ذو النورين عثمان بن عفان (المكتبة العصرية)/بين القيم والحوادث
ربما كانت سيرة الخليفة الثالث — ذي النورين — أوفى السير بالشواهد على الخصائص التي تلازم تاريخ العقيدة في أطوارها الأولى، ولا سيما أطوار التحول في طريق الاستقرار..
وأبرز هذه الخصائص في تاريخ العقيدة أنه تاريخ قيم ومبادئ، وليس بتاريخ وقائع وأحداث..
فالوقائع والأحداث تتشابه في العصور المتطاولة، ولو أننا تخيلناها معروضة في الصور الصامتة؛ لما وجدنا من فارق يُذكر بين الوقائع والأحداث التي تفصلها من مسافة الزمن آلاف السنين، ومن مسافة المكان آلاف الفراسخ، كلها صورة متكررة من حيث ظواهرها وأغراضها البادية للعيان، ولكنها تختلف اختلافًا بعيدًا حين ننفذ من ظاهرها إلى باطنها، أو حين ننفذ من حركاتها المكشوفة إلى القيم النفسية التي تكمن 1 وراءها، وإلى الدعاوى التي تدور عليها، ولو كانت من دعاوى المبطلين التي يصدق عليها في بعض الأحايين أنها كلمات حق أُرِيْدَت بها أباطيل..
فالحوادث التي تدور على طلب السطوة 2، غير الحوادث التي تدور على طلب الحرية، ولو كان طلب الحرية أكذوبة يتعلل بها المتعلل لغاية في نفسه يسترها ويعلن ما عداها..
فإذا كان المتعلل بالحرية مبطلًا في دعواه؛ فهناك فارق صحيح بين المعارك التي تذكر فيها الحرية حقًّا أو باطلًا، والمعارك التي لا ترد فيها على لسان أحد ولا تخطر بباله، فلولا أنها أصبحت شيئًا يهتم به الناس ويتنازعونه؛ لما ذكرها الصادقون ولا المبطلون، ومتى أصبحت الحرية قيمة من القيم المحسوبة في حياة الأمم؛ فهناك دليل عليها ممن يتعلل بها صادقًا ويتعلل بها كاذبًا؛ ليخدع الناس بها عما يريده من ورائها.
وفي سيرة عثمان رضي الله عنه صدمة عنيفة تواجه كل باحث في تاريخ صدر الإسلام، وتلك هي قتلته البشعة وهو شيخ وقور جاوز الثمانين.
لم يكن عثمان أول خليفة قُتِل، فإن الفاروق عمر بن الخطاب قُتِل قبله غيلة وهو يقيم الصلاة.
ولكن مقتل عمر لم يكن صدمة في تاريخ العقيدة … قتله غلام دخيل على الإسلام، ومن ورائه عصابة تدين بغير دينه، وتكره منه ما عمله لإقامة ذلك الدين، فلا غرابة ولا صدمة، ولا شيء فيه غير الفاجعة التي تفجع نفوس المسلمين.
أما تلك القتلة البشعة التي انتهت بها حياة الخليفة الثالث فشيء غير هذا، وشيء بعيد عن هذا في صدمته المفاجئة لمَنْ يتابع تاريخ العقيدة الإسلامية في أطوارها الأولى.
لم يمضِ جيل على الإسلام ويقتل خليفة المسلمين هذه القتلة؟! فماذا صنعت هذه العقيدة إذن بنفوس الحاكمين والمحكومين؟! وماذا تغير من فتكات الجاهلية بعد جهاد المؤمنين وإيمان الكافرين؟!
والسؤال صدمة عنيفة.
ولكنه قائم على خطأ جسيم، وإن يكن خطأ قريب التصحيح.
فالعقيدة لا تبطل الخلاف والنزاع، ولا تختم الوقائع والأحداث في التاريخ، ولم يحدث قط في دعوة إصلاح في الدين أو غير الدين أنها قسمت التاريخ إلى عهدين: عهد سابق كان فيه نزاع وكانت فيه أحداث، وعهد لاحق يبطل فيه النزاع وتنقضي فيه الأحداث.
لم يحدث هذا قط ولا يحسن أن يحدث، فإنه لو حدث؛ لكانت العقيدة المصلحة شللًا معطلا لحياة الأمم، معوقًا للتاريخ في مجراه المطرد إلى غير قرار.
إن العقيدة لا تلغي الحوادث والخصومات، ولكنها تجدد القيم التي تدور عليها الحوادث والخصومات.
وليست الخصومات شر ما يبتلى به الناس، فشر منها الخسة التي ترضى بالدون، وشر منها الوفاق على الغش والمهانة، وشر منها شلل الأخلاق الذي لا يبالي صاحبه ما يحسن وما يقبح وما يرضى وما يسوء، وشر منها الحياة بغير قيمة تستحق الخلاف عليها، وبغير معنى يتسع للبحث فيه.
فليس مطلوبًا من العقيدة أن تبطل الخصومات، ولكنما المطلوب منها أن ترتفع بالنفوس عن الخصومة في غير شأن، أو ترتفع بها عن الخصومة في شأن هزيل ضئيل.
وعلى هذا ينبغي ألا تكون الخصومات والأحداث هي مدار البحث في تاريخ هذه الفترة، بل ينبغي أن يكون مدار البحث على القيم والمبادئ التي دارت عليها تلك الخصومات والأحداث.
ولا نقول: إن الفاجعة إذن تهون.
وغاية ما نقوله: إنها تُفهم على وجهها الصحيح، وإنها تُفهم على وجه لا يريب في عمل العقائد وعمل العقيدة الإسلامية على التخصيص.
لقد كان مدار الخصومة على محاسبة الإمام: محاسبة الرعية لإمامها، ومحاسبة الإمام لنفسه، وكل أولئك شيء جديد في التاريخ، وكل أولئك شيء يقيم ويقعد في حياة الأمم، ولا سيما حياتها في أطوار العقيدة الأولى.
أين كان أبناء الجاهلية من حق الحساب بين الحاكم والمحكوم؟
أما في البادية فقد كان الحساب كله على شريعة الثأر والانتقام وإغارة القبيلة الكبيرة على القبيلة الصغيرة، وكان الغالب على الفرد أن يعيش في كنف قبيلته، تحميه إن استطاعت، أو تخلعه إن عجزت عن حمايته. وقد شاع في العصور الحديثة كلام كثير عن الحرية البدوية، ولم تُفهم على حقيقتها مع كثرة الكلام فيها، فما كانت الحرية البدوية قط قائمة على حق إنساني تحميه الشرائع والآداب، ولكنها كانت أشبه شيء بانطلاق المادة حيث لا عائق لها مما حولها، ومثل هذه الطلاقة طلاقة العصفور في فضائه، والحيوان الآبد 3 في صحرائه، طلاقة المادة حيث لا حواجز ولا سدود ..
وأما الحكومات التي قامت في الجزيرة العربية، على نحو من نظام الملك والإمارة، فقد كانت شريعتها — على خلاف المظنون — طغيانًا مطلقًا من جميع القيود، وكان بعض ملوكها يتخذ من أهوائه ونزواته شعائر يدين بها الناس في مسائل الحياة والموت، فكان المنذر بن ماء السماء يجعل له يوم نعيم ويوم بؤس، ويقتل كل من يسوقه إليه الحَيْن 4 في يوم ولو كان عابر طريق، وكان يسكر ويأمر بالقتل فينفذ لساعته، ولا يدرى بعد إفاقته فيم كان هذا العقاب إن صح أن يُسمَّى بالعقاب، وحدث أن حجر بن الحارث فرض على بني أسد إتاوة 5 ثقيلة؛ فتمردوا عليها فاستباح أحياءهم، واعتقل رؤساءهم، وأقسم ليقتلنهم بالعصا؛ هوانًا 6 بهم عنده أن يقتلهم بالسيف أو السلاح، فسُمُّوا من أجل ذلك بعبيد العصا، وقال شاعرهم عبيد بن الأبرص يستشفع فيهم:
وكان عمرو بن هند يكلم الناس من وراء ستور 8، وكانوا يضربون المثل بكليب وائل في عزته، فيقولون عن العزيز البالغ في العزة: «إنه أعز من كليب وائل» .. لأنه كان يحمي الكلأ 9 فلا يقرب حماه، ويمر بالمكان يعجبه فيرمى عنده بكليب 10 وينادى بين القوم: إنه حيث بلغ عواؤه كان حمى لا يرعى .. وكانوا يقولون: «لا حر بوادي عوف»؛ لأنه كان من عزته يقهر كل من حل بواديه، فكلهم عنده كالعبيد ..
وأقبح من ذلك ما رُوِي عن عمليق ملك طسم وجديس، فإنه كان يأمر ألا تزف الفتاة إلى بعلها 11 قبل أن تزف إليه، وفي ذلك تقول إحدى هؤلاء الفتيات:
إلى أشباه هذه المظالم التي أجملناها في كتابنا عن الديمقراطية في الإسلام، وقلنا معقبين عليها: إنها روايات لم تخلُ من إضافات القصة والخيال، كجميع روايات التاريخ القديم المنقول بالتلقين والإسناد «ولكننا نثبتها ونعول عليها؛ لأن الفكرة هنا أبلغ من الخبر، وأصدق من وثائق الأوراق، فلو لم تكن فكرتهم الغالبة عن الحكم أنه عزة وخيلاء لا تكملان لصاحبهما بغير إذلال الأعزاء، وتمحل الذرائع للعتو والإيذاء، لما تواترت أنباء الملوك على هذه الوتيرة.»
ومن هذه الفكرة المتواترة عن سلطان الحكم إلى محاسبة الخليفة على كل صغيرة وكبيرة في شئون الدولة بونٌ بعيد، وشيوعها بين الخاصة والعامة، حتى يتصدى للحساب صغير القوم وكبيرهم على السواء هو الفتح الذي جاءت به العقيدة الإسلامية على أعقاب الجاهلية، وعلى مسمع من طغيان الأكاسرة والقياصرة والتبابعة، في الشرق والغرب والشمال والجنوب.
وسنرى أنهم كانوا يحاسبون الخليفة على الزيادة في حمى المرعى المتروك لإبل الصدقة بعد تكاثرها ومضاعفة عددها، وسنرى أنهم كانوا يحاسبون واليًا من أكبر ولاته — وهو والي الشام معاوية بن أبي سفيان — لأنه سَمَّى مال الدولة مال الله بعد أن كان يُسمَّى ببيت مال المسلمين، وأشفقوا أن يكون تغيير الاسم تمهيدًا لاستئثار الحاكم بالتصرف فيه، وكف المسلمين أصحاب المال عن المحاسبة عليه.
هذه المحاسبة بين الحاكم والمحكوم قيمة كبيرة نشأت مع العقيدة المحمدية، وهي قيمة كبيرة على جميع حالاتها من الصدق فيها أو التذرع بها إلى غرض قد يخفيه أصحاب الذرائع والتعلات، فإن القانون يصونه أناس مخلصون، ويدعى غيرهم صيانته كاذبين مدلسين، ولكن القانون على الحالتين كسب عزيز لا يستهين به عاقل، ولا يقول أحد بالاستغناء عنه من أجل الكذب به أو الكذب عليه، وكذلك كل قيمة غالية من قيم الحياة الإنسانية كالفضيلة والخير والحرية والصدق وما شابهها من فتوح الضمير في آماد التاريخ، مما يحرص عليه الناس أو يصطنعون الحرص عليه، فإنما تكسبها الإنسانية بالتعارف عليها وقبولها أو قبول مقاييسها، ولن تكون القيم جميعًا إلا من هذا القبيل وعلى هذا المثال.
ولقد كان من الناهضين لمحاسبة عثمان - رضي الله عنه - أناس مغرضون يقولون مالا يفعلون ويفعلون غير ما يقولون: كان منهم من أقام عليه الحد، ومَنْ حبس أباه في جريمة، ومَنْ فرَّق بينه وبين حليلة تزوجها على غير الشريعة، ومن أبى عليه الولاية، ومن لم يصنع به الخليفة أمرًا من هذه الأمور، ولكنه كان منطوي النية على الفساد والإفساد، وكل هذه المآرب قد شِيبَتْ بها حركة المحاسبة على أعمال الخليفة؛ فكانت عيبًا للحركة، ولكنها لم تكن عيبًا لحق المحاسبة، ولا إزراء بشأنه ولا بالشأن الذي أكسبته الأمة من تقريره والتعارف عليه، ولولا أنه حق؛ لما تعلل به المبطلون.
وآفة البحث في تطور الأخلاق والقيم الإنسانية أن يتولاه مَن لا يفقهون قيمة النهي عن شيء، بعد أن كان مباحًا غير منهي عنه، ولا يخطر النهي عنه على بال أحد، فإقامة الحدود التي يُؤخذ الناس بالتزامها وينهون عن تجاوزها، هي عنوان الدوافع الباطنية التي غيرت حياتهم، وغيرت نظراتهم إلى الأعمال والأخلاق فأعلنوها في تلك الحدود. وأضل من هؤلاء من يبحثون في تطور الأخلاق؛ فيأخذونها بالعناوين ويطلقون العنوان الواحد على صفتين مختلفتين أو متناقضتين، ويكاد القس راشدال Rashdall أن يزن الأطوار الأخلاقية بهذا الميزان حيث يقول: «إنه ندر من رذيلة أو جريمة إلا كانت في زمن من الأزمنة منظورًا إليها كأنها واجب من واجبات الديانة أو العرف، كالسرقة التي كانت تحسب فضيلة من الناشئة الإسبرطية ومن الطائفة الهندية التي تُسمَّى بطائفة الخناقين، وقد كانت القرصنة — وهي سطو وقتل — صناعة محترمة في العالم القديم، وكان الاضطهاد الديني في القرون الوسطى أشرف الواجبات.»
وليس من الميسور في هذا المقام أن نفصل وجوه الخلاف بين الإباحة القديمة والتحريم الحديث في جميع هذه الفعال والخلال، ولكننا نكتفي بما يُستطاع بيانه بغير حاجة إلى الإفاضة والإسهاب، كالقرصنة ما بين العصرين القديم والحديث، فهل القرصنة التي نحرمها اليوم هي القرصنة التي كانت مباحة بالأمس، أو هما نقيضان باسم واحد مشترك بينهما بوهم الاصطلاح؟
الواقع أن قرصنة الأمس كانت حقًّا كحق صاحب الملك الذي تسطو عليه؛ إذ كان صاحب الملك يجمع بضاعته بالسطو على قبيلة أو عشيرة أضعف منه وأعجز عن الهجوم والدفاع، فإن كان فيما يملكه شيء مصنوع فهو من صنع العبيد المسخرين في أرضه أو معمله، وكلهم من أسرى الحرب المغتصبين من أبناء القبيلة التي قُهِرَت؛ لأنها عاجزة عن مقاومته ودفعه، فحقه في بضاعة السفينة كحق القرصان في السطو عليها، وليس هذا الحق الذي يستطيع القرصان في العهد الحديث أن يدعيه ويقبل التعارف عليه.
ويصدق على سرقة الناشئة الإسبرطيين ما يصدق على القرصنة في العصور القديمة، ويمكن أن يقال كذلك: إن الاضطهاد الديني في العصور الوسطى غير الاضطهاد الديني في العصر الحديث؛ لأن العمل لا يعتبر رذيلة أو جريمة إلا إذا كان فيه نقض لقيمة أخلاقية مصطلح عليها، ولم يكن التسامح ولا الحرية الفكرية قيمة مصطلحًا عليها في العصور المظلمة بين الأوربيين سواء منهم المضطهدون ومن يقع عليهم الاضطهاد، فلو أن أحدًا من الذين وقع عليهم الاضطهاد ظفر بمخالفيه في العقيدة؛ لاضطهدهم كما اضطهدوه وقسرهم على التصديق بعقيدته كما قسروه، وكلا الفريقين يستعيذ من حرية الفكر على اعتبارها تفريطًا في الغيرة على الدين.
۲ فالقيم الأخلاقية والوجدانية هي الجوهر المهم في تطور الأخلاق، وليست هي الأسماء والعناوين، ومتى ظهرت «القيمة» في أمة فهي مكسب حق لا شك في نفعه أيًّا كانت نية المنادي به على الصدق أو على الخداع، فلو لم يكن الذهب ذا قيمة لما استحق أن يزيفه المزيفون.
ومحاسبة الحكام كانت قيمة جديدة بين العرب وسائر المسلمين في الصدر الأول من الإسلام، فنادى بها الخاصة والعامة وادعاها الصادق والكاذب، وظلت عاملًا مهمًّا في السياسة أيام الخلافة وبعد أن صار الحكم ملكًا يتوارثه الأبناء عن الآباء.
•••
أما الخليفة عثمان رضي الله عنه فأَثَرُ العقيدة فيه وهو فرد أوضح من أثرها فيمن قدموا إليه من الأمصار ليناظروه ويحاسبوه، وهو واحد من آحاد معدودين لم يكن في وسع العقل أن يتخيلهم في جاهليتهم على حالتهم التي ارتفعوا إليها بعد الإسلام.
إنه كان من سلالة الأمويين، وهي سلالة اشتهرت في الجاهلية بالحرص على المال لا تبذله في غير مأرب أو متعة، ولم ينهض أحد منهم بتكاليف المروءة والسخاء إلا منافرة لمن ينافسهم بين الملأ، وغيرة منهم أن يسبقوه إلى المجد والثناء، فلما أسلم عثمان رضي الله عنه كانت شهرته الكبرى بالسخاء والأريحية، فنزل عن ماله لتسيير جيش في سنة العسرة، ونزل عن ماله لشراء بئر يستقي منها المسلمون بغير ثمن، ونزل عن ماله لتوسعة المسجد، ونزل عن ماله لحمل المغارم وإعانة الملهوف والبر بالأقربين والأبعدين.
ومذهبه في محاسبة نفسه قد تتعارض فيه الأقوال والتأويلات، ولكنه في الأمر الثابت الذي لا جدال فيه قد بلغ الذروة من محاسبة النفس والتحرج من المساس بالحياة البشرية ولو في سبيل الذود عن حياته وحياة أقرب الناس إليه، فلما أيقن من القتل؛ أبى أن يبقى في داره من يقتل أحدًا ممن يحيطون بها ويعالجون اقتحامها لاغتياله، ولما سُئِل أن يتنحى عن الخلافة أبى أن يتنحى عنها، ولم يكن إباؤه ضنًّا بشيء يحتويه، فلا شيء أغلى من الحياة وقد هانت عليه، ولا يزعم أحد أنه غنم من الخلافة مالًا، بل يتفق المؤرخون على أنه ترك الدنيا وماله أقل مما كان لديه يوم ولي الخلافة، ولكنه أبى أن يخلع نفسه حذرًا من أن يحمل جريرة الخلع وما يعقبه من النزاع والقتال، وقد صرح بذلك غير مرة فقال: إنه يخشى على الذين يستطيلون أيامه أن يتمنوا بعده لو كان يومه مائة سنة، فلا يبوءن بالعاقبة المحذورة وهو مختار.
•••
فإذا تركنا الحوادث جانبًا ونظرنا إلى التاريخ في صدر الإسلام على أنه تاريخ قيم ومبادئ، فلنا أن نقول: إننا أمام فواجع مؤلمة يود الناظر إليها لو يزوي بصره عنها، وليس لنا أن نقول: إننا أمام صدمة يصطدم بها من يسأل عن أثر العقيدة وأطوارها، فلا صدمة هناك إذا نحن وزنا الحوادث بميزان القيم، وعلمنا أن التاريخ لن يخلو من الحوادث، وأن حوادث الخلاف ليست بأكبر الشرور التي تُبتلى بها ضمائر بني الإنسان.