انتقل إلى المحتوى

تجاوبن بالإرنان والزفرات

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

تَجَاوَبنَ بالإرنانِ وَالزَّفراتِ

​تَجَاوَبنَ بالإرنانِ وَالزَّفراتِ​ المؤلف دعبل الخزاعي


تَجَاوَبنَ بالإرنانِ وَالزَّفراتِ
نوائحْ عجمْ اللفظِ، والنطقاتِ
يخِّبرنَ بالأنفاسِ عن سرِّ أَنفسٍ
أسارى هوىً ماضٍ وآخر آتِ
فأَسْعَدْنَ أَو أَسْعَفْنَ حَتَّى تَقَوَّضَتْ
صفوفْ الدجى بالفجرِ منهزماتِ
على العرصاتِ الخاليات من المها
سَلامُ شَج صبٍّ على العَرصاتِ
فَعَهْدِي بِهَا خُضرَ المَعاهِدِ، مَأْلفاً
وبالرُّكنِ والتَّعَريفِ والْجَمَرَاتِ
لياليَ يعدين الوصالَ على القلى
ويعدي تدانينا على الغرباتِ
وإذ هنَّ يلحظنَ العيونَ سوافرا
ويسترنَ بالأيدي على الوجناتِ
وإذْ كلَّ يومٍ لي بلحظيَ نشوةٌ
يبيتُ لها قلبي على نشواتي
فَكَمْ حَسَراتٍ هَاجَهَا بمُحَسِّرٍ
وقوفي يومَ الجمعِ من عرفاتِ !
أَلَم تَرَ للأَيَّامِ مَا جَرَّ جَوْرُها
على الناسِ من نقصٍ وطولِ شتاتِ؟
وَمِن دولِ المُستَهْترينَ، ومَنْ غَدَا
بهمْ طالباً للنورِ في الظلماتِ؟
فَكَيْفَ؟ ومِن أَنَّى يُطَالِبُ زلفةً
إلَى اللّهِ بَعْدَ الصَّوْمِ والصَّلَواتِ
سوى حبِّ أبناءِ النبيِّ ورهطهِ
وبغضِ بني الزرقاءِ و العبلاتِ ؟
وهِنْدٍ، وَمَا أَدَّتْ سُميَّةُ وابنُها
أولو الكفرِ في الاسلامِ والفجراتِ؟
هُمُ نَقَضُوا عَهْدَ الكِتابِ وفَرْضَهُ
وحُلْمٌ بِلاَ شُورَى، بِغَيرِ هُدَاةِ
وَلَم تَكُ إلاَّ مِحْنَةٌ كَشَفتْهمُ
بدعوى ضلالٍ منْ هنٍ وهناتِ
تُراثٌ بِلا قُربى وَمِلكٌ بِلا هُدىً
وَحُكمٌ بِلا شورى بِغَيرِ هُداةِ
رزايا أرتنا خضرةَ الأفقِ حمرةً
وردتْ أجاجاً طعمَ كلَّ فراتِ
وَمَا سهَّلَتْ تلكَ المذاهبَ فِيهمُ
على الناس إلاّ بيعةُ الفلتاتِ
وما نالَ أصحابُ السقيفةِ إمرةً
بدعوى تراثٍ، بل بأمرِ تراتِ
ولو قلَّدُوا المُوصَى إليهِ زِمَامَها
لَزُمَّتْ بمأمونٍ مِن العَثَراتِ
أخا خاتمِ الرسلِ المصفى من القذى
ومفترسَ الأبطال في الغمراتِ
فإِنْ جَحدُوا كانَ الْغَدِيرُ شهيدَهُ
و بدرٌ و أحدٌ شامخُ الهضباتِ
وأيٌ مِن الْقُرآنِ تُتْلَى بِفضلهِ
وإيثاره بالقوتِ في اللزباتِ
وغرُّ خلالٍ أدركتهُ بسبقها
مناقبُ كانتْ فيهِ مؤتنفاتِ
مناقبُ لمْ تدركْ بكيدٍ ولم تنلْ
بشيءٍ سوى حدَّ القنا الذرباتِ
نجيٌ لجبريلَ الأمين وأنتمُ
عكوفٌ على العزي معاً ومناةِ
بَكَيتُ لِرَسمِ الدارِ مِن عَرَفاتِ
وَأَذرَيتُ دَمَعَ العَينِ في الوَجَناتِ
وَفَكَّ عُرَى صَبْرِي وَهَاجَتْ صَبابَتي
رسومُ ديارٍ قد عفتْ وعراتِ
مَدَارسُ آيَاتٍ خَلَتْ مِن تلاوةٍ
ومنزلُ وحيٍ مقفرُ العرصاتِ
لِآلِ رَسولِ اللَهِ بِالخَيفِ مِن مِنىً
وَبِالرُكنِ وَالتَعريفِ وَالجَمَراتِ
دِيارُ عليِّ والحُسَيْنِ وجَعفَرٍ
وحَمزةَ والسجَّادِ ذِي الثَّفِناتِ
ديارٌ لعبدِ اللّهِ والْفَضْلِ صَنوِهِ
نجيَّ رسول اللهِ في الخلواتِ
مَنَازِلُ، وَحيُ اللّهِ يَنزِلُ بَيْنَها
عَلَى أَحمدَ المذكُورِ في السُّورَاتِ
منازلُ قومٍ يهتدى بهداهمُ
فَتُؤْمَنُ مِنْهُمْ زَلَّةُ الْعَثَراتِ
مَنازِلُ كانَتْ للصَّلاَةِ وَلِلتُّقَى
وللصَّومِ والتطهيرِ والحسناتِ
وأخَّرَ مِن عُمْري بطُولِ حَياتِي
أولئكَ، لا أشياخُ هِندٍ وَترْبِها
ديارٌ عَفاها جَورُ كلِّ مُنابِذٍ
ولمْ تعفُ للأيامِ والسنواتِ
فيا وارثي علمِ النبي وآلهِ
عليكم سلامٌ دائم النفحاتِ
قفا نسألِ الدارَ التي خفَّ أهلها:
متى عهدها بالصومِ والصلواتِ؟
وَأَيْنَ الأُلَى شَطَّتْ بِهِمْ غَرْبَةُ النَّوى
أفانينَ في الآفاقِ مفترقاتِ
هُمُ أَهْلُ مِيرَاثِ النبيِّ إذا اعَتزُّوا
وهم خيرُ قادات وخيرُ حماةِ
مطاعيمُ في الاقتار في كل مشهدِ
لقد شرفوا بالفضلِ والبركاتِ
وما الناسُ إلاَّ حاسدٌ ومكذبٌ
ومضطغنٌ ذو إحنةٍ وتراتِ
إذا ذكروا قتلى ببدرٍ وخيبرٍ
ويوم حنينٍ أسلبوا العبراتِ
وكيفَ يحبونَ النبيَّ ورهطه
وهمْ تركوا أحشاءهم وغراتِ
لقد لا يَنُوه في المقالِ وأضمروا
قُلُوباً على الأحْقَادِ مُنْطَوِياتِ
فإنْ لَمْ تَكُنْ إِلاَّ بقربَى مُحَمَّدٍ
فهاشمُ أولى منْ هنٍ وهناتِ
سَقى اللَهُ قَبراً بِالمَدينَةِ غَيثَهَ
فَقَد حَلَّ فيهِ الأَمنُ بِالبَرَكاتِ
نَبيّ الهدَى، صَلَّى عَليهِ مليكُهُ
وَبَلَّغَ عنَّا روحَه التُّحفَاتِ
وصلى عليه اللهُ ماذَ رَّ شارقٌ
ولاحَتْ نُجُومُ اللَّيْلِ مُبتَدراتِ
أفاطمُ لوخلتِ الحسين مجدلاً
وقد ماتَ عطشاناً بشطَّ فراتِ
إذن للطمتِ الخد فاطمُ عندهُ
وأَجْرَيتِ دَمْعَ العَيِنِ فِي الْوَجَناتِ
أفاطمُ قومي يابنةَ الخيرِ واندبي
نُجُومَ سَمَاواتٍ بأَرضِ فَلاَةِ
قُبورٌ بِكُوفانٍ، وُخرى بِطيبةٍ
وأخرى بفخِّ نالها صلواتي
وأخرى بأرضٍ الجوزجانِ محلها
وَقَبرٌ بباخمرا، لَدَى الْعَرَمَاتِ
وقبرٌ بِبَغْدَادٍ لِنَفْسٍ زَكيَّةٍ
تَضَمَّنها الرَّحمن في الغُرُفاتِ
فأما الممضّاتُ التي لستُ بالغاً
مَبالغَها منِّي بكنهِ صِفاتِ
قُبورٌ بِجَنبِ النَهرِ مِن أَرضِ كَربَلا
مُعَرَّسُهُم مِنها بِشَطِّ فُراتِ
توفوا عطاشاً بالعراءِ فليتني
توفيتُ فيهمْ قبلَ حينَ وفاتي
إلى اللّهِ أَشكُو لَوْعَةً عِنْدَ ذِكرِهِمْ
سقتني بكأسِ الثكلِ والفظعاتِ
أخافُ بأنْ أزدارهمْ فتشوقني
مصارعهمْ بالجزعِ فالنخلاتِ
تَقسَّمَهُمْ رَيْبُ الزَّمَانِ، فَما تَرَى
لَهُمْ عقوةً مَغْشيَّةَ الْحُجُراتِ
سِوى أَنَّ مِنهمْ بالمَدِينَةِ عُصبةً
مدى الدَّهرِ أنضاءً من الأزماتٍ
قَليلةُ زُوَّارٍ، سِوَى بَعضِ زُوَّرٍ
مَنَ الضَّبْعِ والْعِقبانِ وَالرّخَمَاتِ
لهمْ كلَّ يومِ نومةٌ بمضاجعٍ
-لَهُمْ فِي نَواحِي الأرضِ- مُخْتَلِفاتِ
تنكبُ لأواءُ السنينَ جوارهمْ
فلا تصطليهم جمرةُ الجمراتِ
وقدْ كانَ منهمْ بالحجاز وأهلها
مغاويرُ نحارونَ في السنواتِ
حمىً لم تزرهُ المذنباتُ وأوجهٌ
تضيء لدى الأستارِ في الظلماتِ
إذا وردوا خيلاً تسعرُ بالقنا
مساعرُ جمرِ الموتِ والغمراتِ
وإنْ فخروا يوماً أتوا بمحمدٍ
وجِبريلَ والفٌرقانِ ذي السُوراتِ
وَعَدُّوا عليّاً ذا المنَاقبِ والعُلا
و فاطمةَ الزهراء خيرَ بناتِ
وحمزِةَ والعَبّاسَ ذا الهَدي والتُقى
و جعفراً الطيار في الحجباتِ
أولئكَ لا أبناءُ هندٍ وتربها
سُميّةَ، مِن نَوكى ومن قذِراتِ
ستُسألُ تَيمٌ عَنهمُ وعديُّها
وبيعتهمْ منْ أفجرِ الفجراتِ
همُ مَنَعُوا الآباءَ عن أخذِ حَقِّهمْ
وهمْ تركوا الأبناءَ رهنَ شتاتِ
وهُمْ عَدَلوها عن وصَيّ مُحَمَّدٍ
فَبيعتُهمْ جاءتْ عَلى الغَدَراتِ
ملامكَ في آلِ النبيَّ فانهمْ
أحبايَ ما عاشوا وأهلُ ثقاتي
تخيرتهمْ رشداً لأمري فانهمْ
على كلَّ حالٍ خيرةُ الخيراتِ
نَبَذتُ إليهمْ بالموَّدةِ صادِقاً
وسلَّمتُ نفسي طائِعاً لِولاتي
فياربَّ زدني منْ يقيني بصيرةَ
وزِدْ حُبَّهم يا ربِّ! في حَسَناتي
سأبكيهمُ ما حَجَّ لِلّهِ راكبٌ
وما ناحَ قمريٌّ عَلى الشّجَراتِ
بنفسي أنتم منْ كهولٍ وفتيةٍ
لفكَّ عناةٍ أولحملِ دياتِ
وللخيلِ لم قيدَ الموتُ خطوها
فأَطْلَقْتُمُ مِنهُنَّ بالذَّرِياتِ
أحِبُّ قَصِيَّ الرَّحمِ مِن أجْلِ حُبّكُمْ
وأهجرُ فيكم أسرتي وبناتي
وأَكْتُمُ حُبِّيكمْ مَخافةَ كاشِحٍ
عَنيدٍ لأهلِ الحَقِّ غير مُواتِ
فيا عَينُ بكِّيهمْ، وجُودي بِعْبَرةٍ
فقدْ آنَ للتسكابِ والهملاتِ
لَقَد خِفتُ في الدُنيا وَأَيّامِ سَعيِها
وَإِنّي لَأَرجو الأَمنَ بَعدَ وَفاتي
ألمْ ترَ أني منْ ثلاثينَ حجةً
أروحُ وأغدو دائمَ الحسراتِ
أرى فيئهمْ في غيرهمْ متقسماً
وأيديهم من فيئهم صفراتِ
فكيفَ أداوى منْ جوىً ليَ، والجوى
أميَّةُ أَهْلُ الفِسْقِ والتَّبِعاتِ
بناتُ زيادٍ في القصورِ مصونةٌ
وآل رسول اللهِ في الفلواتِ
سأَبْكيهمُ ما ذَرَّ في الأرْض شَارِقٌ
ونادى منادي الخيرِ بالصلواتِ
وما طلعتْ شمسٌ وحانَ غروبها
وباللَّيلِ أبْكيهمْ، وبالغَدَواتِ
ديارُ رَسولِ اللّهِ أَصْبَحْنَ بَلْقعا
وآل زيادٍ تسكنُ الحجراتِ
وآلُ رسول الله تدمى نحورهمْ
وآلُ زيادٍ ربةُ الحجلاتِ
وآلُ رسولِ اللهِ تسبى حريمهمْ
وآل زيادٍ أمنو السرباتِ
وآلُ رسولِ اللهِ نحفٌ جسومهمْ
وآلُ زيادٍ غلظُ القصراتِ
إِذَا وُتِروا مَدُّوا إِلَى واتِريهمُ
أَكُفّاً عَن الأَوتارِ مُنْقَبِضَاتِ
فَلَولا الَّذِي أَرجُوه في اليومِ أَو غدٍ
تَقطَّعَ قَلْبي إثْرَهمْ حَسَراتِ
خُروجُ إِمامٍ لا مَحالَةَ خارجٌ
يَقُومُ عَلَى اسمِ اللّهِ وَالْبَرَكاتِ
يُمَيّزُ فينا كلَّ حَقٍّ وباطلٍ
ويُجزِي على النَّعمَاءِ والنَّقِماتِ
فيا نفسُ طيبي، ثم يا نفسُ أبشري
فَغَيْرُ بَعيدٍ كُلُّ ما هُو آتِ
وَلاَ تَجْزَعي مِنْ مُدَّةِ الجَوْرِ، إِنَّني
كأني بها قدْ أذنتْ بشتاتِ
فإنْ قَرَّبَ الرحْمنُ مِنْ تِلكَ مُدَّتي
وأخَّر من عمري ليومِ وفاتي
شَفيتُ، ولَم أَتْركْ لِنَفْسي رَزيَّةً
وَرَوّيتُ مِنهمْ مُنصِلي وَقَناتي
فإِنِّي مِن الرحمنِ أَرْجُو بِحبِّهمْ
حَياةً لدَى الفِردَوسِ غيرَ بَتاتِ
عسى اللهُ أنْ يرتاحَ للخلقِ إنهُ
إلى كُلِّ قومٍ دَائِمُ اللَّحَظَاتِ
فإنْ قُلتُ عُرْفاً أَنْكَرُوهُ بِمُنكرٍ
وغَطَّوا عَلَى التَّحْقِيقِ بالشُّبَهاتِ
تقاصر نفسي دائماً عنْ جدالهم
كفاني ما ألقي من العبراتِ
أحاولُ نقلَ الشمَّ منْ مستقرِّها
وإسماعَ أحجارٍ من الصلداتِ
فحسبيَ منهمْ أنْ أموتَ بغصةٍ
تُردَّدُ بَينَ الصَّدْرِ وَاللَّهَوَاتِ
فَمنْ عارِفٍ لَم يَنْتَفِعْ، وَمُعَانِدٍ
يميلُ معَ الأهواءِ والشهواتِ
كأَنَّكَ بالأَضْلاعِ قَدْ ضاقَ رُحْبُها
لما ضمنتْ منْ شدةِ الزفراتِ