انتقل إلى المحتوى

تذكر بالخفيف عهدا قديما

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

تذكَّر بالخفيفِ عهداً قديما

​تذكَّر بالخفيفِ عهداً قديما​ المؤلف عبد الغفار الأخرس


تذكَّر بالخفيفِ عهداً قديما
وشاهدَ في الرَّبع تلك الرُّسوما
فظلّ يكفكفُ دَمعاً كريماً
وبات يعالج وجداً لئيما
سقى الله دار اللوى بالحيا
فرامة فالمنحنى فالغميما
وحيّى منازلنا بالعقيق
وألقى عليهنّ غيثاً عميما
وقفنا عليها ضحىً والهوى
يذيب القلوب ويفني الجسوما
وكم وقفة لي بتلك الديار
أُداري بهنَّ الأسى والهموما
تنمُّ عليَّ دموع العيون
ولم أَرَ كالدمع شيئاً نموما
تقضّى عليَّ لنا زمنٌ بالحمى
ولنْ قضى الله أنْ لا يدوما
وجارتْ علينا صروف الزمان
وكان الزمان ظلوماً غشوما
وكانوا بجمع وكان الكئيب
فحلُّوا الغوير وحلَّ الحطيما
ومرَّتْ نسائم عيش المحب
وعادت عليه برغمٍ سموما
لياليَ مرّت مرور الخيال
وكانت نعيماً فصارت جحيما
ولا نشَّقتني الصبا بعدهم
أريجاً ذكياً ومسكاً شميما
ومما شجاني ورقُ الغوير
تُرَدّدُ في الدَّوح صَوتاً وخيما
على أنّني إنْ بدا بارق
نثرتُ من الدمع درّاً نظيما
تفضحني عَبرتي في الهوى
ولم تر صبّاً لسرٍّ كتوما
وإنَّ غريمي غزال اللوى
فجوزيت بالخير ذاك الغريما
رماني بعينيه ظبي الصريم
فأمسى فؤاد المعنّى صريماً
رماني ولم يخشَ إثماً فرحتُ
قتيلاً وراح بقتلي أثيما
وأنتِ مهاةَ قطيع المها
أَبيتُ لأجلِك أرعى النجوما
وكنتُ ألوم بك العاشقين
فأَصبَحْتُ يا ميُّ فيك الملوما
وأثْقَلَني حِملُ هذا الغرام
وحمَّلني الوجدُ عبثاً عظيما
وها أَنا أشكو فؤاداً عليلاً
وجسماً كطرف أميمٍ سقيما
ولله قلبٌ بها المستهام
وما منع القلب أن لا يهيما
ومن بعد تلك الثنايا العذاب
إلى كم أعاني العذاب الأليما
وأسلمني للمنون المنى
كأنّي أبيت الدياجي سليما
ولولا رجائي بمفتي العراق
لأصبح حالي قبيحاً ذميما
قطعت العلائق عن غيره
كما قطع المشرفيُّ الأديما
كريمٌ أُؤَمّل منه الجميل
وقد خاب من لا يرجّى الكريما
ويولي بنائله الطالبين
فيغني الفقير ويثري العديما
ويهدي المضلَّ ويعطي المقلَّ
ويرفع في البأس خطيباً جسيما
أحاديثُه مثل زهر الرياض
فهل كان إذ ذاك روضاً جميعا
لطيفٌ رقيق حواشي الطباع
فلو جسّمتْ لاستحالت نسيما
فسبحانَ من جَعَلَ الفضلَ في
عُلاك إلى أنْ عَلَوْتَ النجوما
فأوضحتَ بالحقّ للعالمين
صراطاً إلى ربها مستقيما
وأصبحَ معوجّ أمر الأنام
بأحكام حكمك عدلاً قويما
وتغضبُ لله لا للحظوظ
وما زلتَ في غير ذاك الحليما
وأَحْيَيْتَ رِمَّةَ عِلْم النّبيّ
وقبلك كانتْ عظماً رميما
كَشَفْتَ بعلمك إشكالها
فحيَّرتَ فيما كشفتَ الفهوما
وصَيَّرتَ رُشدَك صبحاً منيراً
يشقُّ من الغيّ ليلاً بهيما
لقد نلتَ ما أعجز الأولين
وأصْبَحْتَ في كلّ علم عليما
فَطَوْراً هُماماً وطوراً إماماً
وطوراً عليماً وطوراً حكيما
وأنت أجلُّ الورى رتبةً
وأعظمُ قدراً وأشرفُ خيما
وقد نتجتْ بكَ أمُّ العلى
ومن بعد ذلك أضحتْ عقيما
فيا مَن به أقلَعُ النائبات
كما تقلع المرسلاتُ الغيوما
ترحَّم على عبدك المستهام
فإنّي عهدتك برّاً رحيما
ولإنّي لأجلب فيك السرور
وإنّي لأكشف فيك الغموما
فلا تشمتنَّ بي الحاسدين
فتطمع فيَّ العدوَّ المشوما
ولا تتركنّي لقىً للهموم
فتتركني في الزوايا هشيما
وألسنة الخصم مثل الصوارم
تسقى الدماء وتفري اللحوما
فنل سيّدي أنسَ عيدٍ جديد
وحزْ في صيامك أجراً عظيما