حديث موجة
المظهر
حديث موجة
عندي لكم نبأ عجيب شيّق
سأقصّه و عليكم تفسيره
إنّي رأيت البحر أخرس ساهيا
كالشيخ طال بما مضى تفكيره
فسألت نفسي حائرا متلجلجا
يا ليت شعري أين ضاع هديره؟
" بالأمس " قالت موجة ثرثارة
و مضت، فأكملت الحديث صخوره:
بالأمس مرّ بنا فتى من قومكم
رقّت شمائله ودقّ شعوره
مترنّح من خمرة قدسيّة
فيها الهوى و فتونه و فتوره
مترفّق في مشيه يطأ الثّرى
و كأنّما بين النجوم مسيره
يلهو بأوتار الكمنجة و الدجى
مرخيّة فوق العباب ستوره
يهدي إلى الوطن القديم سلامه
و يناشد الوطن الذي سيزوره
فشجا الخضمّ نشيده و هتافه
فسها، فضاع هديره وزئيره
أعرفتموه؟... إنّه هذا الفتى
هذا الذي سحر الخضمّ مروره
" داود " و المزمار في نغماته،
و " الموصليّ " و معبد و سريره
يا ضيفنا / و الأنس أنت رسوله
و بشيره، و الفنّ أنت أميره
لو شاع في الفردوس أنّك بيننا
لمشت إلينا سافرات حوره
ذهب الربيع و جئتنا فكأنّما
جاء الربيع زهوره و طيوره
ألفن هشّ إليك في أمرائه
و تفتّحت لك دوره و قصوره
إنّ الجواهر بالجواهر أنسها
أمّا التراب فبالتراب حبوره
يا شاعر الألحان إنّي شاعر
أمسي ضئيلا عند نورك نوره
أسمى الكلام الشعر إلاّ أنّه
أسماه ما أعيا الفتى تصويره
و أحبّ أزهار الحدائق وردها
و أحبّ من ورد الرياض عبيره
أنت الفتى لك في النسيم حفيفه
و لك الغدير صفاؤه و خريره
ألقوم صاغية إليك قلوبهم
و اللّيل منصته إليك بدوره
و بهذه الأوتار سحر جائل
متململ كالوحي حان ظهوره
إن كنت لا تهتاجه و تثيره
فمن الذي يهتاجه و يثيره؟
دغدغ بريشتك الكمنجة ينطلق
و يدبّ في أرواحنا تأثيره
وامش بنا في كلّ لحن فاتن
كالماء يجري في الغصون طهوره
أدر على الجلّاس أكواب الهوى
في راحتيك سلافه و عصيره
فيخفّ في الرجل الحليم و قاره
و يراجع الشيخ المسنّ غروره
و تنام في صدر الشّجي همومه
و يفيق في قلب الحزين سروره
هذي الجموع الآن شخص واحد
لك حكمة و كما تشاء مصيره
إن شئت طال هتافه و نشيده
أو شئت دام نواحه وزفيره
إنّا و هبناك القلوب و لم نهب
إلّا الذي لك قبلنا تدبيره!