حافظ ابراهيم
المظهر
حافظ ابراهيم
إملأي الأرض من حداد و غيهب
مال نجم البيان عنك و غرّب
و خبا من مصباح الفكر نور
كان أمضى من الشّهاب و أثقب
و طوى الموت هالة كان ينمى
كلّ أفق إلى سناها و ينسب
يا سماء الخيال ما كلّ يوم
من بني الشّعر تظفرين بكوكب
ذهب الشاعر الذي ردّد الشّر
ق صدى شعره الجميل المحبّب
و مضى النّاثر الذي صوّر النّفـ
ـس، و جلّى سرّ الضّمير المحجّب
الأديب العريق في لغة الضّا
د، وقاموسها الصّحيح المرتّب
لم يكن شاعر القديم، و لا كا
ن لآداب عصره يتعّصب
كان يعنى بكلّ قول فذّ من القو
ل و يزهى بكلّ حسن ويعجب
شاعر الحبّ و الجمال و ربّ
المنطق الحقّ و الراع المؤدب
شعره من ينابع السّحر ينسا
ب و في عالم الحقيقة ينصب
عاطفيّ القصيد يعبث بالألـ
باب أسلوبه الرّشيق و يلعب
و خيال يسمو إلى ما وراء الـ
ـكون من عالم اليقين و يذهب
ينفذ الفكر في مجاهل دنيا
ه فيبدو له الخفيّ المغيّب
و معان أرقّ من نسمة الفجر
و لفظ من سلسل الخمر أعذب
و بيان يسيل في كلّ نفس
فعله من غرائب السّحر أغرب
و قواف كأنها نغمات
هاجها الشّجو في يراع مثقّب
و كأّن الأوزان شتّى مثان
ترقص النّفس وفقهنّ فتطرب
بؤساء الحياة من لكمو اليو
م على الحادثات، و العيش أخطب
ضاقت الأرض بالحنان و فاضت
بالأذى أبحرا تضجّ و تصخب
فابحثوا في شعابها عن مقيل
و انشدوا من منافذ النّجم مهرب
قد فقدتم نصيركم و سلبتم
عضدا شدّ أن يغال و يسلب
عقل الموت مقولا منه عضبا
و طوى مهجة و أطبق هيدب
و خلا اليوم من شجاكم فؤاد
ذاب من رحمة لكم و تصبّب
و غفت أعين بكتكم بدمع
لم تدع منه ما يراق و يسكب
الرّفيق الحاني على كلّ فلب
أنشب البؤس فيه نابا و مخلب
و الخفيف الخطى إلى كلّ نفس
مال عنها نصيرها و تنكّب
فاذكروه على اللّيالي إذا ما
زحم الدّهر ركنكم و تألّب
من لصرعي الهموم بعدك يا حا
فظ من للحزين؟ من للمعذب؟
كنت برّا بهم و أحنى عليهم
من فؤاد الأب الشّفيق و أحدب
عجب صبرهم على خطبك الدّا
وي و صبر البأساء من ذاك أعجب!
قم و شاهد مآتم الشّرق و انظر
كيف يبكي البيان فيك و يندب
قسما لو يردّ هسجو إلى العيـ
ـش لألقى لك الزّمام و قرّب
و مشى في يمينه غلا بالريـ
ـس إلى رأسك الكريم و عصّب
و تمنى الذي كتبت عن البؤ
س وردّ الأصيل دون المعرّب
فجعت نهضة البلاد ببان
شدّ من ركنها و شاد و طنّب
و حباها من شعره و حجاه
ما أفاد الجهاد فخرا و أكسب
هزّ أشبالها الكماة و أحيا
أملا في صدورهم يتوثّب
لو شهدتم غداة ثورتها الكبـ
ـرى لجاج النّفوس و هي تلهّب
لرأيتم في ثورة النّفس منه
محنقا من قساور لغيل مغضب
لم يزل منه في المسامع صوت
تتوقّى الظّبىصداه و ترهب
نافذ في الصّميم من باطل القو
م كما ينفذ السّنان المذرّب
حافظ الودّ و الذّمام سلاما
لم يعد بعد من يودّ و يصحب
كنت نعم الصّديق في كلّ آن
حين يرجى الصّديق أو حين يطلب
لم تغيّرك من زمانك دنيا
و حياة بأهلها تتقلّب
خلق رضته على شرعة الصّد
ق و إن خانك الرّجاء و كذبّ
و إباء حميته من صغار
و بريق من المواعد خلّب
و فؤاد لغير عاطفة الوجـ
ـدان لا يدنّي و لا يتقرّب
و ضمير لا يبلغ المال منه
و بلوغ النّجوم من ذاك أقرب
و لسان حفظته من سؤال
لا يمين الكلام أو يتذبذب
يلفظ الرّوح صاديا و إذا لم
يصف للماء مورد ليس يشرب
صفحات نقّية بمداد السّـ
حق في مجتلى العظائم تكتب
خانني فيك منطقي و عصاني
قلم طالما أفاض و أسهب
آب بالشعّر من مصابك يبكي
رزءه فيك و الرّجاء المخيّب
أنت من أمّة بهم بعث اللّـ
ـه هداه إلى الشّعوب فثوّب
لم يزل منكمو على الأرض ظلّ
و شعاع هاد و غيث مصوّب
و يجوب الحياة من كل آن
هاتف منكمو و طيف تأوّب
حضّر في القلوب أنتم و إن كنـ
ـتم على ملتقى النّواظر غيّب