انتقل إلى المحتوى

تاريخ طرابلس الغرب (المطبعة السلفية، 1349هـ)/ولاية آق محمد الحداد الاناضولي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تاريخ طرابلس الغرب (1349هـ) المؤلف ابن غلبون
ملاحظات: القاهرة: المطبعة السلفية - القاهرة (1349هـ)، الصفحات ١٣٣–١٣٥
 

ولاية آق محمد الحداد الاناضولي

وبايع الجند آق محمد الحداد الاناضولي في الشهر المذكور، وآق لقب بالتركية معناه الابيض، واستقر على تخت الملك سنة وستة أشهر، وكان سيء الخلق رديئا، راكبا هواه جبارا، وفي أيامه كان بالبلد باشا من قبل السلطان يقال له خليل أرنؤود نسبة للقبيل المشهور بأرض الروم، وهم عرب في الاصل من غسان تروَّموا بالمجاورة

وسبب نقلتهم من أرضهم على ما ذكر غير واحد أن ملكهم جبلة بن الايهم وفد على عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خمس مائة فارس من قومه بالخيل المسومة والعدد الثمينة والسلاح العظيم وأسلم بمن معه، و سر بهم عمر رضي الله عنه سروراً كثيرا. واتفق مع ذلك أن خرج أمير المؤمنين للحج خرج معه جبلة بمن معه وقدموا على مكة وتعلم المناسك فطاف فزاحمه رجل فزاري فيه، فوطئ الفزاري پرده فلطمه جبلة بكف، فرفع الفزاري به الشكاية إلى أمير المؤمنين، فأحضره وأخبره بما قال الفزاري فأقرّ به وطلب أن يرضى بما أحب، فأبى عليه الفزاري إلا القصاص، فقال: أنستوى يا عمر؟ فقال الاسلام سوي بينكما فطلب الامهال فأمهله عمر برضاء خصمه ففر بمن معه من ليلته ولحق بقيصر وتنصر وأقطعه وقومه أرضهم المعروفة بهم الآن بالروميلى، وأقام قيصرُ جبلة بالقسطنطينية، وأجرى عليه جرايات واسعة وأتحفه بتحف لم يُر مثلها، ولم يزل بها الى أن قدم رسول عمر يدعو قيصر الى الاسلام، فأدخله قيصر عليه فرأى ملكا عظيما، وسأله جبلة عن عمر وحسان بن ثابت ومن له به معرفة من الصحابة، فلامه الرسول على ما فعل فأظهر له الندم عليه وأنشده لنفسه:

تنصرت الاشرافُ من عار لطمة
وما كان فيها لو صبرت لها ضرو
يعنقني فيها لجاج ونخوة
وبعت بها العين الصحيحة بالعور
فياليت أمي لم تلدتي وليتنى
رجعت إلى القول الذي قاله عمر
وياليت لي بالشام أدنى معيشة
أجالس قومي فاقد السمع والبصر
وياليتني أرعى المخاض بقفرة
وكنت أسيراً في ربيعة أو مضر
أدين بما دانوا به من شريعة
وقد يصبر العود الكبير على الدبر

فقال له الرسول هلم ترجع، فقال بشرط أن يزوجني عمر ابنته وأن يكتب لي العهد من بعده، فرجع الرسول وأخبر عمر بذلك فالتزم عمر بالشرط فلما عاد مات يوم دخوله مدينة قيصر وبقى قومه بأرضهم. ومنهم اليوم مؤمن وكافر

وقد طالت أيام خليل في البلد وليس له تصرف بسبب حجر ولاة العسكر على واليها من قبل السلطان، فتاقت نفسه إلى القيام ليستقل بالتصرف، وكانت بينه وبين أزن احمد كاهية آق محمد الملقب الدباغ وعلى قبطان منيكشالى - نسبة لمنيكشة بالتصغير قرية صغيرة على شاطيء البحر من أرض المورة قد أحاط البحر بها من ثلاث جهات ويدخل لها على قناطر، وأهلها يشربون من ماء السماء ولا الآبار بها وأنضم اليهما محمود خازن دار كان علجاً بلنسيان أسلم وحسن اسلامه، دلت على ذلك آثاره، بني من المساجد نحو الخمسة بداخل المدينة وخارجها منها المسجد الذي بقصر أحمد بالشرق منها وهو مسجد حسن متقن الصنعة، ومنها المسجد الذي غربي الزندانة الكبرى بمقربة منها بحومة أولاد نوير، وسليمان داي المعروف بصفر داي ومصلى العيد الذي بازانه وغيرها، ودبروا حيلة جمعوا بها الناس عليهم، فجمع كل منهما من يأوي اليه من أولاد البلاد، فاتفق معهم جماعة منهم ومعهم ولد الفقيه الصالح سيدي احمد بن عيسي وتعاقدوا على ليلة يكون بها قيامهم ووافقهم الجند على ذلك، فاتفق رأيهم على عقد مجلس بمحل ندوتهم الاوض لار وأن يبعثوا لآق محمد ليحضر عندهم ويعقبه خليل على القلعة، فلما خرج ليحضر صاح به أحد الناس إن خليلا سيعقبك على تختك، فرجع بمن معه وضرب بعض الجند خليلا بحجر كاد أن يرميه من على فرسه، فرجع خليل وتفصل آق محمد بالقلعة واجتمع اليه أكثر الجند، وفشى أمر قيامهم بالبلد، ووشي بمن فيها من أولاد البلد لآق محمد فبعث في طلبهم ابنه في جماعة، فأول ما بدأ به أن هجم على بيت الفقيه سيدي: احمد بن عيسى يطلب ابنه وكان ذلك بعد أذان الفجر، فوجدوا الفقيه أخذ الابريق يتوضأ، فنزلوا من سطح البيت وبحثوا على الولد فلم يجدوه، فأخذوا الفقيه حتى أحضروه بين يدى آق محمد فريخه وأراد البطش به ثم حماه الله فأمر بربطه فربط.

وكان محمد سيء الخلق قبيح المنطق، وظفر بنحو الثمانية من أبناء البلد حمن وشى بهم اليه فقطعهم من خلاف؛ الا اثنين احمد الحامدي ومحمد المرابط

صفحة:تاريخ طرابلس الغرب 136.png