تاريخ الفلسفة اليونانية (1936)/الباب الثالث/المنطق
الفصل الثاني
المنطق
٤٧ — المنطق وأقسامه :
أ — كان أرسطو أول من نظر إلى العلم في مجموعه ورضع مبادئ تعنيف
تام للعلوم. فالعلم عنده ينقسم أولا إلى نظري وعملي بحسب الغاية التي ينتهى
إليها : العلم النظري ينتهى إلى مجرد المعرفة و يقع على الوجود فينظر فيـه من
ثلاث جهات : من حيث هو متحرك ومحسوس وهذا هو العلم الطبيعي ، ومن
حيث هو مقدار وعدد وهذا هو العلم الرياضي١ ، ومن حيث هو وجود بالإطلاق
وهذا هو ما بعد الطبيعة. — أما العلم العملي فالمعرفة فيه ترمي إلى غاية متمايزة
منها ، وهذه الغاية هي تدبير الأفعال الإنسانية وذلك إما في نفسها وهذا هو
العملي بمعناه المحدود ، وإما بالنسبة إلى موضوع يؤلف ويصنع وهذا هو الفن.
والعلم العملي يدبر أفعال الإنسان بما هو إنسان من ثلاث نواح : في شخصه وهو
الأخلاق ، وفي الأسرة وهو تدبير المنزل ، وفي الدولة وهو السياسة. والفن يدير
أفعال المخيلة والأعضاء ويحدث مصنوعات مفيدة أو جميلة وينقسم بحسب
الموضوعات التي يتناولها. — والعلم النظري أشرف لأنه كمال القـل ، والعقل
أسمى قوى الإنسان ، ولأنه العلم للعلم لا لغرض آخر يرتب إليه و يتبعه. وأشرف
العلوم النظرية ما بعد الطبيعة لسمو موضوعه و بعده من التغير. كذلك العلم ---
101
اللى أشرف من الفن لشرف موضوعه و بعله من المحسوس بالقياس إلى
موضوع الفن(۱) .
نه -- ولم يدخل أرسطو المنطق في أقسام العلم النظرى لأن موضوعه ليس
وجودنا ولكنه ذهنى إذ هو علم قوانين الفكر بصرف النظر عن موضوع الفكر
وعلى ذلك فهو علم يتعلم قبل الخوض في أي علم آخر ليعلم به أي القضايا يطلب
البرهان عليـه وأى برهان يطلب لكل قضية
؛ فإن من الخلف طلب العلم
ومنهج العلم في آن واحد وليس هذا ولا ذاك يسهل التناول) . وإذن فالمنطق
آلة العلوم ( أورغانون ) ، أو هو على جديد ينشأ من رجوع المقل على نفسه
لتقرير المنهج العلمي ، فوضوعه صورة العلم لا مادته ، ولم يرد لفظ و لوجيكا »
في كتب أرسطو كاسم لهذا العلم ثم ورد في عصر شيشرون بمعنى الجدل إلى أن
استعمله إسكندر الأفروديسي بمعنى المنطق . ويقول أرسطو بهذا المعنى « .
ل العلم
التحليلى » أي العلم الذي يحلل العلم إلى مبادئه وأصوله ، و إن كانت « التحليلات »
تدل بالذات على تحليل القياس إلى أشكاله فلا مانع من إطلاق الاسم بحيث
يشمل تحليل القياس إلى قضايا والقضية إلى ألفاظ .
- موضوع المنطق أفعال المقل من حيث الصحة والفساد ، ولما كانت
أضال العقل ثلاثة : التصور الساذج ، والحكم أو تركيب التصورات وتفصيلها ،
والاستدلال أو الحكم بواسطة فقد جاءت كتب أرسطو المنطقية موزعة أولاً
إلى ثلاثة أقسام : كتاب المقولات يدور على الأمور المتصورة تصوراً ساذجاً
سه
(۱) کتاب الجدل م 6 ف ٦ و م ۸ ۱ - والأخلاق التيفرماخية م ٦ ف ٢ –
وما بعد الطبيعة م 6 ف1
وانظر نيا بعد عدد ٦٠ ، اب .
(۲) التحليلات الثانية م ا ف 1 - وما بعد الطبيعة م ٤ ف ٣.
(۳) ما بعد الطبيعة م ۲ ن ۳
. (4) كتاب النفس م 3 في 1 .
4 - ۱۰۲ –
وكتاب العبارة في الأمور أو الأقوال المؤلفة ، وكتاب التحليلات الأولى في
الاستدلال بالإجمال أي من حيث صورته . ولما كان الاستدلال من حيث للادة
إما برهانيا صادراً عن مبادى كلية يقينية ومؤدياً للعلم ، وإما جدليا مركباً من
مقدمات ظنية ، وإما سوفسطائيا مؤلفاً من مقدمات كاذبة تحتوى على النتيجة
احتواء ظاهريا لا حقيقيا ، خرجت لنا ثلاثة كتب : الواحد في التحليلات
الثانية أو البرهان ، والثاني في الجدل ، والأخير في الأغاليط . - وواضح أن هذا
و المنطق المادى » يختلف عن المراد بهذا الاسم عند المحدثين وهو « منطق
العلوم » ؛ على أن أرسطو لم ينقل هذا النوع من النظر كما يتجنون عليه ، وكل
ما هنالك أنه لم يجمعه في كتاب واحد ؛ فقد مر بنا قوله إن لكل موضوع نوعاً
من الدليل أو البرهان يلامه ، وكتابه « التحليلات الثانية ، منطق العلوم المجردة
وله في أول كل علم كلام عن منهج هذا العلم . أما قوانين الاستقراء فقد كانت
معروفة : كان معروفاً أن العلة متى وضعت وضع المعلول ، ومتى ارتفعت ارتفع ،
ومتى تعدلت تعدل . وبالجملة لــنا نرى بحثا من أبحاث ستوارت مل في منطقه
الاستقرائي إلا وفي كتب أرسطو ما يقابله أو مبادى تمكن معالجته بها
وليس الغرض هنا تلخيص الكتب المنطقية فإن هذا التلخيص بين أيدي الجميع
في الكتب العربية القديمة ، وإنما تقتصر على إشارات تصور كل كتاب بالإجمال
متوخين جلاء بعض النقط وشرح بعض المسائل لنؤدي واجب التاريخ .
٤٨ – المقولات :
ا
ا - مي عشر مذكورة هنا بتمامها ، ومذكورة تارة كلها ، وتارة بعضها في
جميع كتب أرسطو تقريباً ، وهي : الجوهر مثل رجل ، الكمية مثل ثلاثة أشبار ،
الكيفية مثل أبيض ، الإضافة مثل نصف ، المكان مثل السوق ، الزمان مثل
(
- وحيوان
أمس ، الوضع مثل جالس ، الملك مثل شاكى السلاح ، الفعل مثل القطع ، الإشعال مثل مقطوع .. والكتاب مقدمة لكتاب العبارة أي القنية ، ولفظ « قاطيفورياس » يعنى عند أرسطو الإضافة أو الإسناد ؛ فعلى ذلك المقولات أمور مضافة أو مستدة أو « مقولة » أي محمولات ، أو بتعريف أدق : المقولة معنى كلى يمكن أن يدخل محمولاً في قضية . ولا يخرج الجوهر عن هذا التعريف مهما يتبادر إلى الذهن من أن المقولات التسع تحمل عليه وهو لا يحمل على شيء فإن الجوهر أول وثان : الأول هو الجزئي الموجود في الواقع ، وهو الذي لا يناف إلى موضوع وليس حاصلاً في موضوع مثل سقراط ، والثاني هو النوع والجنس أي ما يعبر عن ماهية الجوهر الأول ويندرج تحته الجوهر الأول مثل إنسان ، وهو يضاف إلى موضوع كقولنا « سقراط إنسان » ، ولو أن الجوهر الأول يمكن أن يضاف بالعرض مثل « هـذا العالم هو سقراط » ؛ إلا أنه دائماً موضوع بالذات كما تقدم ، والجوهر الذي هو مقولة هو الجوهر الثاني . --- ويختلف الجوهر عن باقى القولات في أمور أهمها قبوله الأضداد بينها هي لا تقبل أضدادها ، وذلك لأنه موضوع التغير فيمكن أن ينقلب من أبيض إلى أسود ، ومن طيب إلى رديء ، أما هي فغيرها زوالها – والجوهر الأول مقدم في الجوهرية على الثاني ، أي أن الجزئي مقدم على الكلي لأنه هو الذي يوجد حقا ويقبل العوارض ؛ بينها الكلي لا يوجد من حيث هو كذلك إلا في الذهن ، وبين الجواهر الثانية النوع جوهر أكثر من الجنس لأنه أقرب إلى الوجود الحقيق يتشخص في الجزئي ، أما الجنس فلا يتشخص إلا بواسطة المنوع . وهذا الترتيب بعارض الترتيب الأفلاطونى النازل من المثل باعتبارها الموجودات الحقة إلى الجزئيات المعتبرة أشباحا ، و يدل على الاتجاه الواقعي عند أرسطو إلى جانب اعتقاده أن العلم موضوعه الكلي ، B
، L -- ١٥٤ - وأن ما يزيده الجزئى على الماهية الكلية إنما هو آت من المادة المحسوسة التي لا تدخل العلم - -- قلنا إن المقولات محمولات : هي أوائل المحمولات أو أجناسها العليا تمثل وجوه الوجود المختلفة لا بمعنى أنها أقسام أو طوائف كل منهـا متحقق على حدة ؛ بل بمعنى أنها وجهات متمايزة في كل شيء شيء ؛ فإن الشيء الواحد يمكن أن يعتبر من جهة ما هو جوهر أوكم أوكيف الخ . بحيث أن أي محمول يضاف إليه فهو داخل في واحدة من المقولات . وكان أفلاطون قد قال بأجناس عليـا ( الوجود والذاتية والتغاير والسكون والحركة ) ، و بمعانى مشتركة ( التشابه والتباين ، الوجود واللاوجود ، الذاتية والتغاير ، الزوج والفرد ، الوحدة والعدد (۱) ) ولكن لا علاقة بين هذه و بين المقولات . وقد وردت في أفلاطون معاني الجوهر والـكم والكيف والإضافة والفعل والانفعال ، ولكنه لم ينظر إليها نظرة أرسطو ولم يحاول ردها إلى نظام واحد . - لم يذكر أرسطو المبدأ الذي اعتمد عليه في تقسيم المقولات ، فذهب بعض المؤلفين إلى أنه جمعها جمعاً تجريبيا ، ولسنا نظن ذلك ، وعلى كل حال يمكن وضعها وضعاً منطقيا ، وقد فعل ذلك القديس توما الأكويني في شرحه على ما بعد الطبيعة ( المقالة الخامسة الدرس التاسع ) على النحو الآتى . قال : قد تكون نسبة المحمول إلى الموضوع على ثلاثة أوجه ، فإما أن يكون المحمول هو الموضوع ، و إما أن يؤخذ من ذات الموضوع ، و إما أن يؤخذ مما هو خارج عن الموضوع . فمن الوجه الأول المحمول هو الموضوع في قولنا « سقراط إنسان » فإن سقراط هوما هو إنسان ، والمحمول هنا يعبر عن الجوهر ( الأول ) . ومن الوجه الثاني المحمول صفة للموضوع ، وهذه السنة إما أن تكون لازمة للموضوع من مادته وهذا هو الكم، (۱) في - بارمنيدس » ، ولى - الوفطائي ، . . . . - 100- أو من صورته وهذا هو الكيف ؛ و إما أن تكون له بالإضافة إلى آخر وهذه هي الإضافة . ومن الوجه الثالث المحمول خارج عن الموضوع إما بالمرة وإما بعض الشيء : والخارج بالمرة إما ملك و إما مقاس ، والمقاس إما زمان و إما مكان ، والمكان إما « أين » غير ملحوظ فيه ترتيب أجزاء الجوهر في المكان ، وإما « وضع » ملحوظ فيه ذلك . والخارج بعض الشيء إما أن يكون الموضوع مبدأ له وهذا هو الفعل ، و إما أن يكون نهاية وهذا هو الانفعال . ٤٩ - العبارة : ا -- کتاب العبارة مقالة واحدة في اليونانية ككتاب المقولات ومقسم إلى مقالتين في الترجمة اللاتينية . والعبارة و صوت مفرد أو مركب دال بنفسه دلالة وضعية ، فهي إذن غير الصوت الدال بالطبع الصادر عن البهائم والإنسان كالتأوه والأنين ، وغير الحروف فإنها لا تدل بنفسها بل مع غيرها ، والصوت المفرد هو الاسم والفعل والأداة أي الحرف ، والصوت المركب هو المؤلف وهو الأجدر باسم العبارة أو القضية لأنه وحده يتضمن الصدق أو الكذب ويصح السكوت عليه ، أما الاسم والفعل فأجزاء العبارة . و ينظر فيها الكتاب بهذا الاعتبار فيستبعد من العبارة التمني والدعاء والاستفهام لأن العبارة تركيب محمول مع موضوع بالرابطة أي بلفظة دالة على نسبة بينهما . وقد تطوى هذه الرابطة تسمى العبارة ثنائية كقولنا سقراط كاتب أو سقراط يتكلم ، وقد تعلن فتسمى العبارة ثلاثية مثل سقراط هو كاتب ، ولو كان الإنسان حيواناً أعجم لاكتفى بما يقوم في نفسه من الانفعالات عن الأشياء واقتصر على الأصوات الطبيعية التي تترجم عن الانفعال الحاضر ، ولكنه حيوان ناطق مدنى فاحتاج إلى تأدية الفعالاته للآخرين قاصطنع الألفاظ والسكتابة : الكتابة دلاله الألفاظ { ( ١٥٦ --- www.www والألفاظ دلالات انفعالات النفس ، والانفعالات مثل الأشياء لأن الشيء إنما تدركه النفس بمثال منه في الحس أو في العقل . ولكن دلالة الكتابة على الألفاظ وضعية باتفاق الجميع ، ودلالة الألفاظ على الانفعالات وضعية كذلك خلافاً لما ذهب إليه أفلاطون في « أقراطيلوس ، إذ لو كانت طبيعية لاتفقت عند الناس اتفاق الأصوات الطبيعية ، وأما دلالة الانفعالات على الأشياء فطبيعية ، لذلك كانت واحدة عند الكل . ب - فالكتاب ينظر في الأصـوات الدالة بالإجمال ثم في الاسم والفعل والأداة . و ينتقل إلى العبارة وقسمتها إلى بسيطة ومركبة وموجبة وسالبة وصادقة وكاذبة . ثم إلى تقابل القضايا البسيطة وقوانينه في التناقض والتضاد ، وتقابل التناقض في قضايا الممكن المستقبل . ثم يبحث في القضايا المحصلة والمعدوله والقضايا المركبة والقضايا الموجهة وتقابلها . .. وكل هذا وارد في كتب المنطق كما ذكره أرسطو فلا نقف إلا عند أمر واحد هو تقابل التناقض في القضايا المكنة المستقبلة لأهمية هذا الأمر في مسألة الحرية الإنسانية ، فإن أرسطو يقول إن القضيتين المتناقضتين الواحدة منهما صادقة بالضرورة والأخرى كاذبة بالضرورة فيها سوى المكنات المستقبلات أى الأفعال الاتفاقية والأفعال المتعلقة باختيار الإنسان ، فنحن تعلم أن أفعالنا المستقبلة لها بداية في مشورتنا وأن من الأشياء ما يمكن أن يوجد أو لا يوجد على السواء ، وإذن فبعض الأشياء لا يقع بالضرورة وليس الإيجاب فيه قبل الحدوث بأصدق من السلب (1) يدرس أرسطو الاتفاق في السماع الطبيعي ، وحرية الاختيار في الأخلاق النيقومانية انظر نيا بعد عدد 66 ، 3 - و ۷۲ ، اب - ۱۰۴ ٥٠ - التحليلات الأولى : 1 - التحليلات أتاها اسمها من موضوعها ومنهجها . فوضوعه: أجزاء القياس والبرهان وها آلة العلم الكامل . ومنهجها تحليل القياس والبرهان إلى أجزائهما ، فإن العلم الكامل إدراك الشيء بمبادئه ، ولا يتسنى هذا الإدراك إلا بالتحليل . والبرهان ينظر إليه من حيث صورته ومن حيث مادته ، فهو ينحل إلى مبادى سورية وأخرى مادية ، والتحليلات التي ترد البرهان إلى المبادئ الصورية التي يتعلق بها لزوم التالي من المقدم لزوماً بيناً ضرور با بصرف النظر عن مادة البرهان تسمى بالأولى وهي مقالتان ، والتحليلات التي ترد البرهان إلى المبادي المادية التي يتعلق بها صدق التالي تسمى بالثانية ، وهي مقالتان كذلك . . القياس قول مؤلف من أقوال إذا وضعت لزم عنها بذاتها لا بالمرض قول آخر غيرها اضطراراً . فماهية القياس نقوم في لزوم النتيجة من المقدمتين هذا اللزوم الضروري ، حتى أن القدمتين الكاذبتين قد تلزم عنهما نتيجة صادقة لا من حيث مادتهما بل من حيث تأليفهما معاً ، فإن النتيجة لا تخرج إلا باجتماعهما في الذهن و إدراك ما بينهما من نسبة ، فلا وجه لادعاء قدماء الشكاك وستوارت ملى بأن القياس مصادرة على المطلوب الأول ، إذ أن النتيجة في القياس متضمنة في المقدمتين مجتمعتين ، أما في المصادرة فالنتيجة متضمنة في مقدمة واحدة. وقد نتوهم أن النتيجة متضمنة في القضية الكبرى في الشكل الأول ، ولكن هذا الوهم يتبدد في الأشكال الأخرى ، فإن لزوم النتيجة فيها من المقدمتين معاً واضح غاية الوضوح . - وتركيب أرسطو للقياس يختلف عن التركيب المألوف ، فهو لايضع الموضوع في أول القضية بلى المحمول ، ويركب القياس هكذا : إذا كان (مائت) (1) المبادرة على القلوب الأول أن يجعل المطلوب نفسه مقلمة في قياس يراد به إنتاجه تكون الكبرى والنتيجة شيئاً واحداً ( النجاة لابن سينا ) . ی -- ۱۵۸ --- مقولاً على كل ب ( حيوان ) وكان كل من مقولاً على كل ح ( إنسان ) ، فإن | (مانت) مقول على كل ح ( إنسان ) . وتسمية القضايا والحدود مأخوذة من خصائصها في هذا التركيب : الحد الأوسط بين الطرفين ( مائت و إنسان ) والطرفان الواحد منهما أكبر من الأوسط ، والآخر أصغر من الأوسط بحيث يتأدى الفكر من الأكبر ( أو الأول ) إلى الأوسط ، ومن الأوسط إلى الأصغر ( أو الأخير ) ، وهذا هو الشكل الكامل أو الأول . أما وضع الأوسط قبل الطرفين أو بعدها ، فإنه ينتج شكلين غير كاملين النتيجة فيهما لا تلزم رأساً من المقدمنين كما تلزم في الشكل الأول . وهـذا الشكل أول أيضاً لأن النتيجة فيـه يمكن أن تكون إحدى القضايا الأرب أربع : كلية موجبة أو سالبة وجزئية موجبة أو سالية . ومبدأه عنده و حينما تكون نسبة الحدود بعضها إلى بعض بحيث يكون الأخير متضمناً في الأوسط والأوسط متضمناً أو غير متضمن في الأول فحينئذ يكون بالضرورة قياس كامل يربط الأول والأخير » . ويعتمد أرسطو هنا على الماصدق لأن هـذه الوجهة أسهل وأكثر إيضاحاً لماهية القياس ، ولكنه حين ينظر إلى الحكم يعتبر المفهوم ، لأن الحكم عنده وصف شيء بشيء قبل أن يكون إدراج شيء تحت شيء ، واعتبار الماصدق في المقدمتين يؤدي إلى أن أشكال القياس ثلاثة فقط : ذلك أن الأوسط إما أن يكون أكبر من طرف وأصغر من آخر ، وإما أن يكون أكبر منهما ، وإما أن يكون أصغر منهما . أما الشكل الرابع فلا يلزم إلا من نظر آخر هو اعتبار موضع الأوسط على ما ضل جالينوس من بعد فخرج له تصنيف جديد هو المذكور في الكتب الحديثة المتداولة . على أن أرسطو يذكر موضع الأوسط في كل شكل ، إلا أن هذه الوجهة ثانوية عنده ، ثم هو يعترف ضمناً بأضرب الشكل الرابع الخمسة المنتجة ، فجعلها تلميذه ثاوفراسطس أضر با تابعة الشكل الأول . --- . 109 ا ا ... ولتعيين أضرب كل شكل لم يؤاف أرسطو القضايا الأربع بعضها مع بعض إلا في المقدمات وأعمل النتائج فخرج له 16 ضرباً ممكناً بدلاً من 64 في كل شكل ، وهذا أخصر وأصوب لأن النتائج تابعة للقدمات وليس لها أحكام خاصة . ولتعيين الأضرب المنتجة يبدأ بمراجعة الأضرب التي مقدماتها كلية ، ثم ينتقل إلى الأضرب التي تحتوى على مقدمة جزئية ، ويستبعد جملة الأضرب التي مقدمتاها جزئيتان . ومع أنه استخرج أهم قواعد القياس ، كما سنشير إلى ذلك ، نراه يراجع بالأمثلة لا يتطبيق القواعد . ولما كان الأوسط في الشكاين الثاني والثالث ليس كالأوسط في الأول ، أي ليس متوسطاً بين الطرفين من حيث للاصدق ، فإنه يعالجه لجعله متوسطاً وارد الشكاين غير الكاماين إلى الأول الكامل ، وله في ذلك ثلاث طرائق : طريقة مباشرة بعكس القضايا ، وطريقتان غير مباشرتين الواحدة بنقل الكبرى صغرى والصغرى كبرى ، والأخرى بالخلف أي ببيان أنه إذا لم تسلم نتيجة القياس تسلم نتيجة مناقضة لقضية سلمت . وفي العكس يذكر أن الكلية السالبة تنكس مثل نفسها ، والكلية الموجبة تنعكس جزئية موجية والجزائية الموجية تنعكس مثل نفسها ، وأما الجزئية السالبة فيقول إنها لا تعكس ولا يذكر عكس النقيض لأنه لا يفيد في رد الأقيسة ، وأرسطو لا يتكلم عن العكس في كتاب العبارة ( كما تفعل الآن إذ ندرسه في باب القضية ) بل في التحليلات بمناسبة القياس . وبعد أن يرد أضرب الشكاين الثاني والثالث إلى أضرب الأول يرد الضربين الجزئيين في الأول إلى الشر بين الكليين فلا يستبقى في النهاية غير هذين الأخيرين ، الواحد موجب والآخر سال . . ويذكر الأقيسة الموجهة ويركبها بعضها مع بعض على كل الأنحاء وينظر في ماهية النتيجة في كل قياس فيستغرق في ذلك خمسة عشر فصلاً مطولاً ، فاختصر ناوفراسطس الطريق بتطبيقه قاعدة أن النتيجة تتبع أضعف للقدمتين . و بعد أن يستعرض - ۱۹۰ - جميع الأقيسة يقرر القواعد العامة المستخلصة من الملاحظات الجزئية ، وهذه القواعد خمس : (۱) يتألف القياس من ثلاثة حدود لا أكثر - (۲) في كل قياس لا بد من مقدمة موجية ، أي لا تلزم نتيجة عن سالبتين -- (٣) في كل قياس لا بد من مقدمة كلية ، أي لا تلزم نتيجة عن جزئيتين --- ( 4 ) النتيجة الكلية لا تلزم إلا عن كليتين ، أي إذا كانت إحدى المقدمتين جزئية فالنتيجة جزئية حا -- (٥) النتيجة الموجبة لا تلزم إلا عن موجبتين ، أي إذا كانت إحدى المقدمتين سالبة بالنتيجة سالبة حتما . وقد جمعت بعد ذلك القاعدتان الأخيرتان في واحدة هي أن النتيجة تتبع أضعف (أو أخس) المقدستين . ة – إذا تأملنا القياس وجدنا أن نتيجته كانت قبـل تركيبه « مطلوباً » أي أنها هي المسألة التي عرضت أولا ( هل المحمول يوافق الموضوع أم لا يوافقه ؟ ) ثم ركب القياس حلها . وإنما ركب بالأوسط فلا بد من منهج لاستكشاف هذا الأوسط . والمنهج أن يوضع ثبتان واحد لكل الموضوعات الممكنة للأكبر ( المحمول ) وآخر لكل المحمولات الممكنة للأصغر ( الموضوع ) دون الذهاب إلى أبعد من الجنس القريب ، فالحد الأوسط يوجد بالضرورة في الجزء المشترك بين الثيتين . وبعبارة أخرى توجد أشياء هي دائماً موضوعات ولا تكون غير ذلك كالجواهر ، وأخرى هي دائماً محمولات كالأجناس العالية ، وطائفة ثالثة قد تكون موضوعات وقد تكون محمولات كالأنواع ، ولما كان الأوسط يجب أن يكون موضوعاً ومحمولاً فإن البحث عنه يجب أن يتجه إلى النوع أي يجب . البحث عن حد مشترك بين موضوع النتيجة ومحمولها في كل ما يمكن إيجابه لأحدهما وفي كل ما يمكن أن يوجب له الآخر أو – إن كانت النتيجة سالبة - في كل ما يمكن سلبه عن الواحد أو عن الآخر . فليكن هذا المطلوب : هل سقراط مانت ؟ الإنسان واحد من المحمولات التي يمكن إسنادها لسقراط وواحد من D 171 الموضوعات التي يمكن أن يسند إليها مائت فيمكن أن يقوم حدا أوسط بين ، سقراط ومائت . فاستكشاف الحد الأوسط يقتضي إيمان الفكر والنفاذ إلى الماهيات ، وإذن فليس القياس قاصراً على أنه عرض البرهان ولكنه أيضاً آل للاستكشاف ولإقامة البرهان ؛ فإن محاولة تركيب القياس شيء وتركيبه بالفعل شيء آخر وهذا مالم ينتبه إليه نقاد القياس للتقدمون والمتأخرون . فإن قالوا إن الاستكشاف العلمى سابق على تركيب القياس فالقياس فعل لاحق عقيم ، أجبنا أن الرائد في الاستكشاف إنما هي طبيعة القياس القائمة على حد أوسط متعلق بالماهية ، فالقياس علة غائية ، ومعلوم أن الغاية تتصور أولا وتحقق في النهاية . بعد تعريف القياس وتحليله يقارن أرسطو بين القياس والقسمة الأفلاطونية (33 ج) فيقول إن هذه القسمة قياس ضعيف أو عاجز لأنها خلو من حد أوسط ، فهي تقول مثلاً : الكائنات إما حية و إما غير حية ، فلنض فلنضع الإنسان في الحية ؛ والحيوانات إما أرضية و إما مائية ، فلنضع الإنسان في الأرضية وهكذا حتى تحصى جميع خصائص الإنسان ، ولكنها لا تبين علة إضافة خاصـة دون الخاصة المقابلة و إنما تضعها وضماً . فما لا نجده عند أفلاطون هي فكرة أن الاستدلال إقامة البرهان على أن المحمول يوافق الموضوع ، وهذا لا يتحقق في القسمة ، بل إن القسمة مصادرة على المطلوب الأول في جميع مراحلها . ---- فإن صح أن القسمة الأفلاطونية هي التي أدت بأرسطو إلى القياس فإن الفرق بعيد بين الطريقتين . . و ---- ومسائل المقالة الثانية قياس الدور في الأشكال الثلاثة ، وقياس الخلف فيها ، والفرق بين البرهان المستقيم و برهان الخاف ، ورد كل منهما الآخر في كل من الأشكال الثلاثة ، والأقيسة الفاسدة وأهمها المصادرة على المطلوب الأول ، ثم لواحق القياس وأهمها الاستقراء والتمثيل . وقد كثر الكلام في الاستقراء الأرسطوطالي لأن صاحبه يشترط فيه ذكر الجزئيات جميعاً فقال النقاد إن الفيلسوف لم يفهم الاستقراء على حقيقته ولم يفطن إلى إمكان إقامته على جزئيات معدودة بله على جزئى واحد و إلى أن الجزئيات لا تقع حمر . هذا اتهام باطل لا يحتمل أنه يجوز على واضع المنطق والفلسفة الأولى والعلم الطبيعي . وإنما ساق أرسطو عبارته هذه في واحد من الكتب التي تبحث في المنطق الصوري ، فلم ينظر فيه لغير صورة الاستقراء ودل على الشرط الذي يمكن بموجبه عد الاستقراء بين الأقيسة وهو إمكان عكس الصغرى عكساً مستوياً ، ولا مشاحة في أن الانتقال من الجزئيات إلى الكلى يقتضي الجزئيات جميعاً ليكون صحيحاً من الموجهة الصورية وإلا كان التالي أعم من المقدم و بأن الاستقراء سفسطة . ولكن أرسطو لم يقل إن هذا الشرط يمكن تحقيقه ، ونفس المثال الذي يورده دلیل على ذلك إذ أن الجزئيات فيه غير تامة وأرسطو يعلم ذلك : « الإنسان والفرس والثور طويل العمر والإنسان والفرس والثور قليل المرارة -- إذن فكل حيوان قليل المرارة فهو طويل العمر » ، وحتى لو تحقق الشرط لما عده أرسطر كافيا إذ أن العلم عنده لا يؤلف من حقائق واقعة بل من حقائق ضرورية ولأرسطو في هذه النقطة "كلام ليس أصرح ولا أقوى منه قاله في التحليلات الثانية وهو الكتاب الذي يبحث في البرهان والعلم اليقينى قال : « إن من يبين ببرهان واحد ( تذكر فيه الجزئيات ) أو ببراهين عدة ( كل منهـا خاص يجزئى ) أن كلا من المثلث متساوي الأضلاع وغير متساويها ومتساوى الضامين مجموع زواياه يساوى قائمتين فليس يحصل له العلم بأن نفس المثلث تساوى زواياه قائمتين اللهم إلا على وجه سوفسطائي ( أي جدل قائم على أن هذه الثلاثة هي جميع المثلثات ) وليس يحصل له العلم بالمثلث الكلى ولو لم يكن هناك مثلث غير ما ذكر ، ذلك أنه لا يعلم من أجل المثلث ، ولا كل مثلث إلامن حيث العدد ، t ..... المثلثات وجميع أما من حيث الصورة ( الماهية ) فليس يعلم كل مثاث ولو لم يوجـد مثاث إلا وهو يعرفه . وإنما يعلم علماً كليا متى قام عنده أن ماهية المثلث واخدة بحيث إن وضع المثلث ورفعت المثلثات وافقه المحمول » . إذن فالما معرفة الماهية ، لا يؤدى إليه الاستقراء مهما يبلغ عدد الجزئيات إلا إذا أدركت العلاقة الضرورية بين المحمول والموضوع في نتيجته ، فإن لم تدرك بقى الاستقراء علاناتها يحفز العقل إلى طلب علة الطراد المحمول الموضوع . فكيف يمكن القول مع القائلين إن القياس قلب صناعي للاستقراء بوضع الخاصة التي بينها نتيجة الاستقراء موضع الوسط والعلة ، وأن العلم الضروري عند أرسطو ما هو إلا صورة مجردة النظام الطبيعي المستخلص من التجربة ؟ هؤلاء القائلون ينسون أو يتناسون معنى « إدراك الماهية ، ولقد ميز أرسطو بين الاستقراء والقياس تمييزا تاما قال(٢) : الاستقراء أبين من القياس بالإضافة إلينا لأنه يبدأ من الجزئيات ، أما القياس فأبين بالذات لأنه يبدأ من الكليات فيبين علة النتيجة مخلاف الاستقراء الذي يضع النتيجة من أجل ما شوهد في الجزئيات ، والحمد الأوسط فيه أوسط من حيث الشكل فقط لأن الاستقراء يضيف الأكبر للأوسط بالأصغر كما يتبين من المثال المذكور آنفا ، ولا يختلف الأوسط عن الأصغر من حيث الماصدق لأنه مكتسب بوضع حد كلى في موضع الجزئيات وهذا الوضع هو نفس الاستقراء . ز -.. ولا يذكر أرسطو القضية الإضافية التي بين موضوعها ومحمولها نسبة إضافة مثل به أكبر من حد أوب إلى عين حد وما أشبه ، ولا بد أن يكون السبب في هذا الإغفال أن تعريف القضية عنده عام يشمل كل نسبة بين موضوع (1) التحليلات الثانية م ا ف ه . (۲) التحليلات الأول، م ۲ ف ٢٣ وهو الناس بالاستقراء . (1) ومحمول ، لا أنه جهل هـذا النوع من القضايا الكثير الاستعمال في الرياضيات وأرسطو ياحظ الرياضيات في منطقه ويأخذ منها بعض مصطلحاته المنطقية مثل الحد والشكل ، ويمثل لكل واحد من أشكال القياس بشكل هندسی خاص الخطوط فيه تمثل القضايا والنقط تمثل الحدود . كذلك لم يذكر القضية الشرطية بنوعيها متصلة ومنفصلة لأنهما تنحلان إلى حمليتين . وأهمل الأقيسة القابلة لهذه القضايا لأن القياس الإضافي لا يخرج عن تعريف القياس بالإجمال ولأن القياس الاستثنائي يرد إلى قياس اقتراني بتحويل القضية الشرطية إلى قياس إضماري مثل قولنا « إذا كان الله ثابتاً فهو فعل محض » ( شرطية متصلة ) فإنه يرجع إلى د الله ثابت فهو فعل محض ، ثم بالتصريح بالقضية الكبرى المطوية في هـذا القياس يخرج لنا « كل ما هو ثابت فهو فعل محض والله ثابت إذن فالله فعل محض » – ومثل قولنا « العدد إما فرد و إما زوج » ( شرطية منفصلة ) فقد يرد إلى السابق « إذا لم يكن المدد فردا فهو زوج ، أو إلى حملية مباشرة وكل ما ليس فردا فهو زوج » - a اه سس التحليلات الثانية : M مقدماته | --- تقع في مقالتين كالأولى : الواحدة تدوز على ماهية العلم وشرائط وخصائص البرهان بما هو برهان أي من حيث إبانته عن علة حصول المحمول للموضوع . وتدور الثانية على خصائص البرهان من حيث هو وسيلة لحد الحمولات وعلى المطالب العلمية أي الأسئلة التي تقع في العلوم وعلى الحد وعلاقته بالبرهان . -- يبدأ أرسطو بالبحث في أساس العلم فيقول : إن كل علم وكل تعلم إنما يستند إلى علم سابق ، لكن لا يتسلسل العلم إلى غير نهاية فلا يتم أبدا ، ولا يتوقف بعضه على بعض فنقع في دور . وللقول بالتسلسل والدور مصدر واحد هو
- 140
مقدمات توهم البرهان الوسيلة الوحيدة للمعرفة ، ولكن هناك مقدمات أولية لا تفتقر إلى برهان ولا تحتمل البرهان وإنما هي أصول البراهين . ولابرهان تعريف أول ظاهرى بالعلة الغائية هو أنه « قياس منتج للعلم ، والقياس مأخوذ هنا بمعناه المحدود من حيث هو قسيم الاستقراء ، وافظ العلم يعنى معرفة العلة وهى معرفة ثابتة ضرورية بينها الإحساس والظن يقعان على الحادث وللممكن ، وقد يقع العلم والظن في شخصين على موضوع واحد بعينه فلا ينتفى التمييز بينهما لأن موقف كل شخص من هذا الموضوع غير موقف الآخر ، فالشخصان يستطيعان أن يحكما بأن الإنسان حيوان لكن أحدها يعتبر الحيوان من ماهية الإنسان و يعتبره الآخر محمولأحاصلا بالفعل ، والفرق ظاهر بين هذين النوعين من المعرفة . - والبرهان . تعريف ثان جوهرى بالعناصر المؤلفة له هو أنه « القياس المنتظم من صادقة أولية سابقة في العلم على النتيجة وأبين منها وعلة لزومها » . ولما كانت القدمات تتضمن الموضوع والمحمول ، كانت عناصر البرهان الموضوع والمحمول والمقدمتين ، ووجب أن يسلم قبل البرهان أن الموضوع موجود وما هو وما المحمول أو ما يعنى اسمه وأن المقدمتين صادقتان و إلا لم ينتج برهان . والصدق هنا يقتضى أن تكون النسبة بين الموضوع والمحمول نسبة ذاتية أي جوهرية تمير المقدمة أولية ، و إلا افتقرت إلى برهان ولم تصلح أساساً يستند إليه . - ومقدمات البرهان ثلاثة أقسام : الأول مقدمات أوليـة بالإطلاق وتسمى « علوماً متعارفة ، مثل مبادئ عـدم التناقض والثالث المرفوع والعلية وهي لا تدخل عادة في القياس بل يتمشى القياس بموجبها دون ذكرها أي أنها مقدمات بالقوة لا بالعمل ، وهي ليست غريزية في العقل لكن العقل يكتسبها ا ل بالحدس فتبدو كالغريزية . والقسم الثاني مقدمات تسمى « أصولاً موضوعة » ليست أولية ولكن المتعلم يسلمها عن طيب نفس , والقسم الثالث مقدمات تسمى « مصادرات » يطلب إلى المتعلم تسليمها فيسلمها مع عناد في نفسه ويصبر عليها إلى أن تتبين له في علم آخر . – فيها تكون القدمات أولية و يستدل على الملول بالعلة يسمى البرهان « برهان ( 1 يفيد علة حصول النتيجة ويحاكي نظام الموجود حيث العلة سابقة على المعلول وهو البرهان بالمعنى الصحيح والعلم الأكمل . وهناك برهان آخر يسمى « برهان إن » وهو الذي مقدماته تقتفى البرهنة أو الذي يستدل على العلة بالمسلول وهو برهان بالمعنى الواسع لأنه يترك لعقل مجالاً للتساؤل ، كبرهان الطبيب الذي يستند إلى نتائج الرياضيات فيقول إن الجروح المستديرة أبطأ اندمالاً من سواها ، وكبراهين علوم المناظر والموسيقى والفلك التي تتقبل مبادئها من الرياضيات تقبلا . .. وفي هذا القدر كفاية بعد الذي ذكرناه عن القياس وليس لنا كلام خاص في باقي مسائل الكتاب وهي مبسوطة في كتب المنطق @ -- ١٦٦ -
٥٢ - الجدل : ا - كان أفلاطون قد رفع الجدل إلى مقام العلم والمنهج العلمى (۱۳۱) ولكن أرسطو عاد به إلى معناه التعارف فحده بأنه « الاستدلال بالإيجاب أو بالسلب في مسألة واحدة بالذات ، مع تحاشي الوقوع في التناقض ، والدفاع عن النتيجة للوجبة أو السالبة » ، وليس يمكن ذلك بالاستناد إلى حقائق الأشياء لأن المقدمات الصادقة لا تنتج النقيضين في آن واحد ، فلا يدور الجدل إلا مقدمات محتملة أي آراء متواترة أو مقبولة عند العامة أو عند العلماء ، فالقياس الجدلى يتفق مع البرهاني في أنه استدلال صحيح و يختلف عنه في أن مقدماته محتملة . ولا يتفق مع السوفسطائي في شيء ، لأن هذا يستند إلى قضايا مموهة والاستدلال فيه قد يكون صحيحاً أو فاسدا . وإذن فليس الجدل علماً أو منهج العلم كما أراد أفلاطون ولكنه الاستدلال على وجه الاحتمال ، وهو يستعمل في الخطابة بنوع خاص . والجدل فوائد منها أنه رياضة عقلية ، وأنه منهج يستطيع العالم والجاهل أن يمتحن بموجبه مدعى العلم . بل إن له فائدة علمية هي أنه . يساعد على كشف المبادئ الأولية في علم من العلوم ببحث الآراء العامة وآراء العلماء في موضوع ذلك العلم ؛ فإن العلوم الجزئية لا تبرهن بنفسها على مبادئها الخاصة ؛ فامتحان الآراء يعين العقل على الاقتراب من المبادئ ووضع المسائل . وقد كان أرسطو القدوة في هذا المنهج علماً وعملاً ، ففي كل علم وكل مسألة سرد أقوال المتقدمين ومحصها ومهد بذلك لدراسة المسألة في ذاتها بحيث يمكن أن يستخرج من كتبه تاريخ الفلسفة والعلم والفن . . ولما كان الجدل قياساً واستقراء لإضافة محمول إلى موضوع فيلزم النظر في هذه الإضافة وتعيين أنواعها والكلام في كل نوع . فالمحمول إما أن يكون مساوياً الموضوع في الماصدق وإما أن لا يكون : فإن كان مساوياً ( أي يتنكس ) فإما أن يكون ماهية الموضوع وهو إذن حده و إما أن لا يكونها وهو إذن خاصة . و إن لم يكن مساوياً فإما أن يكون جزءا من الحـد وهو إذن جنس الموضوع أو فصله النوعي و إما أن لا يكون جزءا من الحد وهو إذن عرض ، فكل موضوع يوصف من هذه الوجهات تحصل لنا به معرفة ، وكل مقدمة وكل ...ألة ترجع إلى واحدة من هذه الوجهات لأن المحمول لا يخلو أن يكون إما جنساً أو خاصة أو فعلاً أو عرضاً ، فهذه الوجهات في المواضع التي تستمد منها القضايا الجدلية على هذا الترتيب في القياس والاستقراء . وهذا موضوع هنا أتى اسمه فإن « طو بيقا » من « طوبوي » أي الأمكنة التي الكتاب ومن تؤخذ منها الاستدلالات الخطابية . وتجد في كتاب النجاة لابن سينا تلخيصاً HA - ١٦٧ --- - المقالات السبع في الفصل المعنون « في بيان وجوه الغلط في الأقوال الشارحة : أما المقالة الثامنة والأخيرة فتدور على ترتيب الجدل أي على قواعد السؤال والجواب ۱۹۸ . 5 . ( -- هذا تعيين الكليات وتصنيفها عند أرسطو وقد تناولها فورفوريوس وجعلها موضوعاً لكتاب خاص أسماء و المدخل إلى مقولات أرسطو » ( إيساغوجي = المدخل ) فانقسم الكلام في التصور الساذج إلى قسمين : الكليات والمقولات ، وإنما وضعت الكليات أولا لأنها ذهنية صرفة وألصق بالمنطق . أما المقولات فذهنية من حيث هي أقسام تندرج تحتها الموضوعات والمحمولات ، وحقيقية من حيث هي أقسام تترتب فيها الأشياء أنفسها . ثم إن البحث في الكليات مفيد بل ضروري للحد والقسمة ، وهما مستعملان في كتاب المقولات . غير أن الكليات عنـد أرسطو أربعـة زاد عليها فورفوريوس كليا خامسا هو النوع ولم يكن أرسطو يعتبره واحدا من الكليات و إنما كان يعتبره الموضوع نفسه من حيث أن الأحكام العلمية صادرة على الأنواع لا على الأفراد والنوع لا يضاف إلا للفرد مثل قولنا سقراط إنسان . 53 - الأغاليط : ا... كتاب الأغاليط أو تفنيد الحجج السوفسطائية في مقالتين : ن : تبدأ الأولى بتعريف الغلط أو السفسطة بأنهـا قياس في الظاهر فقط لا في الحقيقة ، وتستطرد إلى بيان العلاقة هذا الكتاب وسائر الكتب المنطقية ، وأن « أفعال بين السوفسطائية إما في القياس المطلوب به إنتاج شيء ، وإما في أشياء خارجة عن القياس » . فالمغالطات في القياس « إما أن تقع في اللفظ أو في المعنى أو في صورة القياس أو في مادته ، وإما أن تكون غلطا أو مغالطة » . والأشياء الخارجة عن --- t 179 القياس « مثل تخجيل الخصم وترديل أقر الله والاستهزاء به وقطع كلامه والإغراب عليه في اللغة واستعمال ما لا مدخل له في المطلوب وما يجرى مجرى ذلك » والمقالة الثانية في حل هذه الإشكالات . عالية با سن و يقول أرسطو في الفصل الأخير من الكتاب إن العلم أو الفن يوضع شيئا فشيئا بأن يزيد المتأخرون على ما يخلفه المتقدمون وأنه هو قد سبق إلى فنون كثيرة فتلقى البيان مثلاً عن الأقدمين وأكمله ، أما القياس والبرهان والجدل والسفسطة فلم يسبقه إليها أحد . نعم إن السوفسطائيين وأمامهم غورغياس كانوا يعلمون المحاجة ، ولكنهم كانوا يقتصرون على تلقين تلاميذهم بعض حجج وتدريبهم على تركيب بعض المغالطات بطريقة تجريبية ما هو أدخل في علم البيان . أما الفن نفسه بما له من موضوع محدد ومبادئ ونتائج فقد استكشفه من عند نفسه في زمن طويل . – انتهى كلامه -- والحق أن من يقابل بين ما عرفته المدارس السابقة من المنطق وما ورد في أفلاطون وقد آلت إليه الفلسفة اليونانية من أبحاث متفرقة ضعيفة في الحد والقسمة والاستقراء ، وبين كتب أرسطو الغنية العميقة ليدهش من عظم الفرق و يوقن أن القياس بمبادئه وأشكاله وقواعده ، وأن البرهان بأصوله وأنواعه وشروطه ، وأن الاستقراء بماهيته ومكانه من العلم ، أمور جديدة في تاريخ الفكر أصبحت من يوم وجدت جزءا من الفاسفة لا يتجزأ . و إذا كان العلم الكامل هو علم الذي يعلم أنه يعلم أي الذي يبرهن على علمه و يدفع عنه الشبه والاعتراضات وهو على بينة من أمره ، فإن أرسطو بوضعه المنطق قد يسر الناس مثل هذا العلم و بصر العقل بنفسه وأبلغه رشده . (۱) ابن سينا : النجاة ص ١٤١ - ١٤٨ .
- ↑ ويسمى أيضاً في الكتب العربية بالتعليمي ؛ لأن اللفظ اليوناني الدال على الرياضيات Mathématiké يدل أيضاً على التعليم.