منكم علي سفح جبل لايستقيم امرهم الا بأن يكون احدهم اكبر من الباقي يسمع قوله و يطاع امره بل لو سافر اثنان لايستقيم امرهما الا و ان يكون احدهما اكبر و اقدم بل و لايستقيم اعضاؤكم الا و ان يكون عليها حاكم و هو قلبكم فاذا كان و لا بد في جبلتكم اذا تعددتم من وجود كبير فهو امر جبلي فطرتم عليه كالجوع و العطش و النوم و غير ذلك فيجب في الحكمة سد هذه الفاقة و جبر هذا الكسر فاما ان تقولوا انه يخل الحكيم بالحكمة حتي تكملوها باختياركم الناقص الذي هو الي الفساد المحظور عنه اقرب من الصلاح المطلوب او يجعل من عنده حاكما عليكم يجمع شملكم و يصلح فاسدكم و يروج كاسدكم و يجبر فقركم و يعلم جاهلكم و يلم شعثكم فان قلتم بالاول افسدتم الحكمة و اخترتم له اللغو و ان قلتم بالثاني اصبتم و رشدتم فكيف لايحتاج الي حاكم معصوم مطهر منصوب من عند الله سبحانه و النبي ايضا من الخلق حكيم عليم معصوم مطهر مقسط و ليس غير ذلك فالله سبحانه كان غنيا و يكون و لا حاجة له الي امر و نهي و لكن الخلق يحتاجون اليه و قد فعل من غير اخلال .

نجم قد يوسوس الخناس في صدور الناس بأن الآن منذ الف سنة و ازيد ليس في الناس نبي باهر و لا ولي ظاهر فان كان وجود الحاكم لازما فقد اخل الآن بالحكمة و ان كان غير لازم فبم يثبت لزوم وجود الحجة فاقول في سد هذا الثلم ان الحكمة لا بد و ان تكون من عند الحكيم كاملة فلو خالف الخلق وجه تلك الحكمة لم‌يك نقص في حكمة الحكيم الاتري ان من صنعة الحكيم و حكمته ان يخلق الشراب اذا خلق العطش فلو لم‌يشربه واحد حتي مات لم‌يكن نقص في خلق الحكيم و ان يخلق الطعام اذا خلق الجوع فلو لم‌يطعمه واحد حتي مات لم‌يكن علي الحكيم منه غضاضة البتة فالعيب علي الحكيم عند الاخلال بالحكمة لا عند عدم عمل الخلق بحكمته فان الحكمة اقتضت خلق الخلق مختارين فاذا خلقهم مختارين و اختاروا عدم العمل بمقتضي الحكمة المخلوقة لم‌يكن علي الحكيم الخالق منه نقص فبحثكم هذا يتمشي اذا لم‌يك خلق الحكيم حجة و اما اذا اجتمعتم علي مخالفته و عصيانه و الغلبة عليه حتي الجأتموه الي الخفاء فاي نقص علي الحكيم و هو لايري المصلحة في حكمته ان يظهر و يستأصلكم و يقتلكم عن آخركم لعلل تأتي فهذا العيب علي قوم تؤامروا علي مخالفة الحجة لا علي الحكيم الباعث للحجة الخالق له غير المخلّ بالحكمة هذا و هذا العيش الذي تعيشون به من فضل انوار الحجج السابقين الذين علموكم التمدن و الحسن و القبح و الصلاح و الفساد و الصنايع فاخذتم بعضا و عشتم فيه و تركتم بعضا و لذلك يكون اموركم مختلة و لو انهم اقاموا التورية و الانجيل و ما انزل اليهم من ربهم لاكلوا من فوقهم و من تحت ارجلهم منهم امة مقتصدة و كثير منهم ساء ما يعملون ، فهذا العيش الزهيد الناقص ايضا من فضل نور الحجج و تعليمهم و ان لو استقاموا علي الطريقة لاسقيناهم ماء غدقا .

نجم قد يشكك الوسواس الخناس ان في الدنيا مواضع لم‌يصل اليهم امر نبي ابدا كالارض الجديدة و اطراف هذه الارض و جزاير في اوساط البحر فلم‌يبلغهم امر نبي فكيف تقولون بوجوب بعث نبي في كل مدينة و قرية للانتظام فان كان من الحكمة فلم لم‌يبعث فيهم نبي و خص هذه البلاد به فاقول اولا ان الله سبحانه اذا بعث نبيا في قوم يجب اخذهم بسنته الي ان يبعث فيهم نبي آخر و الناس كلهم من ولد آدم و آدم كان نبيا و كان يجب الاخذ بسنته الي ان يبعث فيهم نبي آخر و كذلك بعث نوح الي جميع اهل الارض و دعاهم الي الله سبحانه فلما كفروا اغرقهم و لم‌يبق الا اهل السفينة و هم من امته و كان يجب عليهم و علي اولادهم ان يأخذوا بشرعه الي ان يأتيهم نبي آخر فلله الحجة عليهم بتركهم شرع آدم و نوح و ثانيا ان الله سبحانه اذا بعث نبيا في بلد ينتشر شرعه و دينه في العالم شيئا بعد شئ بحسب قرب البلاد و بعدها فان لم‌يستمعوا الشرع السابق بحسب تتارك الآباء ذكر النبي السابق فهم معذورون مستضعفون في الدنيا و يكلفون يوم القيمة مجددا ليقوم عليهم الحجة و ليسوا الآن من اهل النار الي ان يعرض عليهم التكليف و ان الله سبحانه عدل لايجور و ثالثا ان ذلك قول بما لاتعلمون و ما علمكم بأنه لم‌يبعث اليهم نبي و محض اخبار بعض الجهلة المسافرين منا اليهم و منهم الينا لايقوم حجة و انا نقول قد بعث اليهم و تؤامروا علي مخالفته و قتله و الكفر به فخفي عنهم الحجج عذابا كما خفي امام هذه الامة عذابا فهذه الشبهات لاتقابل دليل العقل القاطع و علي الله سبحانه ان يخلق علي نهج الحكمة فاذا اجتمع الناس علي ترك الحق ليس بنقص في خلق الحكيم الاتري ان رجلا او قوما تركوا شرب الماء حتي ماتوا ليس بنقص في خلقة الحكيم فانه قد خلق الماء و لم‌يقصر و انما الحجة تقوم علي من ترك الماء و كذلك علي الله ان يبعث حجة عليهم ليطيعوه و قد بعث آدم و نوح باقرارك و قامت عليهم الحجة بتركهم دينهما و من ولد منهم بعد و لم‌يسمع بهما يكونون كاطفالنا و مجانيننا و بلهائنا الذين لايعقلون عن نبي و دين فيكون لله فيهم المشية و هو العدل الذي لايجور فبطل ماكانوا يعملون و طردت الابالسة و الشياطين بحول الله و قوته و الحكم الالهية احكام كلية لا جزئية تجري علي الكليات ثم يجبر كسر الجزئيات بما يجبر .

نجم يثبت نبوة كل نبي بتصديق الله سبحانه اياه لا غير فمن اعتمد علي ذلك رشد و من حاد عنه هلك و لا دليل حقيقة ثابتا لايحتمل الخلاف غير ذلك فخذ هذا الدليل و استرح من جميع الشكوك و الشبهات فان النبوة ليست بعلامة حسية في اصل الخلقة الظاهرة حتي يعرفها العباد الذين لايعرفون غير ما يدركه حواسهم و العلوم و الصناعات الغريبة كثيرة جدا فلولا الاخذ بتصديق الله سبحانه لايمكن لعاقل السكون و الاطمينان لاسيما بعد ان علم او طرق اذنه العلوم الغريبة التي يقدر الانسان بها التصرف في الكاينات و الحيل التي يقدر بها علي ابراز امور عجيبة يتحير العقلاء فيها فلا سكون لاحد من العقلاء الا بالاخذ بتصديق الله سبحانه فمن صدقه الله المحيط العالم بالحقايق يصدق و من كذبه الله يكذب لا غير ذلك فاقول ان الله سبحانه حكيم و من حكمته ان لايلغي و لايخل بالاولي الاحسن و عالم لايجهل شيئا من ظاهر خلقه و باطنهم و شاهد لايغيب عن واقعة و ملأ و قادر لايعجزه شئ في السموات و الارض فاذا قام بين يديه قائم و ادعي النبوة و الرسالة من عنده و اظهر حججا علي صدق دعواه و الخلق جهال بباطن امره لايعرفون صدقه من كذبه و الله سبحانه عالم بالواقع شاهد لدعواه قادر علي ابطاله و تكذيبه ان كان كاذبا حكيم لايغري بالباطل و لايلعب بخلقه فلم‌يبطله و لم‌يكذبه و لم‌يدحض حجته عرفنا انه صدقه فاعتمدنا عليه و اخذنا بقوله اعتمادا علي تصديقه و لايسألنا من عدله يوم القيمة لم اخذتم بقوله فان لنا الحجة عليه انا كنا جاهلين بباطنه و انت كنت عالما قادرا شاهدا حكيما فقام بمرأي منك و مسمع قدامك و نادي باعلي صوته انه من عندك و اتي بحجج عجزنا عن الاتيان بمثلها فصدقناه اعتمادا عليك و علي تصديقك فلو علمته كاذبا لم لم‌تدحض حجته و لم‌تبطل امره و انت اعلم العالمين و احكم الحاكمين و اقدر القادرين و اكبر الشاهدين و تعالي الله ان يكون لاحد الحجة عليه فلا برهان اعظم من تقرير الله سبحانه علي صدق الحجج فخذ به و كن من المطمئنين و لايطمئن بذلك الضعفة الجاهلون الغافلون و هذا برهان يثبت به امر الدنيا و الدين و قد احتج به الانبياء و المرسلون علي اممهم و كل حجة حجة اذا ضمت مع هذا البرهان السديد و الا فلايتم برهان و لا دليل في الدنيا و الدين و ابطال الله سبحانه للباطل من جهات عديدة لاتختص بجهة دون جهة و عليه الابطال و لو من جهة و لايجب في الحكمة قطع ساير الامداد عنه فانه عبد مفتون مبتلي مخلي السرب حتي يظهر اختياره من كفر و ايمان فالواجب قطع المدد عنه بقدر اظهار انقطاعه عن الله ثم يستدرجه باجراء ساير الامداد عليه و لا ضير و لنمثل هنا امثلة في اظهار البطلان و انقطاع المفتري عن الله سبحانه مثلا اذا ادعي مدع انه من جانب الله و عرف انه لغية لا لرشدة فيكفي ذلك في بطلانه و لايجب اظهار ازيد من ذلك فان ولد الغي لايمكن اتصاله بالله سبحانه لخبثه و ان اظهر امورا عديدة تشبه المعجزات و ان كان طاهر المولد و لكن كان فاسقا فاجرا يأتي بمنكرات تعرف العقول السليمة قبحها كفي ذلك في ظهور بطلانه البتة و ان كان لايفهم منه فسق ظاهر و لكن يظهر منه دناءات تخالف المروة كفي ذلك في بطلانه و ان اتي بعجايب من الاعمال و الافعال و ان كان له مروة و لكن له خرق و نزق كفي ذلك في بطلانه و لايحتاج الي ازيد من ذلك و ان كان له متانة و وقار و لكن ليس له علم و هو جاهل بالحقايق و العلوم كفي ذلك في ظهور بطلانه و ان كان له علم و حكمة و لكن لا علم له بالسياسة و تعمير البلاد و نظم امر العباد كفي ذلك في بطلانه و فساد امره و ان كان له سياسة و حكمة التعمير و النظم و لكن حريص علي الدنيا و جمع الاموال كفي ذلك في بطلانه و فساد امره و هكذا اذا كان فيه شئ واحد مما يستقبحه العقول السليمة كفي ذلك في بطلان امره و ان اتي بخوارق العادات و شبيه المعجزات و ان لم‌يكن فيه غضاضة من وجه من الوجوه و كان في جميع ذلك كاملا بالغا و انحصر الامر في اتيانه بخارق عادة وجب في الحكمة قطع المدد عنه حتي لايقدر علي اتيان ذلك او اذا فعل يظهر الله للخلق انه حيلة و مكر و شعبذة و علي الله ابطال الباطل و احقاق الحق من اي وجه كان هذا و المفترون علي الله الطالبون للدنيا موسومون بسمات لايشتبه امرهم علي عاقل ابدا و الصادقون الآتون من عند الله سبحانه لهم سمات و علامات في حركاتهم و سكناتهم و علومهم و اخلاقهم لايشتبهون بغيرهم ابدا هيهات و علي كل حق حقيقة و علي كل صواب نور و لهم سمات نورانية تكشف عن صدقهم بحيث لايحتاج معها الي معجز والله و هو فضل من الله سبحانه و اثر لكمال نفوسهم و الا فالصادق الآتي عن الله يشتبه بطالب الدنيا الكاذب المفتري اذا

اشتبه الظلمات بالنور و الظل بالحرور ، ثوب الريا يشف عما تحته و ان التحفت به فانك عاري

و نور الحق و اهله ظاهر مستطير لايشتبه الا علي من اعمي الله عين بصيرته و من لم‌يخاطر بنفسه و لم‌يكن عدوها و نظر بعين الفطرة الالهية محال ان يشتبه عليه الامر.

نجم لايكاد يضر بصدق الصادقين و حق المحقين احتمالات المنافقين و شكوك الظالمين و ارتياب المرتابين و شبه المشبهين فان من كان فلق فيه مفتوحا يتكلم بما يشاء و محض التكلم و الاحتمالات و الشبهات لايبطل حق محق و لايمكن سد فم الناس و حبس لسانهم فلايستفزنك الشياطين و لايستخفنك المنافقون و اعتمد علي تصديق رب العالمين و ليس الحق ما لايقدر منافق علي القول فيه و الاحتمال بل الحق ما صدقه الله و اكثر الاحتمالات يتمشي اذا اردنا اثبات الحق من حيث اثبتوا من براهين ساير العلماء الذين تكلموا في المقام و استدلوا باستدلالات خلقية علي المرام فانهم لايستدلون بشئ الا و يعارض بمثله و يقوم الاحتمال من جهات اخر علي خلافه و اذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال و اما علي ما برهنا من البرهان الالهي الكشفي فلايقوم شئ بنقضه و لايحتمل فيه احتمال آخر و لايضر به تلك الاحتمالات الخلقية فاسلك من حيث سلكنا و فز باليقين كما فزنا و الحمد لله فانظر بعين الله و اعرف بسر الله فكل من صدقه الله بعدم اقامة برهان قطعي بين ظاهر علي كذبه فصدقه و ان احتمل فيه الناس احتمالات لاتحصي و كل من كذبه الله فكذبه و ان ظهر علي يديه خوارق عادات و تكلم بحكم لاتحصي فخذ هذا البرهان .

نجم لا شك و لا ريب انه قد ظهر رجل بمكة اسمه محمد و ابوه عبدالله و امه آمنة صلوات الله عليه و آله علي فترة من الرسل و ادعي النبوة و اظهر شريعة ناسخة للشرايع طاهر المولد معروف النسب من اهل بيت معروفين بالنجابة و الشرف و العزة و الرياسة و اتي بخوارق عادات له اخلاق و احوال و سمات و صفات لم‌ينكرها احد عليه و قد عاش في الناس زمانا كثيرا قبل نبوته و بعد نبوته و لم‌يظهر منه شئ يستمجه العقول السليمة و الفطر المستقيمة قد اخبر بالغيوب و تكلم بالعلم و الحكمة و ناظر العلماء و حاجج الحكماء و عارض اهل الكتاب و اظهر كثيرا مما كانوا يخفون و ساس البلاد و نظم امور العباد و حكم بالعدل و كان في عصره علماء حكماء من اهل الكتاب و ادباء و فصحاء و بلغاء من العرب و عاشر الكل و جادلوه في امره فلم‌يقدر احد علي ابطال امره و ادحاض حجته و باهل اهل الكتاب فلم‌يجسروا علي مباهلته و صدقه الله في احواله و اقواله و افعاله و لو كان ظهر منه ما ينافي نبوته لماخفي علي احد لان اظهار كذبه و ابطال امره كان علي الله و هو لايخاف من احد و لايعجزه شئ و لايلغي في امره و لايغري بالباطل و لايلعب و لايلهو و لايسامح في الامور و لايحتمل ان يكون الله قد اظهر بطلانه و لم‌يصلنا لأن علي الله اظهار بطلانه لكل من وصله الدعوة و عرف منه علايم الصدق و ليس من الحكمة اظهار بطلانه لآحاد الناس دون الباقين ، هذا و ذلك محض قول و احتمال باطل و كيف يمكن ان يكون قد ظهر بطلان امره للناس و لم‌ينتشر و لم‌يبلغ الاطراف و هو خلاف عادة الله في امثال هذه الامور فان الامور العامة لايكاد تخفي علي عامة الناس و لو كان الله قد ابطل امره لعرفه الحاضر و الغايب و العالم و الجاهل و الرجال و النساء كما نقل الينا جميع جزئيات احواله و معاشراته و اقواله و افعاله و حالات اعدائه و مخالفيه و ان الله سبحانه لايخل بالحكمة و احتمال ان الروات من محبيه و امته و هم قد اخفوا بطلان امره يتمشي في ادلة السابقين المعتمدين علي نقل النقلة و اما علي ما ذهبنا من الاعتماد علي الله سبحانه غير المغري بالباطل المنزه عن اللغو و العبث العالم الشاهد القادر الحكيم فلايحتمل ذلك ابدا فاذ لم‌يظهر الله ابطال امره بل اظهر يوما فيوما ما يزيد في ظهور نوره و قوة امره و نشر خبره و دينه و شرعه عرفنا انه نبي حق و رسول صدق آمنا به و صدقنا امر الله صدق الله العلي العظيم و صدق رسوله النبي الكريم و نحن علي ذلك من الشاهدين و بهما من المؤمنين و الحمد لله رب العالمين .

نجم من آياته الباهرة و معجزاته الظاهرة الباقية بعده الي يوم القيمة ثلث آيات ظاهرات باهرات و براهين كاشفة عن حقيته للبريات و هي عترته الانجبون و كتابه المبين و شرعه المتين ، اما عترته فيأتي امرهم في سماء الولاية ان شاء الله و كتابه المبين فهو الكتاب الذي اتي به قدام الله سبحانه و بين يديه في كمال الفصاحة و البلاغة و حسن النظم و السبك و جزالة اللفظ و عظمة المطالب و دقة المعاني و الاخبار بالغيب و الانطواء علي احوال الانبياء و الحوادث الخفية السابقة و المحاكمة بين اهل الكتاب و بيان سنن الانبياء و المواعظ و الامثال و الحكم و السياسة و الحلال و الحرام و الآداب علي احسن وجه يؤثر في القلوب ثم يستفتح به في المضايق و يستعان به علي الحاجات و الارواح و الملائكة و الشياطين في التسخيرات و يستشفي منه للامراض و يعتصم به من شر الاعداء مع صغر حجمه و قلة الفاظه و حلاوة الفاظه و طلاوة معانيه ما لايقدر احد علي استشمام منكر منه و الله سبحانه حكيم قادر شاهد فنسبه الي الله سبحانه و قال انه من عنده و تحدي به الجن و الانس و قال لاتقدرون علي الاتيان بمثله بل بمثل سورة منه بل بمثل حديث منه و الله سبحانه يسمعه و يراه فلم‌ينكر عليه و لم‌يقيض احدا يأتي بمثله و هو لايخاف من احد و لايغري بالباطل و لايلعب بخلقه و لايعبث فيه بل اخبر قدامه بالغيب و قال انكم لاتأتون بمثله الي آخر الدهر فلم‌يخلق الله بعده خلقا يأتون بمثله فاذا عرفنا من الله سبحانه تصديقه آمنا به و عرفنا انه حجة له من الله سبحانه دالة علي صدقه و ان لم‌نحط بجميع وجوه كتابه خبرا و لم‌نعلم جميع وجوهه .

نجم سأبين لك نوع عجز الخلق عن الاتيان بمثل هذا الكتاب المستطاب ، اما العجم و هم ما سوي العرب و العالمين بالعربية فعجزهم عن الاتيان بمثله اوضح من الشمس في رابعة النهار و اما العرب و العالمون بالعربية فجهالهم البوالون علي اعقابهم فعجزهم ايضا ظاهر فانه كتاب ادب و علم و حكمة و هم خالون عن ذلك كله و اما ادباؤهم و فصحاؤهم الذين لا علم لهم و لا حكمة فعجزهم ايضا بيّن ظاهر فان ما لم‌يكن الانسان حكيما عالما لايقدر علي الاتيان بكلام مثل كلام العالم و ان الالفاظ تابعة للمعاني و ان الجاهل و ان كان ادبيا فصيحا اذا اراد ان يجري كلمات في العلم و الحكمة يرك كلامه و يغلط في الاداء كثيرا و يفقد البلاغة و صحة العبارة كما هو بين و غاية صناعتهم مدح الفرس و الابل و الجمال و الشجاعة و امثالها فيفصحون في ذلك لفهمهم المعني و اما اذا ارادوا بيان حكمة و علم فلايقدرون علي ادل لفظ و افصح لفظ فيه بلا شبهة فيخلون بالمعني فيعدمون الفصاحة و البلاغة و حسن الاداء و الجزالة و الطلاوة بكله الاتري في صنعتهم اذا ارادوا مدح عدو فرس و عبروا عنه بما لايليق او شبهوه بما لاينبغي يستمجه الادباء و ينسبونه الي عدم الفصاحة و سوء الاداء فاذا ارادوا التعبير عن معاني ليس لهم فيها ضرس يفسدونه البتة فيعدمون الفصاحة و البلاغة البتة فهم ايضا عاجزون عن الاتيان بمثله و اما علماؤهم في ساير علوم الكهانة و الرياضية و غيرها من غير علوم الحكم و المعارف و الشرايع و احوال الانبياء و اسرار الشريعة و الطريقة و الحقيقة فكذلك فان الطبيب اذا اراد الكلام في علم لايعرفه يعبر عنه كالجاهل فيعدم الفصاحة و البلاغة كما عرفت ، بقي العلماء الحكماء الفقهاء المطلعون فهم ايضا اذا كانوا في اداني درجات هذه العلوم لايقدرون علي التعبير عن معان يعرفها الكاملون فهم ايضا عاجزون عن معارضته فان علم النبي صلي الله عليه و آله و حكمته و فضله لاينكر و جميع العلماء آخذون عنه راجعون اليه و الشاهد علي ذلك سنته القائمة و اخباره عن الله و توحيده و صفاته و اسمائه و افعاله و عن المعاد و احواله و شريعته العادلة في سياسة المدن و تدبير المنزل و اصلاح النفس و اطلاعه علي سنن الانبياء و المرسلين و احوالهم و شرايعهم و الغيوب و علي احوال الملئكة و الجن و الانس و الحيوان و النبات و الجماد و اسرار المبدأ و المعاد و حقايق الايجاد التي مشحون بكلها احاديثه و سنته و علمه و حكمته مما لاينكره مؤمن و كافر فمن‌ذا يضاهيه في العلم حتي يأتي بكتاب مثل كتابه و قد وضع فيه مع صغر حجمه تبيان كل شئ و هو اعلم بما وضع فيه و يستخرج منه كنوز من العلم يوما فيوما لم‌تكن تعرف منه قبل فبهذا الوجه اعرف انه لايقدر احد علي ان يأتي بمثل كتابه و لو سمعت من ملحد بعض العبارات العربية ذا سجع و سبك يشابه القرآن في سبكه فلايذهبن بك المذاهب و لاتزعم انه مثل القرآن هيهات لا كل كلام عربي مثل القرآن و لاتزعم ان العرب عجزوا عن اتيان الفاظ عربية لها سجع فانهم كانوا اقدر علي ذلك من كل احد و لكن عرفوا انه ، لا كل من حاز الجمال بيوسف ، الاتري ان هؤلاء يعجزون عن اتيان شعر مثل شعر فصحاء العرب الذين تحديهم رسول الله صلي الله عليه و آله بالقرآن و عجزوا عن مثله فكيف يكون كلام هؤلاء مثل القرآن أيكفي في المماثلة محض ان يكون عربيا و هل عجز العرب عن مثل ذلك حتي اذعنوا بالعجز عن الاتيان بمثله حاشا و حاشا ، فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر انه لايمكن لاحد الاتيان بمثل القرآن فانه لا علم لاحد مثل علم النبي صلي الله عليه و آله و كفاك بهذا دليلا و السلام و ان اردت زيادة البيان فعليك بكتابي الشهاب‌الثاقب في رجم النواصب و كتابي ازهاق‌الباطل و كتابي ارشادالعوام و سأكتب ان شاء الله ما لا مزيد عليه في كتابي الفطرة السليمة و لا قوة الا بالله .

نجم و من آياته الباهرة و دلايله الظاهرة سنته الطاهرة فان في سنته كفاية و دلالة علي حقيته لمن علم علم السياسة سياسة المدن و تدبير المنزل و تدبير البدن و اصلاح النفس و تعمير البلاد و نظم امور العباد و تجييش الجيوش و عسكر العساكر و حارب السلاطين و علم علم سنن الانبياء الماضين فان سنته الغراء جامعة لجميع ذلك و غيرها علي احسن وجه و اكمل طور و قد اذعن له المخالفون بأنه رجل حكيم و اقتبسوا من مشكوة سننه اشياء قليلة فانتظم به امورهم و لو اقاموا سنته و عملوا بها جميعا لغلبوا علي جميع العباد و سخروا جميع البلاد الم‌تسمع ان جنود الاسلام في مدة قليلة كم فتحوا من البلاد فسخروا بلاد العراق و الفرس و الروم و جميع العرب و لم‌يكن ذلك الا انهم كانوا يمشون علي دستور عمله و كلما خالفوا خولف بهم حتي آل الامر الي ما آل بالجملة سنته صلي الله عليه و آله و امره بالمعروف و العدل و الاحسان و نهيه عن الفحشاء و المنكر و البغي بهذه الطريقة و هو رجل امي من العرب اوضح دليل علي انه من الله فان العلماء الماهرين و الحكماء البالغين بعد التدارس و التباحث التام الكامل لايعلمون هذه العلوم مثل ما بينه و لايحيطون باطرافه كيف و بعد تنبيهه و تبيينه لايكادون يعرفون حكمة الجميع كما اقر جميعهم بالعجز عن ادراكها و لايجسرون ان يتكلموا في مسئلة الا بعد مراجعتها و الانسان الواحد لاسيما العامي لايقدر علي وضع هذه السنن بهذه الحكمة المتقنة مطابقة للعقل المستنير الا ان يعلمه الله سبحانه و ما تري من ما ينكره العقل المستنير و الفهم المنير من بعض ما يذكره الفقهاء فانما هو من سوء افهام الفقهاء و تخريجاتهم الركيكة و ردائة استنباطاتهم و اعوجاج سليقتهم في فهم الاخبار او تقية صدرت عن الائمة عليهم السلام فافتوا بما يفتي به العامة من فتوي ركيك و الا فشريعته الغراء علي اعدل وجه يعرفه العقول السليمة هذا و ان لم‌يعرف وجه بعض شرايعه فلايجوز الانكار عليه و لايقدح به في الف‌الف مسئلة يعرف بعض حكمتها الاتري انك لو رأيت كتاب حكيم و رأيت فيه الوفا من المسائل في غاية الحكمة و الصواب ثم رأيت فيه مسائل عديدة لاتعرف وجهها نسبت نفسك الي الجهل و لم‌تسئ الظن به مع وفور علمه ان يخطئ في تلك المسائل فكيف يصير محل شك في شريعته ان لم‌يعرف وجه بعض مسائلها فلو انصف منصف لعرف ان شريعته الحاوية لحكم كل شئ شئ من الدنيا فما من شئ الا و فيه كتاب و سنة اعظم معجزة باقية منه دالة علي انه نبي عارف بحقايق الاشياء و احكامها و الجاهل المفتري الكذاب ليس له هذه السعة و الاحاطة و المعرفة باحكام الاشياء و قراناتها و احوالها الاتري من يدعي النبوة طريقته صبيانية يعرف شيئا و يجهل شيئا و يخالف بعض اقواله بعضا و يكون له خرق و نزق و سوء تدبير و سوء تأليف لايقدر ان يمشي بين الناس يومين الا و يخمد امره و يفسد دعوته و ينقضي عمره و ينقطع حبله فلايبقي منه اثر لانه لا دوام للصبيانيات و اما هذا الامر المتقن و الحكم المحكم و الشرع المتين و الدين المبين و الدولة المستقلة و العزة الالهية فليست بصبيانية و امر هيّن جهلاني فصلي الله عليه من نبي طيب طاهر جليل عظيم معصوم كريم آمنا به و صدقنا قوله اللهم احشرنا في زمرته و اجعلنا مرضيين له بحقه و حرمته آمين آمين .

نجم اذا تدبرت بعين الانصاف لرأيت انه لايعقل للنبي معني غير هذا و لايعقل اتيان رسول الا هكذا فان الرسول ينبغي ان يكون بشرا معروف النسب عالما كاملا وقورا متينا حكيما صاحب خصال حميدة و اخلاق كريمة و زهد و ورع و خوف و عبادة و بكاء و استجابة دعاء يأتي عن الله سبحانه و يخبر عنه انه اوحي الي ان اقول لكم كذا و كذا و يقول ما يوافق العقول السليمة لاينكره ذو فطرة مستقيمة ثم يأتي لذلك بشاهد دال علي صدقه من خارق عادة و لو واحد فان فيه الكفاية و يصدقه الله سبحانه و لايبطل امره و لايبين حيلته و افتراءه فاذا جاء رجل هكذا و قال بكذا و اتي بكذا و صدقه الله كذا عرفنا انه نبي و لا معني للنبي الا هكذا فمن زعم للنبي معني آخر يوافق الحكمة فليقل و اني له ان يقول بغير ذلك فقد جاء رجل كذا و قال بكذا و اتي بكذا و صدقه الله كذا فلم لايصدقه المنافق و الكافر و ما عذره عند الله و هل الكفر الا محض لانسلم له فان كان لهم برهان فليأتوا و الا فمحض يحتمل و يحتمل ليس بحجة و ليس مبدأ الكفر الا قول يحتمل و يحتمل فلاترتابوا فتشكوا فتكفروا و من يشك في نبوته فليفسر للنبي معني آخر او ينكر انه اتي بمثل ما قلنا و هو اوضح من الشمس في رابعة النهار و قد حفظ له ازيد من الف معجز و لااقول كما قال العلماء السابقون حتي يشك في قولي كما شكك في قولهم فلااستند برواية رواية حتي يقال لي لم‌يثبت بل اقول نوعا انه اتي بخارق عادةٍ مّا البتة و قرآنه حاضر و منكر نوع خارق عادته مع هذا التواتر العام نظير منكر وجود مكة و مدينة و خروج رجل اسمه محمد صلي الله عليه و آله بمكة و ليس يقابل للخطاب بعد ذلك و هو مخاطر بنفسه البتة و يروي عنه الف معجز فلو علم الله انه كذب و افتراء لاظهر بطلانه البتة فانه لايجهل الكذب و الصدق و يعرف الحق من الباطل فبتصديق الله اياه صدقناه و هكذا يعرف كل نبي و وصي و ولي و ليس الحق من لايقول العدو فيه لانسلم او لانستيقن او يحتمل فان كل ذلك من علائم النفاق و الكفر فاذا قام رجل بين يدي الله لا مغمض فيه و لا مطعن و ادعي النبوة و اتي بخبر و اقام علي دعوته حجة من الله سبحانه خارقة للعادة لم‌يبطله الله سبحانه او نص عليه من ثبت امره سابقا كفي بذلك له حجة باهرة و براهين ظاهرة و كل من قال بعد ذلك لااستيقن فانما هو من مرض في قلبه و من قال لااسلم فهو من عتو في نفسه و من قال يحتمل فهو من وسوسة في صدره و لاينقض شئ من ذلك امر المحقين اذ لاينقض اليقين الا بيقين فتثبت ثبتك الله بالقول الثابت في الحيوة الدنيا و في الآخرة .

نجم اذا عرفت نبوة محمد صلي الله عليه و آله انه نبي حق و عرفت كتاب ربك فما ثبت لك انه قوله و قول ربه فخذ به و ما لم‌يثبت فذره حتي يثبت و لا كلام في ذلك الآن فما يثبت من نبيك في نفسه او في غيره او في تكليف من التكاليف او شئ من الاشياء تصدقه و الا فلاتؤمن به و لا ضير فلانحتاج في هذه العجالة ان نذكر شؤن فضائله و انما الغرض محض اثبات الاصول علي طريقة اهل الوصول و بعض خصاله الضرورية معلوم انه عالم سخي شجاع معصوم مطهر صادق حافظ للوحي مؤد عن الله كما شاء الله و اراد و حكم لايسهو و لايلهو في اداء دين الله سبحانه و هو شاهد علي الامم لاينطق عن الهوي ان هو الا وحي يوحي فلايسهو في نطقه فيكون الناطق عن لسانه الشيطان و لايسهو في اعماله فان الله سبحانه يقول ان لكم في رسول الله اسوة حسنة و قال فاتبعوني يحببكم الله فلو كان بعض اعماله سهوا و خطاء لماكان بامر الله البتة و كان العامل به الشيطان فكان الاسوة به فيه اسوة بالشيطان و متابعته حينئذ متابعة للشيطان و الله يقول و ماارسلنا من رسول الا ليطاع باذن الله ، و ما آتيكم الرسول فخذوه و ما نهيكم عنه فانتهوا و قال من يطع الرسول فقد اطاع الله و قال فاتبعوه لعلكم تهتدون فالنبي لايسهو و لايلهو و لايخطي في اقواله و افعاله و اما ما في القرآن من قول اما ينسينك الشيطان فلاتقعد بعد الذكري مع القوم الظالمين و قوله و اذكر ربك اذا نسيت فليس ذلك خطابا للنبي صلي الله عليه و آله بل هو خطاب للمستمع الناظر كما اني في كتابي هذا اقول لك ان انت قلت و افهم و اعلم و لست اقصد منه مخاطبا معينا و انما هو خطاب لمن سيقع اليه و هو كذا لا من هو ليس بكذا و كذلك القرآن كتاب مصنف من الله سبحانه و فيه اعلم و انت و لك و بك و غير ذلك و ليس يقصد به احد معين و انما هو خطاب لمن سيقع عليه فيأخذ كل ما يليق به و لذلك روي نزل القرآن علي اياك اعني و اسمعي يا جارة هذا و قد رويت اخبار يشهد لها العقل و ساير الآيات و عليه انعقد اليوم الاجماع و ليس ذلك محل شك و ما روي من الاخبار علي خلاف ذلك فانما هي روايات توافق العامة و صدرت في محل التقية و تخالف العقل و معارضة باخبار اخر و آيات اخر فلانعمل بها و لانعتقد بالجملة ساير فضائله الظاهرة الضرورية لا بد من الايمان بها و غير الضرورية يجب ان يوقف مقام الدليل و لكن اعطيك دليلا واحدا لجميع الفضائل و هو ان كل ما سوي الاحد سبحانه حادث و هو صلي الله عليه و آله اول خلق الله و شهد به الكتاب و السنة و اجماع المسلمين و يقول في القرآن انا اول المسلمين و يقول و له اسلم من في السموات و الارض فهو اول الخلق و اشرف النبيين و النبيون اشرف من جميع من سواهم فكل فضل غير الاحد و في الخلق و هو اول الخلق فهو اعظم صفة من صفات الله فنزله عن الاحد و قل فيه ما شئت و ما عسي ان تقول و الله خليفتي عليك و صلي الله علي محمد و آله الطاهرين و لعنة الله علي اعدائهم اجمعين .

نجم اذا صدقت نبينا محمدا صلي الله عليه و آله فهو مصدق لمن بين يديه من الانبياء و الاوصياء و ما بين يديه من الشرايع بالضرورة و منكر واحد من الانبياء منكر له البتة فان ذلك من ضروريات دينه و صريح كتابه و سنته فآمنا بجميع الانبياء و المرسلين و اوصيائهم المكرمين و واليناهم و صدقناهم جميعا اجمالا لعدم معرفتنا بتفاصيلهم و تفاصيل احوالهم و آمنا بشرايعهم و وجوب العمل بها في ازمانهم لا زماننا هذا لاننكر شيئا مما جاء به رسول و وصي قبلنا من عند الله تصديقا لما ثبت لنا منهم و لنبينا صلي الله عليه و آله و سلم.

السماء الرابعة

في الامامة و بما يشرق في هذه السماء يطرد ابالسة موسوسة في قلوب المؤمنين ان شاء الله تعالي ففي هذه السماء ايضا نجوم منيرة : نجم اذا عرفت مما بينا سابقا انه لا بد لهؤلاء الخلق المدني الطبع من سايس قيم عليهم و الا لفنوا و هلكوا و هو النبي صلي الله عليه و آله في حيوته فاذا ذهب النبي صلي الله عليه و آله لا بد و ان يكون بينهم سايس يسوس العباد و قيم يعمر البلاد و عالم يعلم الجهال و حاكم يحكم بين اهل الفساد و سلطان يجيش الجيوش و يقاتل الاعداء و يدفع عن الاسلام غايلتهم و يسد الثغور و لولا ذلك لاختل النظام و فسد امر الانام و هلكوا عن آخرهم البتة و ذلك الحاكم لا بد و ان يكون بنصب الله سبحانه و نصب رسوله العالم باسرار الخليقة و ضمايرهم و اعمالهم و افعالهم و ليس نصب الحاكم من شان الرعية الجاهلين بمن يفسد و من يصلح و فيهم المنافقون و المتلبسون و المشبهون و الذين آمنوا لمصالح دنياهم و يبغون بالاسلام الغوائل و يريدون تخريب الدين و تضييع الشرع المبين كما اخبرهم عن فرقهم في الكتاب ما لاينكر فان كان لايحتاج الي نصب حاكم فلم ينصبون و ان كان يحتاج اليه و يجب في الحكمة فكيف يخل الله بالحكمة و يكل امره الي المنافقين حتي ينصبوا من شاؤا و ان قيل فيهم المؤمنون ايضا فأقول من يعرف المنافق من المؤمن غير الله سبحانه و من يقدر علي جمع جميع الامة حتي يجتمعوا علي احد و اجتماع الامة حجة فيما شهدوا لا فيما رأوا لاسيما و نعلم علما قطعيا انهم جهال بالضماير و البواطن و معرفة المؤمن و المنافق فلربما وقع اتفاقهم علي منافق و ان قيل اختيار بعضهم يكفي جاء الشقاق و ان قيل اجتماع كلهم جاء الامتناع لاسيما اي رأي للنساء و الصبيان و البله او الجهال و العوام فيمن يقدر علي قود الجيوش و تقسيم الغنائم و تعليم العباد ما يجهلون و الحكم بينهم فيما يتشاجرون و ان قيل اجتماع اهل الحل و العقد فمن يقدر علي تميزهم و هم يختلفون في تصديق هؤلاء و الاقرار بانهم من اهل الحل و العقد و لرب من يكون ساكتا منزويا لايعرفه احد و هو من اهل الحل و العقد فلايدخل في الاجماع بالجملة و ان كان اهل الاجماع من اهل الحل و العقد فمن لايعرف ضماير الخلق لايعبؤ بتصديقه و انكاره و لايقدر امثاله علي نصب حاكم عدل و انما الاجتماع امر كسرواني و قيصراني و ليس بامر الهي يشهد بذلك العقل السليم و الطبع المستقيم فلا بد للخلق من حجة من الله منصوب من قبله منصوص عليه منه و من رسوله و هو بالاتفاق ليس باحد غير علي عليه السلام و قد روي العامة و الخاصة في حقه نصوصا لاتحصي و ان لم‌يعمل بها العامة فهو الامام المفترض الطاعة من الله سبحانه و لاسيما انه صاحب علوم و كرامات و علامات و ادعي الامامة و اقام عليه البينة و يروي عنه معجزات عديدة و صدقه الله سبحانه و لم‌ينكر عليه بوجه من الوجوه و قد عاداه الكل سوي القل فلم‌يقدروا علي استنباط عيب فيه فهو الخليفة بلا فصل من عند الله سبحانه صلي الله عليه و علي اخيه من قبل و آله من بعد .

نجم هذا و قد عرف كل المسلمين و صدقوا انه لا علم لاولئك المدعين الغاصبين عليهم لعاين الله و الخلق اجمعين و لا عصمة و لا طهارة و لا قرابة و لا كرامة و لا خصوصية و لا سابقة و لا لاحقة و لا نص و قد عرفت ان القيم علي العباد و المستولي علي البلاد لا بد و ان يكون اعلم الكل معصوما مطهرا منصوبا من الله و لسنا نستدل بالمصالح حتي يعارضونا و لكنا نستدل بالبراهين الالهية و هي ما سبق في النبوة فلايرد علينا شئ من ابحاث الجهلة فتثبت ثبتك الله بالقول الثابت في الحيوة الدنيا و في الآخرة و لايذهبن بك المذاهب هذا و تلك الشبه التي كانوا يقيمونها كانت في اول الامر و كنا نحتاج الي ردها في الاول و اما بعد ان من الله عليك و عرفك آخر امرهم و انقطاع حججهم فماذا يزلزلك و قد علمت ان الارض لا بد و ان يكون فيها حجة يقوم بالعدل و بدين الله و بسنة نبيه صلي الله عليه و آله فاخبرني اليوم هل الحجة و الخليفة امير البخارا ام وزير البغداد ام قيصر الروم فاين خليفة رسول الله و هل كان الخليفة يزيد بن معاوية فيقتل رجال ذرية الرسول و يأسر نسائهم و هل كان ساير بني‌امية خلفاء رسول الله او ساير بني‌عباس الكفرة الفسقة قتلة ذرية رسول الله صلي الله عليه و آله و مبيدوهم و مفرقوهم شراب الخمور عمال الفجور و هل من دين الله ان يكون قيصر الروم خليفة رسول الله فيصالح الافرنج علي ان يعملوا بسنن الافرنج فيحمل رعيته عليه ام هو امير البخارا فيثب علي نساء المسلمين و صبيانهم و هل قصروا هؤلاء في استيفاء شروط الفسق و الكفر شيئا و هل امرهم الا ظلم و دولة ظلم كدولة الافرنج و الانجليس و الروس فاذا انقطع امرهم و فني دينهم و ليس فيهم قائم بدين الله و لايدعون ذلك في طريقتهم فطريقتهم طريقة بغي و عناد و فسوق و فساد و اما طريقة الشيعة فهم القائلون بأنه لا بد في كل عصر من امام حجة معصوم مطهر منصوص اكمل رعيته و اعلمهم و احكمهم و لايخلو عصر من حجة فلو خليت الارض عن الحجة لساخت الارض باهلها البتة لانه ليس فيها من به يظهر العلة الغائية و ساير الخلق لايقومون بذلك في الخلق و اذ لم‌تظهر العلة الغائية كان الخلق لغوا و لايصدر اللغو من الحكيم فلايبقي الارض الا و تسيخ.

نجم ثم بعد اميرالمؤمنين و قائد الغر المحجلين مطلوب كل طالب علي بن ابي‌طالب الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي ثم جعفر بن محمد ثم موسي بن جعفر ثم علي بن موسي ثم محمد بن علي ثم علي بن محمد ثم الحسن بن علي ثم الحجة القائم الحي المنتظر محمد بن الحسن صلوات الله عليهم اجمعين كل لاحق منهم امام بعد سابقه في العصر الذي يليه بنص السابق و الحجة القائمة منه و تصديق الله سبحانه اياه و عدم ابطال امره و ادحاض حجته مع ان في كل عصر كان يعاديهم سلطان الزمان و علماء الامة و جميع الاكابر و الاشراف و الحكماء و الفلاسفة و السحرة و الكهنة و علماء ساير الملل و كانوا ساعين في ابطال امرهم و ادحاض حجتهم و ماكانوا يبالون باتهامهم فضلا عن اظهار فساد في امرهم ان امكنهم فلم‌يقدر احد منهم عليهم بغضاضة و التمسك بشئ و لو جزئي يدل علي نقص منهم حتي عادوهم اشد العداوة و لم‌يكفهم ذلك حتي رضوا بقتلهم و تحمل العار و اللعن و الطعن علي انفسهم ابد الابد فقتلوهم طمعا في اطفاء نورهم فلم‌يثمر الا اعلان امرهم و اظهار حقيتهم و مع ذلك ماكان يمكنهم الا الاقرار بجلالتهم و عظمتهم و علمهم و حكمتهم لكثرة ظهورها الذي لاينكر و اتفقوا علي انهم اعلم اهل عصرهم و ازهدهم و اتقاهم و اورعهم فلما رأينا ان الله صدقهم هكذا عرفنا انهم الحجج المعصومون المطهرون المنصوصون من الله المخصوصون منه بالكرامة و الزلفي و قد اجمعت الشيعة علي انهم منصوص عليهم من الله و من رسوله و رووا لهم معجزات و خوارق عادات و علوما جمة و حكما كثيرة فلم‌يظهر الله سبحانه خلافه لا علي السنتهم و لا علي السنة اعدائهم بوجه من الوجوه و احتمال انه كان و خفي و لم‌يصلنا يتمشي فيمن يريد اثبات امرهم بالحجج الخلقية اللمية و اما علي ما اثبتناه بالحجج الالهية الانية فلايتمشي فان الله سبحانه عالم شاهد قادر حكيم غني لايخاف من احد و لايخل بالحكمة و لايعبث و لايلغي و لايغري بالباطل و لايفسد العباد و البلاد فهم الحجج المعصومون المطهرون المنصوصون من الله هذا و من تتبع في الاخبار و الآثار رأي عيانا انه لا سنة للنبي صلي الله عليه و آله و لا دين منه الا ما خرج منهم صلوات الله عليه و آله و كل من لم‌يأخذ عنهم فلا دين له و انهم اصحاب رأي و هوي و قياس و استحسان في دين الله و لا حافظ لدين الله بعد النبي الا هم صلوات الله عليهم و هم الذين بينوا فرايضه و اقاموا حدوده و نشروا شرايع احكامه و سنّوا سنته دون غيرهم ابدا ابدا و لا دين مستقيما لمن لم‌يأخذ عنهم و ان ما يتدينون به مزخرفات و خرافات جعلوها دينهم و طريقتهم و ذلك اوضح من الشمس في رابعة النهار لمن تتبع كتب العامة و الخاصة آمنا بسرهم و علانيتهم و اولهم و آخرهم و ظاهرهم و باطنهم و نسأل الله ان يحشرنا معهم و يجعلنا معهم في الدنيا و الآخرة.

نجم و كذلك لايتمشي احتمالات الواقفية الواقفين علي بعض الائمة عليهم السلام و ساير فرق الشيعة في دليل استدللناه علي اثبات الامر في اثني‌عشر فانا اثبتنا آخرهم بدليل اثبتنا به اولهم و تصديق الله سبحانه جار في جميعهم فان كلهم ادعوا الامامة قطعا و كلهم ادعوا نص السابق و نص الله علي انفسهم قطعا و ظهر منهم علوم جمة و ظهر منهم خوارق عادات نوعا و روت الشيعة منهم معجزات و نصوصا كثيرة و لهم في ذلك كتب جمة حتي ان واحدا منهم و هو محمد بن الحسن الحر العاملي كتب كتابا سماه اثبات‌الهداة بالنصوص و المعجزات كما ذكره في امل‌الآمل مجلدين يشتمل علي اكثر من عشرين‌الف حديث و اسانيد تقارب سبعين‌الف سند منقولة من جميع كتب الخاصة و العامة مع حسن الترتيب و التهذيب و اجتناب التكرار بحسب الامكان و التصريح باسماء الكتب و كل باب فيه فصول و كل فصل فيه احاديث كتاب تناسب ذلك الباب نقل فيه من مائة و اثنين و اربعين كتابا من كتب الخاصة و من اربعة و عشرين كتابا من كتب العامة هذا ما نقل منه بغير واسطة و نقل من خمسين كتابا من كتب الخاصة بالواسطة نقل منها بواسطة اصحاب الكتب السابقة و نقل من مأتين و ثلثة و عشرين كتابا من كتب العامة بالواسطة لانه نقل منها بواسطة اصحاب الكتب السابقة حيث نقلوا منها و صرحوا باسمائها فذلك ثلثمائة و ثمانية و ثمانون كتابا بل نقل من كتب اخر لم‌تدخل في العدد عند تعداد الكتب و قد صرح باسمائها عند النقل عنها و ناهيك بذلك ، انتهي كلامه شكر الله مساعيه الجميلة و جزاه عن ائمته خير الجزاء فاذا كانت الرواية عن العامة و الخاصة فيهم تبلغ سبعين‌الفا فاي تواتر اعظم من ذلك و اي امر في الاسلام تبلغ شهرته ذلك و قد صدق الله سبحانه هذه الروايات و لم‌ينكر عليهم و لم‌يبطل امرهم فبكل ما يثبت اولهم يثبت آخرهم فلاتبال بشبهات ساير الفرق ان شاء الله و آمن باولهم و آخرهم و ظاهرهم و باطنهم بلا اكتراث و لا تزلزل.

نجم كيف يشك في امرهم و هذه قبورهم بعد وفاتهم بل قبور اولادهم المنسوبين اليهم يظهر منها كرامات و معجزات لاينكر نوعها و ان امكن التوقف في بعضها و اما نوعها فقد شاع و ذاع حتي ملأ الاصقاع و ان شك شاك انا نري اناسا يعتقدون برجل باطل و يروون عنه كرامات فيحتمل ايضا ان يكون هذه الروايات من هذا الباب قلت ان استدللنا بالحجج الارضية يحتمل ذلك و لكن ان استدللنا بالحجج السماوية فتنقطع هذه الاحتمالات فان الله سبحانه يحق الحق بكلماته و يبطل الباطل و ان الله لايصلح عمل المفسدين و لايفلح الساحر حيث اتي و ان الباطل كان زهوقا الاتري انك مع كثرة روايات اهل الباطل عرفت بطلانهم و اظهر الله فساد امرهم لك و عرفت كذبهم و افترائهم علي الله و بذلك سميتهم باهل الباطل و اما آل‌محمد عليهم السلام فقد روي عنهم و لم‌يظهر الله كذبهم و فساد امرهم فليس من يروي عليه و يعرف كذبه كمن يروي عنه و لايعرف له كذب الاتري انك لاتشك في قول الثقة بوجود مخبر كاذب في الدنيا فانهما و ان كانا يشتركان في الاخبار يفترقان في الوثاقة و الكذب فكذلك يروي علي اهل الباطل كرامات و عرف بطلانهم و اظهر الله فساد امرهم و روي عن اهل الحق و لم‌يظهر الله لهم فسادا فلايقاس ذلك بذلك و لايشك في ذلك بذلك و ليس المصدق كالمكذب و لايضر بالمصدق المكذب الاتري انه لو روي عن النبي صلي الله عليه و آله في حضوره روايتان فصدق احديهما و كذب الاخري فنحن لانشك في المصدق بواسطة كذب المكذب و كذلك نحن لانشك في صدق ما نسب الي الله و صدقه بواسطة كذب ما نسب اليه و كذبه و هذا النوع من الاستدلال لايحتمل الخطاء و النقض و لايخيب الآخذ به في الدنيا و الآخرة ان شاء الله فاجهد جهدك في معرفة تصديق الله سبحانه حسب .

نجم فاذا عرفت امامتهم و عصمتهم و طهارتهم فهان الخطب في الاقرار بفضائلهم الجمة فان من دين الشيعة انهم نفس النبي و انهم من نوره و طينته و انهم اشرف الخلق بعد النبي صلي الله عليه و آله و انهم اول خلق الله و انهم لحمة النبي و بضعته و جزؤه و تواتر عنهم الاخبار و روتها حملة الآثار و صدقهم الله سبحانه كما صدقهم في رواية امامتهم و عصمتهم و طهارتهم و كتب في ذلك كتب لاتحصي كثرة من العامة و الخاصة تزيد علي ما سمعت من اثبات امامتهم بمراتب عديدة و لنعم ما قال الشاعر :

لقد كتمت آثار آل‌محمد احباؤهم خوفا و اعداؤهم بغضا و قد خرجت من بين هذين نبذة بها ملأ الله السموات و الارضا

فلا مناص لاحد عن الاقرار بها فاذا كان النبي صلي الله عليه و آله اول الخلق و اشرفه و هم نفسه و من طينته فلهم كل فضل و سابقة بعد ذلك و لذا روي نزلونا عن الربوبية و قولوا في فضلنا ما شئتم و لن‌تبلغوا ، فلاينكر فضائلهم بعد ذلك الا من كان في قلبه مرض او اراد كاعدائهم اطفاء نورهم و يأبي الله الا ان يتم نوره و لو كره المشركون بل لم‌يقدر اعدائهم من كثرة الوضوح علي انكار فضائلهم فرووا و كتبوا كتبا و اقروا بها و كيف ينكر فضائل جماعة شك في الوهيتهم حتي قال عدوهم فيهم :

تقيلت افعال الربوبية التي عذرت بها من شك انك مربوب.

و روي عن الشافعي انه قال :

و مات الشافعي و ليس يدري علي ربه ام ربه الله

بالجملة الاقرار بفضائلهم الظاهرة المعروفة التي من الضروريات لازم و الانكار لها هو الكفر و اما فضائلهم النظرية فبعد الوضوح و الثبوت يكفر من انكرها و اما قبله فلا و هذا ظاهر لا سترة عليه ان شاء الله و يكتفي بهذا القدر في هذا المقام ايضا ان شاء الله.

السماء الخامسة

في طرد الابالسة المشككين في اوهام المؤمنين في امر غيبة الامام و ظهوره و الرجعة و فيها ايضا نجوم : نجم قد يحير الشيطان الانسان في طول الغيبة و يؤيسهم عن وجود الامام فضلا عن ظهوره فنقول لهؤلاء اذا عرفت ان نظم هذا العالم علي نهج الحكمة و الصواب بحيث انه لم‌يخل فيه بحكمة جزئية فضلا عن كلية و عرفت ان الصانع الاحد القديم جل شانه حكيم و انه لم‌يخل بحكمة الصنعة و الايجاد فكما انه لما خلق العطش المهلك خلق الماء الرافع للعطش و خلق الجوع المهلك فخلق الطعام الرافع للجوع و خلق الامراض المهلكة فخلق العقاقير الشافية و الاطباء العالمين بوجه المرض و العلاج و هكذا خلق لكل ضد ضدا اذ لو خلص الضد عن الضد لافني و اهلك البتة كما هو بين لمن تدبر في العالم فلما خلق الجهل خلق العلم و لما خلق التنازع خلق الحاكم الرافع و لما خلق الفساد خلق المصلح و لما خلق الحاجة الي التمدن و الصنايع و اختلاف الطبايع المفرق خلق الجامع للشمل الناظم للشتات و لولا ذلك لفنوا عن آخرهم فوجب في حكمته خلق حجة منه معصوم عالم حكيم حاكم حتي يقوم بوجوده التمدن فالحجة في كل عصر قائمة من الله علي خلقه البتة الا انه قد يظهر اذا امكنه الظهور و قد يخفي استحفاظا علي نفسه من شرور الخلق الاتري ان الماء للشرب و قد يغور عذابا و الحنطة للاكل و قد تنقص تعذيبا من الله لخلقه بظلمهم فاذا فقدوا الماء الصافي الذي هو اكمل شراب يكتفون اياما قليلة بالاكدار الممرضة الوبية و الاكدار ايضا ماء الا انها قد شيبت بالاكدار الوبية و لولا الماء المطلق الخالص في الدنيا لماعاشوا طرفة عين و كذلك اذا فقد الطعام الصالح يكتفون اياما قليلة بالمطعومات الممرضة و هي ايضا مطعومات الا انها فاسدة و لولا الطعوم مطلقا لهلكوا في ساعتهم و كذلك لما ظلم الناس علي انفسهم و استحقوا العذاب و البلاء من الله عز و جل اعظم العذاب و البلاء اخفي الله من بينهم الحجة الناظم الجامع للشمل الحاكم بالحق العامر للبلاد و جعل بأسهم بينهم و ولي بعض الظالمين بعضا و جعلهم شيعا و دفع بعضهم ببعض فيتخذون لانفسهم حكاما ظلمة مفسدة للبلاد و العباد و يعيشون به اياما عيشا نكدا و ليس هو بالذي جعله الله بمقتضي مشيته و لو ان اهل الكتاب آمنوا و اتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء و الارض و ان لو استقاموا علي الطريقة لاسقيناهم ماء غدقا و هو الامام المذكور في آية اخري قل ارأيتم ان اصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين اي امامكم غائبا و قال لو انهم اقاموا التورية و الانجيل و ما انزل اليهم من ربهم لاكلوا من فوقهم و من تحت ارجلهم منهم امة مقتصدة و كثير منهم ساء ما يعملون بالجملة لاجل ذلك اخفي الله الحجة العامر للبلاد فاكتفي العباد بهؤلاء الحكام و يعيشون في نكد و ضيق و عطب و تعب و ذلة و مهنة و سبب البقاء في الجملة ان اصل النواميس من الانبياء و هي مطعوم و مشروب شابوهما بآرائهم و اهوائهم و افسدوهما فافسدوا معيشتهم و جعلوها ضيقة صعبة معطبة فضاق بهم الخناق و من يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه و لو لا سيرة الانبياء مطلقا لهلكوا الاتعتبر ان الدنيا تدور بهذا الحق القليل الممزوج المشيب و لولا الحق مطلقا لفنوا في ساعتهم فالحافظ للنظام هو هذا الحق المحرف المغشوش المشيب فانظر كيف كان النظم لو خلص و صفي و دبر العالم علي نهج الحق و الصواب فبالله كان يرتفع الفساد و يتسع العالم و تسكن النفوس و تطمئن القلوب و ينزل عليهم البركات من السماء و تخرج اليهم من الارض فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات احلت لهم و بصدهم عن سبيل الله كثيرا ، بالجملة فالوضع الالهي لا نقص فيه و وضعه علي جهة الحكمة و الصواب الاتم الا ان الناس ظلموا انفسهم بظلم اولياء الله و الاعراض عنهم فحرموا عن لقائهم و ذلك حكم ثانوي و عذاب بمقتضي اعمالهم و سوء اختيارهم و كذلك يكون الي ان يبلغ الكتاب اجله و يرحم الله العباد و يرفع عنهم العذاب و لكل عذاب اجل و كتاب و كذلك كان يعذب الامم السالفة بغيبة الحجج كما عذب الخلق بعد شيث فغاب الحجج عنهم الي زمان ادريس و كذلك ادريس النبي صلي الله علي نبينا و آله و عليه و كذلك غاب صالح و غاب موسي علي نبينا و آله و عليهما السلام و كذلك كان يغضب علي العباد و يعذبهم اذا استعلوا في الارض حتي تعدوا الي اولياء الله و هو اعظم عذاب يعذب الله به اهل الارض لان بغيبة الحجة يكثر الظلم و الغشم لعدم منصف حاكم مجر للحدود و يكثر الجهل لعدم معلم فلايظهر من اكثرهم غاية الايجاد و هي العبادة و المعرفة فيصير وجودهم كالعبث فيسرع اليهم الفناء و الهلاك و البوار و يتسارع اليهم بلايا السماء و الارض فيهلكون و لولا وجود العاملين بسنة الحجة عليه السلام و كون الباقي اسباب معاشهم و احتمال تولد اولاد عنهم يعملون بسنة الحجة لهلكوا في اسرع من طرفة عين فاذا عرفت ذلك فلايوسوسن الشيطان في قلبك من طول غيبة الحجة فانه لايظهر الا بعد طهارة اكثر الارض من هؤلاء الارجاس و استعداد جمع كثير يكونون اعوانه علي تطهير كل الارض فهذا هو سبب الغيبة فتضرع الي الله جهدك و اسع في طاعة الحجة و طاعة الذين هم علي منهاجه غاية جهدك لئلاتهلك في من يهلك و السلام.

نجم اعلم ان الله سبحانه خلق العالم لغاية و هي العبادة و المعرفة و لولاها لماخلقه و لما كان تلك الغاية لاتظهر الا بعد استعداد الخلق يترقب بالخلق الاستعداد التام حتي ينفخ فيه روح الغاية و تظهر عليه كما ان الولد لاينفخ فيه الروح الا بعد تمام بدنه و استعداد آلاته و ادواته لخدمات الروح و لو ظهر قبل ذلك لماطاوعه عضو و كان ظهوره فيه عبثا و ان هذا العالم من يوم خلق كان ناقص الاعضاء و الجوارح غير مستعد لظهور روح الغاية عليه و لذا قتل قابيل هابيل و شاع الظلم و الغشم و لازال الانبياء و الاوصياء و الحجج كانوا مغمورين مقهورين مستخفين مبتلين بايدي الفجرة لعدم استعداد الزمان و اهله فلم‌يظهر الغاية فيه علي ما ينبغي و ان الله سبحانه لم‌يخلق العالم الا للغاية فلا بد من ان يستكمل الزمان و اهله حتي يظهر الغاية و هي العبادة المطلقة غير المشيبة بشئ من الكفر و الظلم و ذلك لايكون الا بوجود حجج الله سبحانه فلا بد و ان يستعد الزمان و اهله لذلك و ان يظهر الحجج المعصومون و هو قوله هو الذي ارسل رسوله بالهدي و دين الحق ليظهره علي الدين كله و لو كره المشركون و هو في الرجعة و يرجع محمد و آل‌محمد عليهم السلام الذين بهم بدأ الله و بهم يختم و لاجلهم خلق الله الخلق و هو قوله سبحانه وعد الله الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم و ليمكنن لهم دينهم الذي ارتضي لهم و ليبدلنهم من بعد خوفهم امنا يعبدونني لايشركون بي شيئا الآية ، و قد تواتر بذلك الاخبار عن الائمة الاطهار صلوات الله عليهم بحيث لا مجال لاحد في انكارها و قد فصلنا القول فيه في كتابنا ارشادالعوام و سنفصله ان شاء الله في كتابنا الفطرة السليمة ، فلايوسوسن في خاطرك الشيطان انه كيف يمكن ان يحيي الله الاموات و يرجعوا الي هذه الدنيا فان الذي خلقهم اول مرة قادر ان يعيدهم و لا عجب لاسيما و قد رجع جماعة كثيرون بعد موتهم بمعجزة الانبياء و الحجج و تواتر بذلك الخبر و كتب فيه الكتب و صرح بذلك القرآن في مواضع فلا مجال للوسوسة ان شاء الله تعالي.


نجم و اما تفاصيل احوال الرجعة التي اختلفت فيها الاخبار فلاتصير سبب الوسوسة و الانكار فان لاختلاف الاخبار اسبابا منها عدم حفظ الرواة و ضبطهم و منها وضع الكذبة علي آل‌محمد عليهم السلام و منها التقية التي هي رأس كل بلية و منها ان لكلامهم وجوها و تصاريف و معاني توافق الحق و ان ظهر لنا فيه التخالف و لكن عندهم ليس فيه اختلاف اذ يضعون كل شئ موضعه و منها ان امور الرجعة مما يختلف فيه التقدير بالتقديم و التأخير و المحو و الاثبات علي حسب اعمال الناس فانها لم‌تقع بعد و تجري بها المقادير علي حسب استعداد الزمان فيخبرون في كل عصر عما قدر ردعا و زجرا و تخويفا و ترهيبا و ترغيبا علي حسب ما يرون من المصالح و لعله اتاك في هذه الرسالة شطر في ذلك الباب فاختلاف الاخبار الجزئية لايجوز ان يصير سبب شك و وسوسة بعد ثبوت الكلي و لايجوز ان يصير سبب انكار الاصل فبعد ما علمت امامتهم و تواتر عنهم معني نوع الرجعة و احوالها فسلم لهم ثم ان وصل اليك اخبار مختلفة فاحملها علي ما ذكرنا فانها مما ذكرنا لا غير .

السماء السادسة

في طرد الابالسة المشككين في امر المعاد و الآخرة و احوالها و الجنة و النار و في هذه السماء ايضا نجوم :

نجم ان جميع ما ورد به الشرع بعد ثبوت التوحيد و النبوة و الامامة ثابت عنهم و لا مجال للانكار فيه و لايشك فيما وصل عنهم الا من هو شاك فيهم فحينئذ لايحتاج الي اقامة الدليل فيه بل الواجب صرف الفكر الي اثبات التوحيد و النبوة و الامامة بل حقيقة لايشك في الامام الا من شك في النبي صلي الله عليه و آله و لايشك في النبي صلي الله عليه و آله الا من شك في الله سبحانه و الواجب علي الناظر لنفسه المفكر في امره ان يحكم امر التوحيد احكاما لايحتمل فيه الخلل ثم يصرف الي امر النبي و الامام و ما اتوا به بل في الحقيقة لايشك شاك في شئ الا و في توحيده نقص فاجهد جهدك و اسع سعيك في احكام امر توحيدك و دوام النظر في تقلبات الخلق و تغيراته و حوادثه و افتقاره و ظهور آثار فعل الفاعل فيه و ان جميع ما يدرك و يميز كلها منفعلة قد قبلت الصفة في نفسها و صارت متصفة بها قابلة لها و الفاعل غير القابل حتي يستقر التوحيد في نفسك و تشاهد نور الصانع و اثر صنعه مشاهدتك للشمس فاذا اطمئن قلبك بالتوحيد كما بينا هنا و في غيره فيصلح لك امر الدنيا و الآخرة و يثبت النبوة و الامامة و غيرها فاذا ثبت التوحيد و النبوة و الامامة ثبت جميع ما صدر منهم باليقين و ان لم‌تعرف وجهه بالدليل و متي خطر في قلبك منه شئ عارضه بيقينك بالتوحيد و النبوة و الامامة من فورك و لاتدعه يرسخ في قلبك فمما صدر منهم امر المعاد و هو من ضروريات الدين و بديهياته فيجب الاقرار و الديانة به و ليس لمؤمن مجال الشك فيه و اما تفاصيله فما ثبت من الشرع باليقين يؤخذ به و ما لم‌يثبت يسلم لآل‌محمد عليهم السلام و يقول ما قال آل‌محمد قلنا و ما دان آل‌محمد دنا هذا هو شأن المؤمنين .

نجم و مما ثبت من الدين و عليه اجماع المسلمين ان المعاد جسماني يحشر الناس يوم القيمة باجسامهم و اجماله انه اذا حان حينه ينفخ اسرافيل في الصور نفخة الجذب فيموت من في السموات و الارض الا من شاء الله فيبقي العالم و لا حاس و لا محسوس فاذا شاء الله ان يحشر الناس امر اسرافيل بنفخ الصور مرة ثانية و يجدد الابدان في التركيب من الارض فيركب تلك اللحوم و العظام و العروق و الاعصاب و ساير الاجزاء كما ركبت اول مرة فيدخل فيها الروح و تحيي فيقومون الي رب العالمين و منكر ذلك كافر بالله العظيم و بنبيه الكريم و بوليه العظيم مكذب لهم البتة فان بذلك نطق الكتاب المجيد و عليه ضرورة المسلمين فهذا من امر المعاد مما لا شك فيه و لا ارتياب و كل قول في المسئلة ليس لفظه هذا و مآله الي هذا و ظاهره هذا فهو مخالف للكتاب و السنة و قائله كافر بالله سبحانه البتة اذ لا باطن الا بالظاهر و لا ظاهر الا بالباطن و هما مقرونان كالروح في الجسد و ذلك في كل باطن لكل ظاهر فلايغرنك تأويل المأولين فمن بني امره علي التأويل خرج عن الدين و لم‌يقم للاسلام معه عمود و لا اخضر له عود و فسد امر الدين و محق الشرع المبين .

نجم و مما هو ثابت بالكتاب و السنة وجود الجنة و النار و ظهورهما يوم القيمة و الميزان و الصراط و الحساب و الكتاب و تطاير الكتب و مواقف القيمة و طول يومه خمسين‌الف سنة و غير ذلك مما نزل به الكتاب و تواتر به الاخبار و اما ما ورد في ساير الاخبار غير المتواترة فيدور مدار الثبوت و اليقين فما ثبت لك برهانه اصطفيته و ما خفي عليك ضوؤه نفيته و لا بأس عليك بل البأس في خلاف ذلك و عليك في جميع هذه الاحوال ان تقول ما قال آل‌محمد قلنا و ما دان آل‌محمد دنا و انت مؤمن متق بلا شك .

نجم لايجب علي المكلف بعد معرفة الصانع و النبي دليل عقلي في الامامة و ما دونها و يكفي فيها جميعا بعدهما الدليل النقلي بل شخصية النبي ايضا لاتحتاج الي دليل عقلي و يكتفي فيها بالحس برؤية المعجز و سماع نقله بالتواتر و عن الثقات و ان الذي لا بد منه معرفة الصانع و علمه و قدرته و حكمته و معرفة كلية لزوم وجود نبي بل لايحتاج الي دليل عقلي منفرد عن النقل في معرفة جزئيات معرفة الصانع من معرفة صفات الله و اسمائه و افعاله و في كل ذلك يكتفي بالنقل عن الحجة و السماع عنه و هو الدين المنجي و انما ذلك لان مآل الكل الي اليقين و ليس للدليل العقلي حاصل الا حصول اليقين و يحصل بقول الحجة و فيه النجاة البتة ، نعم حصول الدليل العقلي كمال للنفس يحصل بمتابعة الحجج و استنارة للعقل باطاعتهم فكلما يزداد الانسان طاعة للحجة يزداد استنارة و كلما ازداد استنارة ازداد فهما لحقايق الاشياء و استكشافا لها البتة فالادلة العقلية دليل استنارة العقل و حصول الكمال نعم فيه زيادة اطمينان و سكون البتة و من ذلك امر المعاد فيكتفي فيه بالدليل النقلي و لكن اذا شئت ان تعرف ذلك بالعقل فعليك بكتابنا الكبير ارشادالعوام و الوسيط الفطرة السليمة و لكن نقول هنا علي سبيل الاجمال ان الله سبحانه حكيم في صنعه فلايفعل العبث و لايخلق الخلق بلا غاية و غايته العبادة و غاية العبادة الفوز بالدرجات و القرب منه سبحانه فخلقهم علي ما تري و ارسل اليهم الرسل و انزل اليهم الكتب و كلفهم بما يكون سببا لظهور تلك الغاية فمنهم من اخذ بتلك الاسباب و منهم من ترك فلا بد لمن اخذ بتلك الاسباب ان ينال تلك الغاية التي هي القرب الذي فيه الراحة و النعمة و الحيوة الابدية و النجاة و من لم‌يأخذ بها لا بد و ان لاينال ذلك و يكون في العطب و التعب اللذين هما لازمان للبعد عنه سبحانه و هذه الدنيا علي ما تري فانية زايلة و لم‌يبلغ المؤمنون فيها ما وعدوا و ما خلقوا لاجله بالبداهة و لم‌يعذب المخالفون بما اوعدوا و ما يكون نتيجة انكارهم بالبداهة بل اغلب المؤمنين في الدنيا في تعب و نصب و ذلة و مهنة و مهانة و اغلب الكافرين في عزة و راحة و دولة و ثروة فلا بد و ان يكون وراء هذه الدار دار ينال المتقون فيها ما وعدوا و الكافرون ما اوعدوا و لا بد و ان يعادوا بابدانهم و ارواحهم لأنهم اطاعوا بهما جميعا و عصوا بهما جميعا فلا بد و ان ينال كل واحد منهما جزاء عمله لايقال ان الابدان لا شعور لها و لاتستحق جزاء فان الابدان لها شعور بفضل شعور الارواح و لا شئ في ملك الله لا شعور له فان الكل اثر مشية الله سبحانه و المشية حية شاعرة و اثر الحي الشاعر حي شاعر غاية الامر انه يتفاوت شعور الاشياء بحسب القرب و البعد فابدان الاناسي لها شعور و ان كان شعورها اقل من شعور الارواح و لاتزعم ان شعورها كشعور ساير الحيوانات و النباتات و الجمادات بل اكثر و اكثر فان كل بدن يشاكل روحه و ما يري من قلة شعور الابدان المنتزعة عنها ارواحها فانها لاجل الاعراض الملحقة بها و الا فاصل الابدان لها شعور وافر و ان كان اقل من شعور ارواحها و قد بسطنا القول في ذلك في ساير كتبنا و مباحثاتنا هذا و هذه الشبهات لاتقابل الثابت بالشرع الثابت حقيته فلا مجال لها في قلوب المؤمنين المسلمين .

نجم قد يشكك الابالسة في صدور المتوسطين انه كيف يمكن ان يدخل الله هذا الخلق الكثير النار و لم‌يك بناج غير هذه المؤمنين المعدودين فاقول لهم ان الله سبحانه خلق الخلق حيث خلقهم غنيا عن طاعتهم آمنا بمعصيتهم لاتنفعه طاعة من اطاعه و لاتضره معصية من عصاه و انما خلقهم جودا و كرما و هداهم الي مصالحهم رحمة و فضلا لايجزي من اطاعه رضاء من ذاته و لايغضب علي من عصاه سخطا من نفسه بل خلق الخلق و جعل فيها اسبابا و مسببات و الزم المسببات الاسباب الا ان يشاء تخلفها عنها و انما ذلك ايضا باسباب اخر فانه ابي ان يجري الاشياء الا باسبابها فخلق النار و جعلها سبب الاحراق و الدنو منها سبب الاحتراق و السكين و مسه سبب القطع و السطح و الوقوع منه سبب كسر الاعضاء و السم و شربه قاتلا و الدرياق و شربه مخلصا و هكذا كل ذلك لحكم عديدة يطول الكتاب بذكرها ثم هدي خلقه الي اسباب الراحة و اسباب التعب و اسباب النجاة و اسباب الهلاك و مكنهم من اختيار النوعين فمن القي نفسه في النار احترق و من طرح نفسه في البحر غرق و من شرب السم مات و من شرب الدرياق تخلص و ليس الله يشفي غيظه باهلاك هالك و لايرتاح بانجاء ناج و انما هي اسباب مخلوقة و مسببات لازمة فالله سبحانه لايظلم الناس شيئا و لكن الناس انفسهم يظلمون فاي عجب من ان قوما اهلكوا انفسهم بايديهم و اي منكر في ذلك يكون سبب الشبهة هذا و ان جميع الناس ليسوا ممن وجب عليهم النار فان في الناس مستضعفين لم‌يبلغهم الدعوة و لم‌يعرفوا الخير و الشر فلله فيهم المشية الي ان تبلغهم في الدنيا او في الآخرة فينظر كيف يعملون و ان الله سبحانه لم‌يجعل للناس اداة ينالون بها المعرفة من دون ان يعرفهم و لو كان ذلك كذلك لم‌يبعث اليهم الرسل و لم‌ينزل عليهم الكتب و هو يقول و ماكنا معذبين حتي نبعث رسولا فما لم‌يتم الحجة عليهم لم‌يكلفهم و ما لم‌يكلفهم لم‌يأخذهم و هو يقول لايكلف الله نفسا الا ما آتيها و في آية وسعها و ليس في وسعهم معرفة الخير و الشر بانفسهم و قال معاذ الله ان نأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده انا اذا لظالمون و تعالي الله عن ذلك فارتفع الشبهة باذن الله عمن سبق له من الله العناية و الحسني . نجم قد يشكك ابليس في قلوب الضعفة فيما ورد عن الشارع من احوال القبر و سؤال منكر و نكير و املاء رومان فتان القبور و ضغطة القبر و سعته علي المؤمنين و ضيقه علي الكافرين بأن المحسوس من احوال القبور غير ذلك فنرفع شبهتهم بحول الله و قوته ان السؤال يقع عن الروح في الجسد الاصلي الذي في الجسد العرضي لا عن الجسد العرضي فلا غرو ان لم‌تدركوا ذلك باعينكم العرضية و كذلك املاء رومان للروح في الجسد لا للجسد الاترون انكم تقومون في منامكم و تمشون و تسافرون و ترون انفسكم في ضيق و سعة و نعمة و زحمة و سرور و حزن و يتألم اجسادكم او يستر و يتأثر و اجسادكم في مضاجعكم لايري الناظر اليها ما ترون في منامكم فاي عجب ان لايري الناظر الي الجسد في القبر شيئا مما ذكره الشارع الصادق المصدق فان المعاملة مع روحه في جسده كما ان معاملات منامك مع روحك في جسدك فيفسح لروحه في قبره و يضغط روحه في قبره و قبره ما فيه جسده الاصلي لا العرضي و هو عناصره الاصلية التي يودع فيها جسده و هذا القبر العرضي لا دخل له بالمقام كما انك تري في منامك نفسك في ضيق و ضنك او بستان وسيع و لا دخل لمضجعك في ذلك فلو لم‌يعقل احد معني المنام و اصبحت تقص رؤياك له تعجب من قولك كما تعجبت من قول الشارع و يضحك من قولك كما تحس الخلاف في قلبك من هذه الاقوال و يضحك شيطانك و مهما احس قلوبكم بالريبة في شئ من جزئيات الشرع فجددوا الكليات في قلوبكم قبل ان يصير الريبة شكا فيصعب خروجه و زواله ان الذين آمنوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون و ذكر تجديد الايمان في القلوب هو الاصل و الاذكار اللفظية تعبير عنها فتبصر .

السماء السابعة

في رجم الشياطين المشككة في قلوب الضعفاء في اكابر الشيعة و الاولياء الكاملين و العلماء الراسخين الذين علي وجودهم تدور رحي العالم و عليهم اظلت الخضراء و لهم اقلت الغبراء و لهم خلق ما سويهم و في هذه السماء ايضا نجوم راجمة للشياطين :

نجم اعلم ان الله سبحانه حكيم و لم‌يخلق الخلق عبثا و لغوا و انما خلقه للحق و بالحق و علي الحق و ذلك الحق المخلوق لاجله العالم هو المعرفة و الغرض من تعلق مشيته بالخلق ايجاد اهل المعرفة لا غير فلايقبض قبضة للايجاد الا و مراده منه ايجاده لان يكون من اهل المعرفة الا انه لما كان ايجاده بالاسباب الدائرة علي الفاعل و القابل اللذين هما بسر الاختيار الربوبي في الخلق يعالج تلك القبضة ليصير من اهل المعرفة فان اقعدها عائق عن بلوغ الغاية تقعد في اثناء الطريق و لاتصل الي منتهي الغاية المقصودة من اخذها كما انك تزرع للحب فان عرضه عارض فلم‌ينبت او نبت فعرضه عارض فلم‌يستو علي ساق او عرضه عارض فلم‌ينعقد الحب فانما ذلك من جهة العوائق العارضة و الا فاصل الزرع لحصول الحب و لولا ذلك الغرض لم‌تزرع ابدا و كما خلق الله النطفة لان تصير انسانا فان سقطت قبل ان تصير علقة او مضغة او عظاما او لحما او ينفخ فيه الروح فانما ذلك لعارض عرض بحكم الاختيار في القابل و الغرض خلق الانسان و لولا ذلك الغرض لم‌يخلق النطفة فكذلك غرض الحكيم من ايجاد هذا العالم وجود المؤمن الكامل العارف فيدير السموات و يسكن الارضين و يركب البسايط لاجل ذلك فمنها ما اذا تركب اقعده العرض بعد ان صار جمادا و منها ما يقعده العرض بعد ان يصير نباتا و منها ما يقعده العرض بعد ان صار حيوانا و منها ما يقعده العرض بعد ان صار انسانا صبيا و منها ما يقعده العرض بعد ان بلغ و منها ما يقعده العرض فيبقي مستضعفا و منها ما يقعده العرض فيبقي شاعرا غير مؤمن و منها ما يقعده العرض فيكون انسانا مؤمنا و منها ما يقعده العرض فيكون انسانا مؤمنا عالما و منها ما يقعده العرض فيكون حكيما و منها ما يقعده العرض فيكون نجيبا جزئيا و منها ما يقعده العرض فيكون نقيبا جزئيا و منها ما يقعده العرض فيكون نجيبا كليا و منها ما لايعرضه عارض حتي يبلغ منتهي الغرض من خلقه العالم و هو مقام المعرفة و ظهور الفؤاد الذي هو نور الله و مثال الله فيكون مثل الله سبحانه كما في القدسي يا بن آدم انا رب اقول للشئ كن فيكون اطعني فيما امرتك اجعلك مثلي تقول للشئ كن فيكون ، و هو مقام اشار اليه في آخر ان العبد يتقرب الي بالنوافل حتي احبه فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و يده التي يبطش بها و رجله التي يمشي بها الخبر ، و هذا هو غاية الخلق المشار اليها في قوله كنت كنزا مخفيا فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق لكي اعرف ، فالخلق العارف بالحق هو من ظهر فيه مشعر المعرفة و هو الفؤاد فهو غاية الغايات و نهاية النهايات و هي العبادة المقصودة في قوله ماخلقت الجن و الانس الا ليعبدون فقبض قبضة الخلق للعبادة و المعرفة و لكن لم‌يقبل التدبير الي الغاية الا العابد العارف لان الامر كان بالاختيار و لولا ان الغاية منظورة لماقبض الحكيم قبضة فلو علم الله سبحانه انه لاتحصل الغاية في عصر من الاعصار لكان خلقه من في ذلك العصر لغوا و عبثا فلا بد و ان يكون في كل عصر من يكون بالغا حد الغاية كاملا عارفا بحقيقة المعرفة عابدا بحقيقة العبادة لئلايكون الخلق عبثا و بفضل ذلك الغرض يعيش ساير الخلق البتة اذ لولاه لم‌يقبض الحكيم قبضة لهم و ان قلت الحكيم اذا علم ان تلك القبضة لم‌تبلغ المنتهي فلم قبضها قلت قبض الحكيم قبض واسع و دعوته دعوة عامة و نداؤه نداء شامل و تعلق فعله تعلق كلي من جهة و ماقبض و مادعا و مانادي و ماتوجه بفعله الا لقبض الكامل علي العموم فمن الخلق من ينقبض و يجيب و يلبي و ينفعل قليلا و منهم من ينفعل كثيرا كما ان الشمس تنادي الارض بالصعود لتبلغ الدرجة القصوي لأنها تنادي بحسبها لا بحسبها اي بحسب الارض و لكن اجزاء الارض تجيب بحسبها اي بحسب الاجزاء لا بحسبها اي بحسب الشمس و لايصعد الي الغاية الا البخار الدخاني و لولا علمها بصعود البخار لمادعت و هذا هو باطن الوضع الخاص و الموضوع له العام فتفهم فالله سبحانه يريد ان يخلق الكامل و ينخلق خلق كثير ناقصون و لولا علمه بانخلاق كامل لماخلق فلما دعا دعوة عامة اجاب كل بحسب ما فيه فتفهم فانه مشكل مشكل و قد اسقيتك ماء غدقا فالكاملون في كل عصر موجودون و لهم خلق جميع الخلق و الكل نواقص وجوده قائمون به فكيف يجوز انكار كامل في الدنيا و ان قلت ان الكامل هو الامام و جميع ما قلت جار فيه قلت ان الامام هو الشمس الداعية و محل المشية الفاعلة و ليس بمجيب دعوة الداعي و ان قلت فاذا هم الانبياء قلت انهم المبلغون دعوة الداعي الي القابلين و روابط بين الفاعل و القابل و لذلك ارسلوا الي الخلق و دعوا الي الخالق و لاجل ذلك كلفوا المعرفة و دعوا اليها اتري ان الناس كلفوا بما لاينالونه او بما ينالونه فان كلفوا بما ينالونه فينالونه و هو الغاية في خلقهم و تكليفهم لايكلف الله نفسا الا وسعها ، فهم يسعون المعرفة و العبادة البتة و هما الغاية المقصودة و ينالونها بتوفيق الله سبحانه فالكاملون موجودون في كل عصر ابدا و لولاهم لماقامت الدنيا و ما فيها فسلم لهم بخالص طويتك و صافي فطرتك تفز بما فاز به الفايزون ان شاء الله .

نجم اذا عرفت ان الكاملين موجودون في الدنيا في كل عصر و اوان و لايخلو الزمان منهم و هم العلة الغائية من خلق العالم و توجه المشية الي المشاءات و دعوة الانبياء و المرسلين و لولاهم لماقام العالم فاعلم انهم اقرب الخلق الي الله سبحانه فانهم قد وصلوا الي اقصي درجات الايمان التي جزاؤها غاية القرب فهم السابقون المقربون اصحاب الزلفي و المنزلة و من سويهم دونهم علي حسب درجتهم و سبقتهم الي الايمان و تأخرهم في الاجابة فلايصل الي الاقصين فيض الا بواسطة الادنين و لايصل الي الاقصين ما يصل بواسطة الادنين من جنس ما يصل الي الادنين بل يصل الي الادنين ما يصل فلهم صوافيه و خوالصه و لبه و يصل الي الاقصين بواسطة الادنين قشور ما وصل اليهم و اكداره و مشيباته كما روي ان التسنيم يشربه المقربون صرفا و ساير المؤمنين ممزوجا انتهي ، لأنهم لايتحملونه لغاية حرارته او برودته علي الاعتبارين اعتبر من قوله عليه السلام لو علم ابوذر ما في قلب سلمان لكفره و في اخري لقتله و الضمير المفعول راجع الي ابي‌ذر و الفاعل راجع الي ما في قلب سلمان ، بالجملة ساير المؤمنين لايقدرون علي ادراك ما يدركه المقربون و انما لهم قشور ذلك و ظواهره او قشور قشوره علي حسب قربهم و بعدهم و كذلك لايصل الداني الي الاعلي ابدا و انما مرجعه الي العالي الواسطة بينه و بين الاعلي فلايعرف الداني الا ما برز اليه من العالي و لايرجع الا الي العالي .

نجم هنا فائدة دقيقة و هي ان الله سبحانه خلق الانسان انموذج العالم الكبير و فيه من جملة ما في العالم فذلكة و خلاصة و حصة و قبضة فاذا كمل الانسان و بلغ مرتبة الكمال و استنار جميع منازل وجوده و اطراف كينونته فانما هو مستمد بجميع انحاء المدد لايذر نوع خير من الخيرات الا و يستمد من مبدءه و يمده مبدؤه به فهو كامل المراتب تام المقامات مستنير الجهات فيفيض الي من دونه جميع انحاء الفيوض و ان كان في عرضه احد آخر مثله في المقام فان التميز بينهما مستهلك في جنب الاحدية الظاهرة فيهما اذ لاينظرون اليه و لايعملون بمقتضاه و هم لايصبغون المثال في هويتهم بل يحيلون الهوية الي مثالهم و ليست تبقي فيهم الا بقدر الاستمساك و الشخصية فلا حكم لجهة تميزهم لهم فليس ان كل واحد منهم يختص بشئ ليس ذلك الشئ في غيره و لم‌تستنر تلك الجهة فيه ألاتري ان كليهما معتقدان بالتوحيد و فروعه جميعا و بالنبوة و فروعها جميعا و بالولاية و فروعها جميعا و بشرايع الاحكام كملا و العلم بالحقايق علي ما هي عليه في الخارج و كلاهما ذو فؤاد و عقل و نفس و جسد و بلغا غايات ذلك و استنارا بكلهما فليس شئ يختص به احدهما دون الآخر نعم ربما يكون في واحد جهة اغلب في الجملة بقدر التمييز لايفقدها غيره و ليست بناقصة فيه بل في كليهما كاملة الا ان في احدهما هي اكمل فجميع ما يحصل من واحد يحصل من الآخر كآل‌محمد عليهم السلام فانهم متعددون شخصا متحدون نورا و المقربون ايضا مختلفون شخصا متحدون نورا و هو معني مثل اصحابي كالنجوم بايهم اقتديتم اهتديتم و بالنجم هم يهتدون اولئك الذين هدي الله فبهديهم اقتده ، فتدبر فيما ذكرته لك علي رمز و اغلاق و سلم تسليم العبد المفتاق لمعناه المقصود فانه شاق .

نجم اذا عرفت انهم السابقون الذين لايصل اليك شئ الا بهم و لاينزل اليك بركة و لا نعمة و لا فيض و لا خير الا بهم و هم اصل كل خير و معدنه و مأويه و منتهاه و هم محال نظر الحكيم و قصده من ايجاد العالم فهم اولياء النعم و اسباب وصول النعم اليك و شكر المنعم واجب عقلا و شرعا و شكره لايمكن الا بمعرفته فهي واجبة و تولاهم لازم و البرائة من اعدائهم متحتمة قال سبحانه اشكر لي و لوالديك الي المصير فالتوجه اليهم فريضة فان من اعرض عنهم ليس يصل اليه مدد خير و من توجه الي اعدائهم فادبر عنهم فقد توجه الي الشيطان و ادبر عن الله سبحانه فيستمد من الظلمة و سجين و يسير اليه و يهلك فانهم في عليين و جهة الرب و اعداؤهم في سجين و جهة سجين فاعداؤهم هالكون مخلدون في نار جهنم و اولياؤهم ناجون مخلدون في الجنة اذ هو بالسير اليهم يسير الي الجنة و الجنة فيض صوافيها لهم و قشورها له بهم فمنهم يستفيد النعيم و بالادبار عنهم يستحق الجحيم فمن لم‌يشكر ولي نعمته لم‌يشكر ربه لما روي من لم‌يشكر العبد لم‌يشكر الرب . نجم قد يشكك الشيطان للانسان ان الاولياء سلام الله عليهم ليسوا بكليين المالئين جميع اقطار الوجود فكيف يكون جميع ما بالناقصين من نعمة منهم او لعله كل نعمة من بعضهم و جميع النعم من جميعهم فلايجب علي الناقصين شكر واحد منهم علي جميع النعم فاقول لهم انهم جميعا نور واحد و روح واحد و طينة واحدة و ما فيهم من الحدود و المميزات مستهلكة في جنب وحدتهم لا حكم لها ابدا و لاجل ذلك لايخالف بعضهم بعضا في شئ و هم علي تعددهم متحدون فلاجل ذلك هم كليون قد اضمحل فيهم جهة الشخصية و لذا يقدر كل واحد منهم علي التصرف في جميع ما يقدر علي التصرف فيه الآخر نعم يكون التفاوت في الاكملية و الكاملية فما ينزل علي احدهم ينزل علي الآخر و ما يبرز من احدهم يبرز عن الآخر كما ان آل‌محمد عليهم السلام متعددون متحدون كليون الا ان التفاوت هناك اقل و هنا اكثر فكل واحد منهم اهل لجميع ما الآخر اهله فهم كليون و من كل واحد منهم كل فيض و لذا روي بايهم اقتديتم اهتديتم و قس الباطن بالظاهر اليس انك اذا اخذت من اي فقيه عدل اجزأك و اليس ذلك الا لاجل انهم كلهم جميعا راوون عن امام واحد و اليس جميع الائمة يروون عن نبي واحد و اليس النبي يروي عن الله الواحد فاذا بلغ الكامل مبلغا يحكي ما وراءه و لايصبغه بصبغ جزئيته فما وراءه واحد و كل واحد منهم يحكي ذلك الواحد و ذلك الواحد مفيض كل نعمة فكل نعمة من كلهم فايهم شكرت شكرت الآخر و ايهم عرفت عرفت الآخر و الي ايهم توجهت توجهت الي الآخر فان الذي تريده ظاهر من كل واحد بكله ، فافهم فقد اسقيتك ماء غدقا و اشكر الله بشكر مواليك و اعلم ان جميع ما بك من نعمة فمن مواليك فاعرفهم و اشكرهم و ان لم‌تشكرهم فقد عصيت و خالفت الفرض الي العصيان و الكفر فانا هديناك السبيل اما شاكرا و اما كفورا فتفطن .

نجم قد يوسوس الشيطان للانسان بأن الاولياء ان كانوا لايعلمون ابدا ضماير العباد دائما و لايحيطون خبرا بجميع احوال من دونهم دائما فكيف يمدون من دونهم و كيف ينفع الاستمداد منهم و ان كانوا يعلمون اذا ارادوا فكيف الامداد حال كونهم لايعلمون و كيف ينفع الاستمداد في تلك الحال و ان قيل انهم يعلمون ابدا جميع احوال جميع من دونهم فلايساعد الادلة ذلك و يلزم ان لايكونوا جاهلين بشئ و الانبياء عليهم السلام لم‌يكونوا كذلك هذا سليمان لم‌يعلم ما علمه النملة و الهدهد و موسي لم‌يعلم ما علمه خضر و هو اعلي منه و اعظم و الانبياء ماكانوا يعلمون بامور في امتهم حتي ينزل عليهم الوحي فيها فكيف يعلم الاولياء جميع احوال جميع من دونهم فنقول لهم ان من الاشياء امورا تكميلية واسطية و امورا تأثيرية ايجادية فاذا كان شئ سبب وصول مدد الي ما دونه الذي ليس باثره فلايجب ان يكون شاعرا به بشعور تأثيري ايجادي الاتري ان الحيوة توجد في القلب و منه تسري الي جميع الاعضاء و لايحيط القلب بالاعضاء علما و خبرا و القوي النباتية تنشأ في الكبد و تسري منها في الاعضاء و لاتحيط بها خبرا بل انت تصدر من جسدك العرضي افعال يقينا و لاتعلم كيفية صدور الفعل منه بل حار في صدوره افهام الحكماء و ان كنت تشعر بنفس الفعل و يبصر و يسمع و يذوق و يشم و يلمس و لاتعرف كيفية هذه الاحساسات بل حار فيها الحكماء الماهرون و ان كنت تشعر بنفس الاحساس مع ان جميع حواسك مستمدة منك و انت ممدها و المدرك بها و انما ذلك لاجل ان الجسد العرضي ليس منك و لا اليك و انما هو مستمد منك و انت ممده و منها امور تأثيرية ايجادية تكوينية فانت تشعر بها و ما لم‌تشعر بها لاتصدر منك فلاتصدر منك الصلوة ما لم‌تنوها و لاتصدر منك الصدقة ما لم‌تقصدها و لاتتكلم ما لم‌ترده فانت تحيط بما يصدر منك خبرا و انت فاعله البتة فليس الاستشعار شرط كون الشئ سبب الامداد و يدا للممد العالي و آلة له البتة و لايجب استشعار الآلة بما يفعل بها كما لايشعر القلم بما يكتب به و لا اليد و انما تشعر به انت فما كان من الامداد تجري الي الخلق بآلية الاولياء تكميلا و تربية لايجب استشعارهم بمن يستمد منهم و علمهم باحواله الاتري انك تدرس مثلا و خلف الحايط رجل يتعلم منك و ان لم‌تعلم باحواله و انما اللازم علمك بما تقول لانه اثرك لا علمك بالمتعلم لانه ليس من اثرك فكذلك الاولياء يعلمون بما وصل اليهم و ما خرج عنهم من المدد و لايجب ان يعلموا بمن يستمد و ليس كينونته بايجادهم و من اثرهم و لايجب ان يعلموا كيف ينصبغ المدد في من يستمد نعم يعلمون صرف ما يخرج عنهم لانه منهم و يجب علي المستمد ان يتوجه الي الممد للاستمداد و الاخذ و ان لم‌يعلم الممد بحاله فما لم‌يتوجه المتعلم اليك و لايحضر مجمع درسك لايتعلم فعليه الحضور و ان لم‌تعلم به البتة فالسابقون في الوجود اسباب الامداد و آلات لايصال الامداد الي من دونهم و كينونة من دونهم ليست من صنعهم و ايجادهم و الا لفني من دونهم بموتهم و لمرضوا بمرضهم و لتحولوا عن حالهم بتحولاتهم و ذلك خلاف المحسوس و ان قلت كذلك الخلق لايموتون بموت الحجج مع انهم مؤثرون باقرارك قلت هم ليسوا بمؤثرين في مقام البشرية فبفناء بشريتهم ليس يفني من دونهم و اما حقيقتهم فهي وجه الله الباقي و بابقائهم يبقي من دونهم و القول الفصل ان المؤثر يحيط باثره و لايجب ان يطلع عليه غيره و المكمل لايجب ان يطلع علي المتكمل ، نعم هو مطلع علي نفس تكميله الذي هو اثره و ما لم‌يتوجه المتكمل الي المكمل و لم‌يقترن به لايتكمل البتة و جميع من دون الاولياء متكملون بفضل كمالهم لا آثار لهم فلايجب ان يطلعوا علي المتكملين بل يجب علي المتكملين التوجه الي المكمل للتكمل و ذلك بديهي كما تري ان الانسان بملازمة الجواد يصير جوادا بل بالفكر في احواله و ان لم‌يعاشره ظاهرا و الجواد لايحيط به ، فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان عدم علم الاولياء لايمنع من الانتفاع و عدم حضورهم يمنع و كذلك حال الامة مع الحجج في مقام البشرية و لايجب ان يكون بشريتهم في جميع الحالات مطلعة علي جميع الرعية و ان كانوا بحيث اذا ارادوا علموا و اما في مقام المؤثرية لو غفلوا عن الآثار لفنيت البتة و اما الاولياء فلهم مقام البشرية لأنهم من البشر و ليس لهم مقام المؤثرية فليس وجود الخلق قائما بتوجههم و ان قلت كيف يعقل ان يكون رجل واحد في مقام المؤثرية دائما عالما و في مقام البشرية غير عالم و نحن نري ان النفس ان كانت متوجهة الي شئ فنفسه و بشريته كلتاهما ذاكرتان و ان لم‌تتوجه فكلتاهما ناسيتان قلت هذا يصح في مراتب الانسان في مراتبه الانسانية الذي افاعيل ساير مراتبه من فعلياتها التي لاتوجد بالفعل الا بعد وجودها بالفعل في جسده و بشريته و الحجج في مقام البشرية ايضا كذلك و بشريتهم لها فؤاد و عقل و نفس مثل فؤادك و عقلك و نفسك و حالاتها كحالاتك و ليس المراد من البشرية نفس الجسم الزماني و اما مقام مؤثريتهم ليس من مراتب هذا البشر المساوق معك في مراتبك فلمقامهم ذلك شعور مستقل و اعمال و افعال مستقلة هو دراك بادراكه في مقامه و مقتضي بشريتهم ما ذكرت لك و مثاله للتقريب و آيته انك تصلي ببدنك و تقرأ و لايصدر من بدنك حال الا بعد حال و نفسك في عالمها تسافر و تعمل اعمالا غير ذلك و تتكلم مع اناس بغير كلمات الصلوة و بدنك مقصور علي اعماله فكذلك هم بشريتهم مع جميع مراتبها مقصورة علي مقتضيات البشرية و حقيقتهم عاملة باعمالها من التوجه و التأثير و عدم الغفلة عن شئ لكليتها النافذة في كل شئ ، فتدبر فيما قلت و اما الاولياء فمنتهي اذكارهم البشرية فجميع حالاتهم علي مقتضاها فهم مكملون لان البشر يكمل البشر لا مؤثرون لان الشئ لايؤثر في من هو في عرضه فالشكر الذي ذكرنا شكر تكميل قال الله سبحانه ان اشكر لي و لوالديك الي المصير بل شكر الحجج في البشرية ايضا شكر تكميل قال سبحانه انك لاتهدي من احببت و انك لاتسمع من في القبور ان انت الا نذير انما انت منذر من يخشيها لتنذر من كان حيا فتدبر فبطل شبهات المشبهين و خسأ الشيطان عن صدور المؤمنين ان شاء الله .

نجم ان للاولياء مرتبتين نقابة و نجابة و لكل واحدة منهما مقامان كلي و جزئي فمثل النقباء الكليين في العالم العرش و مثل النجباء الكليين الكرسي و مثل النقباء الجزئيين الشمس و مثل النجباء الجزئيين الافلاك الستة فالنجيب هو الذي سافر الاسفار الاربعة فسافر من الخلق الي الحق و اعتدل مزاجه و صح منهاجه و فارق الاضداد و هاجر الارضين و شارك السبع الشداد ثم سافر في الحق بالحق فحصل العلم باسماء الله و صفاته فوصل الي رتبة العلم بالله و اليقين به و المعرفة له و عمل بمقتضاها بلسانه و جوارحه و قلبه ثم سافر من الحق الي الخلق بالاستشراف اليها و النظر اليها بالأن و الحقيقة حتي ادرك و شاهد حقايق الاشياء علي ما هي عليه في نفس الامر بقدر الطاقة البشرية بالكشف و العيان ثم سافر في الخلق بالحق فاعذر و انذر و بلغ ما استودع و اطلع علي التفاصيل و اللمّ بعد الاجمال و الأِن فحصل العلم بالجزئيات فاذا بلغ هذه المرتبة فهو النجيب ان كان اسفاره كلية فكليا و ان كانت جزئية فجزئيا و لكل منهم مقام معلوم و اما النقيب فهو الذي بعد قطع هذه الاسفار و مشاهدة تلك الديار فني عن الخلقية و الكونية و تجاوز عن مقام الفؤاد فصار في جميع المراتب اسم الله سبحانه فكما ان المكونات صاروا انموذج الكليات الثمانية و العشرين و هي من الفؤاد الي الجسم سبع مراتب و من العرش الي الفرش ثلثة‌عشر و من الجماد الي الجامع ثمانية فتلك ثمانية و عشرون صاروا اولئك انموذج الاسماء المربية لهذه المراتب الكلية ففؤادهم اسم الله المربي للافئدة و عقلهم اسم الله المربي للعقول و هكذا فاذا وصلوا الي هذه المرتبة صاروا فعالين متصرفين في الوجود فحازوا الرياستين العلم و الحكم فالله سبحانه يفعل بهم ما يشاء و هم بامره يعملون فيفعلون بالله ما يشاؤن و لايشاؤن الا ان يشاء الله قال اطعني في ما امرتك اجعلك مثلي و المثل هو الصفة و الصفة هي الاسم فهم اسماء الله و صفاته و ان كانت دنيا لان الحجج عليهم السلام هم الاسماء و الصفات العلياء فمقام النقباء مقام خطير عظيم و هم في ذلك بين الكلية في جميع مراتبهم و مقاماتهم و بين الجزئية فهم اسم الله في بعض الاشياء و هم قادرون علي التصرف في بعض الاشياء بما اودعوا من اسمه و صاروا اياه فالنقيب الجزئي في مقام الكلية نجيب كلي و في مقام الجزئية نقيب جزئي فكل نقيب نجيب و لا كل نجيب نقيب و ليس هذا الكتاب مقام ازيد من ذلك و ان شئت التفصيل فعليك بكتبنا المفصلة فالنقيب هو الاعلي و منه يصل المدد الي النجيب و منه يصل الي ساير الخلق و لكل منهم حق معلوم و شكر معين يجب اداء شكرهم و لايصل الادنون الي النجيب و لا النجيب الي النقيب و السلام .

نجم ان السابق في الوجود سابق و المتأخر متأخر ابدا و لكل منا مقام معلوم و اما قول اميرالمؤمنين عليه السلام و ليسبقن سباقون كانوا قصروا و ليقصرن سابقون كانوا سبقوا فمعناه ان السابق في الوجود ذاتا لما نزل الي ادني مراتب النزول ثم اخذ في الصعود لا بد و ان يقطع درجة بعد درجة فيكون في اول سيره في المراتب الدانية فيمشي سريعا الي ان يتقدم علي الذي كان سايرا قبله واصلا الي رتبة اعلي فيتأخر حينئذ السابق و يسبق المتأخر لا ان المتأخر بالذات يصير متقدما بالذات فان السابق يسير حثيثا ابدا و المتأخر يسير بطيئا و لايلحقه فلكل منهم مقام معلوم و معني ان السابق اذا مات يقوم مقامه احد من اللاحقين ان اللاحق المخلوق من الدرجة العليا ذاتا الساير اليها يصل الي تلك الدرجة فيخلف السابق لا ان المتأخر بالذات يصير سابقا بالذات فالنقيب لايخلفه الا النقيب و النجيب لايخلفه الا النجيب و النائب لايكون الا من جنس المنوب عنه و الا لم‌يقم مقامه و لم‌يسد ثلمه و لاجل ذلك يجب ان يكون الوصي من جنس النبي و من طينته فتدبر ، بقي شئ و هو ان السابق اذا كان ظاهرا و مات لايجب ان يخلفه رجل مثله ظاهر بل ظهور الاولياء و خفاؤهم علي حسب مصالح الزمان فان لم‌يقتض المصلحة ظهور ولي يكون خفيا كما ان بعد الحسن بن علي العسكري عليه السلام اقتضي المصلحة خفاء الحجة فخفي ، نعم لاتخلو الارض من حجة اما ظاهر مشهور و اما خائف مغمور و كذلك الامر في الاولياء فلربما كان ولي ظاهرا فمات و قام بعده رجل بظواهر امره و هو دونه و خفي الخلف المساوي له في الدرجة لمصلحة من المصالح كما خفي الحجة اليوم و قام بظواهر امره العلماء و ليسوا مساوين له في الدرجة فلاتغتر بكل من يقوم بامر بعد ولي فتزعمه كالسابق حتما و اطلب العلامة فلعله دونه و قام بظواهر امره و خفي الاصل الخلف و هذا مزل الاقدام و لربما يغلو الجاهل في دينه و لاتغتر بأن يظهر القائم بظواهر الامر ما لم‌يظهره السابق من الاسرار فان اظهار الاسرار ليس من علامة المساوقة او الاشرفية الاتري ان العلماء يفصحون اليوم عن اسرار لم‌يفصح بها الحجج عليهم السلام في احاديثهم و ليسوا باشرف منهم فبهذا النجم ايضا يطرد ابالسة غالية عن قلوب المؤمنين ان شاء الله .

نجم السابق في الوجود سابق حيا و ميتا و جميع الامداد تصل اليه اولا ثم تنزل الي الادني البتة و لكن لا بد و ان يكون في كل عصر حي سابق يكون محل عناية الله سبحانه و محل نظره و لاجله يدير السموات و يسكن الارض و يكون العلة الغائية في بقاء العالم و لولاه لفني العالم البتة و لايكتفي بوجود السابق الفائت لانه كان علة غائية لثبات العالم في زمانه و اما الزمان الذي بعده لا بد و ان يكون فيه قلب له يكون مظهر الروح فيحيي به العالم و بالقلب الفائت لايقوم البدن الآتي لعدم الاتصال الجسماني فلا بد من قلب موجود في كل عصر منه ينتشر الحيوة في البدن الموجود و مرجع البدن في ذلك العصر ذلك القلب و هو الكعبة التي يدحي من تحتها و بابه الذي اليه يعرج منه ما يعرج و منه ينزل اليه ما ينزل و لا بد للبدن من معرفته و شكر احسانه و نعمته و الاستمداد منه و مراقبته و ترك الادبار عنه و ملازمة الاقبال اليه و للفائت التولي و التصديق و المحبة و الدعاء و الشكر للنعم السابقة و معرفة حقه و لايكتفي به و في ذلك ايضا قد ضل ضالون و حاد حادون و لو كان ذلك كافيا لماجاءت الرسل تتري و لماقام حجة بعد حجة مع ان حكم الحجج غير حكم ساير الناس فان ميتهم اذا مات لم‌يمت و ان قتيلهم اذا قتل لم‌يقتل و لهم مقام الجمع و بهم ملأ الله السموات و الارض حتي ظهر ان لا اله الا الله و اما ساير الناس فليسوا كذلك و اما قوله سبحانه لاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون فمعناه انهم احياء عند الله بروح الايمان و جميع المؤمنين احياء عند الرب يرزقون و مقتولون في سبيل الله و ان ماتوا علي فرشهم لقوله سبحانه الذين آمنوا بالله و رسله اولئك هم الصديقون و الشهداء عند ربهم فالتخصيص في مقابل الذين لم‌يقتلوا في طريق الولاية فهم اموات غير احياء و مايشعرون ايان يبعثون انك لاتسمع من في القبور ان انت الا نذير فالسابق الفائت لايكفي في تربية العالم بعد خلعه اللباس المشاكل للعالم و اعراضه عنه و صعوده عن هذه الدرجة و توجهه الي مبدئه ، نعم يدور عليه و علي امثاله رحي عالم المثال الذي هو فيه و لايسع الامثلة المقيدة بالاجسام بعد المستمدون من مثلهم الاكتفاء به فانه منقطع و هؤلاء غير منقطعين ، فافهم و تدبر في كلماتي الظاهرة التي لها بواطن مستورة تحت حجب ظاهرها .

نجم ان الله سبحانه حكم عدل و لايكلف نفسا الا ما آتاها و لايأخذ الا من وجد متاعه عنده و لايكلفه الا وسعه فاذا اظهر وليا و اقام الحجة البالغة علي كونه في اي رتبة و مقام يكلف بمعرفة ما اقام عليه الحجة و يسأل العباد عنه و ان لم‌يظهر فلا اذ لم‌يجعل لخلقه الضعفاء اداة ينالون بها المعرفة و لايسعهم ذلك و ماكنا لنهتدي لولا ان هدانا الله و ماكنا معذبين حتي نبعث رسولا و لله الحجة البالغة و هي تعريف الجاهل حتي يعرف كالعارف و ماكان الله ليضل قوما بعد اذ هديهم الي سابق معروف حتي يبين لهم اللاحق و يعرفه فهناك قد هداه السبيل اما شاكرا فيهديه بايمانه و اما كفورا فيلعنه بكفره و يضله عن سواء السبيل و اما اذا لم‌يظهر الولي فلايجب علي احد معرفته ماجعل عليكم في الدين من حرج و لايمكنهم طلبه و الفحص عنه يريد الله بكم اليسر و لايريد بكم العسر ، فالاولياء هم اسماء الحجة و صفاته و قد اخفي الله سبحانه اسم الحجة في زمان الغيبة و حين علا فرعون في الارض و جعل اهلها شيعا خوفا من فرعون و ملأه ان يفتنهم و قد وردت اخبار بتحريم تسميته بل روي صاحب هذا الامر لايسميه باسمه الا كافر و روي انكم لاترون شخصه و لايحل لكم ذكره باسمه و في حديث ان دللتهم علي الاسم اذاعوه و ان عرفوا المكان دلوا عليه ، فاذا اراد الله سبحانه بماضية مشيته اخفاء صفة الحجة و اسمه و كفر مسميه فلم‌يرد في هذه الايام من العباد ان يعرفوه و من الذي يقدر علي اظهار ما اراد الله حجبه و علي الاطلاع علي ما اخفاه الله فليس العباد اليوم مكلفين بالاسم الخاص و ان كانوا مكلفين بالاقرار به و الايمان له و ان كان التكليف الاولي الواقعي وجوب معرفته الا ان النفس الامري الثانوي عدم الوجوب فما يتعبون اصحابنا انفسهم بطلب الاسم فانما يظلمون انفسهم و يريدون ما لايريده الله و لايكون ذلك ابدا فاذ لم‌يعرف الولي نفسه بامر الله و لم‌يعرفه الله و لم‌ينص عليه الحجة و الولي السابق و ليس للناس اداة ينالون بها المعرفة فاني يمكنهم ذلك و ما يدعونه من المعرفة فكله خال عن الحجة التي اذا اقامهم الله علي الصراط و قال لهم آلله اذن لكم ام علي الله تفترون يقيمونها ان يتبعون الا الظن و ان هم الا يخرصون و قد اخذ عليهم ميثاق الكتاب ان لايقولوا علي الله الا الحق و ان لايقولوا ما لايعلمون قال سبحانه و لاتقف ما ليس لك به علم ان السمع و البصر و الفؤاد كل اولئك كان عنه مسئولا فما ذكرنا سابقا من وجوب معرفة السابق و شكر نعمته و ساير الاحكام فانما هي حكم اولي لا ثانوي ، نعم لو ارتفعت الموانع يكون الحكم ذلك و يكفي المؤمنين اليوم الاقرار بهذه الاحكام و امثالها و هذا ايضا درجة علية لهم لاينالها الا من اخذ الله ميثاقه بالايمان و حباه به و كتبه في قلبه و ايده بروح منه فسلم له و اشكر الله عليه .

السماء الثامنة

في رجم بعض الابالسة الموسوسين في قلوب المؤمنين في امر الاخوان و انا و ان كتبنا في هذا الامر رسالة منفردة سميناها بابواب‌الجنان و فيها كفاية و بلاغ الا انا احببنا ان لايخلو كتابنا هذا من ذكر منه فانه من تمام اركان الايمان ففي هذه السماء ايضا نجوم درية مشرقة ثاقبة .

نجم اعلم ان العالي و ان نزل الي رتبة الداني للايصال و الابلاغ الا انه مع ذلك في اكمل اوصاف الرتبة الدانية و اشرف مقاماتها و ليس للداني معه تشاكل شخصي و ان كان له معه تجانس في الجنس و تماثل في النوع الا انه لعدم التشاكل معه لايستأنس به كل الاستيناس و لاينتفع منه كل الانتفاع و لايكتسب منه كل الاكتساب الاتري ان الاطفال لايستأنسون بالكبار و لاينتفعون منهم و لايكتسبون عنهم كما ينبغي و يستأنس بعضهم ببعض كل الاستيناس و ان كان في احدهم خلق حسن ينتفع منه الآخر اسرع و يكتسب منه في اقل زمان و كذلك الجهال بالنسبة الي العلماء و العوام بالنسبة الي الخواص و النساء بالنسبة الي الرجال و الفساق بالنسبة الي العدول و ذلك امر بديهي في جميع الفرق و الاصناف حتي ان الناس اذا ارادوا تعليم البَبَّغٰاء يواجهونه بمرآة حتي يري شكله فيها و يكلمونه من ورائها حتي يزعم الكلام مما يري من شكله فيتعلم و ذلك ان الطبع اذا رأي خصلة في شكله يحتمل صدورها منه فيرغب اليها و يعمد اليها و اذا رآها في غير شكله لايحتمل صدورها منه و يستبعده فلايهيج نفسه اليها البتة فلاجل ذلك اقتضي تدبير الحكيم ان يكون بين الكاملين و الناقصين اخوان متشاكلون و يكونوا اكمل من الناقصين من وجه و مثلهم من وجه حتي يستأنس بهم النفوس الناقصة و تكتسبوا منهم اخلاقا حسنة فلاجل ذلك حتم في التدبير عادة عدم استكمال ناقص الا بكامل و واسطة بين الناقص و الكامل و هو المراد بالاخ الذي يجب للمؤمن المستكمل ان يواخيه و يعاشره و هو الاخ المساوي لك و تربك الذي لا بد لك من مؤاخاته و معاشرته و اداء حقوقه و هو اشد التصاقا بك من اخيك الجسماني الذي من ابيك و امك فان الجسم الدنياوي العرضي ليس منك و لا اليك و كذا اخوك العرضي و يومئذ لا انساب بينهم و يوم القيمة يفصل بينكم و يفر المرء من اخيه و ينقطع الانساب الا نسب الذات فحقه اعظم من حق اخيك الجسماني بسبعين مرة و ابواكم هما محمد و علي عليهما السلام بنص الكتاب و السنة فان كنت ابنهما فجميع ابنائهما اخوانك و لا بد لك من اداء حقهم و اما الكاملون فهم اخوتك الذين هم اكبر منك و خلفاء ابيك عليك و اما الذين هم انقص منك فهم اخوتك الذين هم اصغر منك و لكل من اخوتك حق قد ذكرته في ابواب‌الجنان فراجع .

نجم قد يوسوس الشيطان للانسان بأنه لايوجد اخ لك و جميع الناس اهل شقاق و نفاق فلاتستأنس باحدهم و استيأس منهم و فارقهم و استوحش منهم و لايريد اللعين بذلك الا ان يفردك عن المؤمنين فيكون تسلطه عليك اكثر و ذلك ان اقرب ما يكون الشيطان الي الانسان حين هو واحد و روي ان الواحد شيطان فاياك و اياه لاتغتر بوسوسته فاني انصحك نصيحة الناصح الشفيق و ايم الله ربي و ربك مارأيت شيئا انفع للسالك من كونه مع اخ له و ايم الله و ان لم‌يكن تربك فليكن اصغر منك فان سيدنا اميرالمؤمنين عليه السلام اذا اراد ان يصلي في بيت صلوته كان يصحب معه طفلا حتي لايكون وحده فاعتبر من فعله و هو هو فاصحب اخا كائنا ما كان حتي لايتسلط عليك الشيطان و ليكن متوجها الي حيث تتوجه قاصدا حيث تقصد فانك ان سافرت الي المشرق ليس صاحبك من يسافر الي المغرب و ليس المقصود صحبة الاجسام و انما هو صحبة الارواح فان وجدت طالبا ما تطلب فاغتنم صحبته فان النفوس تتقوي بعضها ببعض الاتري انك اذا فرقت ذرات النار انطفئت و اذا جمعتها تقوت و دامت و كذلك نار اشواق السالكين اذا كانت منفردة تسلط عليها برد الشياطين و تثبيطهم و اذا اجتمعت تقوت بعضها ببعض و انبعثت علي فعل الخيرات و دامت البتة و اني والله قد جربت ذلك و وجدتها كذلك و الانسان وحده لايقدر علي جنود الشياطين و وساوسهم فاذا اصطحبوا فر الشياطين عنهم و قلّت وساوسهم لاسيما اذا كان تواخيهم علي الذكر و اجتماعهم لذكر ما يطلبونه و يكون بناؤهم علي ذكر محاسن محبوبهم و طريقتهم و علي التشويق و الايقاف علي محاب المحبوب و مكارهه فاياك و اياك و اياك لاتمش خطوة بغير اخ موازر فانك صيد الشيطان في تلك الخطوة فاما ان تموت في يده و حباله او تبقي حيا اسيرا الي ان يلحقك العناية من الله اللهم اني اعوذ بك من التفرد في السلوك اليك و اعوذ بك من نزغات الشياطين و اعوذ بك ان يحضرون انك انت السميع العليم.

نجم ربما يوسوس الشيطان للانسان عند رؤيته من اخيه ما يكرهه العالي انه ليس باخ و لايجوز لي ان اواخيه هيهات هيهات هل الناقص الا من يصدر منه بعض الهنات و هل يوجد لي و لك اخ معصوم و هل ظننت برائتك من هن و هن اضعاف ما تري من اخيك الاتري ان من طلب اخا لا عيب فيه بقي بلا اخ فلايوسوسن في صدرك ذلك و تترك صحبة الاخوان بل لاتترك صحبتهم و ان رأيت منه سبعين كبيرة و استر عليه و اسع في تطهيره منها فان ثمرتك له ذلك و ثمرته لك ذلك و لولا دنسكم لم‌تكونوا محتاجين الي هذه الاخوان بل اياك و اياك ان تجعل للشيطان مسلكا في صدرك و احمل جميع ما تري من اخيك علي عذر و وجه حسن الي ان يأتيك ما لايحتمل العذر فان رأيت ذلك فاسع في تطهيره منه بلطائف الحيل نعم الذي يجب عليك مفارقته هو الذي يكون قويا في المكاره بحيث تنفعل منه و لاينفعل منك ابدا او يكون وجهته غير وجهتك و مسلكه غير مسلكك فانه لايوافقك البتة و اما اذا كان وجهته وجهتك و ليس فيه مكروه غالب فاصحبه و ليكن منك كيدك منك و لا بد حينئذ ان تواخيه و تعرفه مواخاتك معه و يعرفك مواخاته معك و تبنوا علي المواخاة و المماشاة حتي يساعدك و تساعده في الخيرات .

نجم اياك اياك ان تجعل ميزان الصلاح و الفساد اخلاقك فكل من لايوافق اخلاقك تقول انه ليس باخ لي فاني اري الناس كل احد منهم يقول اين الاخ الصديق و يريد انه لايوافقني فيما اريد و لعل العيب فيه بل اجعلوا ميزان الامر شيخكم و كبيركم و امامكم و نبيكم فكلما يوافقهم من خصالك و خصال اخيك فاحمدا الله عليه و ما يخالفهم فاعزما علي اصلاحه فكل من يطلب ما تطلب و يحب ما تحب و يتوجه الي ما تتوجه و يعزم علي طاعة من تطيعه فهو اخوك عاشره و ان خالفك في خصاله و اجعل الميزان خصلة الرئيس فان الله يقول و زنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير و احسن تأويلا و اصبر علي كل اذي يصيبك منه و اطلب رضاه في الخير ابدا و سامحه في المباحات و المكروهات و ترك المستحبات فان بلغ الامر الي المحرمات فامنعه عنها بلطائف الحيل فان سمع و الا فدعه و لاتضجر منه بذلك و اكره عمله و لاتترك الاخوة فان فيك من ذلك ايضا كثيرا كثيرا و اسع في صرفه عنها بلطائف الحيل و المداراة و حسن الصحبة و لاتكن كالمتسمين بالصلحاء المتقشفين المعجبين بانفسهم و اعلم ان الذي دعاه الي الحرام ايضا موجود فيك و هو النفس الامارة فان لم‌يظهر منك ذلك فبرحمة الله سبحانه لا بكمال و استقلال منك فان ذكرت نفسك و عيوبها لاتستوحش من عيوب اخيك استكبارا و عجبا نعوذ بالله و لاتترك مواخاته بالجملة لاتقطع من اخيك الا بانصرافه عن وجهتك حسب بل اغتنم صحبة المتوجه الي وجهك و لو صاحبك منزلا ثم فارقك و توجه الي غير وجهتك فان عدم التفرد يوما و عدم الوقوع في شباك الابليس يوما واحدا رحمة من الله سبحانه يجب عليك اغتنامها و الشكر عليها و هذا القدر من البيان كاف في هذه العجالة و ان اردت التفصيل فعليك بابواب‌الجنان و كتابنا الكبير ارشادالعوام و الله خليفتي عليك .

السماء التاسعة

في بعض الكليات في دفع الشكوك و الشبهات و الخطرات الفاسدات الواردة في الصدور من وسوسة الابالسة و فيها ايضا نجوم ثاقبة : نجم اعلم ان اكثر خلق الله سبحانه الملائكة فليس لله سبحانه خلق يساويهم في الكثرة الا الشياطين فانهم بعدد الملائكة و كل هذه الابالسة يدعون الي غير الله سبحانه و همهم اهلاك بني آدم بصرفهم عن الله سبحانه و عن محمد و آل‌محمد عليهم السلام و اوليائهم و متابعتهم فهم خلق لاينامون و لايكسلون و لايتهاونون في عملهم ابدا ابدا و هذه الابالسة في فراغ من الكفرة و المنافقين الذين هم شياطين الانس بل يستكثرون منهم و يتعاونون بهم و يسكنون فيهم و يجعلونهم حبالهم و عصيهم و ايديهم و آلاتهم في اضلال من يريدون اضلاله فلا هم لهم بالاضلال الا في المؤمنين من فرق الشيعة المخالفين لهم المعادين اياهم فان هم العدو في عدوه لا في وليه و كل من سوي المؤمنين اوليائهم و جنودهم و اعوانهم بطباعهم فما لهم فيهم من هم ابدا فالشياطين و اعوانهم من الانس كلهم دائبون في اضلال المؤمنين و اهلاكهم و صرفهم عن دينهم و كلما يشتد هم المؤمنين في ايمانهم يشتد همهم في صرفه و في دفعه و كلما يقل هم المؤمنين يقل همهم فيه فغاية سعي هؤلاء في دفع المؤمنين المجاهدين السالكين فلاجل ذلك يكثر وساوسهم و خطراتهم بخلاف الغافلين فانه لايأتيهم وسوسة و خطرة يكرهونها ابدا فشمر يا اخ عن ساق الجد و عض علي النواجذ و لاتسامح في انجاء نفسك من هذه المهالك و لاتتفرد في هذه المسالك و اسع في تدبير تنجو عن كيدهم و ضرهم و تخلص من اهلاكهم و شرهم و استعن بالله سبحانه و لاتغفل عن نفسك اذ لايغفل عدوك عنك و ليكن همك في الليل و النهار المجاهدة و تحصيل الاعوان و الانصار و الاسلحة و عدة الحرب و لاتزعم بعد ذلك انك تنجي نفسك بعد ذلك فان الله سبحانه هو المنجي و لولا فضل الله عليكم و رحمته مازكي منكم من احد و لاتبعتم الشيطان الا قليلا قل بفضل الله و برحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون.

نجم ان المحاربة في الباطن كالمحاربة في الظاهر بلا تفاوت فان المحاربة في الظاهر مع شياطين الانس و في الباطن مع شياطين الجن و للمحاربة اسباب احدها الاعوان و الانصار و اعظمها و اقويها الاخوان الانسية الكاملون فانهم رؤساء الجند و قواده و لولا الرئيس و القائد لتفرق الجند و غلب العدو فاطلب لنفسك رئيسا قائدا غازيا و اعوانا موافقين في قصد الجهاد و صولوا علي العدو باذن الله سبحانه قائلين ربنا افرغ علينا صبرا و ثبت اقدامنا و انصرنا علي القوم الكافرين حتي تهزموهم باذن الله و يقتل داودكم جالوتهم و تنجو من شرهم و اعلم انه لايجوز الفرار من الزحف و هو المعصية الكبيرة فان فيه تضعيف جند الله و تغليب حزب الشيطان فاذا احسست بالشيطان و جنوده فقابلهم باعوانك و اسلحتك و لاتولهم دبرك الا متحرفا لقتال او متحيزا الي فئة و تذكر قوله سبحانه اذا رأيتم الذين كفروا زحفا فلاتولوهم الادبار و من يولهم يومئذ دبره الا متحرفا لقتال او متحيزا الي فئة فقد باء بغضب من الله و مأويه جهنم و بئس المصير و اعوانك اخوانك و اسلحتك يقينياتك من الادلة القطعية و الذكر و اجعل ترسك و حصنك الولاية حتي لايعمل فيك اسلحتهم و يعمل فيهم اسلحتك و قاتلهم كافة كما يقاتلونكم كافة و يقول الله سبحانه و قاتلوهم حتي لاتكون فتنة و يكون الدين كله لله فلا غاية لجهادك و قتالك الا رفع الفتنة و الشبهة كلها و من الواجب ان لاتخافهم ان كنت مؤمنا كما قال الله سبحانه انما ذلكم الشيطان يخوف اوليائه فلاتخافوهم و خافون ان كنتم مؤمنين و ذلك ان الخبيث يأتيك و يقول لك انك قد كفرت و اشركت و يريد ليزلزلك و يوهن عزمك و يزل قدمك فتخاف من اجتماع الشكوك و الشبهات فاذا رأيت ذلك فتذكر قوله سبحانه انما النجوي من الشيطان ليحزن الذين آمنوا و ليس بضارهم شيئا الا باذن الله و قوله الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا و قالوا حسبنا الله و نعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله و فضل لم‌يمسسهم سوء و اتبعوا رضوان الله و الله ذو فضل عظيم و يقول الله سبحانه يا ايها الذين آمنوا اذا لقيتم فئة فاثبتوا و اذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون و اطيعوا الله و رسوله و لاتنازعوا فتفشلوا و تذهب ريحكم و اصبروا ان الله مع الصابرين فاذا رأيت الشيطان قد قابلك بفئته فاثبت علي اليقينيات التي ذكرناها و اذكر الله كثيرا لتفلح كما قال علي عليه السلام اذا لقيتم عدوكم في الحرب فاقلوا الكلام و اكثروا ذكر الله عز و جل و لاتولوهم الادبار فتسخطوا الله ربكم و تستوجبوا غضبه و اذا رأيتم من اخوانكم الرجل المجروح او من قد نكل او من طمع عدوكم فيه فقووه بانفسكم ، و اعلم ان الباطل لايقوم بازاء الحق الا و يزهق و يكون كلمة الله هي العليا و كلمة الذين كفروا السفلي ليحق الله الحق بكلماته و يبطل الباطل و اذا جاء الحق يزهق الباطل البتة فان الباطل كان زهوقا و هو كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الارض ما لها من قرار و لاتقاتلهم بقوتك و لاتكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا و رياء الناس و ان قتلت شيطانا فاعلم انك لم‌تقتله و لكن الله قتله فاحمد الله عليه و اشكره و لاتغتر بقوتك و تزعم انك انجيت نفسك بالجملة لا بد لك من قتالهم متوكلا علي الله فان لم‌تقاتلهم يقاتلوك و ان لم‌تقتلهم يقتلوك فخذ حذرك و اعد لهم ما استطعت من قوة و كن دائما ليلا و نهارا في حراسة بلدة صدرك و صيصية قلبك حتي لايسخروها و داوم علي قول ربنا لاتزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا و هب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب و علي قول آمنت بالله و برسوله و خلفائه و اوليائهم صلوات الله عليهم و توكلت علي الله فانه ليس للشيطان سلطان علي الذين آمنوا و علي ربهم يتوكلون و احسن ما وجدت قوله سبحانه قل هو ربي لا اله الا هو عليه توكلت و اليه متاب و هو يجمع الايمان و الاخلاص و التوكل و التوبة و الله سبحانه يحكي عنه لاغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين و الاكمل ان تعرف مرجع الضمير و تعرف ربوبيته و تخلص بنفي الانداد فتتوكل عليه باليأس عن غيره و تتوب اليه و تعلم ان ايابك اليه و حسابك عليه و قيل لابي‌عبدالله عليه السلام انه يقع في قلبي امر عظيم فقال قل لا اله الا الله و عن ابي‌جعفر عليه السلام قال شكا قوم لمما يعرض لهم لان تهوي بهم الريح او يقطعوا احب اليهم من ان يتكلموا به الي ان قال فقال و الذي نفسي بيده ان ذلك لصريح الايمان فاذا وجدتموه فقولوا آمنا بالله و رسوله و لا حول و لا قوة الا بالله و روي انه يأتي علي الناس زمان لا نجاة لاحد الا من تمسك بدعاء الغريق فسئل عنه فقال يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلب القلوب ثبت قلبي علي دينك و عن النبي صلي الله عليه و آله في وسوسة الصدر و الدين توكلت علي الحي الذي لايموت و الحمد لله الذي لم‌يتخذ صاحبة و لا ولدا و لم‌يكن له شريك في الملك و لم‌يكن له ولي من الذل و كبره تكبيرا و عن الصادق عليه السلام مر يدك علي صدرك و قل بسم الله و بالله محمد رسول الله صلي الله عليه و آله و لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم اللهم امسح عني ما احذر ثلثا بعد ان تمر يدك علي بطنك فان الله يذهب الوسوسة و التمني عنك و عنه عليه السلام شكا آدم علي نبينا و آله و عليه السلام الي الله كثرة الوسوسة فامره ان يكثر من الحولقة ففعل ذلك فزالت عنه و عنه عليه السلام عوذة اميرالمؤمنين عليه السلام لبلابل الصدر و وساوس الفؤاد ضع يدك عليه و قل بسم الله و بالله اللهم مننت عليّ بالايمان و اودعتني القرآن و رزقتني صيام شهر رمضان فامنن عليّ بالرحمة و الرضوان و الرأفة و الغفران و تمام ما اوليتني من النعم و الاحسان يا حنان يا منان يا دائم يا رحمن سبحانك و ليس لي احد سواك سبحانك اعوذ بك بعد هذه الكرامات من الهوان و اسألك ان تجلي علي قلبي الاحزان تقولها ثلثا ثم تصلي علي النبي و آله صلي الله عليه و آله و عن علي عليه السلام في حديث الاربعمائة اذا وسوس الشيطان الي احدكم فليتعوذ بالله و ليقل آمنت بالله و برسوله مخلصا له الدين و عن النبي صلي الله عليه نصرة الله تعالي لليهود علي المشركين بذكرهم لمحمد و آله الا فاذكروا يا امة محمد محمدا و آله عند نوائبكم و شدائدكم لينصر الله به ملائكتكم علي الشياطين الذين يقصدونكم فان كل واحد منكم معه ملك عن يمينه يكتب حسناته و ملك عن يساره يكتب سيئاته و معه شيطانان من عند ابليس يغويانه فاذا وسوسا في قلبه ذكر الله تعالي و قال لا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم و صلي الله علي محمد و آله خنس الشيطانان و اختفيا الخبر ، فهذه جملة من الاذكار الواردة عند دفع الشياطين و طردهم فان لكل حرب سلاحا و سلاح دفع الشيطان و حزبه ذكر الله سبحانه.

نجم اعلم ان الابالسة و الشياطين كلهم في جهة سجين و الحق و اهله من رسول الله صلي الله عليه و آله و الائمة الطاهرين صلوات الله عليهم اجمعين و انبياؤ الله صلوات الله علي نبينا و آله و عليهم و المؤمنون كلهم في جهة عليين و انت بكينونتك واقف بين عليين و سجين فان صرفت وجهك الي سجين رأيت الشياطين و حركاتهم و سمعت اقوالهم و ادركت وساوسهم و شعرت بشبهاتهم و وقع في مرآت حواسك اشباحهم و صورهم و ان اعرضت عنهم و صرفت بوجهك الي عليين مدبرا عن سجين ذكرت الله سبحانه و انبياءه و خلفائهم و اوليائهم و وقع في مرآت حواسك الاشباح الحقة و الكلمات الطيبة و المطالب العلية و كل حق و ماجعل الله لرجل من قلبين في جوفه يتوجه بهذا الي عليين و بهذا الي سجين ، فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر و تفكر و اعتبر ان الخطرات السيئة لاتخطر في قلب امرء الا ان ينسي ربه و الحق و اهله قال الله سبحانه و من يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين فلايوسوس ابليس في قلب الانسان الا عند العشوة عن الذكر فبالبداهة يكون علاجه الاعراض عنهم و التوجه الي الحق و اهله و هو قوله سبحانه الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون فلا علاج لطرد الابالسة و محو اشباحهم و اظلالهم و وساوسهم عن القلب الا بالاعراض عنهم و التوجه الي الحق و اهله و الا فما دام الانسان متوجها الي شئ يراه و الشياطين كفرة فجرة لازمون لوساوسهم و كلماتهم الخبيثة و كفرهم فما دمت متوجها اليهم تسمعهم يقولون ما تكره و تراهم يعملون ما تبغض و ان اردت تدبيرا و عملا يؤمن به الشياطين و يتركون اقوالهم و كفرهم فذلك مما لايكون فلاتطمع ما دمت متوجها اليهم في زوال الوساوس و الخطرات الفاسدة عن قلبك فمهما عرض في قلبك منهم شئ فاعلم انك عشوت عن الحق و اعرضت عن اهله و استحققت بذلك العقاب فقرنوا بك فاعرض عنهم عن فورك فانه توبتك الي الله سبحانه و التوبة هي الرجوع الي الله سبحانه فتب الي الله بالاعراض عنهم و التوجه الي الحق و اهله و هذا سر ما في الاخبار و مضامين تلك الاذكار و التوسل بمحمد و آله الطيبين الاطهار صلوات الله عليهم ما اختلف الليل و النهار فمن اراد النجاة عن تلك الوساوس و طهارة قلبه عنها فليدم التوجه الي الحق و اهله و ليعود قلبه الذكر و تذكر العقايد الحقة و العلوم الحقة و التفكر في الحق و اهله و صفاتهم السنية فبذلك يستنير القلب و يزول عنه ظلمة الكفر و الشك و الشرك و بقدر نسيانه الحق و عليين و اهله يحصل له ظلمة و ريب و شك فان داوم الانسان التوجه الي سجين و اهله و ما فيه تستأنس نفسه بها و تسكن و تطمئن الي ان ترضاها نعوذ بالله فلايتألم منها و حينئذ يحيط بقلبه الرين و يطبع عليه بالكفر فيتأذي و يتعذب اذا القي اليه شئ من الحق فلايرضاه بل يسخطه و يكرهه و هو قوله سبحانه اذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لايؤمنون بالآخرة و اذا ذكر الذين من دونه اذا هم يستبشرون نعوذ بالله من سخط الله فاغتنم الفرصة ما دمت تتأذي بوساوس الشياطين و اعلم انك من غير جنسهم حيث تتأذي بنفثهم و الا لكنت تستريح به فما دمت تتأذي اعرض عنهم و توجه الي الحق و اهله و بهذا العلاج تنكسر جنود الشياطين عنك في لمحة واحدة و ان كانوا الوفا فانه ليس الا اقبال و اعراض و هم لايزالون يطمعون فيك ما دمت تتوجه اليهم و لو بخائنة الاعين و اطراف حواسك و اما اذا اخلصت في التوجه الي الحق و اهله و ادمت ذلك حتي صار من طباعك و نسيت سجين بالكلية فحينئذ ييأسون منك و اعلم ان النفس من حيث الكينونة ليس لها قرابة مع اهل سجين و لا مع اهل عليين و انما هي حيوان خلق عوادا كيفما عودته تعود و اينما قدته ينقاد و علي اي شئ حملته يطاوع فقده الي الخير و الحق ينقد لك فقده الي الحق و اهله حتي يصير من طباعه بحيث لو خلي و طبعه توجه الي الحق فاذا صار ذلك ملكة له و من طباعه لايتوجه الي الباطل الا بتعمد و تجشم و تكلف فحينئذ يكون خالصا ييأس منه الشياطين و هو قوله سبحانه لاغوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين فتستريح حينئذ من كيدهم و مكرهم و خبثهم و نفثهم و ان تفكرت بفطرتك الكينونية عرفت ان الشياطين لايقفون علي حد و لايأمرون بخير و هم ساعون في اهلاكك و يأمرونك بصفات الجمادات و النباتات و الحيوانات و ينهونك عن الصفات الانسانية و الاستقامة و الاعتدال و الخير و الصفات الحسنة و ان اردت مشاهدة ذلك فانظر فيما يخطر ببالك و انظر انك لو عملت بها هلكت فاعرض عنهم و تفكر فيما جاء به الرسل صلوات الله عليهم اجمعين و انظر انها كلها عدل و استقامة و سلامة من الشرور و الآفات و فيها نظام معاشك و معادك و بدنك و دينك و امر بالصفات الانسانية و الحسنات من العدل و الكرم و الوفا و البر و الاحسان و الانصاف و الكمال و نهي عن الفحشاء و المنكر و البغي و الظلم و الغشم و صفات الحيوانات و النباتات و الجمادات و كل ما يستقبحه العقل السليم و ذلك اوضح من الشمس في رابعة النهار فافزع الي الاعتدال عن الانحراف و الي السلامة عن الهلاك و الي الحق عن الباطل و الي الطيب عن الخبث و الي العدل عن الظلم فضلالة طرق الشياطين و دعواتهم ظاهرة و هداية طرق الحق و اهله واضحة لاتكادان تشتبهان علي ذي فطرة سليمة فتوجه الي عليين دائما و كلما خطر ببالك شئ مما تكره فعالجه بالذكر و التوجه الي الحق و اهله و هذا معني ما يروي انه لو كان في بلد عالم يخسأ الشيطان عن تلك البلدة لانه يحترق من نوره و اعلم انه لاينفع وجود العالم في البلد ما لم‌يكن في قلبك نوره و حبه فان رسول الله صلي الله عليه و آله كان بالمدينة و كان المنافقون الذين هم هياكل الشياطين و حجورهم فيها كثيرين و انما ذلك لأنهم ماكانوا مؤمنين به و لم‌يكن نوره في قلوبهم و العالم ليس باعظم من رسول الله صلي الله عليه و آله فلا بد و ان يكون قلبك مصدقا له محبا له متوجها اليه حتي يستنير قلبك بنوره لانه من اهل عليين و النور و الخير فحينئذ يخسأ الشيطان عن قلبك بنوره فعليون حصن الله الذي من احتصن به نجا من شر الشياطين البتة و هو ما في الدعاء اصبحت اللهم معتصما بذمامك المنيع الذي لايطاول و لايحاول من شر كل غاشم و طارق من ساير من خلقت و ما خلقت من خلقك الصامت و الناطق في جنة من كل مخوف بلباس سابغة حصينة ولاء اهل بيت نبيك عليهم السلام محتجبا من كل قاصد الي اذية بجدار حصين الاخلاص في الاعتراف بحقهم و التمسك بحبلهم موقنا ان الحق لهم و معهم و فيهم و بهم اوالي من والوا و اعادي من عادوا و اجانب من جانبوا صل علي محمد و آل‌محمد و اعذني اللهم بهم من شر كل ما اتقيه يا عظيم حجزت الاعادي عني ببديع السموات و الارض انا جعلنا من بين ايديهم سدا و من خلفهم سدا فاغشيناهم فهم لايبصرون ، فتمسك بهذا الدعاء العظيم الشريف و احتجز به عن كيد شياطين الانس و الجن تأمنه ان شاء الله و تفكر في معانيه تجد ما قلناه مطابقا له حرفا بحرف و استعن به علي كل شيطان جني او انسي و اقرأه صباحا ثلثا و مساء ثلثا و كمله بقبضك علي سبحة من طين الحسين عليه السلام حين تقرأ فاذا اكملت الثلث فقبلها و ضعها علي عينيك و قل : اللهم اني اسألك بحق هذه التربة المباركة و بحق صاحبها و بحق جده و بحق ابيه و بحق امه و بحق اخيه و بحق ولده الطاهرين اجعلها شفاء من كل داء و امانا من كل خوف و حفظا من كل سوء ، تأمن جميع ذلك ان شاء الله تعالي .

نجم اعلم ان النفس الانسانية الكونية خلقت صالحة لأن يلقي في هويتها مثال النفس الكلية الالهية فيظهر عنها افعالها التي هي علي طبق محاب الله سبحانه فتصير معتدلة مصورة بصورة الانسان الاعظم الذي خلق في احسن تقويم فتمشي سويا علي صراط مستقيم و لان يلقي في هويتها مثال النفس الكلية الشيطانية الامارة بالسوء فيظهر عنها افعالها التي هي علي طبق مساخط الله فتصير مكبة علي وجهها مصورة بصور الحيوانات علي حسب مقتضي عملها فان توجهت الي عليين و الي مبادي الخير صار مثالهم فيها كالروح في الجسد يحركه علي حسب ميله و طبعه الذي جبل علي محبة الله فتكون من الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملئكة و تحدث و تلهم الخير و الصواب فيكون ذلك المثال جاريا فيها مجري الروح في البدن فينظر بعينها و يسمع باذنها و ينطق بلسانها و يبطش بيدها و يمشي برجلها و يتفكر و يتخيل بحواسها الباطنة و ان توجهت الي سجين و الي مبادي الشر صار مثالهم فيها كالروح في الجسد يحركه علي حسب ميله و طبعه الذي جبل علي سخط الله فتكون ممن عشي عن ذكر الرحمن فقيض له شيطان و هو له قرين يوحي بعضهم الي بعض زخرف القول غرورا فيكون ذلك المثال فيه جاريا مجري الروح من الجسد ينظر بعينه و يسمع باذنه و ينطق بلسانه و يبطش بيده و يمشي برجله و يتفكر و يتخيل بحواسه الباطنة فالنفس كالآلة اما يستعملها هذا او ذاك فما دام الانسان متوجها الي سجين يكون آلة بيد الشيطان يستعملونه في افكارهم الخبيثة و خيالاتهم الفاسدة و اوهامهم الكاسدة و شبهاتهم و شكوكهم و خطراتهم المردية و افعالهم السيئة و اقوالهم الردية لا مخلص له عنهم و لايصدر منه غير ذلك فان عمل راءٰي و اشرك و ان ترك خالف و كفر ان اعطي اسرف و بذّر و ان منع شحّ و بخل ان قال قال شططا و ان امسك امسك عن الخير و الحق و داهن ان تباعد تباعد كبرا و ان تقارب تقارب مكرا ان تعلم تعلم استعلاء و ان استغني استغني انفة ان لان لان نفاقا و ان خشن خشن عداوة و بغضا ان افتقر جزع و ان استغني منع ان طلب طلب حرصا و ان زهد زهد كسلا بالجملة هو عند ذلك كالحسك اي وجه منه علا كان ذا شوكة خارقة او كالعذرة كل وجه منها ظهر و علا صعد عنه النتن نعوذ بالله و لا مخلص له عن ذلك الا بالاعراض عن سجين بالكلية و التوجه الي الحق و اهله فبعكس ذلك ان كان متوجها الي الحق و اهله و كان فيه نوره و مثاله فيكون ان ضحك لم‌يخرق و ان غضب لم‌ينزق ان تباعد تباعد نزاهة و ان دنا دنا رحمة ان افتقر صبر و ان استغني ذل و شكر عدل ان غضب رفيق ان طلب وصول في غير عنف بذول في غير سرف بالجملة كلما يفعل او يترك يفعل و يترك بقصد الخير و الطاعة لمولاه و المخالفة لهواه و يكون كالمسك اي وجه منه علا فاح منه الطيب او كالزبد اي وجه منه علا يكون لينا فلايقصد الا الحق و لايفعل الا الخير اللهم اجعلنا منهم و احشرنا في زمرتهم و اما الذين لم‌يستقيموا علي طريق واحد فمهما توجهوا الي عليين كانوا عاملين بعمل اولئك و مهما توجهوا الي سجين كانوا عاملين بعمل اولئك مذبذبين بين ذلك لا الي هؤلاء و لا الي هؤلاء حتي يري ما يختم به عملهم بالجملة يا اخي لا علاج لهذه النفس الا ان يمهد الانسان لنفسه عقايد صحيحة و موالي حقة ثم ينقاد لامرهم و يطاوع حكمهم و يعرض عن غيرهم و لايعمل الا لهم و يستعصم بحبلهم و يتمسك بوثقي عروتهم و يعرف ان الخير منهم و لهم و الحق فيهم و بهم فان فعلوا به الخير شكر و ان صدر عنه الشر استغفر ، فتبين ان ملاك الامر التولي للحق و التبري عن الباطل و التوجه الي اهل الحق الذين هم اصل كل خير و الاعراض عن اهل الباطل الذين هم اصل كل شر و هذا سر الامر و حقيقته فمن رام علاج النفس و هو لايعرف اهل الحق حتي يواليهم و يتوجه اليهم و لايعرف اهل الشر حتي يتبرأ منهم و يعرض عنهم كيف يمكنه اصلاح النفس و اصلاحه افساد و لايخلو من افراط او تفريط دائما و هل يمكن ان يطهر دود العذرة او الكلب نفسه بلحس بدنه و فمه نجس و لعابه نجس و كلما يلحس نفسه يكون اعظم نجاسة و رجاسة و تطهير النجس بمطهر خارج عن النجس و هو ماء الولاية الذي هو الطهور النازل من سماء الحق فان كنت ممن يريد النجاة فاقعد في زاوية و ميّز من يجب ان تواليه تمييزا واضحا لا شك فيه و من يجب ان تعاديه تمييزا بينا لا شك فيه فتوجه الي هؤلاء و اعرض عن هؤلاء و اعلم ان الحق ليس باقل نورا من الشمس و الشمس من نوره من توجه الي الشمس استنار و ليس الباطل باقل حرارة من النار و حرارة النار منه من دنا منها احترق .


نجم قد يوسوس الشيطان في قلب الضعفاء بأن تصور الشئ لا فائدة فيه كما ان تصور النار لاتحرق و ينكرون بذلك اثر التوجهات و التولي و التبري و ذلك من وسوسة الخبيث لعنه الله الاتعلمون ان متخيلة الانسان كالعين ينطبع فيها اشباح الاشياء و الايعلمون ان النار تحرق بالاحتراق و ادراك حرها باللمس لا برؤية ضوئها فكذلك اذا تخيلت ضوئها كأنك رأيت ضوئها و لاجل ذلك لاتحترق و كما ان الجسد ايضا لاتحترق الا بطول المماسة و بمحض المس ليس يحترق و كذلك الفكر بمحض الفكر في الحر ليس يحترق و اما بطول الفكر فيؤثر و يحرق البتة فان لم‌تدرك ذلك فلعلك ادركت انك تري في المنام انك تجامع فينزل جسدك و يجنب و لربما يديم التفكر انسان في الجماع حتي يخلص في الفكر فيه فينزل او يتصور متمحضا ما يكره فيغضب و يظهر آثار الغضب في جسده و ربما ينظر الي عين مرمودة فيرمد او يري من اصابه الاوباء او ساير الامراض فيخاف و يتمحض في الفكر فيه فيمرض او يتفكر في محاسن احد فيحبه و يظهر آثار الحب في جسده او يتفكر في مساوي احد فيبغضه و يظهر آثار البغض في جسده و كذلك ان ادام التفكر في حر النار يسخن بدنه البتة او ادام التفكر في البرد يبرد بدنه البتة و آية ذلك شاربون البنج ان خيل اليهم ان الدنيا حارة يسخنون حتي يتصابون العرق و ان خيل اليهم ان الدنيا باردة يرجفون و يبرد ابدانهم و انما ذلك ان البنج بارد يابس و يجمد خيالهم فاذا نقش عليه شئ انطبع عليه فلايتوجه الي غيره فيكون ماحضا فيه فيؤثر في ابدانهم لتوجه روحهم الي تلك الجهة من البدن و تقويتها او اخراجها من القوة الي الفعلية فتظهر آثارها و امر الصدور و ما فيها مما لاينكر حتي ان الله عند ظن عبده ان خيرا فخير و ان شرا فشر و المرء متعبد بظنه و جميع تكاليف الشرع يؤدي علي حسب علم العبد و ظنه و يؤثر فيه و ان خالف الواقع خيرا او شرا فاذا عرفت ذلك و زال عنك الشك فاعلم ان التولي لاهل الخير و التوجه اليهم يسوق الانسان الي صفاتهم و يحيله اليها البتة و التولي لاهل الشر و التوجه اليهم يسوق الانسان الي صفاتهم و يحيله اليها البتة فالمرء مع من احب و لو احب رجل حجرا حشر معه لانه جبل علي طبعه و لاجل ذلك قيل المرء علي دين خليله ، فاذا اقررت بذلك اقول ان النفوس تفعل بالابدان في ساعة ما لايفعله التدابير الجسمانية في الف سنة فالتدابير النفسانية هي اقرب الطرق الي اصلاحها و لذلك اختار الانبياء و المرسلون التدابير النفسانية علي التدابير الجسدانية التي اختارتها الاطباء الاتري انك بنصيحة تقلع الشخص عن اكل الطين مثلا و بالدواء لاينقلع الا في مدة مديدة و احسن التدابير النفسانية معاشرة الانفس الصالحة المشاكلة و ذلك بيّن لمن جرّب الامور و قلبها ظهرا لبطن كما مثلنا سابقا بالببغاء و انطاقه فلم‌اجد يا اخي بعد مراجعة الكتاب و السنة و بعد تجريب الامور شيئا انفع لاصلاح النفس من معاشرة الصالحين في الخلاء و الملاء ظاهرا و باطنا و مجالستهم و مساورتهم و مذاكرتهم قيل لروح الله عليه السلام يا روح الله من نجالس قال جالسوا من يذكركم الله رؤيته و يزيد في علمكم منطقه و يرغبكم في الآخرة عمله ، فلا علاج اسرع نفعا و انجح اثرا من ملازمتهم ظاهرا و باطنا في دفع الوساوس و الخطرات حتي ان الانسان كأنه لا شر فيه و لا شيطان معه ما دام في مجلسهم مصغ اليهم متوجه اليهم و ذلك بين لمن جرب الامور و لا شئ يجرئ الشيطان و يجسره علي الانسان و يغلبه عليه كالتفرد عنهم و المباعدة عن مجالسهم و المباينة عنهم ، هذا اعتقادي فيه قد ابديته فليقبل الواشون او فليمنعوا و لايوازي ذلك ذكر و لا فكر و لا عمل و كل عمل غير ذلك لحس كلب و هذا من غير عمل عمل مستقل حب علي حسنة لاتضر معها سيئة و بغضه سيئة لاتنفع معها حسنة ، هذا البداية و هذا الختام و علي اهل الفهم السلام.


نجم ان الملئكة و الشياطين ارواح ناقصة لاتظهر آثارهم في الاجسام الا بواسطة الاجساد يسكنون فيها بالمناسبة و يتعلقون بلطايفها و يقلبون بها غلايظها فيتصرفون في ساير الاجسام و لا بد بين تلك الارواح و الاجساد من المناسبة فالملئكة لايسكنون الا في اجساد طاهرة طيبة نقية و الشياطين لايسكنون الا في اجساد رجسة نجسة كثيفة فلاجل ذلك قد يحصل الوساوس و الخطرات الفاسدة للانسان من سوء مزاج عرض للانسان و تولد في بدنه اخلاط فاسدة متعفنة فتتعلق بها الشياطين كما تختلف الرأي علي حسب اختلاف الامزجة و الامراض و يغلب له نوع منها علي حسب الخلط الفاسد و يستدل بها عليه و تزول بزواله فحينئذ يصعب طردهم عن البدن ما دامت العفونة و الفساد باقية بالاذكار و الاوراد لاسيما و الذاكر هو نفس المريض و اذكاره الصادرة منه مشيبة باغراض تلك الشياطين و لاتؤثر كما ينبغي و ما يري من طرد الشياطين بالاذكار و العزايم عن المصروعين مع عدم تنقية ابدانهم فلاجل ان المعزّم غير المصروع و هو طاهر مستعل علي الشياطين فيبقي البدن كثيفا علي ما هو عليه الي ان يغلب الطبع علي تلك الاخلاط الفاسدة فيخرجها و اما فيما نحن فيه فالذاكر هو نفس المريض فلايكاد يؤثر ذكره و عزيمته لاسيما ان الذاكر هو مشيب العمل بارادات الشياطين و اهوائه و اغراضه فعند ذلك الطريق الاقرب معالجة البدن بالادوية و طرد تلك الارواح بتخريب بنيان محلهم المتعلقين به و ذلك مجرب فانه يزول عنه باسرع وقت و يستريح النفس و تعود الي الفطرة فاذا غلب الصفراء غير الطبيعية علي بدن يتعلق بها شياطين سكنة النيران فيغلب الطيش و البطش و البخل و الغضب و التهور و الكبر و الاستعلاء و البغض و الحقد و امثال ذلك و يحصل له شبهات و خطرات تناسب ذلك و اذا غلب الدم غير الطبيعي علي بدن يتعلق به شياطين سكنة الهواء فيغلب عليه السرعة و الانقلاب و النخوة و الكبر و الشهوات و الاسراف و التبذير و الجلالة و امثال ذلك و يحصل له من الشبهات و الخطرات ما يناسب ذلك و اذا غلب عليه البلغم تعلق به شياطين سكنة الماء و يغلب عليه المداهنة و المسامحة و الشهوات و المعاصي و الفسوق و الحمق و البلاهة و الكسالة و التهاون و المكر و الخديعة و الغل و الغش و النسيان و سرعة الزوال و الانقلاب و اتباع كل دعوة و مطاوعة كل ريح و عدم الفهم و البلادة و عدم الوفا و عدم المبالات بما قال او قيل فيه و يحصل له شبهات و خطرات تناسب ذلك و اذا غلب عليه السوداء غير الطبيعية يتعلق به شياطين سكنة التراب فيغلب عليه الجبن و الحيلة و المكر و الخديعة و الانزجار و الانضجار و حب التفرد و الوحشة و عدم الفهم و سرعة الانتقال و الثبات علي ما اعتقد باطلا او تصور فاسدا و عدم الانقلاع عنه و لو بالف دليل و عدم اليقين و كثرة الاحتمالات المخالفة و عدم الانتقال عن الدليل الي المدلول عليه و التلبد و التبلد و يحصل له من الشبهات و الشكوك ما يناسب ذلك و هؤلاء اشد الشياطين تمسكا بالانسان و تلبدا به و يعسر طردهم عسرا نعوذ بالله فاذا غلب علي امرء شئ من هذه الاخلاط فالاولي له الرجوع الي طبيب حاذق و تنقية البدن و تدبير في الغذاء و التعديل فيزول عنه جميع شبهاته كأن لم‌تكن فيتيقن بما لم‌يكن يتيقن و يفهم ما لم‌يكن يفهم و يثبت علي ما لم‌يكن ثابتا عليه و ينتفي عن ذهنه الاحتمالات التي كان يحتملها بالجملة اذا كان السبب فساد البدن فاللازم تنقيته و تعديله ليعود الي الفطرة فالواجب علي السالك ان يكون تدبيره في بدنه بالاعتدال في مأكله و مشربه و منامه و ساير متممات وجوده حتي يكون دائما علي الفطرة و الفطرة السليمة لاتكاد تخطي و تعوج في امر لان الله خلقها علي طبق مشيته المعتدلة و قال لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم فلاتغفل من هذا النجم فقد يبتلي الانسان بالوساوس و يزعم انه من شقاوته او الحاده او خباثته و انما هي مرض عرضه كالصداع و الرمد و الماليخوليا و المانيا و ليس الا من كثافة بدنية و المسكين منه بري‌ء و لاجل ذلك يتأذي منها و لو كانت منه لماكان يتأذي منه البتة فبادر الي العلاج في سوء المزاج و لاتضطرب و لاتزعمها منك ابدا .

نجم كما عرفت ان البدن قد يحدث فيه سوء مزاج و يتعلق به ارواح خبيثة شيطانية و يصير حركاته و سكناته و افعاله و خيالاته و آراءه علي حسب الخلط الفاسد كذلك قد يكون الفساد في النفس لاجل الاكتسابات الحاصلة لها من الاخلاق و الاعمال الدائمة الملازمة لها الصائرة لها ملكة فتتصور بصورها و ان صفي البدن و اعتدل فحينئذ يتعلق بها شياطين نفسانية انسانية بعد ان تعلق بها شياطين جنية و هذه الشياطين ليست تزول بتغيير الابدان فان مثلها كلبنة لبنتها في ملبنة ثم رفعت الملبنة و غيرتها و كسرتها فاللبنة لاتتغير عن حالها بتغير الملبنة افهم ما اقول لك و كذلك النفوس الانسانية بعد ما اكتسبت اخلاقا و تصورت بها تبقي علي حالها و ان غير ملبنة بدنها فلاتنجح في هؤلاء المعالجات الدوائية و حينئذ يحتاجون الي الاذكار النفسانية و التوجهات الروحانية و ذلك ما لم‌يطبع علي قلبه بالكفر و الشرك و الشبهات و علامته تأذيه منها فليغتنم الفرصة امرء يتأذي من الوساوس و ليبادر الي الاذكار و التوجهات الي الحق و اهله و الملائكة حتي يزول عنه الشياطين و يعرض عنهم و ان قلت انك قلت ان المصروع لايقدر ان يعزم نفسه و المريض لايقدر ان يعالج نفسه حتي انه قيل رأي العليل عليل ، فالمبتلي بفساد النفس كيف يقدر ان يعالج نفسه بالاذكار و اذكاره فاسدة اقول ان المريض مريضان بل ثلثة مريض اطبق عليه مرضه و صرعه فذلك الذي لايقدر ان يعالج نفسه و اما اذا كان مشاعره سليمة و انما يتوجع رجله او يده فذلك يقدر علي معالجة نفسه بلا شك فالذي ذكرنا في من فسد اخلاط بدنه انه لاينفعه ذكره فلان الخلط عام في بدنه مطبق عليه و اما في فساد النفس فالمطبق عليه الفساد هو المطبوع علي قلبه فهو ايضا لايقدر علي اصلاح نفسه بل طبع الله عليها بكفرهم فلايؤمنون الا قليلا و اما المتأذي من الوساوس المتنفر منها يتململ منها تململ السليم فذلك من يكون مشاعر نفسه باقية لم‌يطبع عليها فيرجع بالذكر و التوجه الي الطبيب النفساني فيعالجه ذلك الطبيب فاذا صح مزاجه فليعلم انه من بركة انفاس طبيبه فهو حينئذ كمريض بقي مشاعره حتي عقل انه يجب المراجعة الي الطبيب فراجع حتي عالجه و ان كان وساوس نفسه قليلة يخطر له لمم بعد لمم فذلك ايضا يقدر علي علاج نفسه و المنة لله الهادي له الي العلاج الجاعل له وجهه ما اصابك من حسنة فمن الله الا انه امكنه من علاج نفسه ، فتبين ان امراض النفس ثلثة انواع : منها مرض جزئي عرضها مع صحة مشاعرها و افاعيلها فهذه تقدر ان تتمسك بالاذكار و المعالجات حتي تعود الي الصحة و منها مرض غلب عليها حتي ضعفت مشاعرها و شابت بالمرض فهذه لا بد و ان تتضرع ما تشعر الي الطبيب حتي يعالجها و منها مرض مطبق عليها فلاتعود الي الصحة و لاتطلب شفاء و لاتشتهيه نعوذ بالله فلا برء لها ، فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان هذا النوع من الوساوس يحتاج الي معالجة نفسانية و هي الذكر و الفكر و الاعمال الصالحة و التضرع و الانابة الي الله سبحانه و من هذا يظهر وجه امثال قوله اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء و قوله اللهم ان كان اسمي في ديوان الاشقياء فامحه و اثبته في ديوان السعداء ، فان الذي يقبل الي الدعاء فقد بقي فيه باقية من الايمان فيقبل به الي الطبيب فيعالجه و لو كان الذنب و الشقاوة مطبقة عليه ماكان يدعو و ماكان يطلب النجاة فذلك الذي لايصعد له دعاء صدر منه بالعرض و لايقبل منه عمل نعوذ بالله فتدبر.

نجم ان طرق الباطن كطرق الظاهر بعينها فكما ان طريقا من طرق الظاهر اذا صار مسلوكا يسلك فيه دائما يكثر فيه القطاع و اللصوص و اما الطرق غير المسلوكة فقلما يكون فيها لص و الناجون منها اكثر فكذلك الانسان اذا اعتاد عملا و اكثر فيه السير يكثر له فيه الوساوس فاذا غيره و اشتغل بعمل آخر لم‌يعلم الشيطان وجوه الوسوسة فيه فيمضي زمانا من غير وسوسة الي ان يتعلم الشيطان و يتنبه بوجوه الوسوسة فعلي السالك ان يغير طريقه الي ساير الطرق و لكن من مستحب الي مستحب و من واجب الي واجب آخر مجزي عن الاول و من مباح الي مباح و اياك ان يضلك الشيطان و يوقعك في المحرمات كما يوقع كثيرا من الناس و يقول لهم انك راءيت في صلوتك و صليت للناس فاتركها زمانا حتي يذهب عن قلبك التقيد بالناس ثم تصلي خالصا لله فيريد الخبيث ان يجعل الانسان كافرا بتركه الصلوة و تهاونه بفريضة من فرايض الله عظيمة و سيأتي في الاشراق الثاني ما يغني عن البيان هنا ان شاء الله بالجملة مرادنا بما قلنا ان تنتقل من جايز الي جايز عمل بالرخصة من الله و رسوله صلي الله عليه و آله و ان الله سبحانه يحب ان يؤخذ برخصه كما يحب ان يؤخذ بعزايمه فبرخصة الله تنتقل و هذا تدبير حسن و منه قوله سبحانه و دخل المدينة علي حين غفلة من اهلها فعلي هذا اذا داوم الانسان في العلم و ترك العمل يكثر له الشبهات لان الشياطين يرصدون له فيجب الاشتغال بالعلم فاذا احس بريبة او شك فليشتغل بالعمل و الذكر حتي ينسي ذكر تلك الريبة و يخسأ الشيطان عن قبال وجه قلبك و لاتحس به فتسكن و تطمئن و تشتغل بالعمل ثم اذا احسست بسأمة او ملالة فعمل آخر و هكذا الي ان تنسي ذكر الريبة ثم تعود الي العلم و ان اخذك السأمة من علم ففي علم آخر و هكذا تنتقل دائما من علم الي علم و من عمل الي عمل و من علم الي عمل و من عمل الي علم و تراقب قلبك مراقبة الطبيب الشفيق المريض و تمشي دائما الي حيث امرت و طرقه و الحمد لله كثيرة و هذا معني ما روي ان القلوب تمل كما تمل الابدان فابتغوا لها طرايف الحكمة و الحكمة علم و عمل .

خاتمة لهذا الاشراق في دفع بعض الوساوس الحاصلة للطلبة في بعض المسائل الاصولية المتعلقة بالفقه و في هذه الخاتمة ايضا نجوم : نجم قد يوسوس الشيطان لبعض المتفقهين حين ينظرون الي اخبار آل‌محمد عليهم السلام و محاجتهم علي العامة العمياء و قدحهم عليهم و علي مذهبهم ان في دينكم اختلافا و فقهاءكم مختلفون مع ان ربكم واحد و نبيكم واحد و كتابكم واحد ءامركم الله بالاختلاف فاطعتموه ام نهيكم عنه فعصيتموه و الله يقول لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا و يري ان الشيعة كانوا ابدا يقدحون في العامة و يجعلون اختلافهم في الفتاوي دليل بطلانهم ثم يري اليوم اختلافا كثيرا في الاخبار و فتاوي الفقهاء الابرار بحيث انه بعد الضروريات قلّما يتفق حكم او خبر ليس فيه اختلاف و يقع اختلافات ليس يمكن جمعها هذا و في مسائل كثيرة يقدح بعض العلماء في بعض و يلعن بعضهم بعضا و يتبرؤ بعضهم من بعض و يكفر بعضهم بعضا كالعامة حرفا بحرف فيوسوس الشيطان لهم عند رؤية ان هذا الدين لو كان حقا ثابتا لم‌يكن يقع فيه هذا الاختلاف بعين ما احتجوا به علي العامة فيضطرب و يرتد عن دينه و ان لم‌يظهره بلسانه فندفع هذه الوسوسة بأن اللازم اولا فهم معني الاختلاف فانه قل من يعرفه فنقول ان الشئ الواحد يحدث عن اسباب عديدة فاذا كان السبب خفيا و المسبب ظاهرا يحسبه الجاهل امرا واحدا و طريقا واحدا كما تري ان الصداع في الظاهر شئ واحد و هو وجع في الرأس و لكن له اسباب عديدة خفية فقد يكون من غلبة الصفراء و قد يكون من غلبة الدم و قد يكون من غلبة البلغم و قد يكون من غلبة السوداء و قد يكون من قبل السهر و قد يكون من قبل البرد الذي اصابه و قد يكون من قبل الحر الذي اصابه من الشمس او من النار و قد يكون من قبل الروايح الحادة و قد يكون من قبل الابخرة المتصاعدة من المعدة و قد يكون من سوء مزاج حار غير مادي و قد يكون من سوء مزاج بارد غير مادي و قد يكون من قبل الادخنة و قد يكون وجع في الرأس من قبل ضربة او سقطة او اورام ظاهرة او باطنة و لايسمي الا بالصداع فالجاهل يحس في الكل صداعا و هو عنده امر واحد فاذا حضر مجلس طبيب حاذق و رأي انه جاء رجل فشكي اليه الصداع فامره بدواء و جاء آخر فشكي اليه الصداع فامره بضد ما امر الاول و جاء آخر و شكي اليه منه فوصف له خلاف ما وصف الاولين و هكذا فيزعم الجاهل ان في فتاوي هذا الطبيب اختلاف و معاذ الله انه عين الاتحاد في الحكم صدر من علم واحد و حكيم واحد و علمه اله واحد و ليس فيه اختلاف بوجه من الوجوه بل الاختلاف ان يحكم في مادة واحدة حاصلة من سبب واحد في قرانات واحدة او متشاكلة بحكمين متخالفين فذلك خطاء و جهل و بين المقامين فرق واضح جلي فيري الجاهل الحكيم الحاذق مع كل اختلافاته الظاهرة يقدح في رجل وصف كالعجايز لجميع انواع الصداع دواء واحدا بالاختلاف فيتعجب ان هذا الرجل وصف في الكل دواء واحدا و هو وصف لكل شاك دواء غير ما وصف للآخر فمع ذلك يقدح فيه و ينسب نفسه بالاتحاد في الفتوي و الآخر بالاختلاف في الفتوي ان هذا الا زور و افتراء بل تلك العجوز اولي بالحق لعدم الاختلاف فالاختلاف الذي يري الجهال في فتاوي آل‌محمد عليهم السلام من جهة اختلاف علل الاشياء و اسبابها الخفية عنا و لايعلمها الا من اشهده الله خلق السموات و الارض و خلق انفسهم فهم ان وصفوا لشئ واحد في الف مورد بالف حكم ليس في حكمهم اختلاف و غيرهم ان وصف للشئ الواحد في الف‌الف مورد بحكم واحد في حكمه اختلاف و كلما يكثر الموارد يصير اختلاف حكمه اكثر مع وحدة حكمه لاختلاف العلل و الاسباب في الاشياء و علاج كل مسبب رفع سببه و رفع كل سبب بشئ فاذا زال السبب زال المسبب و لايمكن ازالة اسباب عديدة بشئ واحد فاذا رجع الامر الي الاسباب و هي عديدة فالواصف لكل سبب شيئا ليس في حكمه اختلاف و الواصف للكل شيئا واحدا في حكمه اختلاف بالبداهة، فالعامة العمياء الذين يحكمون في الاشياء بآرائهم و اهوائهم مع جهلهم بالعلل و الاسباب هم علي اختلاف في الفتوي و ان حكموا بحكم واحد و آل‌محمد عليهم السلام الشاهدون حقايق الاشياء علي اتحاد في الحكم و ان حكموا في مورد بحكم غير الآخر بل لو لم‌يريدوا ان يصير الدين عليهم عسرا و لايمكن ضبطه لحكموا لكل رجل رجل من الامة حكما خاصا بل لكل رجل في كل آن و مكان و قران حكما خاصا فان تعدد القوابل يقتضي تعدد المقبولات و تعدد العلل و الاسباب و تعدد الاحكام و لكن الله سبحانه ماجعل عليكم في الدين من حرج و اراد بكم اليسر و لم‌يرد بكم العسر فعفي عن كثير و جبره بفضله و كرمه قال سبحانه لاتسألوا عن اشياء ان تبد لكم تسؤكم و ان تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفي الله عنها ، و في الخبر ان الله سكت عن اشياء رحمة من غير نسيان فلاتتكلفوها ، فاختلاف الاخبار لاختلاف العلل الباعثة لصدور الاحكام و اختلاف الاخبار سبب اختلاف الفقهاء و اما بعض الاختلاف الصادر من اختلاف الانظار حين نظروا في الاخبار فذلك من قصورهم لا قصور الدين و ائمة المسلمين و كذا ما يصدر من الفقهاء من الاختلاف بسبب ما يحكمون بآرائهم و عقولهم فذلك لايقدح في دين آل‌محمد عليهم السلام كما لايقدح ذلك في دين محمد صلي الله عليه و آله و انما القدح علي من يفعل ذلك فبطل ما كانوا يعملون و رفعت الاكدار و ظهر الحق بلا غبار و صلي الله علي محمد و آله الاطهار .

نجم قد يوسوس الشيطان للانسان انا اذا تتبعنا في الكتاب و السنة نجد في الكتاب قريب سبعين آية ان الظن لايغني من الحق شيئا و يجب الاخذ بالعلم في جميع امور الدين و نجد في السنة ازيد من حد التواتر و حصول اليقين انه لايجوز البناء علي الظن و التخمين في الدين المبين و يجب فيه تحصيل العلم و اليقين ثم نجد كثيرا من الفقهاء يقولون ان حصول العلم محال عادة و يجب البناء علي الظن و التخمين و نري كثيرا من فقهائنا ممن يقول بوجوب حصول العلم متوقفا في كثير من المسائل ظانا في كثير فلو كان الدين لايكون الا باليقين فكيف يكون هؤلاء علي الدين و ان كان يجوز فيه الظن فلم لم‌يرد في الكتاب آية و لا في السنة خبر واحد يدل علي جوازه و نحن بانفسنا ايضا نري كثيرا من المسائل لانعرف المخلص منها فنتوقف و كثيرا يغلب ظننا علي جهة و نعرف بالعلم العادي بعضا اخر فما هذا التناقض بين سند هذا المذهب و العاملين به فاذا شاهد هذا الاختلاف يضطرب فيقول ان كان العمل حقا فما وجه العلم و ان كان العلم حقا فما وجه العمل فنزيل و لا قوة الا بالله وسوسته و اضطرابه بأن الانسان له ثلثة مشاعر لثلث طبقات من العالم فله فؤاد وضع فيه لدرك الحقايق و مشاهدة الذوات و شانه المعرفة الشهودية و لايقابله الا الجحود و هو قوله سبحانه و جحدوا بها و استيقنتها انفسهم و له عقل و شانه درك المعاني و الكليات و الظواهر الكلية و الصفات العامة الشاملة و شانه اليقين و مشاهدة الصفة و الاستدلال بها علي الذات و لايشاهد الذات و يقابل ذلك الشك و التردد و ان غلب جهة فهو الظن او غلبت فهو الوهم و كلها تردد و شك بالمعني الاعم و له نفس و شانها درك الصور و الجزئيات و شانها العلم و الاطلاع علي تلك الصور فمهما حصل عندها صورة ادركها ثم يستدل بها علي الصفات الكلية الغيبية و الذوات الحقيقية و لايحصل لها المعرفة و اليقين و انما يحصل لها العلم و الاطلاع علي الصور حسب و يقابله الجهل الذي هو عدم حصول صورة و حضورها عندها و لهذه الجهات لها شؤن عديدة بحسب اختلاف الصور و هي عشرة خمسة باطنة و خمسة ظاهرة فكما ان العين ان قابلها شئ ابصرته و الا فلا كذلك يكون ساير اخواتها من الحواس و الاحكام الشرعية صور جزئية باطنية و مشعر ادراكها الحواس الباطنة و متعلقاتها صور جزئية ظاهرية و مشعر ادراكها الحواس الظاهرة فهذه الحواس ان ميزت شيئا تمييزا صحيحا سمي بالعلم و ان لم‌تميز سمي شكا في عالمها و ان لم‌يحضر عندها شئ سمي جهلا و لم‌يكلف الناس بالمعرفة الشهودية و اليقين العقلي بالاحكام لانه فوق وسعهم و مبلغ شهاداتهم و انما كلفوا بالعلم النفساني و ما رأيت في الكتاب و السنة من الامر بالعلم و النهي عن الشك و الظن فذلك هذا النوع من العلم و هذا النوع من العلم يحصل مع عدم المعرفة الفؤادي و عدم اليقين العقلي و لكن لايجامع الجهل و الشك النفسي البتة و هذا النوع من العلم لم‌يسد بابه ابدا و لو سد لرفع التكليف لان الكتاب و السنة يناديان بحرمة العمل بغيره فمن رام غير ذلك فقد اخطأ البتة و اتعب نفسه و زلزلها عن دينها فانت تلاحظ الاخبار فما ثبت لك برهانه اصطفيته و ما خفي عنك ضوؤه نفيته ثم لايجب ان يكون جميع الرعية عالمين بجميع شرايع الدين و لايخفي عليهم خافية و لو كان ذلك كذلك لكانوا كلهم معصومين ائمة شاهدين فلا ضير ان خفي عليهم مسئلة فتوقفوا فيها او خفي عليهم وجهها فشكوا او ظنوا او وهموا و انما الواجب عليهم في هذه الحالة ان لايعملوا بوهمهم و ظنهم و شكهم و جهلهم او يقولوا فيها برأيهم و هوائهم و قد وضعوا سلام الله عليهم مخلصا عن هذا الضيق و فتحوا باب الاحتياط الذي يحصل لهم به العلم و باب الاطلاق اليقيني و امثال ذلك فالعلم يحصل في العمل يعني يمكننا في جميع المسائل العمل بشئ يحصل العلم العادي بمصادفة التكليف و ان لم‌يحصل لنا العلم في جميع المسائل بالعلم البتي في التكليف ، فتبين و ظهر لمن نظر و ابصر ان التكليف واقع بالعلم و باب العلم مفتوح و العمل به ممكن فمن رام غير ذلك فقد خالف الله سبحانه في كتابه و رسوله في سنته و العقل السليم في فطرته فالعلم المكلف به هو مؤدي الدليل و هو ممكن و العلم بالواقع غير مكلف به لان الله لايكلف نفسا الا ما آتيها فان اوتوه فلم يقولون بابه مسدود و ان لم‌يؤتوه فلم‌يكلفوا به و لم يطلبون الظن به و هو غير مكلف به في كتاب و لا سنة فافهم راشدا موفقا .

نجم قد سول لبعضهم الخناس حتي اوقعهم في الالتباس فلما علموا ان كل ما حكم به العقل حكم به الشرع و كل ما حكم به الشرع حكم به العقل جوزوا بعقولهم الناقصة العمل بالادلة العقلية حيث لا نص من كتاب و لا سنة حتي قال قائلهم في مسئلة اخراج الاجنحة و الرواشن الي الطرق و لقد افتيت بهذه المسئلة و لم‌ار فيه نصا و لا اثرا لا من العامة و لا من الخاصة و انما افتيت فيه برأيي و اجتهادي و لعل غيري اجتهد فيه و عرف غير ما عرفت و هو تسويل من الشيطان فان العقل الذي يحكم بما حكم به الشرع و لايفارقه هو العقل الخالص غير المشيب بالعادات و الطبايع و الشهوة و الغضب و غير ذلك من اسباب اللوث و هو عقل المعصوم لا عقل غيره فلايجوز لاحد من غيرهم ان يحكم في مسألة من المسائل برأيه و عقله و اجتهاده و هو العمل بالرأي المنهي عنه و قد خص الله النبي صلي الله عليه و آله بذلك و قال احكم بما اريك الله و لم‌يرخص ذلك لغيره و له ايضا قال بما اريك الله و لم‌يقل بما رأيت مع انه سبحانه ادبه و احسن ادبه حتي وافق مشيته مشية الله سبحانه و قد تواتر بالمنع من ذلك السنة الطاهرة و نطق به آي الكتاب حتي ان حرمة ذلك في مذهبنا بيّن كحرمة الخمر و الميتة و لحم الخنزير و قد ذكرنا كثيرا منها في كتابنا فصل‌الخطاب و القواعد و غير ذلك فلايجوز لاحد ممن ينتحل مذهبنا ان يعمل في مسألة جزئية او كلية اصلية او فرعية برأيه و اجتهاده بل كل مسئلة فيها نص بعموم او خصوص فهو المتبع و الا فهي مطلقة حتي يرد فيها نص و قد نطق بذلك الاخبار في صحاح الآثار و هي معروفة فلا حاجة الي تذكار بالجملة لما فتحوا علي انفسهم العمل بالادلة العقلية التزموا العمل بكثير من القياسات مع تواتر الاخبار بالمنع عنها كلية لاسيما الاولوية التي هي بينهم اليوم من المسلمات التي لا نكير عليها و بالاستحسانات و المصالح و الاصول الموضوعة و اكثر ذلك في المعاملات فانهم يعرفون فيها بزعمهم بعض المصالح الملكية و السياسات المدنية و هي كلها حرام محرمة كحرمة الميتة و الدم و لحم الخنزير يعرف ذلك من راجع الاخبار و جاس خلال الديار بلا غبار و لكن القوم لقلة رجوعهم الي الاخبار وقعوا فيما وقعوا اسأل الله العصمة عن زلة الاقدام و ضلة الاحلام و لما كان ساير كتبنا مشحونة بآي المسئلة و اخبارها تركناها هنا اختصارا .

نجم ان العامة العمياء لما انكروا خلافة اميرالمؤمنين و اولاده الطاهرين و عرفوا ان العالم لايستقر الا بمتبوع و تابع و رئيس و مرأوس و كبير و صغير و راع و رعية و سايس و مسوس و انكروا امارة من امره الله التزموا ان يقولوا ان بعد النبي صلي الله عليه و آله يقسم الناس علي قسمين مجتهد و مقلد و علي المجتهد ان يقول في دين الله بما يري و علي المقلدين ان يتبعوه و لا زال الشيعة يقول بعد النبي صلي الله عليه و آله ان الناس علي قسمين حجة من الله معصوم قوله قول الله قطعا و افترض الله طاعته و محجوج و هو الرعية و كانوا يحتجون بذلك علي العامة العمياء و كانوا يحاجونهم ان الذي لم‌يأخذ عن الله و لايعلم قطعا ان قوله قول الله كيف يفترض علي الناس طاعته و طال ما حاجوهم بذلك و غلبوهم باذن الله و كتبوا بذلك الكتب و يقولون ان في عصر النبي صلي الله عليه و آله كان الحجة هو النبي صلي الله عليه و آله و كان مبعوثا من عند الله و قوله قول الله و طاعته طاعته و بعده الحجج المعصومون صلوات الله عليهم اجمعين المنصوبون من عند الله سبحانه الشاهدون لحقايق الشرع الحافظون لها المؤدون عن الله و عن رسوله صلي الله عليه و آله و جميع الرعية تابعون مقلدون لهم و هم بين عالم بفتاويهم بالسمع و النطق و جاهل فالعالمون هم الراوون عنهم بالسمع و النطق و علي الجاهلين ان يأخذ الرواية عمن حفظها و ضبطها سواء كان راويا لرواية واحدة او روايات عديدة بواسطة واحدة او وسايط عديدة فكل من يثق براو يأخذ عنه سواء روي لفظ ما سمع او معناه و سواء تلقاها من فيه او رآه في كتابه و قد استقر علي ذلك امرهم و عرف بذلك مذهبهم و امتازوا بذلك عن مخالفيهم و من راجع الاخبار عرف ذلك بلا غبار كالشمس في رابعة النهار و كانوا كذلك حتي وقع الغيبة الكبري و انقطع النواب و السفرة الكرام البررة فوقعوا في فتنة كيوم ارتحل رسول الله صلي الله عليه و آله فذهبوا في امرهم مذهب العامة فقالوا لا بد و ان يكون الناس يومنا حينئذ بين مجتهد و مقلد و علي المجتهد ان يقول بالنص و الادلة القطعية و العقلية و الظنية و الآراء و القياسات و الاستحسانات و علي المقلدين ان يقلدوهم كائنا ما كان قول المجتهد و بالغا ما بلغ هذا نص كبير منهم حيث يقول في الصراط المستقيم في مقدمته البحث الثاني الحادثة التي ليس عليها دليل قطعي ان نزلت بالمجتهد نفسه عمل فيها بما اداه اجتهاده اليه فان اتحدت الامارة عمل بمقتضاها و ان تعددت عمل بالارجح و مع التساوي يتخير او عاود الاجتهاد و عمل بالارجح و ان تعلقت الحادثة بغيره فان كان الحق المتنازع فيه مما يجري فيه الصلح كالمال اصطلحا او رجعا الي حاكم يفصل بينهما ان وجد و يمضي حكمه عليهما الي آخر قوله و العجب اني ذكرت ذلك لابنه ان اباك قد كتب كذا قال كل فقهائنا يقولون كذا و من راجع الاخبار عرف بلا غبار ان المسألة ان كانت منصوصة بنص صحيح هو المتبع فيها سواء كان النص بعموم او خصوص و ان لم‌يكن منصوصة فهي علي اطلاقها حتي يرد فيها نص و لا اجتهاد في المذهب فان الاجتهاد باقرارهم هو استفراغ الوسع في مسئلة لا نص فيها و في موضع النص لا اجتهاد الاتري ان بعضهم ينكر علي بعض و يقول هذا اجتهاد في مقابلة النص ففي موضع النص لا اجتهاد و في غير موضع النص لايجوز القول فانه رأي و هوي بتواتر الاخبار و هو من خصال العامة الاشرار فاين الاجتهاد في دين الله فالواجب علي الناس الاخذ عن ائمتهم سلام الله عليهم فمن يعلم نصهم في مسئلة عمل به و من لم‌يعلم اخذ عمن يعلم النص و لذلك قال الحجة بعد ما غاب اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الي رواة اخبارنا فانهم حجتي عليكم و انا حجة الله ، انظر الي ائمتك سلام الله عليهم حيث يقول الباقر عليه السلام لجابر يا جابر انا لو كنا نحدثكم برأينا و هوانا لكنا من الهالكين و لكنا نحدثكم باحاديث نكنزها عن رسول الله صلي الله عليه و آله كما يكنزون هؤلاء ذهبهم و فضتهم و قال عليه السلام في حديث آخر لو انا حدثنا برأينا ضللنا كما ضل من كان قبلنا و لكن حدثنا ببينة من ربنا بينها لنبيه فبينها لنا و عن الصادق عليه السلام قال سئلني ابن‌شبرمة ما تقول في القسامة في الدم فاجبته بما صنع رسول الله صلي الله عليه و آله قال ارأيت لو ان النبي صلي الله عليه و آله لم‌يصنع هذا كيف كان يكون القول فيه قال قلت له اما ما صنع النبي صلي الله عليه و آله فقد اخبرتك و اما ما لم‌يصنع فلا علم لي به و في حديث آخر سئل عن مسئلة فاجابه فقال الرجل ارأيت ان كان كذا و كذا ما كان يكون القول فيه فقال له مه ما اجبتك فيه من شئ فهو عن رسول الله صلي الله عليه و آله و لسنا من ارأيت في شئ و قال في حديث آخر والله مانقول باهوائنا و لانعمل بآرائنا و لانقول الا ما قال ربنا عز و جل انتهي ، فاذا كان هذا حال ائمتك المعصومين عليهم السلام في عدم الاجتهاد بالرأي من دون نص عن الله و عن رسوله مع انهم حجج الله الشاهدون لحقايق الخلق فما ظنك بغيرهم و كيف يجوز لغيرهم في غير موضع النص الاجتهاد و قيل لابي‌عبدالله عليه السلام ان من عندنا من يتفقه يقول يرد علينا ما لانعرفه في الكتاب و لا في السنة نقول فيه برأينا فقال ابوعبدالله عليه السلام كذبوا ليس شئ الا جاء في الكتاب و السنة انتهي ، فكل رأي اجتهاد في مقابلة النص و قيل له عليه السلام ان قوما من اصحابنا قد تفقهوا و اصابوا علما و رووا احاديث فيرد عليهم الشئ فيقولون برأيهم فقال لا و هل هلك من مضي الا بهذا و اشباهه و قيل له عليه السلام يرد علينا اشياء ليس نعرفها في كتاب و لا سنة فننظر فيها فقال لا اما انك ان اصبت لم‌توجر و ان كان خطاء كذبت علي الله انتهي ، انظر كيف يقولون بعكس النص ان المجتهد ان اصاب فله اجران و ان اخطأ فله اجر واحد و اعتبر نعوذ بالله من زلة الاقدام و ضلة الاحلام و قيل لابي‌الحسن موسي عليه السلام جعلت فداك فقهنا في الدين و اغنانا الله بكم عن الناس حتي ان الجماعة منا لتكون في المجلس مايسأل رجل صاحبه الا و تحضره المسئلة و يحضره جوابها فيما من الله علينا بكم فربما ورد علينا الشئ لم‌يأتنا فيه عنك و لا عن آبائك شئ فننظر الي احسن ما يحضرنا و اوفق الاشياء لما جاءنا عنكم فنأخذ به فقال هيهات هيهات في ذلك والله هلك من هلك الخبر ، و قيل له اصلحك الله انا نجتمع فنتذاكر ما عندنا فمايرد علينا شئ الا و عندنا فيه شئ مسطر و ذلك مما انعم الله به علينا بكم ثم يرد علينا الشئ الصغير و ليس عندنا فيه شئ فننظر بعضنا الي بعض و عندنا ما يشبهه فنقيس علي احسنه فقال و ما لكم و للقياس انما هلك من قبلكم بالقياس ثم قال اذا جاءكم ما تعلمون فقولوا به و ان جاءكم ما لاتعلمون فها و اهوي بيده الي فيه الخبر ، و قيل للرضا عليه السلام جعلت فداك ان بعض اصحابنا يقولون نسمع الامر يحكي عنك و عن آبائك فنقيس عليه و نعمل به فقال سبحان الله لا والله ما هذا من دين جعفر هؤلاء قوم لا حاجة بهم الينا قد خرجوا من طاعتنا و صاروا في موضعنا فاين التقليد الذي كانوا يقلدون جعفرا و اباجعفر ، الي غير ذلك من الاخبار الساطعة المنار المتواترة بلا غبار الواضحة كالشمس في رابعة النهار الموافقة لكتاب الله الجبار المطابقة للعقل المستنار و قد ذكرناها في كتابنا فصل‌الخطاب و الغرض هنا انه لايجوز لاحد من الرعية الاجتهاد و التحري و الترأي في دين الله سبحانه و يجب العمل بالنص و النص رواية لا دراية محضة فيجب لكل الرعية طلب الرواية و الاخذ بها سواء كان عالما او جاهلا و الفرق بين الناس اليوم ان من الناس من يتعاني الروايات و يحفظها و يفحص عن خبر الثقة و غير الثقة و منهم من لايتعاني كساير المكاسب و الصناعات فمن لايتعاني في ساير اوقاته يأخذ عند الحاجة عمن يثق به من المتعانين لا غير كما كان الامر عليه منذ بعث النبي صلي الله عليه و آله الي آخر زمان ظهور آل‌محمد عليهم السلام و كما كانوا ذلك اليوم مقلدين لهم يجب عليهم اليوم ذلك و يحرم عليهم النظر و الترأي في الدين حرمة الميتة و لحم الخنزير و الدم بلا تفاوت الا في عظم حرمة النظر و من رام غير ذلك فقد وقع في ورطات شبهات العامة العمياء القائمين مقام آل‌محمد عليهم السلام غصبا و ظلما و عتوا فلا عمل اليوم و سابقا الا بنص من الكتاب و نص من السنة عن الاطياب و غير ذلك بعيد عن الصواب، هذا اعتقادي فيه قد ابديته فليقبل الواشون او فليمنعوا، فكلنا اليوم مقلدون للحجة المنتظر عجل الله فرجه و صلي عليه و آبائه و هو حي و لا اثر للحيوة و الموت في الرواية و يجوز الاخذ برواية الحي و الميت الثقة بواسطة و وسائط و السلام و لنكتف هنا برفع هذه الشبهات هنا و ان اردت ازيد من ذلك فعليك بكتابنا المسمي بالقواعد و كتابنا المسمي بالسوانح و ساير كتبنا.

الاشراق الثاني

في دفع بعض الخطرات و الوساوس العملية و تسويلات الشياطين المتعلقة بالاعمال و هي كثيرة لاتكاد تحصي و لو شئنا بسط المقال في هذا الاشراق ليطول بنا الكتاب و يقتضي رسم كتاب مبسوط كبير و لايسعنا الحال لكثرة الاشغال فلنكتف بذكر كليات اذا اصلحت اصلح بها ساير الاعمال فبهذا الاشراق يشرق اراض سبعة:

الارض الاولي و هي ارض النفوس

و قد تسمي بالارض الممات و هي ارض السماء الاولي المسماة بسماء الحيوة ففي هذه الارض شياطين طبعهم بارد رطب في الباطن حار يابس في الظاهر كلهم خرس عمي صم جهال اغبياء لايشعرون شيئا فاذا استولوا علي انسان يقل فهمه و شعوره و تنبهه علي حسب استيلائهم فيصير كأنه بهيمة من البهايم بل اضل او كأنه خشب مسند او يسير قلبه كأنه حجارة او اشد قسوة و ان من الحجارة لما يتفجر منه الانهار و ان منها لما يشقق فيخرج منه الماء و ان منها لما يهبط من خشية الله و قلوب اولئك ليس يتفجر منها انهار المعارف و الحكم و الحب و لايشقق فيخرج منه ماء اليقين و الرجاء و لايهبط من خشية الله لعدم العلم و الخوف فيهم فهم قلوبهم اشد قسوة من الحجارة فان في الحجارة قد يوجد هذه الاقسام و قلوب اولئك لايوجد فيها شئ من هذه الاقسام فلايتذكرون ابدا و لايسمعون سرمدا و لاينفعهم الانذار فان المنذر ينذر من كان حيا و لايسمع من في القبور و هم اموات غير احياء و مايشعرون ايان يبعثون و قد يترقون بعض اولئك فيبلغون مبلغ النباتات همهم بطونهم و اذا رأيتهم تعجبك اجسامهم و ان يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم فلاينفع هؤلاء الانذار و الاعذار و ليسوا الا حشو الديار و منهم من يترقي حتي يبلغ مبلغ الحيوانات فلهم قلوب لايعقلون بها و لهم آذان لايسمعون بها و لهم اعين لايبصرون بها اولئك كالانعام بل هم اضل اولئك هم الغافلون فاذا غلب شياطين هذه الارض علي انسان يخرسونه عن الحكمة و الحق و يعمونه عن ابصار الآيات و يصمونه عن استماع المواعظ و الحكم و يجعلون همه في الجذب و الهضم و الدفع و الامساك و تربية البدن و السمن و الهزال بالاكل و الشرب و النكاح و لا كمال له الا ما يبصر بعينه من الالوان و الاضواء او يسمع باذنه من الاصوات او يشم بانفه من الروايح او يذوق بفمه من الطعوم او يلمس ببدنه من الكيفيات او يألف بشئ فيرضي به او ينفر عن شئ فيغضب عليه و يتحرك بارادة لا غاية لها مفيدة و لا طايل لها لا غير ذلك فلايزال همه ذلك و فرحه بحصولها و حزنه في الحرمان عنها و لنعم ما قال الشاعر في هؤلاء :

لقد اسمعت لو ناديت حيا و لكن لا حيوة لمن تنادي

فيمر علي آيات الآفاق و الانفس و يتلي عليه آيات الكتاب و روايات السنة و اقوال الحكماء فلايعقل ما هي و لما هي فكأنه ميت الاحياء و غايب عن الحضور و ان تكلمت و هو حاضر فكأنه غايب و لاتحتاج عنده الي ستر سر و لا رمز امر فانه ميت و ليس الكلام عنده الا كالكلام في المقابر فليس اولئك من اهل الهداية و الاستبصار و لا الاعذار و الانذار و لايترقون في الدنيا بعلم و لا عمل اللهم الا ان يترقوا قليلا بالتربية العامة الكونية كترقي الجمادات و النباتات فليس اولئك محل عناية المنذرين و لايأملون هدايتهم و لايخاطبونهم و ليس وجه الخطاب اليهم و هم المستضعفون حشو العالم و كناسته و حثالته فلا نجاة لهم من ايدي هذه الشياطين الا بالموت الاضطراري و الدفن في التراب حتي ينحل اعراضهم في الطبايع ما بين النفختين ثم يستخلص عنهم الجوهر النفساني الانساني الكوني الامكاني الذي فيهم ثم يعرض عليهم التكليف و يمتحنوا به حتي يظهر ما في قوتهم بالفعل فيصيروا من اهل الجنان او النيران و مع ذلك ليسوا في درجة من استخلص جوهرهم في الدنيا و اخرج ما في كيانهم الي العيان بالحل في امتثال الشرايع و العقد عليه بل ان كانوا من اهل الجنة فيكونون في الدرجة السفلي الا ان يلحقهم شفاعة فيترقوا بفضل تلك الشفاعة الي درجة اعلي و ان كانوا من اهل النيران فيكونون في الدرك الاعلي و هم في البرزخ كالمدرة نفوسهم منجمدة مخلوطة بابدانهم الي ان ينفخ في الصور نفخة الدفع فيقوم الناس لرب العالمين فليس اولئك ممن صنعت لهم هذا الكتاب و لايتوجه اليهم الخطاب و انما الكلام مع اولي الالباب فانه لايتذكر من سواهم .

الارض الثانية ارض العادات

و هي ارض السماء الثانية و في هذه الارض شياطين طبعهم طبع مستحيل منقلب سريع التطبع بطبع ما يقترن بهم ملبدون علي ما تطبعوا عليه لاينزعجون عنه الا بناقل خارجي يغلبهم علي ما استحيلوا اليه فيستحيلون الي الحالة الغالبة ثم يلبدون عليه و هؤلاء اذا استولوا علي انسان يفسدون عليه فكره و يصرفونه الي ما تطبعوا عليه فلايزال فكره في تلك الجهة و يصرفون اعضائه الي خدمتهم بمقتضي ذلك الفكر الفاسد و من آثار هذه الشياطين وساوس الناس في الطهارات و الصلوات و العبادات و المعاملات و قلة الذكر و كثرة النسيان و السهو و الشك و عدم اليقين بشئ يخالف طبعهم و جهتهم و لا مخلص عن شر هؤلاء الا بترك تلك الجهة عمدا و المشي علي خلاف جهتهم و ان لم‌يكن له يقين بخلاف تلك الجهة فانه سوف يدعه الشيطان و يحصل له اليقين بخلافها و في هذا المقام ما روي عن زرارة و ابي‌بصير قالا قلنا له الرجل يشك كثيرا في صلوته حتي لايدري كم صلي و لا ما بقي عليه قال يعيد قلت له فانه يكثر عليه ذلك كلما اعاد شك قال يمضي في شكه ثم قال لاتعودوا الخبيث من انفسكم نقض الصلوة فتطمعوه فان الشيطان خبيث معتاد لما عود فليمض احدكم في الوهم و لايكثرن نقض الصلوة فانه اذا فعل ذلك لم‌يعد اليه الشك قال زرارة ثم قال انما يريد الخبيث ليطاع فاذا عصي لم‌يعد الي احدكم ، تدبر في هذا الحديث الشريف و خذ بعمومه في جميع ما تعتاده علي خلاف الاعتدال و اترك عادتك الي غيرها و ان لم‌تتيقن بغيرها فانه سوف يحصل لك اليقين كما روي عن الصادق عليه السلام في الرجل يكثر عليه الوهم في الصلوة فيشك في الركوع فلايدري أركع ام لا و يشك في السجود فلايدري أسجد ام لا فقال لايسجد و لايركع و يمضي في صلوته حتي يستيقن يقينا و عن ابي‌جعفر عليه السلام اذا كثر عليك السهو فامض علي صلوتك فانه يوشك ان يدعك انما هو من الشيطان و عن علي بن ابي‌حمزة عن رجل صالح قال سألته عن الرجل يشك فلايدري واحدة صلي او اثنتين او ثلثا او اربعا تلتبس عليه صلوته قال كل ذا قلت نعم قال فليمض في صلوته و يتعوذ بالله من الشيطان فانه يوشك ان يذهب عنه انتهي ، و لربما يسول لك الشيطان بأن هذا السهو منك و ليس من الشيطان فجعلوا لهذا ايضا ميزانا و هو ان السهو اذا وقع في كل ثلث فهو من الشيطان فخالفه و هو ما روي عن الصادق عليه السلام كلية اذا كان الرجل ممن يسهو في كل ثلث فهو من كثر عليه السهو انتهي ، فاذا سهوت في كل ثلث متواليات اي عمل كان فانت ممن تعلق به شياطين هذه الارض و يجب عليك المخالفة و قد يحتال الشيطان ليطاع فلايشكك في كل ثلث و يفصل بين الشكوك فجعلوا لذلك ايضا ميزانا و هو قول الصادق عليه السلام لا سهو علي من اقر علي نفسه بسهو فاذا عرفت نفسك بكثرة السهو فخالفه حتي يدعك الخبيث فان الانسان بالوضع الاولي الالهي ذو ذكر و لم‌يخلق كثير السهو فاذا كثر سهوه فذلك من الشيطان المعتاد الذي يريد ان يطاع و لو بصورة العبادات فخالفه حتي ترجع الي الاعتدال و الوضع الالهي و لا علاج لهؤلاء الشياطين الا بعصيانهم و ترك عادتهم فمهما احسست بنفسك الخروج عن الاعتدال فارجع عن العادة الي غيرها و لو كنت شاكا و لاتمكن الخبيث من نفسك فيصعب عليك مخالفته فان تمكن لعنه الله من انسان لايكاد يدعه و يوقعه الي الهلاك كما تمكن من بعض الفقهاء المتقدسين في عصرنا حتي عد عليه في غسل واحد مائة و خمسين ارتماسة بانحاء شتي من امامه و ورائه و يمينه و شماله و بالخروج عن الماء و الطفرة فيه و غير ذلك و كان آخر يدخل الماء قبيل الفجر و يرتمس مرة بعد مرة الي ان يتعالي النهار و لربما كان يسود بدنه من شدة حر الماء حتي يختنق و يغشي عليه فيطفو فوق الماء فيخرجونه و يرشون عليه الماء البارد حتي يفيق ثم يسأل هل اغتسلت ام لا و يعود الي الخزانة و يرتمس و سمعت بمن بلغ به الامر انه كان يغمس يده في الماء و يلتمس الحاضرين ان اخبروني هل اغتمس يدي في الماء ام لا و بلغ الامر في جماعة يأخذهم في الصلوة شبه الجنون فلايكادون يقدرون علي نية الصلوة و علي التكبير و اخبرني ثقة انه بلغ الوسواس برجل حتي كان يزعم انه يري في كل طعام يحضر عنده ابرا فامتنع عن الاكل حتي خيف عليه فقيل له ما حال فلان عندك قال متق قيل فهل يقدم علي اهلاك نفس قال لا قيل ان احضر طعاما لك تأكله قال نعم فاحضر عنده طعاما فنظر فيه و قال انت ايضا عزمت علي قتلي و جعلت في طعامي ابرا و بلغ الامر بفقيه آخر كان يزعم انه يشترط في اعطاء العوض النية فيمد يده ليعطي اجر الحمام الي صاحبه فكلما يمد يده صاحب الحمام ليأخذ الاجر كان يقبض يده الي نفسه لانه كان يشك في حصول النية و اقترانها و بلغ الامر بآخر حتي انه كان يستنجس كل الناس فلايؤاكلهم و لايشاربهم و لايمسهم و لايجلس علي بسطهم ابدا ابدا فيا اخي اياك ثم اياك ان تعود الخبيث من نفسك و تمكنه من فكرك فتجن فان الوسواس جنون خفي و الجنون فنون و انما يريد الخبيث ان يتعبك و يهلكك و يفسد عليك دينك و دنياك و آخرتك و الدين اوسع من هذه المضايقات يريد الله بكم اليسر و لايريد بكم العسر و ماجعل عليكم في الدين من حرج ، فخالف الخبيث بترك العادات المنحرفة قبل ان يتمكن منك بالاستيلاء فلاتقدر علي مخالفته و لربما يسول لك ان هذه الوساوس من التقوي و المبالات بالدين و تركها من التهاون بالشرع المبين و يكذب الخبيث فانه يريد ليطاع و لعله لم‌يتمكن منك ان تطيعه في المعاصي فجاءك من قبل الطاعات ألاتراه انه في بعض الامور دون بعض و لو كان من التقوي لكان في جميع الامور و انما الشياطين نفوس ناقصة لهم جهات خاصة فشيطان اي جهة غلب عليك يحرفك عن الحق في تلك الجهة.

الارض الثالثة هي ارض الطبع

و هي في مقابلة السماء الثالثة سماء الخيال و في هذه الارض شياطين بواطنهم باردة رطبة و ظواهرهم حارة يابسة و هؤلاء اذا استولوا علي الانسان يفسدون عليه خيالاته و يحرفونها عن نهج الحق و الاعتدال ثم يفسدونها في كل شخص علي حسب قابليته و طبعه و ميله و هذا شأن كل نوع من الشيطان في اصناف الناس فانه لايتحقق حادث في العالم الا بفاعل و قابل و الانسان الكوني قابل لمن يسكن فيه و يستعمله في مراداته و الساكن هو القوة الفاعلة فيفعل بحسب طبعه الافاعيل و الانسان القابل ينفعل علي حسب طبعه كالمرآة التي يظهر فيها شبح الشاخص علي حسب صبغها و هيئتها و لايظهر فيها شبح الشاخص علي حسبه الا اذا لم‌يكن فيها صبغ و لا هيئة تخالف الشاخص فالشيطان في الانسان اذا سكن فيه هو الفاعل و يظهر اثره منه علي حسبه اي علي حسب الانسان و طبعه و ميله فمنهم من يوسوس فيه الزني لوجود داعية فيه من كثرة الشهوة و منهم من يوسوس فيه شرب الخمر و منهم من يوسوس فيه الكذب و هكذا و لاتكاد تجد يوسوس في احد اكل العذرة مثلا مع انها حرام و نجس كالخمر لعدم وجود داعية في الانسان و قل من يوسوس له قتل نفسه مع انه حرام كقتل غيره فوجود الانسان وجود قابل و الملك و الشيطان فيه فاعلان داعيان قال الله سبحانه حكاية عن الشيطان ماكان لي عليكم من سلطان الا ان دعوتكم فاستجبتم لي فلاتلوموني و لوموا انفسكم فيمتثل الانسان دعوة الشيطان علي حسب استجابته و طبعه و ميله كما عرفت بالجملة الشياطين الساكنة في هذه الارض استيلائهم علي خيالات الانسان و يوسوسون له علي حسب ميل خياله و طبعه فاذا كان ممن فيه داعي الرياسة بحسب الحرارة و اليبوسة الغالبة فيه فان كان تلك الكيفية بممازجة السوداء فيوسوسون في نفسه ادعاء المقامات العالية و يصورون في خياله ما به يدعي المكاشفات و لربما يسولون له امورا حتي الربوبية او النبوة او الولاية اذا شاركهم شياطين الارض الرابعة و لربما يأتونه ببعض ما يخيلون في صدور اوليائه فيخبرهم عنها او ببعض الوقايع فيدعي مشاهدتها و يخبر عنها فبذلك يدعي الارشاد و الهداية فينقاد له اولياؤه و يصدقونه و الذي يدل علي فساد امره اما نفس ادعائه الربوبية مع انه مخلوق عاجز او ادعائه النبو مع ان محمدا صلي الله عليه و آله خاتم النبيين او ادعائه الامامة مع ان الائمة الاثني‌عشر عليهم السلام معروفون بانسابهم و اشخاصهم و اما ادعاؤه الولاية و الكمال مع عدم علمه بامور الاديان اصولها و فروعها و ساير العلوم او قلة علمه بها و عدم تقويٰه و اعماله الصالحة فان الكمال الحق لايتحقق في احد الا بالعلم و العمل و عدم حكمه و استيلائه علي الموجودات و عدم استجابة دعائه و امثال ذلك فبهذه الموازين و امثالها يفرق بين اهل الحق و الباطل و ان كان تلك الكيفية بممازجة الدم فيوسوسون في نفسه ادعاء الرياسات بالقهر و الغلبة و الطغيان و الظلم و الغشم فيخيلون اليه السلطنة و الامارة و الغلبة و امثال ذلك و ان كانت فيه صرفة اي يكون فيه ساير الاخلاط مقهورة لا حكم لها فيوسوسون له الكبر و العجب و البخل و الحسد و التهور و امثال ذلك و ان كان فيه السوداء غالبة فيوسوسون له الوحشة عن الخلق و الكيد و المكر و حب الخلوة و الجبن و امثال ذلك و ان كان فيه البلغم غالبا بممازجة الدم يوسوسون له حب الزنا و اللواط و شهوة الغنا و اللهو و استعمال آلاته و هذه الوساوس اكثر ما يصدر منهم لمناسبة ظواهرهم و هكذا و علي هذه فقس ما سويها و علامة فساد هذه الخيالات مخالفتها الشرع القويم و السبيل المقيم فانه القسطاس المستقيم فمهما وجد واجد في نفسه خيالا غلب عليه فليزنه بموازين الله سبحانه فان وجده يخالفها فليعلم انه من الشياطين الساكنة في هذه الارض فليحذره و ليخالفه الي ما يطابقها ما لم‌يستولوا عليه و تمكنوا منه فانهم اذا تمكنوا من نفس قل ما يفارقونه و الداء العضال في هذه الحال انهم ممازجون مع لحمه و دمه يجرون منه مجري الروح و يحسب الانسان جميع ما يسولون له و يدعونه اليه من ذات نفسه بحيث اذا قلت له انه من الشيطان يغار علي نفسه و يأخذه الحمية و العصبية و في الحقيقة يغار علي الشياطين و يحامي عنهم لاتحاده بهم فلايكاد يصدق فلاينزعج عما هو عليه بعد و يجب علي الناظر لنفسه ان لايخاطر بها و يرتدع عن تلك الخيالات في اول ورودها ما دام يتألم عنها فان التألم عنها دليل عدم تمكن الشياطين منها و بقاء روح الايمان فيه و عدم موته الاتري ان المفاصل مثلا يرجي زوالها ما دام الانسان يحس بوجع فيها فاذا زال الوجع فهو دليل يأس الطبع عن زوالها و اعراضه عنها فلايرجي برؤها لان الطبيب يداوي بمعاونة الطبع فاذ لم‌يكن للطبع اقبال الي الدفع فلايقدر الطبيب وحده علي دفعها فاغتنم الفرصة ما دمت تتألم عن المعاصي و الخيالات و الوساوس فانزعج عنها و استعن بالله سبحانه بما مر من الدعوات و ساير الصالحات و بالتوجه الي عليين و اهله و الاعراض عن سجين و قد يحتاج مع ذلك الي تعديل الطبع بالعقاقير و الادوية و المآكل و المشارب فان لها دخلا عظيما و تسهيلا في الامر فهذا قليل من كثير من شرح كليات وساوس هذه الشياطين و اما ساير ما يذكر من العلاج بالضد ففيها نجح الا انه بعيد المدي و يعسر العلاج بها كعلاج الكبر بملازمة الخضوع و علاج الشهوة بملازمة ذكر الموت الهادم لللذات و علاج العجب بملازمة الفكر في معايب نفسه و امثال ذلك و هي مذكورة في كتب القوم فلانطيل الكلام بذكرها و انجح اقسام هذا العلاج التفكر فيما يضاد تلك الوسوسة فان فيه جلاء من العمي و نورا من الظلمة و انبعاثا من الكسالة و انتعاشا من الصرعة فلاتغفل عنه و افضله التفكر في الحق و اهله و خصالهم فان له تأثيرا عظيما و المجالسة معهم فان الطبع مكتسب من الجليس و ينتعش اذا رأي احدا يعمل بعمل و اقرب ما يكون الشيطان من الانسان حين هو وحده فقل من ينجو من شرهم و هو سالك وحده بل لم‌تجر العادة بذلك و ارتجاء الكمال بما هو خلاف العادة من تمنيات الشيطان المنهي عن اقتفائها يعدهم و يمنيهم و مايعدهم الشيطان الا غرورا ، فادخل البيوت من ابوابها و خرق العادة معجزة لاهلها و لست منهم فاتبع ما جري عادة الله عليه في خلقه فتدبر و انظر لنفسك و لا قوة الا بالله العلي العظيم.

الارض الرابعة هي ارض الشهوة

و هي في مقابلة سماء المحبة و المعرفة السماء الرابعة في الظهور بالقطبية التي هي السماء السابعة في الدرجة و الحقيقة و لذا روي ان الضراح في السماء الرابعة و روي انه في السماء السابعة و لا اختلاف بينهما فان السموات العالية عليها مستمدة منها متأخرة عنها رتبة و استعلاءها عليها في الظاهر كاستعلاء الرأس علي القلب و هو في الوسط و كذلك الارض الرابعة هي السابعة حقيقة الا انها ظهرت بالقطبية و عليها تدور رحي ساير الاراضي و هي ارض الشهوة و فيها شياطين ظاهرهم البرودة و الرطوبة و باطنهم الحرارة و اليبوسة و همهم اضلال الخلق بمحبة غير الله سبحانه و التقرب الي غيره و التوالي لغير اوليائه و اتخاذ النواميس و الرضا بغير الله سبحانه و التسليم لغيره و هؤلاء اشد الشياطين نفوذا في الانسان و اشدهم اتحادا و تميزهم عن الحق اصعب و اشد فانهم اذا استولوا علي انسان يتحدون به اتحادا حتي يحسبهم عين ذات نفسه و يستعملونه في اتخاذ الانداد و الشركاء لله سبحانه و اتخاذ الولايج من دون اولياء الله سبحانه و ملازمة النواميس الباطلة و ربما يحملونه علي ادعاء الربوبية و النبوة و الولاية و الرياسة و وضع الشرايع و البدع اذا استولوا عليه و يظهر منه بعض الاستيلاء و القهر و الغلبة علي بعض الاشياء فلا نجاة منهم حينئذ الا بتوفيق من الله سبحانه و اما في بادي الامر فيمكن الاستخلاص منهم بالتوجه الي الله سبحانه و التضرع اليه و التوسل باولياء الله و التوجه اليهم و ملازمة خدمتهم و كثرة الذكر و الفكر في عظمة الله سبحانه و آلائه و في عظمة اوليائه و خصالهم المحمودة و قبايح الانداد و الشركاء و الولايج حتي لعله ينجو من شرهم و كيدهم و في ملازمة الشرع و الاعمال الصالحة منجاة من شرور انواع الشياطين فانهم لايسكنون الا في كل موضع قذر رجس و الشرع مطهرة للنفس عن كل دنس مطردة لكل روح خبيث يتعلق بالانسان فعليك بملازمة الفرايض و النوافل و السنن و الاداب و اجتناب المحرمات و المكروهات ما امكن فانه لا شئ لطرد الشياطين كذلك و فيما ذكرنا كفاية و بلاغ.

الارض الخامسة هي ارض الغضب

و هي في مقابلة السماء الخامسة سماء الوهم و في هذه الارض شياطين نارية همهم اضلال الناس بالغضب لغير الله سبحانه و عداوة اولياء الله و احبائه و الصلابة و الشدة و القساوة و سفك الدماء و شرب الخمور و كثرة الكذب و الافتراء علي الله و علي رسوله و اوليائه و التهمة عليهم و اليمين الكاذبة و الخصومة و اعمال الشر و الافساد و اضطراب الرأي و قلة الثبات و الحياء و افراط الجهل و الجفاء و الوقاحة و اللجاج و غمص الحق و الكبر و ربما يدعونه الي عبادة الاصنام و ان كان مانع فيتخذ الانداد لاولياء الله سبحانه و هم شياطين صلبة شديدة العريكة خشنة اذا استولوا علي الانسان يبدو البغضاء من فيه و يترك التسليم للحق و اهله و يغلظ كلمه و يخشن لايقبل نصح ناصح و يتهمه بالغش و يفسدون عليه توهماته حتي يري الحق باطلا و المنكر معروفا و المعروف منكرا و الفاحشة عفة و العفة فاحشة و الحسن قبحا و القبح حسنا و الصديق عدوا و العدو صديقا نعوذ بالله و يصعب انقلاعه عنها اولا و آخرا الا ان يتدارك الانسان رحمة من ربه فمهما احس الانسان بتوهمات فاسدة في نفسه فليبادر الي اصلاح المزاج بالتبريد و التضرع و الابتهال الي الله سبحانه و ملازمة الشرع و كثرة الذكر و كثرة الفكر في الطافه سبحانه بعباده بَرّهم و فاجرهم و شمول نعمه عليهم و اناته و حلمه بهم و كثرة رحمة الله علي العباد بجميع اصنافهم و رفقه بخلقه و رفق اوليائه و كثرة الاستعاذة و الدعوات السابقة و اللين و الرفق و معاشرة الرفقاء و اهل الحلم و اللين فان العشرة مؤثرة جدا جدا بل هي اكثر تأثيرا من كثير من الدعوات فان دعواتك آثارك و انت علي ما انت عليه و العشرة مع الصالحين انفع منها فان الصالحين يؤثرون فيك و هم صلحاء و بينهما بون بعيد فعليك باتخاذ الاخوان الصالحين و معاشرتهم و ملازمة خدمتهم و مصادقتهم فان فيهم شفاء من كل داء و امان من كل خوف و حرز من كل شيطان و انس من كل وحشة و لم‌اجد في جميع السنن و الشرايع سنة و شريعة ازهي و ابهي و اشرف و اكمل و انفع و انجح و انبل و اعظم و افخم و اكرم من مصادقة الاخوان و ملازمتهم و ماادري ماذا وجد من فقده و ماذا فقد من وجده و باي دين تدين من لم‌يتدين به اخوك دينك فاحتط لدينك ما استطعت فاسأل الله العظيم باسمه العظيم ان يؤدي عنا هذا الفرض العظيم الذي لا فريضة اعظم منه ابدا ابدا و قد جائني هذا الشعر بديهة :

ليس لمن ليس له اخوة دين و لا دنيا و لا آخرة

و تالله انه لهكذا و حسبك ان الله اخبر عن غير المؤمنين انهم كانوا علي الشقاق مشرفين علي النار و صاروا اخوة اذ آمنوا فقال و اذكروا اذ كنتم اعداء فالف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته اخوانا و كنتم علي شفا حفرة من النار فانقذكم منها و وصف اهل الجنة بانهم اخوان علي سرر متقابلين فاهل الشقاق و النفاق منفردون و اسرع ما يستولي الشيطان علي الانسان حين هو منفرد كما ورد به الخبر و قد مر فيه تفصيل و لذلك استولي الشيطان علي اهل الشقاق حين وجدهم منفردين و حثهم علي الشقاق و التنافر ليستولي عليهم انما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة و البغضاء في الخمر و الميسر و يصدكم عن ذكر الله و عن الصلوة فهل انتم منتهون و الخمر و الميسر بعض اسبابه و غاية مراده ايقاع العداوة و البغضاء و التفريق و هو ضد غرض الله سبحانه الذي هو التأليف كما عرفت و قد استولي علي اوليائه فلاتجدهم متفقين متواخين ابدا ابدا فهل تتذكرون يا اخواني و هل تنظرون لانفسكم و هل تتواخون و تشدون عقد الاخوة و توفون بتلك العقود ، اللهم اني اعوذ بك من التخالف و اسألك التوالف فارزقنا اللهم ذلك بحق اوليائك صلواتك عليهم بالجملة لااجد غرضا لله سبحانه من ارسال الرسل و انزال الكتب و وضع الشرايع و الحدود الا ذلك و هو قطب الدين و مركز الشرع المبين و السلم الي معرفة الله سبحانه و الوصول بقرب جواره لمثل هذا فليعمل العاملون.

الارض السادسة ارض الالحاد

و هي في مقابلة السماء السادسة سماء العلم و في هذه الارض شياطين ملاحدة طبعهم الحرارة و الرطوبة شأنهم تحريف الكلم عن مواضعها و وضع الاشياء في غير محالها و تأويل الحق الي الباطل و هؤلاء ادهي و امر من جميع الشياطين السابقة بعد شياطين الارض الرابعة و اكثر تعلق هؤلاء بالعلماء السوء و طلاب العلم فاذا استولوا علي انسان يوسوسون اليه التأويلات و الاخذ بالمتشابهات و اما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله فيخرب بنيان الشرايع و الاحكام و يأول الكتاب علي غير مراد الله سبحانه و يأول السنة علي غير مراد الرسول فيصدون الناس عن الحق بالبراهين الباطلة و الادلة الضالة و يلبسون علي الناس دينهم و يحملونهم علي ترك ظواهر الدين و يظهرون لهم انا اهل الباطن و كذبوا لعنهم الله فان الباطن للظاهر كالروح للجسد و لا جسد حيا سويا الا بروح و لا روح قائما قارا الا بجسد فلا ظاهر الا بالباطن و لا باطن الا مع الظاهر و حسبك برهانا علي ذلك ان الرسول الذي بادي اهل الجاهلية و اليهود و النصاري و نسخ اديانهم و سب آلهتهم و كسرها و اتي بدين جديد لو كان دينه غير ظاهر هذا الدين لذكر التأويلات اول وهلة و جعلها ظواهر و لم‌يكن له حاجة الي الاتيان بظاهر غير مراد و يكون مراده التأويلات و القوم ماكانوا يأنفون في عقايدهم عن اتخاذ عزير ابن الله و عن اتخاذ عيسي ربا و اتخاذ الاخشاب و الاحجار و المعادن بل التمور آلهة و في اعمالهم عن المكاء و التصدية مكشوف العورة و الفحشاء و المنكر و البغي بل لو كان يدعوهم الي هذه التأويلات المضلة لكانوا له اسرع اجابة من اجابتهم لهذا الشرع فانها كانت اسهل عليهم و اوفق لطباعهم فامره بهذه الظواهر و ملازمته لها و شدة تعبه في العمل بها حتي تورم قدماه من طول القيام في العبادة حتي انزل الله طه ماانزلنا عليك القرآن لتشقي اي لتتعب فذلك ادل دليل لك علي بطلان هذه التأويلات و هذه الالحادات بالجملة اذا استولي علي انسان عليم اللسان يغتنمونه هيكلا لانفسهم و ليس لهم حبائل و لا وسيلة الي اضلال الخلق احسن من هؤلاء فهؤلاء هياكل الشياطين يقومون بتأويل الدين و تحريف الشرع المبين حتي يزيحونه عن مورده و يحرفونه عن موضعه و يصرفونه الي غير مراد الله و مراد رسوله من مطالب الشياطين التي فيها فساد العالمين و اذا استحكم امرهم فيه و تمكنوا منه يهيؤن له قرائن وهمية و ظنية علي تلك التأويلات و يتاخم ظنونهم و يتأكد خيالاتهم حتي يسمونه يقينا و عيانا و كشفا و اعلانا ثم لايكون لهم نجاة من هذه الهاوية ابدا الا ان يتداركهم رحمة من الله سبحانه فالنظر النظر فالحذر الحذر مهما وجدت في نفسك ميلا الي هذه الالحادات المضلة و التأويلات الفاسدة التي تخالف ظواهر الدين فاقل نفسك و ادركها و احملها علي ظواهر الشرع و الدين و اكثر النظر في احوال الانبياء و المرسلين و الاوصياء المكرمين و الاولياء المقربين و شدة تمسكهم بظواهر الشرع المبين و افزع الي العدول الذين وضعهم الله في كل عصر لنفي تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الجاهلين و تمسك بذيلهم و اعرض مرضك عليهم حتي يعالجوك و يحملوك علي القصد و الايمان بالظاهر و الباطن و اكثر ميل هؤلاء الشياطين الي النصرانية و التصوف و العلوم الباطلة و الرياسات العلمية و الامر بالمنكر و النهي عن المعروف و اظهار اللين و حسن الخلق في غير مواضعه و الحلم في غير محله و الصلح مع الكل و مداراة المؤمنين و الكافرين و امثال ذلك فلا نجاة عن شر هؤلاء و هياكلهم الا بالفزع الي الله سبحانه و التمسك بحبليه الممدودين الكتاب و السنة و شدة التمسك بالسنن و الشرايع و الحدود و الاحكام و الاعراض عن العلماء السوء و الصوفية و الملاحدة و الاقبال و الملازمة للعلماء الحكماء الاتقياء الصلحاء الخلفاء لله و لرسوله في عباده و بلاده و كثرة الذكر و الفكر في سنن الانبياء و الاوصياء سلام الله عليهم.

الارض السابعة هي ارض الشقاوة

و هي في مقابلة السماء السابعة سماء العقل و في هذه الارض شياطين طباعهم باردة يابسة و هم اشد الشياطين اغواء و انفذهم في اجزاء الانسان بعد شياطين الارض الرابعة و اشدهم تلبدا في الانسان و قلما يمكن النجاة من شرهم اذا تعلقوا بانسان و هم اكثر ميلهم الي اليهودية و الهم و الغم و الحيرة و الوحشة و الفسوق و الحيلة و البخل و الخيانة و المكر و الكيد و خلف الوعد و الشقاق و المنكر و الحقد و خبث النفس و طلب الشر و اليأس من روح الله و الامن من مكر الله و سوء الظن و المنافرة عن الحق و عن الله سبحانه و عن رسله و اوليائه فاذا استولوا علي انسان نعوذ بالله يدعونه الي ذلك و اشباهه و يمازجون اصل الطينة حتي لايكادون يميزون عن اصل الطينة فيشقي الانسان بهم و يستحيل الي نوعهم حتي يصير منهم و يصير اعمي عن رؤية الحق و اصم عن سماعه و ابكم عن التفوه به و اعمه عن فهمه و يصير كأنه جماد لايعقل و لايبصر و لايسمع و ان كان الحق اوضح من الشمس في رابعة النهار بل يعاند الحق و اهله طبعا و يصير منافرا عنه مستوحشا فاذا ذكر الله وحده اشمأز قلبه و اذا ذكر الذين من دونه يستبشر نعوذ بالله و يجحد الحق و ان استيقنت نفسه و يشرب في قلبه الباطل و جحد الحق فيختم علي سمعه و بصره و يجعل علي قلبه غشاوة و يطبع عليه بكفره نعوذ بالله فلا نجاة له عن ذلك الا ان يشاء الله فليحذر حاذر ناظر لنفسه ان يبلغ هذا المبلغ فلايكون له نجاة ابدا و سبب استيلاء هؤلاء الانغمار في المعاصي و الانهماك في السيئات و مجالسة اهل الدنيا و الاعراض عن اولياء الله و ترك الفرايض و هو قوله سبحانه ثم كان عاقبة الذين اساؤا السوءي ان كذبوا بآيات الله و كانوا بها يستهزؤن فاحذروا يا اخواني عن ان يتسلط عليكم هؤلاء الشياطين بكثرة الانهماك في المعاصي و ترك الشرايع و عاهدوا قلوبكم بالذكر و الفكر و لازموا الطاعات و اجتنبوا السيئات حتي لاتقربوكم هذه الشياطين فتهلكوا هلاك الابد و هؤلاء الشياطين اذا استولوا كل الاستيلاء فلا نجاة عادة و لكن في مبدأ الامر و حين وقوع ظلهم علي الانسان يمكن التخلص عنهم بالتوبة الي الله سبحانه و الانقلاع عن المعاصي و مجانبة الدهرية الذين لايؤمنون بالله و رسوله صلوات الله عليه و آله و اوليائه عليهم السلام و اليوم الآخر و ما اكثر هؤلاء في الناس و ان لم‌يظهروا عقايدهم بين المسلمين تقية علي انفسهم و مجانبة اهل الدنيا فانهم هياكل هؤلاء الشياطين و تقيتهم اقل و اظهارهم عدم الايمان اكثر و الطبع يسرق من الطبع و يتشكل بشكله و يستحيل الي نوعه فاذا داومت المعاشرة معهم فيضعف ايمانك شيئا بعد شئ الي ان يموت روح الايمان فيك و تتهاون بالفرايض و تستهين ارتكاب العظائم فتتشابه هؤلاء الشياطين و يتعلقون بك لتدنس طبعك و قذارة نفسك حينئذ فالحذر الحذر ما دام فيك باقية من الايمان و علامة ذلك في جميع المراتب تألمك عما يخطر ببالك و كراهتك له فما دمت تتألم فاعلم انك لم‌تستحل الي الشيطنة و لم‌تمت و انما انت مريض يمكن علاجك فاعرض عن سجين و اهله و افزع الي عليين و اهله حتي تبرأ من مرضك ما لم‌تمت و اما من لم‌يتألم مما يخطر بباله من خلاف الحق فاعلم انه مستحيل الي الشيطنة منقلب اليها انقلابا و لا نجاة له بعد نعوذ بالله فانك ما لم‌تعمل عملا حسنا لاتبرأ و اذا استحلت الي الشيطنة فالشيطان لايعمل حسنة فلاتبرأ و لاتستحق من الله سبحانه الابراء و لو كان يجوز عادة و يقع ابراء المستحيل الي الشيطنة لكان يقع اصلاح جميع الشياطين و الكفرة و هو خلاف العادة ، من يعمل مثقال ذرة خيرا يره و من يعمل مثقال ذرة شرا يره و ليس للانسان الا ما سعي فمن يهدي من اضل الله و ان الله لايهدي القوم الظالمين و الكافرين و الفاسقين اذ لا قابلية لهم للهداية ، بكفرهم لعناهم و جعلنا قلوبهم قاسية و ربما يحمل هؤلاء الشياطين الانسان الي الكهانة و العلوم الغريبة التي يظهر منها شبيه المعاجز و السحر و امثال ذلك فاذا رأي من نفسه امثال ذلك يظن بانبياء الله انهم فعلوا ما فعلوا من هذا الباب و بهذه العلوم فلايكاد يستيقن بالمعجز و اذا رأي منه الجهلة ذلك اساؤا الظن بانبياء الله سلام الله عليهم و يحسبونهم انهم اظهروا خوارق العادات بهذه الشعابذ نعوذ بالله فلايستيقنون بهم فحينئذ يتخذهم الشيطان هياكل له و مصايد و حبايل فيضل به ساير الخلق و يشقيهم نعوذ بالله .

ختام به تمام الرسالة

اعلم انا قد بسطنا القول في خلقة الشياطين في ساير كتبنا و ليس هيهنا موضع بسط المقال في شرح الحال و لكن نذكر من ذلك هنا علي سبيل الاجمال ، اعلم ان الشياطين هم خلق مرجومون مطرودون عن رحمة الله سبحانه قد خلقوا من طينة سجين مادتهم من الظلمة و صورتهم من النقمة يدعون الي غير الله سبحانه و هم علي اصناف منهم شياطين جمادية و هم كل جماد محرف عن الوضع الالهي الاولي قد كفر بالله سبحانه حين عرض عليه التكليف علي ان الجمادات ايضا لهم ارواح و شعور الا انها ضعيفة جدا و قد برهنا علي شعور كل ما دخل في عرصة الايجاد في ساير كتبنا و يكفيك قوله سبحانه و ان من شئ الا يسبح بحمده و لكن لاتفقهون تسبيحهم فالجمادات الكافرة المطبوع عليها بالكفر شياطين يدعون الي غير الله سبحانه دائما فاذا استولوا علي انسان و هو عند فساد اخلاط بدنه يدعونه الي ما هو خلاف الصواب و الصلاح و ما يدعوا الي فساد البدن و هؤلاء اقل الشياطين شرا و اضعفهم قوة و ربما يتعلم منهم الشيطان النباتية و ربما يستكملون بفضل ضلالة الشياطين النباتية و من عمل بالشرع حتي يعتدل طباعه فر عنه الشياطين و من لم‌يعمل حتي فسد طباعه و انحرف عن الوضع الالهي سكن فيه تلك الشياطين يوسوسون في بدنه بما يكون فيه فساد بدنه و مسكنهم معدة الانسان ثم فوق هؤلاء الشياطين النباتية و هم نباتات منحرفة عن الوضع الالهي الكافرة بالله عند عرض التكليف عليهم و في بدن الانسان مسكنهم الكبد و هي موضع سريرهم ثم منها ينتشرون في البدن يدعون الانسان الي جذب و هضم و دفع و امساك ما لاينبغي في صلاح طبعه و فيه فساده و هم دائم الاغواء للانسان الي مشتهيات منكرة و الخلاص منهم بالتمسك بالشرع في تعديل الحركة و السكون و النوم و اليقظة و الاكل و الشرب و الاعراض و غير ذلك فان الشرع داع الي تعديل المزاج باستقامة المنهاج و لم‌يغادر صغيرة و لا كبيرة الا و قد احصيها و منه تعديل المزاج بالطب و العلاج عند الانحراف و فيه دخل عظيم في طرد هذين النوعين من الشياطين و العلاج ايضا من الشرع و قد امر به عند الحاجة و ربما يكملون هؤلاء الشياطين الاولي بفضل اغوائهم و ربما يكتسبون منهم خصالا لم‌تكن لهم و ربما يستكملون في الغواية و الضلالة بالتعليم من الشياطين الحيوانية و هذان النوعان لايصعدون الي السموات الخارجة و الداخلة و محلهم الطبايع العنصرية ظاهرها و باطنها و هؤلاء اشد قوة من الشياطين الاولة و اكثر تمازجا و تداخلا في الانسان و اعظم تلبدا و اصعب انقلاعا و فوق هؤلاء الشياطين الحيوانية و هم خلقوا من باطن الافلاك قد كفروا بالله العظيم حين عرض عليهم التكليف و كانوا من قبل يصعدون الي السموات و يقعدون منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا لبعثة النبي صلي الله عليه و آله في العالم الانسان الكبير و اما الانسان الصغير فان بعث فيه نبي عقله تمنع عن سموات وجوده و الا فلا و مسكنهم من الانسان اللحم الصنوبري و هو موضع سريرهم و منه ينتشرون في ساير البدن و هؤلاء اضل من الشياطين الاولة و اصعب انقلاعا و اكثر وسوسة يدعون الانسان الي النظر و السمع و الشم و الذوق و اللمس لما لاينبغي و الي الشهوة و الغضب و هم اصناف علي اختلاف اصناف الحيوان من البهائم و السباع و الحشار و الدواب و غيرها كل يدعوا الي مقتضي طبعه فاذا استولي نوع منهم علي الانسان يحملونه علي مقتضي طبعهم لهم قلوب لايفقهون بها و لهم اعين لايبصرون بها و لهم آذان لايسمعون بها انهم الا كالانعام بل هم اضل اولئك هم الغافلون و هؤلاء قد يستكملون بفضل غواية الشياطين الجنية و قد يكملون الشياطين الاولة بفضل غوايتهم و قد يكتسبون منهم ما لم‌يكن لهم و فوق هؤلاء الشياطين الجنية و هؤلاء اعظم من الشياطين الاولة شرا و اكثرهم فسادا و اشدهم تلبدا و انفذهم في الانسان و اكثرهم تمازجا و تداخلا في ارواحه و هؤلاء خلقوا من عكس فضل الناطقة القدسية من عكس ظل غيب الكرسي و هم كانوا يخترقون ظاهر السموات و باطنها و يصلون الي سماوات الخيال بخلاف الشياطين الحيوانية فانهم كانوا يصلون الي سموات الحس المشترك و لما بعث النبي صلي الله عليه و آله و اشرقت السموات بنوره منعوا من الصعود فلايقدرون الآن علي الصعود و هؤلاء اذا كانوا باشتراك ولد الجان يكونون ادهي و اعظم شرا و ان كانوا خالصين يكون شرهم اقل و اما في الانسان الصغير اذا لم‌يبعث نبي عقله و لم‌يشرق سموات خياله بنوره يخترقون سموات خياله ايضا و يوسوسون في خياله و فكره و وهمه و علمه و عاقلته نعوذ بالله فيوسوسون له العقايد الفاسدة و مسكنهم منه في صدره و لا نجاة من شر هؤلاء الا بالذكر و الفكر و العلم و الحلم و النباهة و النزاهة و الحكمة و التضرع الي الله سبحانه و حصر النظر في عليين و الحق و اهله و هؤلاء قد يستكملون من الشياطين الانسية و قد يكملون الشياطين الاولة و قد يكتسبون منهم ما لايعلمون و فوق هؤلاء الشياطين الشياطين الانسية و هم اعظم الشياطين شرا و اصعبهم امرا و اقواهم مكرا و اقواهم ضررا علي الاسلام و اهله و هؤلاء كانوا يخترقون ظاهر السموات و سموات الحس المشترك و سموات الخيال و كانوا يصلون الي تحت العرش و العقل و يسترقون السمع و يخبرون عن ما كان يتكلم به ملائكة العقول من الالهامات و الوحي و اما بعد بعث النبي صلي الله عليه و آله منعوا عن خرق تلك السموات و لايقدرون علي السماع و الاخبار الا ان يكذبوا و لذا قال الله سبحانه و اكثرهم الكاذبون و قال يوحي بعضهم الي بعض زخرف القول غرورا و اما في الانسان الصغير فان لم‌يبعث نبيه الذي هو عقله يخترقون جميع سموات وجوده و يوسوسون في قلبه نعوذ بالله العقايد الفاسدة و بغض اولياء الله و حب اعداء الله و لا نجاة من شر هؤلاء الا بالتوجه الي الله سبحانه و اتباع رسوله و اوصيائه و التوسل بهم و الاستشفاع بهم و الولاية لاوليائهم و البراءة من اعدائهم و مجانبة خصالهم و اعمالهم و اقوالهم و افعالهم و كتبهم و علومهم و اخبارهم و آثارهم و آرائهم و مباعدتهم بعد المشرقين و الاعراض عنهم بالكلية و عدم مجالستهم و مساورتهم و محادثتهم حتي ينسيهم و ينسي ذكرهم بالكلية ثم تصحيح العقايد بالادلة الالهية و البراهين النبوية و الآثار المعصومية و مجالسة اولياء الله و مجالس ذكر آل الله و احياء امرهم و نشر فضائلهم و الانغماس في بحار احاديثهم ليلا و نهارا و التأسي بهم في جميع الحركات و السكنات و الا فان تسلط عليه احد هذه الشياطين فلايلومن الا نفسه و من تمام هذه الاسباب اتخاذ الاخوان الصالحين و مزاورتهم و محادثتهم دائما فهذا ما كان يجب علينا من النصح لاخواننا المؤمنين و قد قضينا الوطر في كتابنا هذا و فيه كفاية و بلاغ فاختم كتابي هذا باربع كلمات بليغات و في الاخذ بها نجاة و المتخلف عنها واقع في الهلكات فاوليها عليك بقرائة القرآن بالتدبر فانه فيه بصر من العمي و سمع من الصمم و فهم من الجهالة و نور من الظلمة و هداية من الضلالة و حفظ من كل سوء و امان من كل خوف و كفاية من كل حاجة و ثانيتها عليك بادمان مراجعة الاحاديث المعصومية فان كلامهم نور و امرهم رشد و وصيتهم التقوي و فعلهم الخير و عادتهم الاحسان و سجيتهم الكرم و شانهم الحق و الصدق و الرفق و قولهم حكم و حتم و رأيهم علم و حلم و حزم يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و احاديثهم تنبئك عن جميع ذلك و ثالثتها العزم علي العمل بهذين لئلايكونا حجة عليك و يكونا حجة لك و العلم يهتف بالعمل فان اجابه و الا ارتحل فان قصرت في العمل فعليك بالتدارك بالتوبة و الانابة و العزم علي العمل فانها عمل القاصر و هي ايضا عمل و رابعتها عليك باتخاذ الاخوان و مصاحبتهم و اداء حقوقهم فاني لم‌اجد بعد التتبع التام اعظم من هذه الفريضة و هذا من غير ساير الاعمال نافع و ساير الاعمال من دون هذا العمل غير نافع و لذلك تري الناس غير منتفعين بشئ من اعمالهم و هم تاركون لهذا الفرض الاعظم و جميع تلك الفرايض فروع هذه الفريضة فليكن هذا آخر كتابنا ليكون ختامه مسكا و في ذلك فليتنافس المتنافسون.

قد فرغ من تسويد هذه الرسالة مؤلفها وكاتبها في قرية لنجر ليلة الإثنين لسبع مضين من شهر الجمادي الآخرة، لأربع ساعات و نصف مضت من الليل، وكان ذلك من شهور سنة ثمان وستين بعد المئتين والألف حامداً مصليّاً مستغفراً.