انتقل إلى المحتوى

تذكر عهدا بالحمى قد تقدما

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

تَذَكَّرَ عَهداً بالحمى قَد تَقَدَّما

​تَذَكَّرَ عَهداً بالحمى قَد تَقَدَّما​ المؤلف عبد الغفار الأخرس


تَذَكَّرَ عَهداً بالحمى قَد تَقَدَّما
فأجرى عليه الدَّمعَ فرداً وتوأما
ولاسيما إذ شاهد الربع لم يدع
له أهله إلاّ تلالاً وأرسما
وآثار ما أبقى الخليط بعهده
ونؤياً كمعوجِ السّوار مهدَّما
منازل كانت للبدور منازلاً
وإنْ شئتَ قل كانت محاريب للدمى
لهونا بها والعيش إذ ذاك ناعم
فلّله عيشٌ ما ألذَّ وأنعما
زمان مضى في طاعة الحب وانقضى
وصلنا به الّلذات حتّى تصرَّما
خَليليَّ عُوجا بي على الدار إنّني
أشدُّ بلاءاً بالمنازل منكما
خليليَّ هذا الحبّ ما تعرفانه
خَليليَّ لو شاهدْتُما لعرفتما
خَليليَّ رِفقاً بي فقد ضرّني الهوى
ألمْ موجعَ القلب مؤلما
ونمَّتْ على وجدي دموعٌ أرقتها
ولم يبق هذا الدمع سرّاً مكتما
فلا تمنعاني وقفةً أنَا سائل
بها الدارَ عن حيّ نأى أين يممَّا
وَقَفْنا عليها يا هذيم وكلّنا
حريصٌ على الأطلال أنْ تتكلما
نعالج فيها لوعةً بحشاشةٍ
على الرسم منّا نمزج الدمع بالدما
فلم نرتحل يوماً لنسقي معاهداً
من الدار في سلع وفي الدار من ظما
بعبرة مشتاق إذا لم تجد لها
من الدمع ما يروي اتلديار بكت دما
أحِبّاءَنا شَطَّتْ بهم شطط النوى
فأتبعتهم منّي فؤاداً متّيما
هبوا لعيوني أنْ يحلَّ بها الكرى
وإنْ كان نومُ العاشقين محرّما
أَلا رُبَّ طَيْف زَارَ ممَن احِبُّه
وما زار إلاّ من سليمى وسلَّما
سرى من زرود منعماً بوصاله
وما كان إلاّ في الحقيقة منعما
فأرَّقني والليلُ يسحبُ ذيله
وفارق صبّاً لا يزال متيما
وبرقٍ كنار الشوق توقد بالحشا
تلهَّبَ في جنح الدجى وتضرّما
بليلٍ كحظّي منه قطَّبَ وجهه
فما زلتُ أبكي فيه حتى تبسّما
أساهرُ فيه كل نجم يمرُّ بي
إلى أعين باتت عن الصبّ نوَّما
سقى الله أيّاماً خَلوْنَ حوالياً
على الجزع بالجرعاء من أَيْمَنِ الحمى
ولا بِدْعَ أنْ يسمو وها قد سما
رواء إذا ما ساقها الرعد أرزما
كراحة عبد القادر القرم لم تزل
تهامي على العافين فضلا وأنعما
يصبّ الحيا في صَوْبه مثل سَيْبهِ
كأنْ علمَ الغيثَ الندى فتعلّما
إذا جئتُه مسترفداً رِفْدَ فضله
غَدَوْتُ إذَنْ في ماله متحكما
وَرَدْتُ نداه ظامئاً غير أنَّني
وردتُ إليه البحر والبرح قد طمى
ولولا جميل الصنع منه لما رأَتْ
عيوني وجه العيش إلاّ مذمما
من القوم يولون الجميل تَفَضُّلاً
ولم يحسنوا الإحسان إلاّ تكرّما
أطرتُ لديه طائرَ اليمن أسعداً
وكنّا أطرنا طائر النحس أشأما
ودَّخرِ الذكر الحميد بفضله
ولم يدَّخرْ يوماً من المال درهما
رأيتُ يَساري كلَّما كان موسراً
ولم يرض إعدامي إذا كان معدما
فما يجمع الأموال إلاّ لبذلها
ولا يطلب النعماء إلاّ لينعما
برغم الأعادي نال همَّة نائل
فجدَّعَ آناف العداة وأَرْغما
ولو رام أنْ يرقى إلى النجم لأرتقى
ويوشك ربّ الفضل أنْ يبلغ السما
عزائِمُهُ كالمَشْرِفيَّةِ والظُّبا
وآراؤه ما زِلْنَ بالخَطب أَنْجُما
يُصيبُ بها الأغراض ممّا يرومه
ولا يخطىءُ المرمى البعيدَ إذا رمى
وكم من خميسٍ قد رماه عرمرم
فقرَّقَ بالرأي الخميسَ العرمرما
فلو أَبْرَزَتْ آراؤه غَسَقَ الدجى
لحثّ الدجى عن أشقر الصبح أدهما
وأَثْقَلَ بالأيدي لساني وعاتقي
أَلَمْ تَرَني لا أستطيع التكلما
وإنّي وإنْ لم أقضِ للشكر واجباً
بمستغرم أصبحت في المجد مغرما
سكتُّ وأنطقت اليراع لشكره
فأعربَ عما في ضميري وترجما
جرى وكذا لا زال يجري بمدحه
فغرَّدَفي مدحي له وترنّما
وأوْلى الورى بالشكر من كان محسناً
وأوْلى الورى بالحمد من كان منعما
لك الله مطبوع على الجود والندى
فلو رام إقداماً على البخل أحجما
شكرتك شكر الروض باكره الحيا
سحاباً عليه آنهلَّ بالجود أو همى
لك القلم العالي على البيض والقنا
جرى فجرى رزقُ العباد مقسّما
ففي القلم الحادي وصاحبه النهى
عَلَوْتَ به حتى ظننّاه سُلّما
وسيَّرتَ ذكرَ الحمد في كلّ منزلٍ
فأَنْجَدَ في شرق البلاد وأَتْهَما
أضاءَ بكَ الأيامَ لي وتبلَّجتْ
وأشْرَق فجرٌ بعدما كان مظلما
رفعتَ مقامي مرغماً أَنْفَ حاسدي
فأَصْبحتُ إذ ذاك العزيزَ المكرّما
صفا لي منك الجود عذبٌ غديره
فجَّرعْتُ أعدائي من الغيظ علقما
أطلتَ يدي في كلّ أمرٍ طلبته
وغادرتَ شاني عبدِ نعماكِ أجذما
وبلَّغتني أقصى الرجاء فلم أَقُلْ
عسى أبلغُ القصدَ القصيٍّ وربّما
وعظَّمتني في نفس كلِّ معاند
فلا زِلْتَ في نفس المعالي مُعَظَّما