انتقل إلى المحتوى

رجوع الهارب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

رجوع الهارب

​رجوع الهارب​ المؤلف علي محمود طه


قرّبت للنور المشع عيوني
و رفعت للّهب الأحمّ جبيني
و مشيت في الوادي يمزّق صخره
قدمي، و تدمي الشّائكات يميني
و عدوت نحو الماء و هو مقاربي
فنأى و ردّ إلى السراب ظنوني
و بدت لعيني في السّماء غمامة
فوقفت، فارتدّت هنالك دوني
و أصخت للنسمات و هي هوازج
فسمعت قصف العاصف المجنون
يا صبح: ما للشّمس غير مضيئة
يا ليل: ما للنّجم غير مبين؟
يا نار: ما للنار بين جوانحي
يا نور: أين النّور ملء جفوني؟
ذهب الّهار بحيرتي و كآبتي
و أتى المساء بأدمعي و شجوني
حتى الطّبيعة أعرضت و تصاممت
و تنكّرت للهارب المسكين!!
أن لم يكن لي من حنانك موئل
فلمن أبثّ ضراعتي و حنيني؟
آثرت لي عيش الأسير فلم أطق
صبرا و جنّ من الأسار جنوني
فأعدتني طلق الجناح و خلت بي
للنّور جنّة عاشق مفتون
ة أشرت لي نحو السّماء فلم أطر
ورددت عين الطائر المسجون
نسي السّماء و بات يجهل عالما
ألقى الحجاب عليه أسر سنين
و لقد مضى عهد التّنقل و انتهى
زمني إليك بصبوتي و فتوني
لم ألق بعدك ما يشوق نواظري
عند الرّياض، فليس ما يصبيني
فهتفت أستوحي قديم ملاحني
فتهدّجت و تعثّرت بأنيني
و نزلت أستذري الظلال فعقّني
حتّى الغصون غدون غير غصون
فرجعت للوكر القديم و بي أسى
يطغى عليّ و ذلة تعروني
لما رأته غرورقت عيناي من
ألم، و ضجّ القلب بعد سكون
و مضت بي الذّكرى فرحت مكذبا
عيني، و متّهما لديه يقيني
و صحوت من خبل و بي مما أرى
إطراق مكتئب و صمت حزين
فافتح لي الباب الذي أغلقته
دوني، و هات القيد غير ضنين
دعني أروّ القلب من خمر الرّضى
و أنم على فجر الحنان عيوني
و أعد إلى أسر الصّبابة هاربا
قد آب من سفر اللّيالي الجون
عاف الحياة على نواك طليقة
و أتاك ينشدها بعين سجين!!