انتقل إلى المحتوى

حماة الوغى أين السلام الموطد

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

حماة الوغى أين السلام الموطد

​حماة الوغى أين السلام الموطد​ المؤلف أحمد محرم


حماة الوغى أين السلام الموطد
وأين الوصايا والذمام المؤكد
عهودٌ كتضليل الأماني وراءها
وعودٌ كما طار الهباء المبدد
أطالت عناء السيف والسيف مغمدٌ
وطاحت به في الروع وهو مجرد
زعمتم فصدقنا وقلتم فكذبت
أفاعيل منكم بادئاتٌ وعود
كأن الوغى ملهىً كأن الردى هوىً
كأن الدم الجاري شرابٌ مبرد
كأن أنين الهالكين مردداً
أهازيج في أسماعكم تتردد
كأن بني حواء تزجى جموعهم
إلى حومة الحرب النعام المطرد
كأن كتاب الله لغوٌ كأنكم
على الناس أربابٌ تطاع وتعبد
ملأتم فجاج الأرض ناراً فلم تبت
من الخوف إلا وهي بالناس ميد
ففي مصر زلزالٌ وللهند وقعةٌ
وبالصين إجفالٌ وللشام موعد
لئن كان متن الجو بالحتف موقراً
فإن عباب البحر بالهول مزبد
أبيتم فما يلفى على الأرض مهبطٌ
لناجٍ ولا يلفى إلى النجم مصعد
أماناً حماة السلم لا تمسحوا الدنى
ولا تذبحوا عمرانها وهو يولد
عبثتم بآمال الشعوب فأبغضت
من العيش ما كانت تحب وتحمد
لئن ضجت الهلاك من نكد الردى
لعيش الألى لم يطمعوا الهلك أنكد
نبت ببنيها الأرض واجتاح أمنهم
حثيث الردى يفني النفوس ويحصد
وجف معين المال فالرزق معوزٌ
وإن أمعن الساعي إلى القوت يجهد
فواجع هال اليوم والأمس وقعها
وريع لها من قبل أن يولد الغد
تود الدراري الطالعات لو أنها
محجبة مما تراعي وتشهد
كأن نجوم السعد غضبى على الدنى
إذا ضمها يومٌ من النحس أسود
كأن الدنى حمراً وسوداً من الوغى
جهنم تحمى للعصاة وتوقد
كأن الألى صبوا على أهلها الردى
زبانيةٌ منها حديدٌ وجلمد
وقائع لم يشهد لها الدهر مرةً
شبائه تروى أو نظائر تعهد
لئن كان هزلاً ما رأى الناس قبلها
فتلك التي لا هزل فيها ولا دد
أقامت شياطين الحروب ملاوةً
تعد لها أعدادها ثم تحشد
أجدت فنوناً من سلاحٍ وعدةٍ
لدى مثلها تخبو العقول وتخمد
تظل الجيوش الغلب من فتكاتها
حيارى يهب الموت فيها ويركد
يثور الردى منها فلا القرن باسلٌ
ولا الطرف سباقٌ ولا الحصن أقود
تدين الكماة الصيد طوعاً لحكمها
إذا جعلت آجالهم تتمرد
تقرب من أسبابها وهي نزعٌ
وتجمع من أسرابها وهي شرد
فما لقيت نفسٌ من الهول مثلها
ولا أبصرت عينٌ ولا صافحت يد
حروبٌ يظل الدهر يرزح تحتها
على أنه ضخم المناكب أيد
يساق إليها ذو البنين فما لهم
سوى اليتم والٍ بعده يتفقد
يلوذون من هول الفراق بأعينٍ
تمج الأسى منه توأمٌ ومفرد
وضجت بمكتوم الغليل مروعةً
أهاب بها الداعي فطاح التجلد
وإن هودت في الوجد منها حشاشةٌ
ألحت عليها لوعةٌ ما تهود
جرى دمعها من روعة البين فالتقى
ذليقان مسلولٌ وآخر مغمد
وما راع وقع السيف والحرب تلتظي
كما راع وقع الدمع والبين يأفد
مضى للوغى والنفس من لوعة النوى
مولهةٌ والقلب حران مكمد
فلما بدت شم الحصون وأشرفت
لياج وماج الجيش يدنو ويبعد
تذكر في برلين أهلاً ومعهداً
وقد شط من برلين أهلٌ ومعهد
ولم يبق إلا الحرب تهوي رجومها
هوياً تهال الأرض منه وترعد
تفجرت النيران من كل قاذفٍ
بأرجائها واستجمع الدم يجمد
وطارت بها الأرواح فوضى يضمها
إلى الله عزرائيل والله يرصد
قذائف ملء الجو يرمي حثاثها
من الحتف ذي الأهوال رامٍ مسدد
إذا ما ألمت بالحصون تطايرت
ذراها العلى واندك منها الموطد
إذا جحدت تدمير أخرى تهابها
أتاها من التدمير ما ليس يجحد
إذا داهمتها لم تفدها ضراعةٌ
ولو خر عاتبها على الأرض يسجد
تحاول أسباب الفرار لعلها
تغاث إذا طارت سراعاً وتنجد
تود ارتياعاً لو حوتها حمامةٌ
وغيبها تحت الجناحين هدهد
وقد ملك الآفاق نسرٌ محلقٌ
يطوف بأكناف السهى يتصيد
يشد عليها بالحتوف ولو غدت
تشد بأسباب السماء وتعقد
وأخرى إذا زاغ الردى عن سبيله
وطاح به ليلٌ من الشك أربد
أضاءت له سود الغياهب وانبرت
على البعد تهديه السبيل وترشد
وإن أجمعت أخرى صدوداً عن الوغى
أتتها خيالات الوغى تتودد
تنبه من لوعاتها وهي هجد
وتبعث من روعاتها وهي همد
تود من السهد المبرح أنها
حواها من المأثورة البيض مرقد
ويشتاق عانيها من الأمن نهلةً
ولو أن أطراف الأسنة مورد
بروكسل حامي عن ذمارك واثبتي
فإن لم يكن نصرٌ فمجدٌ وسؤدد
قفي وقفة الجبار في الحرب واصبري
وإن عض جنبيك الحصار المشدد
ولا تنكري صوب الحديد إذا انهمى
دراكاً كصوب المزن أو هو أجود
فذلك مهر الفتح والبأس خاطبٌ
وتلك حلاه والفخار المقلد
وما اعتز هياب البلاد بحليةٍ
ولو أن سمطيها جمانٌ وعسجد
فمثل الذي أبليت لم يرو مبرقٌ
ومثل الذي أبليت لم يرو مبرداً
يزول بنو الدنيا جميعاً وتنقضي
أباطيلها والذكر باقٍ مخلد
خذي صحف التاريخ بيضاء واكتبي
من الفخر ما أملي عليك وأنشد
سننت لنامور الحفاظ كأنما
تبيت له الأقدار حيرى تبلد
سلامٌ على نامور والنصر محنقٌ
يكيد لها والجيش غضبان يحقد
دعاها فلم تحفل فنادى فأعرضت
فغيظ فلجت فانبرى يتهدد
رماها فطارت مهجة الدهر خيفةً
وقرت فما تهفو ولا تتميد