تاريخ طرابلس الغرب (المطبعة السلفية، 1349هـ)/سبب دخول البربر برقة وأرض المغرب
سبب دخول البربر
برقة وأرض المغرب
وسبب انتقالهم منها إلى برقة وأرض المغرب —على ماذكره المؤرخون— أن بني إسرائيل لما قتلهم بخت نصر البابلي وأخرب بيت المقدس واستولى على خزائنه والتابوت الذي فيه عصا موسى والسكينة وعمامة هارون، وقد كانوا يقدمونه أمامهم في الحروب فينصرون— ضعف أمرهم عن القتال وقويت عليهم شوكة البربر، فلم يزل أمر بني اسرائيل في ادبار، وأمر البر بر في اقبال حتى تنبأ الشمويل عليه السلام فأناه بنو اسرائيل وسألوه: سل ربك أيبعث لنا ملكا تقاتل في سبيل الله، فسأل فأوحى الله إليه أني منزل عليك عصا وقرنا فيه دهن القدس، فضع العصا والقرن حولك فاذا دخل عليك رجل منهم وعلى دهن القدس ققسه بالعصا فإن طابقها فذلك ملكهم الذي يفتح لهم على يديه، فصار أهل بيت الملك يدخلون عليه فلم يَغلِ لدخول أحدهم، فلما دخل طالوت، ولم يكن من بيت الملك، وإنما كان سقاء ضلَّ له حمار يخرج في طلبه، فلما مر بيت أشمويل عليه السلام قال لمن معه: ألا تدخل بيت هذا الرجل الصالح لعل ببركته نجد ضالتنا، فدخلا فعلى ذهن القدس فقاسه بالعصا فطابقها فقال: أن هذا ملككم
الذي يفتح على يديه. فكان من جوابهم ما حكاه الله تعالى عنهم بقوله: «قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال؛ قال أن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتى ملكه من يشاء والله واسع عليم» و «ان آيةَ مُلكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لآية لكم ان كنتم مؤمنين» وكان التابوت قد استولى عليه، فلما حل بين أظهرهم تشاءموا بيقائه، فأخرجوه من بين أظهرهم إلى قرية أخرى فأصبح أهلها موتى أكلت القارة أفئدتهم فأخرجوه ودفنوه بفلاة من الأرض، فصار كل من بال متوجهًا نحوه أصابه الحصره فأخرجوه وجعلوه في آلة يحملها ثوران وضربوهما فأخذته الملائكة حتى أتت بهما بيت المقدس بلد أشمويل عليه السلام فلما شاهدوا ذلك أذعنوا لملكه وملّكوه عليهم وأمرهم بالتأهب لقتال البربر فتأهب معه لقتالهم من بني اسرائيل ثلاثون ألف شاب وخرجوا لذلك فأوحى الله سبحانه الى أشمويل عليه السلام: اني مبتليهم، فابتلاهم بشهر ماء بعد قيظهم، ونهاهم عن الشرب منه فشربوا منه إلا قليلا منهم فلم يجاوزه معه إلا أربعة آلاف، منهم ايشا أبو داود عليه السلام، وكان له أربعة عشر ولدا أصغرهم داود عليه السلامفلما التقى الجمعان: جمعُ البربر وعليهم جالوت؛ وجمعُ بني اسرائيل وملكهم طالوت أوحى الله سبحانه الى أشمويل عليه السلام: أن هلاك جالوت على يد ولد من أولاد ايشا، فأمر طالوت باحضار أولاده فأحضرهم إلا داود لصغره، فقال أشمويل عليه السلام لم يكن بينهم من هلاكه على يديه، واستفهمه ألك غيرهم؟ قال ولد صغير، فأمر باحضاره، فلما أحضر قال هو هذا؛ فأمر له طالوت بفرس و سلاح، فتقلد داود السلاح وركب، فلما استوى عليها نزل ورمى بالسلاح، وأخذ آلة يُرمى بها الحجر، فمر بحجارة الانبياء فصاحت به فأخذها، حتى مر بحجر موسی فصاح به أنا حجر موسى فأخذه ووضعه في الآلة وقذف به جالوت فأصابته فأهلكته
واستولى طالوت على عسكره وأمواله. ثم أفضى الملك لداود عليه السلام واستولى على أرض فلسطين ولما استولى عليها وتنبأ أوحى الله سبحانه اليه: ياداود أن أخرج البربر من أرضك فإنهم خبث الأرض فأخرجهم من فلسطين و بعث بهم من قطع بهم النيل متوجهين إلى أرض المغرب.
قال ابن عبد الحكم: كان البرير بفلسطين في زمن داود عليه السلام، فخرجوا منها متوجهين نحو أرض المغرب حتى انتهوا الى لوبة ومراقية، وهما قريتان من قرى مصر الغربية مما يشرب من ماء السماء ولا ينالهما النيل فتفرقوا هناك، فتقدمت زناتة مقبلة إلى المغرب وسكنوا الجبال، وتقدمت لواتة وسكنت أنطابلس، وهي برقة، وتفرقت في المغرب، وانتشروا حتى بلغوا السوس. ونزلت هوارة مدينة لبدة ١، ونزلت نفوسه مدينة صبرة، وجلا من كان بها من الروم من أجل ذلك. وأقام الافارق - وكانوا خدمًا الروم - على صلح يؤدونه لمن غلب على بلادهم. وهم بنو فارق بن بيط ابن حام، فلم يزل كل بأرضه إلى أن افتتح عمرو بن العاص مصر والإسكندرية.
- ↑ قال في المنهل العذب: ومن يطون هوارة: مغرا وزمور، وكاباو، وفساطو، ومعدان، ونداوة، ومليلة، وغريان، ومسلاتة، وترهونةء وتاورغا، وزكارة، وسيلين اه. قلت وهذه البطون لا أثر لها اليوم بجوار لبدة، اللهم إلا أماكنهم التي كانوا يسكنونها قبل تغلب العرب عليهم، فهي لا يزال أكثرها فيما حوالي لبدة، ويعرف بهذه الأسماء إلى اليوم وهي قريبة منها، مما يدل على أنها كانت قرى تابعة لهذه المدينة العظيمة، وهي تقع شرقي مدينة طرابلس على مسافة خمسين ميلًا. قد أسسها الفينيقيون في القرن العاشر ق م. والآثار القديمة فيها بثلاث لغات: اليونانية، واللاتينية، والفينيقية، وترى أعمدة الرخام واقفة فى وسط البحر، وآثار البناء متناثرة على مسافات بعيدة جدًا، مما يدل على أن كل هذه المسافات كانت تشغلها تلك المدينة البائدة، وقد جلب إليها الماء من عين كعام - ولا تزال تعرف بهذا الاسم إلى اليوم - وقد خربتها قييلة ليبية من البربر سنة ٣٧٠م. وقيل خربها قوم الوندال لما طردهم الروم من أراضي الأندلس. اهـ ملخصًا منه.